لو أدرك أردوغان

لو أدرك أردوغان


12/01/2020

محمود حسونة

يزداد أردوغان هوساً باستعادة الإمبراطورية الفانية والمدفونة تحت ركام الزمن، وتزيده هوساً حاشية حزب «العدالة والتنمية»، سواء من هم في مواقع تنفيذية بالتصريحات التي تشعل حروباً، وتبعثر أمماً، أو من هم في مواقع تشريعية بالبصم على ما يطلبه منهم، من دون أدنى تفكير في المستقبل الذي ينتظر تركيا المريضة اقتصادياً، والمنقسمة اجتماعياً، والمتهورة سياسياً؛ وذلك قد يكون خوفاً من بطشه ممن يخالفه، أو تزلفاً وبحثاً عن رضا «إله» العثمانيين الجديد.
أصوات العقلاء في المعارضة التركية تصدح في مواقع ووسائل إعلامية مختلفة في الفضاء الإلكتروني وعلى الأرض؛ لكن لا أحد من مبايعي السلطان المهووس بالسلطة والتسلط يسمع، ولا أمل في أن يسمعهم أحد؛ بعد القمع والتعذيب والقهر الذي تعرض له شباب وكهول تعارضت كلمتهم مع كلمة السلطان المستبد، بما في ذلك رفقاء الرحلة في الحزب والسلطة الذين ضاقوا ذرعاً من سياساته التي تكاد أن تهلك بلادهم قبل أن تنال من بلاد وأرض العروبة.
لو أن السلطان المتهور أدرك أن التاريخ لن يعود إلى الوراء، ولا قيامة له مرة أخرى مهما هدد أو توعد أو زج بميليشيات متطرفة ومرتزقة في أتون معارك هو وهم لها خاسرون، أو جند أدواته الخشنة أو حتى الناعمة لإحياء «قيامة أرطغرل» أو «قيامة عثمان» التي نامت إلى الأبد بعد أن طاردتهما وأبناءهما وأحفادهما لعنات الملايين من ضحاياهم موتاً وقهراً، ولن تكون لهم ولا لحفيدهم أي قيامة.
السلطان المغرور يريد أن يشعل حرباً على أرض ليبيا، بعد أن أشعل حروباً وصراعات، وساهم في جلب الخراب والدمار لسوريا والعراق وأهلهما، وبعد أن طرق أبواب السودان، ووضع يده على جزيرة سواكن بتواطؤ مع نظام «إخواني» خلعه شرفاء السودان، وتعاهدوا على عدم عودته ثانية مهما كان الثمن.
السلطان القادم من ماض لن يعود، ماض لم يبق منه سوى ذكريات سوداء، وكوابيس مزعجة ومجازر ارتكبت في بلادنا وغير بلادنا، ويكفي أن ذكر مجازر الأرمن من أكثر ما يزعج الموهوم بالسلطنة في الحاضر، أما المستقبل فلن يسقطها أبداً من حساباته. هذا السلطان يريد أن يجدد مجازر أجداده في ليبيا، وهو يعي أن إرساله لجنود من جيشه إلى هناك ليس سوى مناورة، وأنه لن يلقي بهم إلى التهلكة سوى مضطراً حتى لا يتعرض للجلد من معارضيه في الداخل التركي، وستخوض عنه حرباً بالوكالة دمى الإرهاب من عناصر التطرف التي ينقلها من سوريا إلى ليبيا.
مشكوك في أن يخاطر أردوغان بجنوده على أرض ليبيا؛ لإدراكه بأن جيشه سيحرقه الغضب الليبي الذي اشتعل فور إقرار برلمان الترك للاتفاق الاقتصادي الأمني الاستعماري الذي لا يهدف من ورائه سوى إلى وضع يده على النفط الليبي، وحجز مكان له في شرق المتوسط، أملاً في حصة من الغاز الذي يزعجه أن يحصل عليه أصحاب الحق من دون أن يكون له نصيب فيه، ولو بالسرقة والسطو، ولو تحت تهديد الكلام الأجوف والفعل الأحمق.
أما من اعتبرهم البرلمان الليبي خونة بعد أن استعانوا بالطامع الجشع؛ لحمايتهم من غضب الجيش الليبي، فلن ينالوا منه حماية، ولن ينالوا من شعبهم وشعوب الدول المجاورة سوى اللعنات، ولن يذكرهم التاريخ سوى بأنهم باعة للوطن وخونة للأمة.
الغضب من نوايا السلطان المستفز لا يقتصر على الشعب والجيش الليبيين فقط؛ لكنه يمتد إلى جيوش وشعوب الدول المجاورة التي لا تقبل بأن يجاورها استعمار ملعون تاريخياً، وهو ما عبر عنه المصريون والتونسيون وجموع العرب عبر وسائل التواصل الاجتماعي بمجرد موافقة البرلمان التركي على إرسال جنود إلى ليبيا، ولعلها ليست مفاجأة أن يبدي الناس من مختلف الأعمار الاستعداد للتطوع؛ لمحاربة الغازي القادم محملاً بأوهام التاريخ، ناهيك عن الاستعدادات العسكرية للجيش المصري، وإرادة خير أجناد الأرض للانتقام من هذا العدو الغادر، وتدفيعه ثمن رعونة الحاضر وخطايا الماضي.
إذا نفذ سلطان الوهم تهديداته فلن يدفع وحده الثمن؛ لكن تركيا كلها التي ارتضته سلطاناً عليها، ولن يكون أبداً سلطاناً على شبر واحد من أرض ليبيا؛ بعد أن توحدت كلمة الليبيين والعرب الشرفاء على أن يكون الجميع له بالمرصاد.

عن "الخليج" الإماراتية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية