مؤتمر في برلين يدعو لسنّ قوانين لتعقب مصادر تمويل الإخوان

مؤتمر في برلين يدعو لسنّ قوانين لتعقب مصادر تمويل الإخوان


09/10/2021

تبعث مخاطر وتهديدات الإسلام السياسي في الغرب بتحديات جمّة، الأمر الذي يحتاج إلى وضع إستراتيجيات لمواجهة تنامي الخطابات المتشددة والعنصرية، وكذا فهم آليات اشتغال التنظيمات الدينية والمؤسسات المختلفة على الأفراد لاستقطابهم في دوائر العنف؛ إذ إنّ هناك نحو أربعين ألف شخص أوروبي انخرطوا في صفوف التنظيمات الإرهابية، مثل داعش في سوريا والعراق، 800 منهم فقط ألمان، بينما تمثل هذه الكتلة معضلة كبيرة الآن بخصوص عودتهم لبلدانهم.

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون في ألمانيا ـ نفوذ متصاعد وتوسع مقلق
كما أنّ الهجمات التدميرية التي يقوم بها المتشددون في بيئاتهم المحلية أو الخارجية، وتتصل برؤية انتحارية أو تطهيرية تجاه العالم، تكشف ما هو أعمق من مجرد سرديات انعزالية، دينية أو سياسية، بينما تبرز بنية مجتمعية وسياسية صلبة، تظهر على سطحها، فقط، الحوادث الإرهابية الآنية والعرضية، وأنماط الموت الاستعراضي، والضحايا.
هزائم الإسلام السياسي 
وفي ظلّ التحولات الجيوسياسية التي شهدتها المنطقة والعالم، خلال العقد الأخير، وتأثيراتها على المصالح الغربية، أمنياً وإقليمياً، تبدو ثمّة تحركات عديدة لمواجهة قوى الإسلام السياسي، لا سيما أنّ الأخيرة رغم متوالية الفشل التي تكبدتها إثر وصولها للحكم، مؤخراً، ما تزال تعمل على تجسير علاقتها بأطراف إقليمية، وجماعات ضغط في أوروبا، لجهة تحقيق أدوارها الوظيفية والبراغماتية.

إلى ذلك، دشّن سياسيون ودبلوماسيون وباحثون، في ألمانيا، مؤتمراً، على مدار الأسبوع الماضي، تركزت جلساته حول طبيعة الدور الذي يؤديه تنظيم الإخوان، وتعرية نشاطهم، الخفي والمعلن، إضافة إلى تغولهم في المؤسسات والمنظمات الأوروبية بوسائل ناعمة من خلال العمل التنموي والثقافي والمدني.
المؤتمر الذي نظمته مؤسسة ليفانت اللندنية وبالتعاون مع المعهد الدبلوماسي الألماني، قدم رؤية شمولية تخص تنظيمات وقوى الإسلام السياسي، وعمد إلى الحفر التاريخي أسفل نشاط الإخوان والتيار السلفي بأوروبا، والذي يرجع لعقود طويلة، مهدت لتقوية نفوذهم بواسطة اختراق النخب الأوروبية، والحصول على دعمهم. 

خلال مؤتمر برلين، عرج الخبير الإستراتيجي الألماني في مكافحة التطرف، مايكل لابش، على شخصية مؤسس الجماعة حسن البنا، وكذا حفيده طارق رمضان وصلاته بالتنظيم الدولي


وخلال كلمته بالمؤتمر ببرلين، عرج الخبير الإستراتيجي الألماني في مكافحة التطرف، مايكل لابش، على شخصية مؤسس الجماعة حسن البنا، وكذا حفيده طارق رمضان، المقيم في فرنسا، وصلاته بالتنظيم الدولي وأنشطته العالمية، كما ألمح إلى الأصول الأيديولوجية لجماعة الإخوان في أوروبا، ورصد جوانب التهديد المختلفة، إلى جانب مناقشة إستراتيجية وتطلعات الإخوان في أوروبا.
كما جرى أيضاً الكشف عن أوجه الدعم المالي للإخوان عبر القنوات الأجنبية، وكذا مصادر التمويل، التي تفسر هوية أنشطتهم وحساباتهم السياسية والإقليمية.
المساجد حواضن للتطرف
واللافت أنّ مكتب حماية الدستور (دائرة الاستخبارات الألمانية الداخلية)، شدّد على أنّه بالرغم من هزيمة تنظيم داعش، إلا أنّ شبكاته السرّية ما تزال فاعلة ميدانياً، وقد ذكر، منتصف العام الماضي، أنّ هناك قرابة 2080 شخصاً داخل ألمانيا يخضعون للمراقبة على خلفية الاشتباه في اعتناقهم أفكار متطرفة، وأردف: "خطر التطرف الإسلامي ما يزال مرتفعاً بقوة داخل البلاد، كما أنّ عدد النساء والرجال المنتمين إلى الأوساط السلفية المتطرفة يبلغ حالياً 12 ألفاً و150 عنصراً".

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون في ألمانيا ـ التغلغل داخل الأحزاب والمؤسسات
وثمة خصوصية في الذاكرة الأمنية والسياسية الألمانية تتعلق بقضية توظيف المساجد والمراكز الإسلامية في الحشد والتعبئة من قبل التيارات الإسلامية المتشددة؛ حيث صعد مسجد "طيبة" على تخوم أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001، وقد كان يتردد عليه منفذو الهجمات الإرهابية في نيويورك، تحديداً محمد عطا، بينما صدر حظر على المسجد والجمعية الملحقة به، عام 2010.

ويرى مانفريد موك، المسؤول الأمني في جهاز الاستخبارات الداخلية التابعة لولاية هامبورغ؛ أنّ المسجد أضحى "مركزاً للتطرف والمتطرفين"، وتابع: " كما تحوّل بعد هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) إلى مكان مقدس بالنسبة للجهاديين في كافة أنحاء ألمانيا وحتى خارجها، بسبب تردد منفذي العمليات الإرهابية عليه". 

اقرأ أيضاً: ألمانيا تحبط مخططاً تركياً لاغتيال معارضين على أراضيها... تفاصيل
وعقّب كريستوف آلهاوس، المسؤول عن الشؤون الأمنية في ولاية هامبورغ، على قرار الحظر الذي صدر قبل نحو عقد: "لا يمكننا السماح بوجود منظمات تنتهك، وبصفة عدوانية، مبدأ دعم التفاهم بين الشعوب وترفض مبادئنا الأساسية". وأردف: "نرفض وجود مكان للقاء أشخاص يريدون فرض فكرهم الإسلامي المتطرف داخل مجتمعنا حتى بالعنف". وقال: "أغلقنا مسجد طيبة لأنّ شباناً يلقون فيه التشجيع على التعصب الديني"، وشدّد على أنّ "جمعية "طيبة" تستغلّ دولة القانون الديمقراطية للتجنيد من أجل الجهاد".
مؤتمر برلين يحذّر 
وفي حديثه لـ "حفريات"، يشير مدير تحرير مؤسسة ليفانت اللندنية، شيار خليل، إلى أنّ أهمية هذا المؤتمر تأتي من تزامنه وقيام أوروبا بتعزيز إجراءاتها لمكافحة الإرهاب ومراقبة المتطرفين، لافتاً إلى التأثيرات العديدة التي تشكلها انبعاثات الإسلام السياسي والإخوان المسلمين، بوجه خاص، في ألمانيا وغيرها، لا سيما بعد حظر النمسا وألمانيا عدة جمعيات ومنظمات تقوم بتمويل الإرهابيين في الشرق الأوسط.

مدير تحرير مؤسسة ليفانت اللندنية شيار خليل

وينوّه مدير تحرير مؤسسة ليفانت اللندنية، في حوار على هامش المؤتمر ببرلين، إلى أنّ خطر الإخوان يتمثل في أنّها جماعة "خططت منذ عقود لغزو المؤسسات والجمعيات الألمانية المختصة بدعم اللاجئين والمهاجرين العرب؛ فتمكنت من السيطرة على الجوامع والمراكز التعليمية الدينية، بينما بدأت باستخدامهم كأدوات لترويج أدبياتها وفكرها المتطرف، وربط ذلك بأيديولوجيا سياسية تحارب قيم الحرية الاجتماعية والسياسية، في أوروبا والشرق، عبر تقديم نموذج ديني متوهم في الحكم والسياسة".

اقرأ أيضاً: ما هي إستراتيجية ألمانيا لمواجهة خطر جماعة الإخوان؟
ويردف خليل: "في مؤسسة ليفانت اللندنية ومركز ليفانت للبحوث والدراسات، حاولنا في هذا المؤتمر، الذي أقيم ببرلين تحت عنوان "الإسلام السياسي وأوروبا: فهم الديناميكيات في الإسلام السياسي تجاه تطورات السياسات والنهج الأوروبي المناسب"؛ أن نسلّط الضوء أكثر على هذا الخطر الذي يحدق وينتشر بكثافة في ألمانيا وأوروبا، من خلال باحثين وأكاديميين وسياسيين ألمان وأوروبيين، لهم دور كبير ومؤسس في فهم وتفكيك الإسلام السياسي، نظرياً وحركياً، وشرح مخاطره على القوانين الأوروبية، حيث بات هذا الخطر يتنامى بكثافة، مؤخراً، في أوروبا".

مدير تحرير مؤسسة "ليفانت" اللندنية، شيار خليل لـ "حفريات": أهمية مؤتمر برلين تأتي من تزامنه وقيام أوروبا بتعزيز إجراءاتها لمكافحة الإرهاب ومراقبة المتطرفين


وإلى جانب تسليط الضوء على المخاطر، أكّد المؤتمر على "أهمية وضع معايير جديدة في الحرب ضد التطرف الإسلامي، مع رفع توصيات مباشرة للبرلمان الألماني لتفعيل ذلك، ونشر الوعي في هذا المجال، وحث المؤسسات الحكومية المختصة لتفعيل آليات مناسبة لذلك". يقول خليل.
كما أوصى المؤتمر، من خلال الباحثين المشاركين، على أهمية مراقبة وتعقب مصادر التمويل الخاصة التي تمول الجوامع والمراكز الدينية في ألمانيا، لا سيما أنّ أغلب ذلك التمويل يأتي من تركيا ومن جهات إسلامية متطرفة لنشر أفكارها السياسية والدينية المتطرفة، وفقاّ للمصدر ذاته، وعليه، ثمة ضرورة على ألمانيا التي تحتضن العديد من المراكز الدينية "المشبوهة"، أن تسنّ قوانين جديدة لمحاربة الإسلام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين، كغيرها من دول الاتحاد الأوروبي، لأنّ خطورة هذا التنظيم تتمثّل في خلقهم لمجتمعات متوازية ومنغلقة في أوروبا، هدفها الأساسي العمل على محاربة المفاهيم الديمقراطية القائمة على التعددية.
 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية