لماذا يفرض نظام الأسد 100 دولار على العائدين إلى سوريا؟

لماذا يفرض نظام الأسد 100 دولار على العائدين إلى سوريا؟


23/09/2020

"ينتظر السوريون على الحدود بين لبنان وسوريا، ينتظرون العودة إلى المكان الذي وُلدوا فيه وينتمون إليه، لكنّ السلطات في بلادهم لا تسمح لهم بالعودة، السلطات التي تتبع ديكتاتوراً شرّد وقتل واعتقل الملايين من السوريين يمنعهم من العودة، يريد أن يدفع كلّ شخص منهم مئة دولار أمريكي كي يعود إلى بلاده، يريد أن يموّل حربه على السوريين بأموال السوريين".

قرار تصريف 100 دولار هو محاولة لكسب بعض الأموال من الدول الداعمة لملف إعادة السوريين من لبنان، وليكون بوابة للتهرب من العقوبات الأمريكية المفروضة على النظام

هذا ما قاله الكاتب والمخرج السينمائي السوري، دلير يوسف، لـ "حفريات"، في تعليقه على القرار الذي أصدره رئيس مجلس الوزراء السوري، حسين عرنوس، في الثامن من شهر تموز (يوليو)، والذي ألزم بموجبه المواطنين السوريين ومن في حكمهم، بتصريف مبلغ 100 دولار أمريكي، أو ما يعادله، بإحدى العملات الأجنبية التي يقبل بها المصرف المركزي حصراً، إلى الليرات السورية، وفق نشرة أسعار صرف الجمارك والطيران، وذلك عند دخولهم أراضي الجمهورية العربية السورية.

رئيس مجلس الوزراء السوري حسين عرنوس

وأعفى القرار من التصريف المواطنين السوريين، ومن في حكمهم، من الذين لم يبلغوا الثامنة عشرة من العمر، وأيضاً سائقي الشاحنات والسيارات العامة، وذلك بحسب ما نقلته جريدة "الوطن" المحلية. 

ماذا قال وزير المالية السوري؟

بعد صدور القرار بأيام قليلة؛ خرج وزير المالية السوري، مأمون حمدان، على الفضائية السورية، وقال إنّ "القرار يعدّ خدمة للمواطن، ويزيد من واردات مصرف سوريا المركزي ويدعم الليرة السورية، ويسعى إلى الحدّ من نشاط السوق السوداء خارج الحدود".

اقرأ أيضاً: ما الإستراتيجيات العربية لتجفيف الوجود الإيراني في سوريا؟

كما قلّل مأمون حمدان من أثر القرار في السوريين العائدين إلى سوريا، باعتباره "ليس مشكلة كبيرة"، ويرى أنّه من الطبيعي أن يمتلك السوريون العائدون إلى سوريا مبلغ 100 دولار (أجرة أيّة سيارة للعودة قد تكون بهذا المبلغ، أقل أو أكثر)"، كما رأى حمدان أنّه "من غير المعقول ألا يمتلك السوري في الخارج، أو الذي يسافر إلى الخارج، مبلغ 100 دولار"، وفي رأيه؛ "القادر على السفر لديه الأموال اللازمة لذلك".

اقرأ أيضاً: مشكلة الوقود تطارد المواطن السوري الغارق في الأزمات

حول القرار وأسباب لجوء النظام السوري لاستحداثه في هذا التوقيت، الذي تزامن مع دخول قانون قيصر حيّز التطبيق، قال المحلل الاقتصادي السوري، يونس الكريم، لـ "حفريات": "القرار يهدف إلى عدة نقاط:

أولاً: إيقاف عملية ترحيل اللاجئين السوريين من لبنان إلى سوريا، وجعل هذه المشكلة مشكلة دولية، وإجبار الأمم المتحدة على الدخول مع النظام السوري في صفقة، سواء من خلال مفاوضات تفضي إلى إعادة تعويم النظام، بوصفه قوة سياسية على الأرض، ثانياً: الضغط على الأمم المتحدة لمنحه مساعدات مالية مقابل إزالة هذا القرار".

وزير المالية السوري مأمون حمدان

وأضاف: "ثالثاً: محاولة لكسب بعض الأموال من الدول الداعمة لملف إعادة السوريين من لبنان، وليكون بوابة للتهرب من العقوبات الأمريكية المفروضة على النظام، التي تمنع هذه الدول من مساعدته، لذلك فتح الأخير هذه النافذة غير الرسمية.

 رابعاً: التشويش على القضية السورية من خلال جعل مشكلة اللاجئين العالقين على الحدود أهم من مشكلة المعتقلين في سجون النظام، وخامساً: بعث رسالة للمشاركين باللجنة الدستورية، بأنّ مشروع كتابة دستور جديد لا أهمية له، خاصة إذا علمنا أنّ قرار فرض 100 دولار على المواطنين للدخول إلى بلدهم، هو مخالفة دستورية صريحة، والدستور الحالي يتمّ انتهاكه أمام العالم، فما مصير الدستور القادم!".

"مشكلة اللاجئين هي مشكلة دولية"

ويرى يونس؛ أنّ "قرار فرض مئة دولار، أو ما يعادلها من العملات التي يقبل بها البنك المركزي؛ كاليورو، أو الينّ الياباني، أو الجنيه الإسترليني، إضافة إلى العملة الإيرانية والعملة الروسية، هو أيضاً محاولة للقول إنّ مشكلة اللاجئين هي مشكلة دولية لهذه الدول، وعليها أن تدفع حتى تزيل هذه العرقلة، التي باتت تحرج لبنان، وتحرج أيضاً روسيا وإيران"، بحسب تعبيره.

المخرج دلير يوسف لـ"حفريات": ما الذي يعنيه أن يدفع شخص ما مئة دولار كي يعود إلى وطنه الأم؟ أليس هذا هو الإذلال؟! ماذا يفعل من لا يملكون ذلك؟

ويضيف: "النظام لم يعد يتحمّل سوريين أكثر داخل سوريا؛ لأنّ بنيته الاقتصادية منهارة، كما أنّه يطلب من اللاجئين على الحدود أن يصرفوا الدولار على سعر 435 ليرة سورية، في حين أنّ سعر صرف الدولار في السوق 2200، هذا الفارق الكبير بين السعرين هو خسارة كبيرة للمواطن السوري".

أما الكاتب والمخرج السوري، دلير يوسف، فقال لـ "حفريات": "هذا النظام يسرق السوريين بكلّ الوسائل الممكنة. مثلًا؛ كلّما أراد سوريّ أن يستخرج جواز سفر، عليه دفع ما يقارب 800 دولار أمريكي ليحصل عليه، ويكاد يكون دون فائدة، فلولّا أنّه الوثيقة الرسميّة الوحيدة لملايين السوريين لما دفع أحدٌ قرشاً لسفارات هذا النظام من أجل الحصول على جواز السفر هذا".

الكاتب والمخرج السوري دلير يوسف

وفي نظره "هذا النظام يهين السوريين ويذلّهم، فبعد أن سرق موارد البلاد وأفقرها، ومن ثمّ دمّر بنيتها التحتيّة، مثلما دمّر حيوات السوريين، فها هو يسطر سطراً جديداً في كتاب نذالته؛ ما الذي يعنيه، إذاً، أن يدفع شخص ما مئة دولار أمريكي كي يعود إلى وطنه الأم؟ أليس هذا هو الإذلال؟! ثمّ؛ ماذا يفعل الفقراء ممن لا يملكون هذه النقود؟ ماذا تفعل عائلة مكوّنة من خمسة أشخاص؟".

مئة دولار أمريكي. يا إلهي

ويتابع دلير: "مئة دولار أمريكي. يا إلهي؟ هذا كثير جداً على السوريين، هذا كثير على الطبقة الوسطى التي مُسحت بفعل الحرب؛ فماذا يفعل ملايين الفقراء؟ حتى قبل الحرب كان هذا المبلغ كبيراً؛ أذكر أنّ أحد أعمامي في بداية مسيرته الوظيفيّة في إحدى دوائر الدولة، وهو خريج جامعي من إحدى الجامعات الأوروبية، كان يتقاضى حوالي مئة دولار أمريكي كراتبٍ شهري".

اقرأ أيضاً: هل تتمخض الفوضى في سوريا عن نظام جديد؟

ويرى دلير أنّ السوريين الذين يفترشون المنطقة الحدوديّة بين سوريا ولبنان "لا حكومة لبنان الفاسدة تفعل شيئاً لهم، ولا النظام السوري يفعل شيئاً لهم، يريدون إذلالهم وإفقارهم أكثر مما هم فقراء، وكأنّ نظام الأسد يقول: سوريا المفيدة هي سوريا اللي أصنعها، مكان للموالين الأغنياء، أما الآخرين فلا مكان لهم في مزرعتي الخاصة".

وكانت صفحة "اللاجئون شركاء (Refugees = Partners)" على الفيسبوك قد نشرت خبراً جاء فيه؛ أنّ "عناصر الدفاع المدني اللبناني قد عثروا على جثة فتاة شابة عمرها 17 عاماً عند نقطة المصنع الحدودية مع سوريا، بتاريخ 5 أيلول (سبتمبر) من الشهر الجاري؛ حيث رجح ناشطون أن يكون سبب الوفاة سقوطها من سفح الجبل المتاخم للنقطة الحدودية، أثناء محاولتها العبور بطريقة غير شرعية، فيما لم يتسنَّ لنا التحقق حتى الساعة من تقرير الطبيب الشرعي في مستشفى "الهراوي" الحكومي بمدينة زحلة".

اقرأ أيضاً: سوريا.. هل ينهي التصعيد الروسي الأخير "هدنة إدلب" الحساسة؟

وأفاد التقرير بأنّ المعلومات المتداولة على صفحات الإنترنت تشير إلى أنّ الفتاة "كانت عالقة على الحدود بعد عجزها عن تأمين مبلغ 100$ فرضته الحكومة السورية على كلّ من يريد العودة، وهذا ما دفعها لتلك المجازفة التي أودت بحياتها".

وفي تعليق رسمي على قرار التصريف؛ صرّح مدير إدارة الهجرة والجوازات، اللواء ناجي النمير، بأنّ "المواطن السوري الذي لا يمتلك 100 دولار لتصريفها على الحدود، يجب أن يعود من حيث أتى"!


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية