لماذا يصف التونسيون 2023 بعام الجباية بامتياز؟

لماذا يصف التونسيون 2023 بعام الجباية بامتياز؟

لماذا يصف التونسيون 2023 بعام الجباية بامتياز؟


17/01/2023

لم يُبالغ التونسيون حين وصفوا موازنة العام 2023 بأنّه يعني أنهم مقبلون على عام "الجباية" بامتياز. سيدفع التونسيون ضرائب بزيادة 12.5 % في مجملها عن موازنة العام 2022، والتي شهدت زيادة هي الأخرى في ضريبة الدخل والشركات وغير ذلك، وتمثّل الضرائب على الأجور 47% من مجموع الضرائب المتوقع تحصيلها.

تأتي تلك الزيادة الكبيرة في الضرائب بهدف سدّ عجز الموازنة الذي بات مزمناً. ومن المتوقع أنّ يبلغ العجز هذا العام 7.5 مليار دينار تونسي (2.4 مليار دولار)، في الموازنة التي شهدت زيادةً بنسبة 14.5 % عن موازنة العام 2022.

موازنة مثيرة للجدل

صدرت موازنة العام الجاري في تونس بعد توقيع الرئيس قيس سعيد، المرسوم رقم (79) لعام 2022 بتاريخ 22 كانون الأول (ديسمبر) لعام 2022، باسم "قانون المالية العامة". وقُدرت الموازنة بنحو 100.4 مليار دينار تونسي، باحتساب سعر 89 لبرميل النفط. وتعادل الموازنة 32.1 مليار دولار تقريباً، عند سعر صرف 3.12 دينار تونسي للدولار الأمريكي.

وقُدرت النفقات بنحو 53.921 مليار دينار، وحجم المداخيل بنحو 46.424 مليار دينار، مع عجز بلغ نحو 7.497 مليار دينار (حوالي 2.4 مليار دولار)، تخطط الحكومة لتأمينهم عبر الاقتراض الداخلي والخارجي والمنح والهبات الدولية.

يرى الكاتب والمحلل السياسي التونسي، نزار الجليدي، أنّ القراءة الأولى للموازنة تفيد بأنها سنة الجباية بامتياز، في ظل أنّ الدولة لا تملك مدخرات ولا إنتاجاً قوياً، مع تعطل كل وسائل الإنتاج خلال عهد الإخوان.

نزار الجليدي: تعطلت كل وسائل الإنتاج خلال عهد الإخوان

من جانبه، قال الأكاديمي والباحث في الاقتصاد، آرام بلحاج، بأنّ قانون المالية جبائي؛ لأنه تضمن العديد من الإجراءات الجبائية. وأشار لـ"حفريات" إلى وجود بعض الإجراءات الإيجابية منها الاجتماعية وما يتعلق بالاقتصاد الأخضر والدائري. لكنّ أغلب الفصول تضمنت ترفيع في الجباية، خاصة ضريبة القيمة المضافة على العديد من المنتجات، وخفض ميزانية الدعم، وهذا في الحقيقة معناه الاستجابة لتوجيهات صندوق النقد الدولي، بحسب الأكاديمي التونسي.

وأرجأ الصندوق اجتماع مجلس إدارته بخصوص منح تونس قرضاً بقيمة 1.9 مليار دولار على عامين، في 14 من الشهر الماضي، لإتاحة الفرصة للمسؤولين التونسيين لإجراء تعديلات على البرنامج الإصلاحي، على أن يُعقد اجتماع بين الطرفين خلال الشهر الجاري. ومن جانبهم شدد مسؤولون تونسيون على ضرورة التوصل لاتفاق مع الصندوق للحصول على القرض لسدّ عجز الموازنة، والتمهيد لعقد اتفاقيات تمويل أخرى.

رغم الصورة القاتمة للاقتصاد التونسي، إلا أنّ هناك مؤشرات إيجابية أشار إليها تقرير لصندوق النقد الدولي، وهي أنّ معظم الديْن الخارجي والعام مُقتَرض من دائنين رسميين

وتعرضت البلاد لضغوطات اقتصادية عنيفة خلال أزمة كورونا التي أدت إلى تراجع عائدات السياحة، قبل أنّ تعاود الانتعاش في العام الماضي، محققة دخلاً بلغ 1.31 مليار دولار. وكان لتبعات الحرب الروسية في أوكرانيا تأثير  سلبي على الاقتصاد، وبحسب تقرير لوزارة المالية حول عام 2022، (11 شهراً) سجلت تونس عجزاً تجارياً خارجياً في حدود 7.4 مليار دولار، مقارنةً بـ 4.6 مليار دولار في عام 2021. وعزت الوزارة التراجع في تغطية الواردات بالصادرات إلى ارتفاع العجز التجاري لقطاع الطاقة، حيث يمثل 39.5 %من العجز التجاري الكلي، وذلك على خلفية ارتفاع أسعار الطاقة العالمية.

ما هي البدائل؟

وتواجه الحكومة التونسية برئاسة نجلاء بودن تحديات داخلية كبيرة، بعد عودة الخلاف مع الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر كيان نقابي في البلاد، بسبب التخوف من توجه الحكومة نحو إصلاح القطاع العام. وقال بيان الاتحاد في 21 من الشهر الماضي "خيار الحكومة حصر مصادر التمويل للميزانية العمومية في القروض الخارجية هو سياسة خرقاء قتلت روح المبادرة". فضلاً عن تعقيد آفاق التفاوض بين الطرفين بسبب طرح الاتحاد مبادرة سياسية، وتشكيكه في مصداقية الانتخابات التشريعية.

د. آرام بلحاج: هامش التحرك لتعبئة الموارد ليس كبيراً

بدوره أوضح الأكاديمي المتخصص في الاقتصاد، آرام بلحاج، أنّ وجود موارد غير جبائية في الموازنة تُقدر بنحو 6 مليارات دينار، يُفهم منها أنّه من المحتمل التفريط في بعض المؤسسات العامة أو مساهمتها، وهو ما يتناغم مع توجهات صندوق النقد.

ونوه الكاتب التونسي، نزار الجليدي لـ"حفريات" بأنّ قطاعات السياحة والفوسفات وزيت الزيتون من أهم مصادر الدخل، ودعم موازنة الدولة، إلا أنّه في الوقت الذي تضاعف فيه سعر الفوسفات في السوق العالمي 5 مرات، باتت تونس مستوردة له، وكذلك الحال في تراجع إنتاج زيت الزيتون.

وأرجع الجليدي ذلك إلى الشلل الاقتصادي الذي ضرب البلاد خلال العشرية السابقة من حكم الإخوان، فضلاً عن توسع الاضرابات، وتعطيل الكيانات العمالية المتفرقة لوسائل الإنتاج، بجانب فرار الاستثمار وتعطيل الفساد للإنتاج، ما يهدد بعاصفة اجتماعية.

الاقتصادي آرام بلحاج لـ"حفريات": التعويل على الحلّ الجبائي ليس سليماً ويجب المرور عبر صندوق النقد الدولي بجانب استخلاص العديد من الموارد الجبائية غير المستخلصة

وبحسب المعهد الوطني للإحصاء، بلغ عجز الميزان التجاري في قطاع الفوسفات ومشتقاته نحو 15.2% لعام 2022، في ظل ضعف الاستثمار الحكومي في القطاع، وغياب آفاق للاستثمار الخاص بسبب تعقيدات وصعوبة بيئة الاستثمار.

وبسؤاله عن البدائل أمام الحكومة لسدّ عجز الموازنة، أفاد الاقتصادي آرام بلحاج، بأنّ هامش التحرك لتعبئة الموارد ليس كبيراً. وتابع بأنّ التعويل على الحلّ الجبائي ليس سليماً، ويجب المرور عبر صندوق النقد الدولي، بجانب استخلاص العديد من الموارد الجبائية غير المستخلصة، ودعم الإنتاج الوطني. وحذّر بلحاج من أنّ عدم المضي قدماً في التفاوض مع صندوق النقد يفتح الباب أمام تمويلات ثنائية ومتعددة الأطراف بكلفة أعلى.

تعقيدات بنيوية

ورغم رفع الحكومة الضرائب في موازنة العام 2023، إلا أنّها تواجه مشاكل عديدة في تحصيل الضرائب من قطاعات عديدة، وهو ما جعلها عرضةً للنقد من غالبية المواطنين الذين يتحملون العبء الأكبر.

وبحسب دائرة المحاسبات (محكمة المحاسبات) التابعة لوزارة العدل، تراكمت بقايا الديون الجبائية المثقلة وغير المستخلصة والتي تمثل مستحقات الدولة لدى المطالبين بالأداء لتبلغ في نهاية العام 2019 ما قيمته 10.252 مليار دينار، حوالي 3.28 مليار دولار تقريباً، ولم يتعدَ التحصيل نسبة 8.1% على ما بين (2013-2019).

تسببت الطاقة في تعمق عجز الميزان التجاري في العام 2022

إلى جانب ذلك، تمثّل الأجور في العمل الحكومي والعام بحسب بيانات العام 2016 نحو 65% من الإيرادات الضريبية و14% من إجمالي الناتج المحلي و45% من مجموع الإنفاق، وتعتبر أعلى نسبة مقارنةً بدول العالم. وتسعى الحكومة إلى إصلاح بند الأجور عبر تقليص التعيينات في الوظيفة العمومية، بعد الزيادات الكبيرة التي شهدتها في العام 2011، وقدرت مخصصاتها في العام الحالي بنحو 7.29 مليار دولار.

في السياق ذاته، يعتبر غياب رؤية تنموية شاملة من أهم أسباب التخوف لدى قطاعات واسعة من المواطنين. ويوضح الأكاديمي آرام بلحاج، بأنّ هناك مشكلة في رؤية الحكومة، ومنها المخطط التنموي (2023-2025) بمداه الزمني القصير جداً، والذي أُعد بطريقة سريعة ومتسرعة. ولفت بلحاج إلى أنّ غياب الرؤية جعل هاجس الحكومات المتتالية هو تعبئة الموارد اللازمة لضمان النفقات الكبيرة جداً، وهذا خطأ، ويجب التركيز على القطاعات الواعدة، والبدء في الإصلاح بخيارات وطنية تونسية.

ورغم الصورة القاتمة للاقتصاد التونسي، إلا أنّ هناك مؤشرات إيجابية أشار إليها تقرير لصندوق النقد الدولي، وهي أنّ معظم الدين الخارجي والعام مُقتَرض من دائنين رسميين، وغياب مخاطر التقلبات الكبيرة في أسعار الصرف، بجانب أنّ البنوك التونسية ليس لديها إلا تعرض محدود للدين السيادي والالتزامات المقومة بالنقد الأجنبي.

ومن بين مقترحات برنامج الصندوق لعلاج عجز الموازنة، اتباع سياسات لتحقيق مزيد من الخفض لدعم الوقود على نحو مراعٍ للاعتبارات الاجتماعية، واحتواء فاتورة أجور جهاز الخدمة المدنية التي لا تزال ضمن أعلى فواتير الأجور في العالم، فضلاً عن إصلاح البيئة التشريعية لجذب الاستثمار الأجنبي.

يذكر أنّ حجم الدين العمومي المسجل في نهاية 2022، بلغ نحو 35.8 مليار دولار أمريكي، يتوزع على دين داخلي قدره 14.5 مليار دولار، ودين خارجي بنحو 21.1 مليار دولار، وبلغت خدمات الدين 1.13 مليار دولار في العام 2022.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية