مؤشرات انفجار اجتماعي: هل تونس على موعد مع ثورة جديدة؟

مؤشرات انفجار اجتماعي: هل تونس على موعد مع ثورة جديدة؟


20/09/2020

من جديد، عادت التحركات الاحتجاجية في تونس إلى الواجهة، لتربك الوضع الاجتماعي بالبلاد، وتسلّط الضوء على مطالب لم تبارح مكانها منذ 10 أعوام مضت على اندلاع ثورة "الحرية والكرامة"، انتفض خلالها شباب للمطالبة بالتشغيل والتنمية، وتطبيق بنود اتفاقيات مبرمة سابقاً مع الأطراف الحكومية التي ما تلبث أن تستقر حتى تتغيّر.

وتيرة الاحتجاجات شهدت في الفترة الأخيرة تصاعداً لافتاً في عددٍ من محافظات تونس، وشملت قطاعاتٍ واسعة، من بينها الصحة، وناقلي الفوسفات، وعمال الحظائر، وعمال البترول، والعاطلين عن العمل، ما دعا مراقبي الشأن التونسي إلى التحذير من إمكانية حدوث "انفجار اجتماعي" في البلاد.

منسقة المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، نجلاء عرفة لـ "حفريات": أغلب المطالب الشعبية يتعلّق بخلفية اجتماعية؛ إذ تمثّل 43% من مجموع المطالب فيما تمثّل المطالب الاقتصادية 28%

وفي تقرير حديثٍ يرصد الاحتجاجات في كامل محافظات البلاد، أكّد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة غير حكومية)، أنّ عدد الاحتجاجات، خلال شهر آب (أغسطس) الماضي، بلغ 397 تحركاً احتجاجا؛ أي بمعدّل 12 احتجاجاً في اليوم.

وبحسب المنظمة نفسها؛ فإنّ العاطلين عن العمل يمثّلون الفاعل الأساسي في الاحتجاجات، بنسبة بلغت 45%، يليهم أصحاب الشهادات العليا بـ 20%، ثم العمال بـ 17%، فيما يتوزع المحتجون الباقون على الأهالي والفلاحين وعمال الحضائر.

عادت التحركات الاحتجاجية في تونس إلى الواجهة

وفي تونس، التي التزمت بأكثر من إمكانياتها، لم تفلح أيّ من الحكومات الـ 12 التي تعاقبت على البلاد بعد الثورة، على اختلاف طبيعتها ومكوناتها وبرامجها، في إطفاء لهيب الاحتجاجات التي تزداد وتيرتها بشكل سنوي، بسبب مطالب تتعلّق في مجملها بالتشغيل والتنمية شعارها الأساسي.

العطش والبطالة محركان أساسيان للاحتجاج

وحول أسباب التحركات الاحتجاجية التي عاشتها تونس مؤخراً، قالت منسقة المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، نجلاء عرفة، في تصريحها لـ "حفريات": إنّ "أغلب المطالب ذات الخلفية الاجتماعية، إذ تمثّل 43% من مجموع المطالب، فيما تمثل المطالب الاقتصادية 28%".

وأضافت؛ "تحوّل العطش خلال الأشهر الأخيرة إلى محرك أساسي للاحتجاج، ما دفع الأهالي إلى غلق الطرقات كشكل من أشكال التعبير عن رفضهم لاستمرار المعاناة"، مشيرةً إلى أنّ غياب المياه أو انقطاعها، سواء الصالحة للشرب أو مياه الريّ، أصبحت مشكلة سنوية وشاملة، بعد أن كانت موسمية تهم جهات معينة ويرتبط حدوثها بحلول فصل الصيف.

اقرأ أيضاً: تونس.. النهضة والقرضاوي و"الدور المشبوه" لتخريب التعليم

ولفتت عرفة إلى أنّ "الحكومات السابقة التي حكمت خلال الأعوام المنقضية كانت تعلل انقطاع المياه بالجفاف، لكن خلال العامين الماضيَين امتلأت السدود ومع ذلك تواصلت أزمة العطش؛ ما يدلّ على أنّ الإشكال لا يرتبط بوفرة المياه، إنما بسوء التصرف فيها".

وقد سجّلت معدلات البطالة ارتفاعاً إلى حدود 18%، خلال الربع الثاني من العام الجاري، وفق بيانات المعهد التونسي للإحصاء (حكومي)، وبحسب البيانات، سجّل اقتصاد البلاد انكماشاً بنسبة 21.6%، خلال الفترة نفسها.

وكان الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية بالبلاد) قد أكّد أنّه خلال فترة الحجر الصحي فقد ما يزيد عن 600 ألف عامل وظائفهم، بسبب أزمة كورونا، وأنّ معظمهم ينتمون إلى فئة العمال غير المتعاقدين وأصحاب الدخل بالأجرة اليومية، على غرار صغار الفلاحين والتجار والعاملين في القطاع السياحي، ممن توقفت أشغالهم بسبب غلق النزل والفنادق والمطاعم والمقاهي.

جغرافيا التحركات الاجتماعية

وتتوزّع التحركات الاجتماعية في تونس، بحسب الإحصائيات المتواترة الصادرة عن مختلف المنظمات المهتمة بالحركات الاجتماعية، إلى ثلاث مناطق رئيسة، في مقدمتها منطقة الوسط الغربي، التي تشمل كلّ من محافظات القصرين والقيروان وسيدي بوزيد (كلّها محافظات داخليّة)، وهي التي تعتبر مهد انتفاضة 2010 ــ 2011، وقد قدّمت هذه أكبر عددٍ من الشهداء والجرحى؛ إذ تتجاوز نسبة الفقر فيها 40%، وتناهز نسب البطالة 20%.

وهناك منطقة الجنوب الغربي، التي تشمل كلّاً من محافظات قفصة وقبلي وتوزر، حيث تتراوح نسب الفقر بين 30 و40%، فيما يتجاوز معدل نسب البطالة 25%.

خبير: من المتوقّع تفاقم المشاكل الاجتماعية، وارتفاع التحركات الاحتجاجية في ظلّ الانهيار الاقتصادي، والتأثير السلبي لجائحة كورونا، فضلاً عن غياب الرؤية الواضحة للحكومات المتعاقبة لحلّ الملفات الاجتماعية

إلى جانب أرياف المدن الكبرى وضواحيها، والتي تشمل محافظات تونس العاصمة وصفاقس وسوسة، وهي المدن الأوفر حظاً، والتي ميّزها النظامان السابقان إيجابياً على امتداد عقودٍ، ما جعلها الوجهة الأولى لملايين الفقراء القادمين من المناطق الداخلية، وصنع داخلها أحزمة من الفقر والبؤس.

الأزمة مستمرّة

ومع تزايد مطالب الشباب والعاطلين عن العمل بصفةٍ عامة، خاصة في المحافظات الداخلية المهمّشة، من ذلك: القصرين، سيدي بوزيد، قفصة، سليانة، جندوبة، ومع تزايد تدهور المقدرة الشرائية للمواطن التونسي وضعف الأجور، يحذّر الناطق باسم الحركات الاجتماعية، عبد الحليم حمدي، من انفجار الوضع الاجتماعي، خصوصاً أنّ الحكومة الحالية لم تبدِ رؤيةً واضحةً لمعالجة الملفات الاقتصادية والاجتماعية.

 سجّلت معدلات البطالة ارتفاعاً إلى حدود 18% خلال الربع الثاني من العام الجاري

وقال حمدي، في حديثه لـ "حفريات" إنّ "هذه التحرّكات، المستمرّة منذ بداية العام 2010، تحوّلت مع أزمة كورونا من احتجاجات معهودةٍ، تطالب في مجملها بالتنمية والتشغيل، إلى المطالبة بالماء والغذاء والصحة، وهو مؤشر على تأزم الوضع الاجتماعي وبلوغه مراحل خطيرة.

الناطق باسم الحركات الاجتماعية لفت أيضاً إلى أنّ الحراك، المستمر منذ أعوام، اصطدم بالتغيّر المستمر للحكومات، وبتعطّل التسويات السياسية المرتبطة بالمفاوضات التي تفتحها الحكومات المتغيّرة مع المحتجين، لكنّها تتوقّف في كلّ مرة تتغير فيها الحكومة.

وكان نشطاء المجتمع المدني في تونس قد حذّروا في مناسبات عدة من خطورة الوضع الاجتماعي، وما قد تسفر عنه سياسة اللامبالاة التي تعتمدها السلطات، واصفين الوضع بالقنبلة الموقوتة في وجه الاستهانة بمطالب شريحة واسعة من المواطنين.

اقرأ أيضاً: كيف استثمر الرئيس التونسي شعبيته في "مكافحة الفساد"؟

 كما أكّدوا أنّ الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لن تساهم في معالجة مغايرة للملف الاجتماعي والاقتصادي، وهي ليست إلّا ذرّ رماد في العيون، في الوقت الذي تحاول فيه البلاد النهوض من مخلفات العمليات الإرهابية المتتالية، وما يفرضه ذلك من تحديات أمنية واقتصادية.

ولئن يجمع عدد من الاقتصاديين على أنّ ثورة تونس، التي ولدت من رحم التفاوت الجهوي والبطالة، وشكّلت أولى ثورات الربيع العربي، قد نجحت في رسم مسار سياسي أفضى إلى تعددية حزبية، وتركيز مؤسسات دستورية، وتقدير دولي للتجربة الديمقراطية الوليدة، غير أنّها عجزت عن تحقيق الاستقرار الاجتماعي، والانتقال الاقتصادي من خلال استمرار النموذج التنموي نفسه، مع التخلي عن آليات التخطيط فيه، ممّا عكّر عالم المال والأعمال، واخلّ بتوازن المقدرة الشرائية، وأجّج غضب الشارع التونسي.

الدولة وإمكانياتها المحدودة

سجّل الاقتصاد تونس تراجعاً وانخفاضاً بنسبة غير مسبوقة بلغت 21.6% سالب، باحتساب الانزلاق السنوي (2020)، بحسب تقرير للمعهد الوطني للإحصاء (حكومي)، وكشف مجلس إدارة البنك المركزي التونسي، بالتزامن مع تقديرات صادمة؛ إذ توقع تراجع نسبة النمو إلى حوالي 6.5% سلبي، ما سيتسبّب بانكماش اقتصادي حادّ، مرجحاً أنّ تشهد محرّكات النمو الأساسية انخفاضاً كبيراً في نسق تطورها.

اقرأ أيضاً: ما دلالات عودة الإرهاب إلى تونس من جديد؟

وتستهجن المنظمات النقابية والعاطلون عن العمل المنشور الحكومي الصادر مؤخراً، والقاضي بوقف الانتدابات في العام المقبلة، واتّباع سياسات تقشفية تهمّ العاملين في الوظيفة العمومية والقطاع العام، واعدة بالوقوف في وجه أيّة قرارات تمس حقوقها وحقوق منظوريها.

وتعليقاً على هذه المؤشّرات وعجز إمكانيات الدولة عن استيعاب المطالب الاجتماعية، يرى الخبير الاقتصادي، صادق جبنون، أنّه كان من المتوقّع تفاقم المشاكل الاجتماعية، وارتفاع التحركات الاحتجاجية في ظلّ الانهيار الاقتصادي، والتأثير السلبي لجائحة كورونا، فضلاً عن غياب الرؤية الواضحة للحكومات المتعاقبة لحلّ الملفات الاجتماعية.

وقال جبنون، في تصريحه لـ "حفريات"، إنّ تونس ما تزال متخلّفة على صعيد تكوين المؤسسة وتمويلها، في ظلّ غيابٍ كلّي للحريات الاقتصادية، داعياً إلى ضرورة إطلاق حوارٍ جدّي مع الفئات الاجتماعية الغاضبة وأهاليهم، واعتماد مقاربة جديدة لمعالجة إشكالياتهم، خارج الأطر التقليدية.

اقرأ أيضاً: كيف وصلت السلفية المتشددة إلى تونس؟

من جانبه، حذّر وزير الاقتصاد والمالية التونسي، علي الكعلي، من أنّه لا يمكن للبلاد تحمّل استمرار تسجيل نسبة نمو اقتصادي دون 3%، مشدّداً على أنّ تونس، كبلد نامٍ، لا يمكن أن تتحمل التراجع المتواصل لنسب النمو.

وقال رئيس الحكومة الجديد، هشام المشيشي، في وقت سابق من الشهر الجاري؛ إنّ حكومته ستعمل على استعادة نسب النمو الإيجابية بداية من العام القادم، عبر حزمة إجراءات لفائدة القطاعين الحكومي والخاص سيتمّ إقرارها في قانون المالية لعام 2021.

ووعد المشيشي بإيجاد حلول لأزمة الطاقة في البلاد، وحلّ مشكلات قطاع الفوسفات، عبر الإدماج الاقتصادي والاجتماعي للمحافظات التي تعرف احتجاجات اجتماعية متواصلة، تسبّبت في تعطّل نشاط منشآت الطاقة الحيوية جنوب تونس.

الصفحة الرئيسية