ماذا حققت الترتيبات الحدودية المرنة بين السعودية والكويت؟

ماذا حققت الترتيبات الحدودية المرنة بين السعودية والكويت؟


01/08/2021

قالت دراسة نشرها مركز كارنيغي للشرق الأوسط الأسبوع الماضي، تحت عنوان "الحدود الكويتية-السعودية: المرونة ركيزة للاستقرار"، إنّ دولة الكويت والمملكة العربية السعودية تتبعان مقاربة حدودية فريدة ومرِنة قوامها حدود جغرافية ثابتة وحدود اقتصادية مفتوحة، ما يسمح للبلدَين بحل النزاعات الحدودية، مثل الخلاف النفطي الذي نشب بين 2009 و2019. ولا شكّ، بحسب الدراسة، في أنّ تكثيف الجهود في هذا الصدد سيؤدّي إلى توطيد العلاقات الكويتية-السعودية بصورة أكبر.

ويقول كاتب الدراسة بدر السيف، وهو زميل غير مقيم في مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، إنّ الكويت والسعودية توصّلتا إلى سياسات مرِنة في المنطقة المقسومة على طول حدودهما، استنادًا إلى حدود جغرافية ثابتة وحدود اقتصادية متحرّكة. وقد نجحت هذه المرونة في تحقيق الإدارة المشتركة للمواد الهيدروكربونية وتقاسُم أرباحها مناصفة، وحالت إلى حدٍّ كبير دون وقوع نزاعات، باعتبارها قائمة على الالتباس البنّاء وتجنّب المواجهة المباشرة. ويضيف: صحيحٌ أنّ هذه المقاربة لا تخلو من التحدّيات، بيد أنها أثبتت نجاعتها في مرحلة 2009-2019 عندما تمكّن الجانبان من تسوية خلاف كبير حول المنطقة المقسومة.

ديناميكيات متغيرة

وينوّه السيف إلى أنه لم يكن للحدود الثابتة وجود في شبه الجزيرة العربية في مطلع القرن العشرين، بل كانت الحدود فيها مفتوحة وخاضعة للسياسات الإمبريالية العثمانية والبريطانية، وللديناميكيات المتغيّرة على صعيد النفوذ المحلي، وللولاءات القبلية المتحولة. ويلفت الباحث النظر إلى أنّ ثمة أربع اتفاقيات حدّدت حدود الكويت الجنوبية بين العامَين 1913 و2000. ومن النتائج الأساسية التي ترتبت عن إحدى هذه الاتفاقيات في العام 1965 إنشاء المنطقة المقسومة بين الكويت والسعودية في ما كان يُعرَف بالمنطقة المحايدة. وبين العامَين 2009 و2019، أدّى خلافٌ بين الكويت والسعودية بشأن المنطقة المقسومة إلى توقّف إنتاج المواد الهيدروكربونية هناك اعتبارًا من العام 2014، إلى حين التوصل إلى الترتيبات الحدودية المرنة التي أتاحت تحقيق اختراق في حل الأزمة.

ثلاثة عوامل

ويبيّن الباحث بأنه مع أنّ الجانبين توصّلا إلى حل الخلاف بشأن السيادة في المنطقة المقسومة، فقد تطرأ مشاكل عدة متعلقة بالإدارة المشتركة للمواد الهيدروكربونية، ما سيتطلب معالجة مسائل عدة.

 

بدر سيف: الكويت والسعودية توصّلتا إلى سياسات مرِنة في المنطقة المقسومة على طول حدودهما، استناداً إلى حدود جغرافية ثابتة وحدود اقتصادية متحرّكة

 

ويذكر الباحث أنّ هناك ثلاثة عوامل ساهمت في تسريع عجلة مفاوضات العام 2019 بعد توقّف دام نحو خمس سنوات في عمليات إنتاج النفط في المنطقة المقسومة، ما أتاح للدولتَين تجنّب اللجوء إلى محكمة العدل الدولية.

أولًا، حدثَ تغيير في القيادة السعودية، مع تسلُّم الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود سدّة العرش في كانون الثاني (يناير) 2015 وقيامه لاحقاً بتعيين نجله محمد بن سلمان ولياً للعهد في العام 2017. فأسلوبهما الحازم في القيادة واعتمادهما نهجاً مركزياً صفي الحكم مكّناهما من اتخاذ قرارات سريعة، وهذا ما حدث حين تدخّل ولي العهد في المرحلة الأخيرة من المفاوضات لإتمام الاتفاق مع الكويت.

ثانياً، نظّمت الكويت نفسها على نحوٍ أفضل وتخلّت عن المقاربة اللامركزية التي اعتمدتها سابقاً في معالجة المسألة. فبدلًا من اعتماد فريقَين تفاوضيين منفصلين، من وزارة الخارجية ومن المؤسسة النفطية بما فيها وزارة النفط، عمدت الحكومة الكويتية إلى تظافر الجهود وتعاملت بصورة متزامنة مع مسألتَي السيادة وإدارة الموارد، ما ساهم في ترشيد المفاوضات وأفسح المجال أمام التنسيق بين الوزارات. حتى إن أمير الكويت الراحل صباح الأحمد طلب من رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم المعروف بفصاحته الانضمام إلى هذه الجهود. وقد سلّط ذلك الضوء على الأهمية التي تعلّقها الكويت على إيجاد حل للمشكلة، وكذلك على حرصها على التوصل إلى تفاهم مع السعودية بشأن المسائل الحدودية الشائكة.

السبب الثالث هو أنّ السوق النفطية العالمية كانت بحاجة إلى إنتاج إضافي من الدول المصدرة للنفط من أجل التعويض عن تراجع الإنتاج الإيراني بسبب العقوبات الأمريكية. وبما أن المنطقة المقسومة كانت تنتج 500,000  برميل في اليوم إضافةً إلى قدرتها الاحتياطية البالغة 5 مليارات برميل، فقد أثّر تعثُّر الإنتاج في استقرار الأسواق النفطية والاقتصاد العالمي. وقد أجرت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مباحثات مع المسؤولين السعوديين والكويتيين لتسوية الخلافات بين الدولتَين واستئناف الإنتاج. إضافةً إلى ذلك، لو استمر التوقّف عن الإنتاج في الحقول النفطية فترةً أطول، لأثّر ذلك سلباً في سرعة استئناف مستويات الإنتاج الطبيعية.

 

دراسة: المرونة التي تُوجّه العلاقات الكويتية-السعودية والترتيبات الحدودية تتّسم بطابع مبتكر، وقد نجحت مراراً في نزع فتيل الخلافات

 

 ويخلص الباحث في دراسته إلى أنّ العلاقات الكويتية-السعودية تُعتبر وطيدة، واحتمال نشوب نزاع بين الدولتَين ضئيل. ويؤكد أن المرونة التي تُوجّه العلاقات الكويتية-السعودية والترتيبات الحدودية تتّسم بطابع مبتكر، وقد نجحت مراراً في نزع فتيل الخلافات، وهي، برأيه، جديرة بأن تُصبح نموذجاً يُحتذى به لتسوية الخلافات في أماكن أخرى.

الضمانات ومعالجة المسائل العالقة

وبحسب الباحث بدر السيف، قد يسهم تقديم ضمانات ووضع جداول زمنية محدَّدة على نحوٍ أفضل لحلّ أي مسائل خلافية في تعزيز النموذج المرِن وتسريع آليات تسوية النزاعات. وينبّه الباحث إلى أنه ينبغي أن تحرص الدولتان على احترام وتعزيز آلية التعويض المدرَجة في مذكرة التفاهم للعام 2019 والتي ساعدت على تسوية الخلاف بينهما حول المنطقة المقسومة، كما يشير إلى أهمية أن تفكّر الكويت والسعودية بطريقة استبقائية في المقاربة التي تنويان اعتمادها لإدارة مواردهما الهيدروكربونية المشتركة في المنطقة المقسومة بعد انتهاء العمل بالامتياز النفطي الذي منحته السعودية لشركة "شيفرون العربية السعودية"، والذي تسبب تجديده في العام 2009 بنشوب خلاف استمر حتى العام 2019.

ووفق الدراسة، يتعيّن على الكويت والسعودية معالجة مسائل عالقة أخرى، منها هجرة النفط، والقضايا البيئية، والتنقيب البحري، على نحوٍ يأخذ في الاعتبار الحدود البحرية الكويتية والسعودية مع إيران، والتي لا تزال أجزاء منها بحاجة إلى ترسيم.

كما تلفت الدراسة النظر إلى ضرورة أن تقوم الكويت والسعودية بإنشاء فرق عمل ثنائية لمعالجة المسائل العالقة وتجنّب حدوث سوء تفاهم؛ وتذكر أنه يجب أن تتشكّل هذه الفرق من كوادر شابة وأن تتعزّز قدراتها من أجل ضمان الحفاظ على روحية التسوية، وعلى المقاربة الحدودية المرِنة في المستقبل.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية