في فرنسا تقدم اليسار من حزب فرنسا الأبية بمشروع قانون إلى الجمعية الوطنية الفرنسية لإلغاء جريمة دعم وتبرير الإرهاب. وهو المشروع الذي يصب في صالح أولئك الذين يقدمون دعماً غير محدود للمنظمات القريبة من الإخوان المسلمين وحزب الله.
وبهذه المناسبة، خصصت مجلة (لوفيجارو) تحقيقاً رئيسياً للكشف عن الروابط العديدة بين اليسار الفرنسي وجماعات الإسلام السياسي، وخاصة الإخوان المسلمين.
تحالف انتهازي
التحقيق الذي استعرضته صحيفة (The European Conservative) قام به الصحفي من أصل سوري عمر يوسف سليمان، الذي تابع عن كثب أنشطة الجماعات المؤيدة للإسلام السياسي في الأراضي الفرنسية، من خلال القيام بتتبع هذه الحركات على الأرض، والوقوف على توظيفها للقضية الفلسطينية؛ من أجل التمدد السياسي، ليكشف في النهاية مدى تأييد اليسار الفرنسي الراديكالي للإخوان، من خلال إقامة روابط مع الإسلاميين.
ووقف الصحفي السوري على مفردات الخطاب اليساري المتطرف المرتبط بالإخوان، وفي المظاهرات المختلفة التي تمكن سليمان من حضورها لاحظ الاستخدام غير الأخلاقي لرموز ولغة المنظمات الإرهابية الإسلاموية، وعلى رأسها الزي الأخضر لحزب الله.
ويشير سليمان إلى أنّه في مظاهرة جرت في الثالث من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي سار النائبان ماتيلد بانو، وكليمانس جيتي، من حزب اليسار الفرنسي، إلى جانب قيادات محسوبة على تيار الإسلام السياسي في فرنسا، وتمكن سليمان من ملاحظة النائبين توماس بورتس وماتيلد بانو بصحبة أحد المتطرفين.
ولاحظ التقرير أنّ قناة (الجزيرة) تقدم ممثلي حزب فرنسا الأبية باعتبارهم أبطال القضية الفلسطينية في فرنسا. ويشير سليمان إلى أنّ "أيّ حزب أوروبي آخر لا يحظى بمثل هذه المساحة على هذه القناة الأكثر مشاهدة بين جمهور جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة".
قضية فلسطين حق أريد به باطل
إنّ الدعم الذي يقدمه نواب أقصى اليسار للقضية الفلسطينية، هو دعم أخلاقي لنصرة قضية عادلة بالتأكيد، لكن يصاحبه الوقوع الساذج في فخ الإخوان المسلمين، ويصاحبه ظاهرة ثانية تغذي الاتفاق بين حزب فرنسا الأبية واليسار المتطرف، وهي التعاون مع الإٍسلاميين، وعدم وجود غضاضة في اعتناق أفكارهم الانفصالية.
وفي سياق تحقيقه، جمع سليمان عدداً من الصور ومقاطع الفيديو التي ينوي تقديمها دعماً لشكوى تقدمت بها جمعية مناهضة العنصرية (LEA) في فرنسا.
إنّ السؤال الذي يطرح نفسه عند قراءة هذا التقرير هو بالطبع لماذا؟ لماذا تبنّى هؤلاء النواب اليساريون المتطرفون قضية الإسلاميين ونزعتهم الانفصالية؟ والإجابة تكمن في مصالحهم الانتخابية، بحسب التقرير، فقد تخلى اليسار الفرنسي الراديكالي منذ زمن بعيد عن قضية العمال والدفاع عن مصالح الفقراء من الناس، مفضلاً بدلاً من ذلك نضال الأقليات، وخاصة أصوات الجالية من المهاجرين من الإخوان وجماعات الإسلام السياسي، والتي تمثل قاعدة انتخابية تضم عدة ملايين من الناخبين.
وفي أجزاء معينة من فرنسا، مثل البلديات الواقعة إلى الشمال والشرق من باريس، أصبحت أصوات الإسلاميين وقدرتهم على الحشد بمثابة ضمانة يحرص عليها اليسار للفوز بالانتخابات المحلية، وكذلك الحصول على مقاعد في البرلمان.
وفي المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين انضم اليساريون إلى الإخوان، وابتعدت التظاهرات عن جوهر القضية الفلسطينية العادلة، حيث هتف البعض متسائلاً: "هل نحن مستعدون لنقل الانتفاضة إلى باريس؟ إلى الضواحي، إلى أحيائنا؛ لنظهر لهم أنّ صوت التحرير يأتي منا".
هكذا صرخ إلياس دي إمزالين، الذي ورد اسمه على قائمة "إس"، وهي قائمة الأشخاص الذين من المرجح أن يهددوا الأمن القومي الفرنسي، في بداية أيلول (سبتمبر) الماضي.
انتهازية انتخابية
وكما يشير سليمان في تحقيقه، فقد جاء حزب ميلانشون وائتلافه اليساري في المقدمة في معظم البلديات العمالية ذات التركيز العالي من السكان المهاجرين المسلمين. وبالنسبة إلى الانتخابات الأوروبية لعام 2024، أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة IFOP لصالح صحيفة (لاكروا)، أنّ 62% من المسلمين صوتوا لصالح حزب اليسار الفرنسي. وبالنسبة إليهم، فإنّ المعادلة بسيطة: حزب جان لوك ميلانشون هو الحزب الوحيد الذي يدافع عن الإسلام ضدّ الفرنسيين البيض، بحسب الدعاية التي يروج لها الإخوان، ويسعون لتكريسها بين المسلمين في فرنسا.
لقد أدرك الاشتراكيون هذا منذ فترة طويلة، ومنذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين اختاروا هم أيضاً معسكرهم الانتخابي، وهو القرار الذي غذته تحليلات عالم السياسة باسكال بونيفاس، الذي نشر في العام 2002، والتي أكد فيها أهمية ضمان أصوات (5) ملايين مسلم في فرنسا، الأمر الذي استوعبه الإخوان جيداً، وسعوا إليه من خلال إبراز أهمية الجماعة من الناحية الانتخابية لليسار.
إنّ العواقب المترتبة على مثل هذا الاختيار، بحسب هيلين دو لوزون، وهي مراسلة صحيفة (The European Conservative) في باريس، بما يحمله من دوافع مروعة، رهيبة، تضرب الأساس الأخلاقي للسياسة في فرنسا، ولكنّ أعضاء البرلمان من أقصى اليسار لا يبالون، بحسب رأيها، فقد مر وقت طويل على سقوطهم في قبضة الإخوان.