ليبيا بعد الاحتلال التركي: سوريا جديدة على أبواب أوروبا

ليبيا بعد الاحتلال التركي: سوريا جديدة على أبواب أوروبا


كاتب ومترجم جزائري
09/07/2020

ترجمة: مدني قصري

سلط الحادث، الذي وقع في 10 حزيران (يونيو) الماضي، بين الفرقاطة الفرنسية "كوربيه" وثلاث من نظيراتها التركية، التي كانت ترافق سفينة شحن، ربما محملة بأسلحة متجهة إلى ليبيا، الضوءَ على النشاط البحري المكثف للبحرية التركية في وسط البحر الأبيض المتوسط؛ فهي تلعب فيه، منذ بداية العام، دوراً حاسماً في المساعدة العسكرية التي تقدّمها أنقرة عن طريق البحر، إلى حكومة الوحدة الوطنية الليبية.

معسكران يتواجهان

بعد أن وُلدت من رحِم سقوطِ نظام العقيد القذافي، عام 2011، في سياق ثورات الربيع العربي، على الخصوص من التدخل الغربي الذي بدأته باريس وروما ولندن وواشنطن، والذي أدّى إلى إغراق البلاد في الفوضى، تشكّلت حكومة الوفاق الوطني، عام 2016، تحت رعاية الأمم المتحدة، وكان هدفها، بقيادة فايز السراج، وضع حدّ للحرب الأهلية التي بدأت بعد الإطاحة بالقذافي، لكنّه فجّر البلد القائم على نظام عشائري، وشهد تطور معارضة العديد من الميليشيات القبلية والدينية، لكنّ حكومة الوفاق الوطني، المعترف بها من قبل المجتمع الدولي، والتي تضاءل الدعم الغربي لها في الأعوام الأخيرة، ما لبثت أن دخلت في صراع مفتوح مع المشير خليفة حفتر، الرجل القوي في شرق ليبيا، الذي يقع معقله في برقة.

جيشه الوطني الليبي (ANL) مدعوم من الإمارات العربية المتحدة ومصر والمملكة العربية السعودية، ولكن أيضاً من روسيا، التي بات تأثيرها الواضح بشكل متزايد في ليبيا، يُقلق الأوروبيين.

حكومة الوفاق الوطني، التي حصلت على دعم قطر، أبرمت بشكل خاص، في نهاية عام 2019، اتفاقاً إستراتيجياً مع تركيا التي تساعدها بشكل كبير على المستوى العسكري

يستفيد حفتر، بشكل أكثر تحفظاً، وقبل كلّ شيء، سياسياً، من دعم دول معينة، مثل فرنسا والولايات المتحدة، وهذه الأخيرة، التي تطالب باتفاق بين المتحاربين لإنهاء الصراع، حسّاسة، مثل موسكو، لخطاب حفتر المناهض للجهاديين الإسلامويين.

تريد باريس وواشنطن، بأيّ ثمن، تجنّب تحوّل ليبيا إلى سوريا جديدة، وتخشيان أن يجعل المستنقع الليبي الحربَ ضدّ الإرهاب أكثر صعوبة في الجنوب، في منطقة الساحل والصحراء.

حكومة الوفاق الوطني، التي حصلت على دعم قطر، أبرمت بشكل خاص، في نهاية عام 2019، اتفاقاً إستراتيجياً مع تركيا التي تساعدها بشكل كبير على المستوى العسكري، من خلال نشر الأسلحة والقوات والمرتزقة، خاصة عن طريق البحر، بينما يستطيع حلفاء حفتر التصرف بشكل أقل وضوحاً، عبر الحدود بين مصر وليبيا، كلّ هذا، بالطبع، في انتهاك كامل لحظر الأسلحة المفروض على ليبيا الذي أصدره مجلس الأمن الدولي عام 2016.

التدخّل التركي يخلط الأوراق

التدخل التركي، على أيّ حال، جعل من الممكن وبشكل مذهل، خلط الأواق العسكرية على الأرض؛ فهكذا تمكنت قوات حكومة الوفاق الوطني من استعادة الأراضي المفقودة منذ عام 2019، بما في ذلك طرابلس في الآونة الأخيرة.

اقرأ أيضاً: الطربوش العثماني في ليبيا

من ناحية أخرى؛ عانت قوات حفتر ومساعدوها الأجانب، لا سيما الروس، من انتكاسات شديدة في الأشهر الأخيرة، لا سيما أنّها دفعت موسكو لنشر وسائل جديدة في ليبيا، بما في ذلك الطائرات المقاتلة، في أيار (مايو)، في محاولة لاستعادة الوضع.

وعلى غرار دول أخرى مثل سوريا أو اليمن، أصبحت ليبيا مركزاً خطيراً لصراع التأثير والهيمنة بين القوى الأجنبية؛ حربٌ بالوكالة أصبحت فيما وراء إطالة النزاع المحلي القاتل مع عواقب إنسانية وخيمة، على السكان والمهاجرين الذين يصلون إلى البلاد، أو الذين تقطّعت بهم السبل في الأراضي الليبية، تهدّد استقرار المنطقة، وتُعقِّد العلاقات الدولية على مسارح أخرى، مع الخوف من أن تنفجر هذه البؤرة الساخنة، مما سيتسبب في عواقب وخيمة في شمال وغرب أفريقيا، مع التأثير أيضاً، بشكل مباشر، على أمن أوروبا، التي لا تفصلها حدودها الجنوبية (الجزر الإيطالية ومالطا) إلا ببضع مئات من الكيلومترات عن الساحل الليبي.

الإرادة التركية للتحرر والاستقلال

ينبع تدخّل تركيا وتورّطها في ليبيا من أسباب جيوإستراتيجية واقتصادية؛ لقد عزّز رجب طيب أردوغان، الرئيس المنتخب منذ آب (أغسطس) 2014، والفائز مرّة أخرى في انتخابات 2018، سلطتَه بشكل كبير منذ محاولة الانقلاب الفاشلة، عام 2016، والتطهير الرئيسي الذي أعقب ذلك.

اقرأ أيضاً: أردوغان إذ يجعل السوريين جسراً لأطماعه التوسعية في ليبيا

يسعى رجل تركيا القوي إلى قيادتها الآن بقبضة حديدية، وزيادة نفوذه في العالم الإسلامي، سعياً للمنافسة ضدّ المملكة العربية السعودية. في الوقت نفسه؛ يريد أردوغان أن يجعل تركيا أكثر سيادة، وأقل اعتماداً على حلفائها الغربيين التقليديين، بدءاً من الولايات المتحدة، حتى لو كان ذلك يعني أداء لعبة مضطربة مع الناتو (الذي ظلت تركيا عضواً فيه منذ عام 1952)، وإثارة مشكلات خطيرة هناك عندما لا تذهب مصالحها في الاتجاه نفسه، مثل مصالح شركائها، كما هو الحال حالياً في ليبيا.

اقرأ أيضاً: الدعم الإيراني لتركيا في ليبيا: تحالف مشبوه على ثروات المتوسط

وقد ظهرت هذه الرغبة في التحرر والاستقلال سابقاً، عام 2019، من خلال التدخل العسكري التركي ضدّ الأكراد، في شمال سوريا، من أجل إنشاء منطقة عازلة بين البلدين، لكن أيضاً في شراء أنقرة لأنظمة صاروخية أرض- جو روسية هائلة "S-400" (أول الشحنات كانت عام 2019)، ما تسبّب في غضب واشنطن، وقرار دونالد ترامب بعدم تسليم الـ "F-35" إلى تركيا، إضافة إلى فرض عقوبات على البلاد، غير أنّه من الصعب كسر الجسور مع الحليف التركي، الذي يتزايد نفوذه، والذي كان دوره التاريخي داخل الناتو هو السماح، في حالة حدوث أزمة مع الاتحاد السوفييتي، بالسيطرة على المضائق الضرورية لأسطول البحر الأسود، بالمرور إلى البحر الأبيض المتوسط.

اقرأ أيضاً: تركيا تقود أطفال سوريا إلى رحلة الموت في ليبيا

كانت تركيا، وهي الجسر الطبيعي بين أوروبا وآسيا الوسطى والشرق الأدنى والأوسط أيضاً، أداة رئيسة للتحالف في الشرق على الجناح الجنوبي لروسيا؛ حيث كان الأمريكيون يقومون بتخزين ترسانة طويلة من القنابل النووية في قاعدة إنجيرليك الجوية التركية.

لا يمكن لأنقرة، التي ما تزال تعتمد إلى حدّ كبير على الأمريكيين لتجهيز جيشها، أن تذهب في استفزازاتها أبعد مما ذهبت إليه، حتى لا تتعرض لخطر تداعيات اقتصادية خطيرة في حالة فُرضت عليها عقوبات تجارية غربية.

حتى إذا كانت روسيا تعرف كيفية استخدام تطور السياسة التركية لإثارة الفتنة داخل الحلف الأطلسي؛ فإنّ العلاقات بين موسكو وأنقرة تظلّ معقدة ومضطربة في كثير من الأحيان

 من أجل دفع بيادقها، تعرف تركيا مع ذلك كيفية الاستفادة من موقعها الجغرافي الإستراتيجي، وعضويتها في حلف شمال الأطلسي، وكذلك تحالفاتها الجديدة، لكن أيضاً من المراوغات الدبلوماسية لإدارة ترامب، وضعف الاتحاد الأوروبي؛ حيث تلوّح بانتظام بخطر فتح حدودها أمام ملايين المهاجرين على أراضيها.

في الوقت نفسه، حتى إذا كانت روسيا تعرف كيفية استخدام تطور السياسة التركية لإثارة الفتنة داخل الحلف الأطلسي؛ فإنّ العلاقات بين موسكو وأنقرة تظلّ معقدة ومضطربة في كثير من الأحيان، خاصة أنّ البلدين يواجهان بعضهما بشكل غير مباشر في الأراضي الأجنبية، بالتالي؛ فإنّ إرادة تركيا، المحصورة بين الكتلة السوفييتية السابقة، وبرميل البارود في الشرق الأوسط وأوروبا، تسعى إلى فكّ هذا الخناق الجغرافي غير المريح، باللجوء إلى البحار.

النفط الليبي والغاز المتوسطي

الأهداف التركية أهداف إستراتيجية وتجارية، مع هذا، مرة أخرى، الرغبة في زيادة نفوذها الدولي واستقلالها الاقتصادي، خاصة في مجال الطاقة التي تعتمد فيها الإمدادات التركية إلى حدّ كبير، على روسيا، هذا هو أحد الأهداف الرئيسة للتحالف مع حكومة الوفاق الوطني الليبي.

اقرأ أيضاً: تركيا تنصب منصات صواريخ جديدة في ليبيا.. ما القصة؟

في الواقع؛ ليبيا، تاريخياً، هي واحدة من كبار منتجي النفط في القارة الأفريقية، وتتميز بوجود هيدروكربونات عالية الجودة، والتي تتطلب القليل من التكرير، وهو كنزٌ تطمع فيه أيضاً روسيا، لكنّ أنقرة تستهدف أيضاً الغاز الليبي والمتوسطي.

في الواقع، لا تشمل اتفاقية التعاون، المبرمة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، عنصراً عسكرياً فحسب، بل أيضاً اتفاقية "ترسيم الحدود البحرية" التي تعتزم تركيا من خلالها المطالبة بحقوق حقول جديدة في شرق البحر الأبيض المتوسط​؛ حيث أثار اكتشاف رواسب بحرية هائلة من الغاز الطبيعي أطماعاً وتوترات، خاصة حول المياه القبرصية.

مصدر الترجمة عن الفرنسية: meretmarine.com/fr


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية