لهذه الأسباب تغلغل الإخوان المسلمون في روسيا

لهذه الأسباب تغلغل الإخوان المسلمون في روسيا

لهذه الأسباب تغلغل الإخوان المسلمون في روسيا


30/08/2023

برغم أنّ روسيا كانت أول دولة أجنبية تدرج الإخوان على لائحة الإرهاب في عام 2006، عقب أعمال العنف التي قام بها الإخوان في مناطق شمال القوقاز التي تحظى بأغلبية إسلامية، غير أنّها لم تخلُ من الوجود الإخواني؛ إذ عمد الإخوان المسلمون منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي؛ أي مباشرة بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، إلى تأسيس بنية تحتية بشرية وتنظيمية تساعدهم على تثبيت وجودهم في هذا البلد المهم وممارسة أنشطتهم بفعالية.

 وكان مدخلهم إلى ذلك عدد من الطلبة والمهاجرين العرب الذين ينتمون إلى الجماعة أو يتعاطفون مع إيديولوجيتها، الذين جاءوا إلى روسيا بغرض الدراسة أو العمل، واستقروا هناك، وحصلوا على الجنسية، بحسب ورقة بحثية أصدرها حديثاً المركز العربي لدراسات التطرّف بعنوان "الإخوان المسلمون في روسيا".

وأكدت الدراسة أنّ الإخوان نجحوا على مدار أعوام في الانتشار في موسكو ومختلف جمهوريات ومحافظات الاتحاد الروسي، وأقاموا شبكة مترابطة من الجمعيات والمراكز الثقافية والاجتماعية والتعليمية والخيرية، على الرغم من صدور قرار من السلطات الروسية بحظرهم ومنعهم من مزاولة أيّ نشاط.

وأكدت أنّ قرار الحظر ظلّ حبراً على ورق؛ لأسباب براجماتية تتعلق بحسابات السلطة وتعقيداتها، فقد سُمح للإخوان فعلياً بالاستمرار في التوسع ونشر إيديولوجيتهم وترسيخ تواجدهم في أوساط المسلمين الروس الذين يقدّر عددهم بنحو (28) مليون مسلم (الإحصاء الأخير لعام 2022)، تؤطرهم مئات الجمعيات والمراكز الثقافية والاجتماعية الإسلامية وأكثر من (8) آلاف مسجد في روسيا وحدها.

اتحاد المنظمات الإسلامية في روسيا

ومن بين فروع الإخوان أشارت الدراسة إلى (اتحاد المنظمات الإسلامية في روسيا)، الذي قالت إنّه التنظيم المظلي للإخوان المسلمين في الاتحاد الروسي، تأسس عام 2006 من قبل مجموعة من الطلبة العرب، أبرزهم الفلسطينيان وسام البردويل ونضال الحيح، وتم تسجيله رسمياً في موسكو، حيث يقع مقره الرئيس، وحصل على الاعتماد القانوني عام 2008. 

أحد مؤسسي الاتحاد، وسام البردويل

الاتحاد يهدف إلى تعليم المسلمين الروس الدين الصحيح وتوجيههم للتمسك بهويتهم وممارسة شعائرهم الدينية، بالإضافة إلى متابعة أوضاعهم وقضاياهم والتحديات التي يواجهونها في مختلف مجالات الحياة الدينية والاجتماعية وحتى السياسية.

من أهداف الاتحاد أيضاً، بحسب الدراسة، نشر العلوم الشرعية بين الجالية المسلمة في روسيا لمعالجة مشكلة فقدان الهوية الإسلامية عند المسلم الروسي بسبب الحقبة الشيوعية، ويسعى لخلق وعي ديني إسلامي قائم على أساس عقائدي صحيح في أوساط الجيل الجديد من المسلمين؛ وذلك من خلال الفعاليات الدينية المختلفة التي ينظمها (محاضرات، ندوات، ورش عمل)، إلى جانب ترجمة الكتب التي تقدم مادة فكرية إسلامية إلى اللغة الروسية، ومنها كتب مفكّري الإخوان المشهورين وعلى رأسهم حسن البنا وسيد قطب ويوسف القرضاوي.

الإخوان نجحوا على مدار أعوام في الانتشار في موسكو ومختلف جمهوريات ومحافظات الاتحاد الروسي، وأقاموا شبكة مترابطة من الجمعيات والمراكز الثقافية

 

ومن الأنشطة التي يوليها الاتحاد الأولوية الموضوعات التي تخص المرأة المسلمة في روسيا، والتحديات التي تواجهها ودورها في استقرار وتطوير المجتمع. ويركز الاتحاد على الدفاع عن حقوق المرأة الروسية المسلمة المحجبة، وبيان دورها في المجتمع الروسي؛ وذلك من خلال المشاركة في القنوات الإعلامية وتنظيم تظاهرات ونقاشات شعبية على مستوى الشارع.

كما يعمل الاتحاد على إدارة سلسلة من المؤسسات التعليمية التي تهدف إلى تخريج أجيال جديدة تنهض بأعباء الدعوة الإسلامية في روسيا، أبرزها مركز "مدينة" التعليمي بموسكو، وهو مركز معترف به من قبل وزارة التعليم الاتحادية، ويضم مدرسة ابتدائية (من الصف الأول حتى السادس) لتدريس اللغة العربية والتربية الإسلامية، ومدرسة الشيخ سعيد الإسلامية في سراتوف التي تأسست عام 2007، وهي كليّة شرعية لتكوين الأئمة ورجال الدين تابعة إدارياً للمركز الإسلامي في سراتوف، ويدرُس بها ما يقارب (200) طالب وطالبة من مختلف الأعمار.

وقد تفرع عن مدرسة الشيخ سعيد الإسلامية مركز لتحفيظ القرآن الكريم للصغار، وأصبح الآن مؤسسة مستقلة يقدم خدماته لما يقارب (120) طفلاً وطفلة، كذلك تفرع عن المدرسة مؤسسة تعليمية للأطفال تحت اسم "مكتب" تقدّم دروساً للتقوية لتلاميذ المرحلة الابتدائية يومي السبت والأحد، خلال العطلة المدرسية الأسبوعية، وتقدم خدماتها لما يقارب (170) تلميذاً وتلميذة.

العلاقة مع هياكل الإخوان المسلمين في أوروبا

المركز العربي لدراسات التطرّف أشار أيضاً إلى أنّ الاتحاد يملك شراكات استراتيجية مع مختلف الهياكل الأوروبية التابعة للتنظيم الدولي للإخوان، على رأسها اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا (مجلس مسلمي أوروبا حالياً): الجناح الأوروبي للتنظيم الدولي للإخوان، والمنتدى الإسلامي الأوروبي، والمركز الأوروبي للأبحاث والتأهيل القيادي، والمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث الذي يشكل المرجعية الأساسية للاتحاد في مجال الفتوى والاجتهادات الدينية.

قرار الحظر ظلّ حبراً على ورق؛ لأسباب براجماتية تتعلق بحسابات السلطة وتعقيداتها، فقد سُمح للإخوان فعلياً بالاستمرار في التوسع ونشر إيديولوجيتهم وترسيخ تواجدهم

 

كذلك شارك أحد مؤسسي الاتحاد، وسام البردويل، أكثر من مرة، بصفته عضواً، في أعمال مجلس شورى اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا (مجلس مسلمي أوروبا حالياً). بالإضافة إلى ذلك، استفاد البردويل مع عدد من قيادات وكوادر الاتحاد من دورات تدريبية متقدمة أجريت لهم خصيصاً عام 2016 في المركز الأوروبي للأبحاث والتأهيل القيادي الذي يقع مقره بمدينة فريبورغ السويسرية.

التمويل

هذا، ولفتت الدراسة إلى أنّ المصدر الرئيس لتمويل الاتحاد هو التبرعات التي يتلقاها من الجالية المسلمة في روسيا الاتحادية، بالإضافة إلى بعض الجهات الرسمية الخارجية كوزارة الأوقاف الكويتية، التي تُعدّ من الداعمين الأساسيين للاتحاد.

ويتلقى الاتحاد أيضاً دعماً مالياً من هياكل الإخوان المسلمين في أوروبا، وخاصة اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا (مجلس مسلمي أوروبا حالياً)، لتنفيذ مشروعاته في موسكو وغيرها من الجمهوريات والمحافظات الروسية.

القيادات

من قيادات الاتحاد وسام البردويل، وهو أحد مؤسسي الاتحاد ورئيسه السابق، فلسطيني يحمل الجنسية الروسية، ولد في ليبيا عام 1975. أنهى دراسته الثانوية في ليبيا، ثم انتقل إلى روسيا لدراسة الطب في أوائل التسعينيات، كما درس بالمراسلة في كلية الشريعة بالمعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية التابع للتنظيم الدولي للإخوان، وهو من أقارب صلاح البردويل، عضو المكتب السياسي لحركة حماس الفلسطينية.

بعد تخرجه في كليّة الطب، تفرغ للدعوة والخطابة في المساجد، وشغل منصب مفتي جمهورية كاريليا (إحدى المقاطعات الروسية) لمدة (15) عاماً، ثم (3) أعوام  أخرى مفتياً لمحافظة مورمانسك، وهو حالياً عضو مجلس العلماء في الإدارة الدينية لمسلمي روسيا، بالإضافة إلى عمله مدرساً في كليّة موسكو الإسلامية، وخطيباً بالمسجد الجامع في موسكو، وإماماً وخطيباً في الجمعية الإسلامية لمسلمي موسكو التي تأسست مؤخراً.

اتحاد المنظمات الإسلامية في روسيا هو التنظيم المظلي للإخوان المسلمين في الاتحاد الروسي

 

ومن بين قيادات الاتحاد سلطت الدراسة الضوء أيضاً على نضال عوض الله الحيح، وهو فلسطيني (من مواليد محافظة الخليل) يحمل الجنسية الروسية، تخرج في كليّة الطب مع وسام البردويل، وشارك معه في تأسيس الاتحاد.

ويشغل حالياً منصب نائب رئيس الإدارة الدينية لمسلمي حوض الفولكا (وسط روسيا) للعلاقات الخارجية، إلى جانب عمله مدرساً في مدرسة الشيخ سعيد الإسلامية في سراتوف، وأطلق في شباط (فبراير) 2021 قناة على اليوتيوب للتعريف بتاريخ الإسلام والمسلمين في روسيا.

إلى جانب محمد هني، وهو جزائري يحمل الجنسية الروسية، ورئيس سابق للاتحاد، كما تولى رئاسة المركز الثقافي الإسلامي في سان بطرسبرغ، وهو حالياً عضو في اللجنة التنفيذية للاتحاد، إلى جانب عضويته في مجلس إدارة المركز الأوروبي للأبحاث والتأهيل القيادي التابع لاتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا (مجلس مسلمي أوروبا حالياً).

مواضيع ذات صلة:

هل تصبح تتارستان نقطة انطلاق الإخوان نحو الهيمنة على جمهوريات روسيا الإسلامية؟

روسيا تفلت من مصيدة العقوبات الغربية... ما علاقة الصين والهند؟

كيسنجر "العجوز" مستشرفاً المستقبل: راعِ مصالح روسيا لتتجنّبَ الصين



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية