لماذا يسعى الغنوشي إلى تغيير نظام الحكم في تونس؟

لماذا يسعى الغنوشي إلى تغيير نظام الحكم في تونس؟


10/02/2021

جدلٌ كبير فجّرته تصريحات رئيس حركة النهضة الإسلامية، راشد الغنوشي (رئيس البرلمان)، التي دعا فيها إلى تغيير نظام الحكم في تونس، من شبه برلمانيّ إلى برلمانيّ كامل، ما أثار انتقادات واسعة، واتهامات له بالسعي إلى تفكيك الدولة وإضعاف دور رئيس الجمهورية، من خلال إفراغه من كلّ الصلاحيات الموكلة إليه، في ظلّ خلاف بينه بين الرئيس قيس سعيّد.

الغنوشي يسعى للقضاء على كلّ الصلاحيات الموكولة للرئيس ويريد نظاماً تكون خلاله كل خيوط اللعبة بيده، كما يريد تأبيد بقائه في السلطة

يأتي تصريح الغنوشي إثر أزمةٍ دستورية بالبلاد، بعد رفض الرئيس التونسيّ، قيس سعيّد، دعوة الوزراء الجدد الذين عيّنهم رئيس الحكومة، هشام المشيشي، بضغط من حركة النهضة، في التعديل الحكومي الجديد، لأداء اليمين الدستورية أمامه بعد نيلهم ثقة البرلمان، في 26 كانون الثاني (يناير) الماضي، بسبب وجود شبهات فساد وتضارب مصالح لدى بعضهم.

وتعتمد تونس نظام حكمٍ برلماني معدلاً، وفق ما جاء به دستور 2014، ويُنتخب الرئيس مباشرةً من الشعب، غير أنّ صلاحياته محدودة، وهي مرتبطة بالدفاع والأمن القومي والدبلوماسية، فيما يتمتع رئيس الحكومة بصلاحياتٍ تنفيذيةٍ واسعة، وهو مرشح الحزب الفائز في الانتخابات، لكنّ رئيس الحكومة الحالي، هشام المشيشي، كلّفه الرئيس سعيّد، بعد فشل الأحزاب في التوافق على مرشّح في الآجال الدستورية المحدّدة.

اعتراف بالفشل

وكان الغنوشي قد اقترح تغيير النظام السياسيّ، والذهاب إلى نظام برلمانيّ بالكامل، يتمّ فيه الفصل بين السلطات الثلاث، وتكون السلطة التنفيذية كلّها بيد الحزب الفائز في الانتخابات، الذي يقترح رئيس الوزراء، مشيراً إلى أنّ تونس تعيش اليوم صعوبة المزج بين النظام الرئاسي والبرلماني.

اقرأ أيضاً: الغنوشي يصطاد في مياه الأزمة التونسية... وهذا ما طالب به

وشدّد على أنّ الدستور فرض توزيع السلطات بين السلطة التنفيذية والتشريعية، لافتاً إلى تعطل إنشاء المحكمة الدستورية، الأمر الذي فتح باب تأويل الدستور من قبل رئيس الجمهورية، وهو ما رآه المحلل السياسيّ، باسل ترجمان، اعترافاً من قبل راشد الغنوشي بالفشل الرسمي لدستور 2014، ولتجربة عشر سنوات من الحكم صنعتها حركة النهضة الإسلامية، مشيراً إلى أنّ الغنوشي صار يتصرّف تماماً كتلميذ بالسنة الأولى كتب درسه بالطريقة الخطأ، وهو اليوم يحاول مسحه وإعادة كتابته ثانيةً.

المحلل السياسيّ، باسل ترجمان

وقال ترجمان، في تصريحه لـ "حفريات"؛ إنّ الحديث عن تغيير النظام السياسي القائم، هو محاولة من الغنوشي وحركته للهروب من الفشل السياسيّ، الذي يطبع ممارساته وتصرفه في البرلمان، ومحاولة للتصدّي لمطالب شعبية تتصاعد بشكلٍ كبير، وتطالب بحلّ هذا البرلمان الذي أثبت فشله باعتراف الغنوشي نفسه.

اقرأ أيضاً: بعد سجن القروي: هل يخسر الغنوشي رئاسة البرلمان؟

المحلل السياسيّ أضاف أيضاً أنّ الغنوشي يعي جيّداً أنّه من المستحيل انتخابه مباشرةً من طرف الشعب رئيساً للبلاد، لذلك هو يحاول الهروب من مواجهة استحقاقات الفشل، الشخصيّ والسياسيّ، مشدّداً على أنّ تغيير نظام الحكم يحتاج، أوّلاً، إلى تغيير الدستور وإجراء استفتاء شعبي، غير أنّ من وضعوا دستور 2014 تعمّدوا وضع جملةٍ من العراقيل لمنع ذلك.

ورأى باسل ترجمان؛ أنّ الغنّوشي يدفع اليوم ثمن ما اقترفت يداه منذ 2011 إلى اليوم.

صراع السلطات وتعميق الأزمة

الغنوشي قال، في التصريحات نفسها أيضاً؛ إنّ "دور الرئيس التونسيّ، قيس سعيّد، في الدولة رمزي"، وذلك تعليقاً على رفضه التعديل الوزاري الذي أجراه رئيس الحكومة، هشام المشيشي، بسبب شبهات الفساد التي تلاحق عدداً من الوزراء الجدد.

وأشار الغنوشي إلى أنّ سعيّد "يمتنع عن قبول أداء القسم للفريق الجديد من الوزراء، بالتالي؛ هو يرفض التعديل الوزاري، ويعتقد أنّ له الحقّ في أن يقبل بعض الوزراء ويرفض البعض الآخر"، معتبراً أنّ الاتهامات الموجهة إلى الوزراء الجدد "مجرد مكائد هدفها إسقاط التعديل الوزاري".

الناشط السياسيّ محمد الحامدي لـ"حفريات": حركة النهضة تسعى لإرساء نظام سياسي برلماني، لا يترك لرئيس البلاد أيّة صلاحية، لتستطيع التحكم بالبلاد وفق أهوائها

تصريحٌ عدّه خبراء الاتصال تعميقاً للأزمة القائمة بين الغنوشي وقيس سعيّد، الذي يدافع منذ حملته الانتخابية على النظام الرئاسي، خصوصاً أنّ رئيس حركة النهضة أقرّ سابقاً بوجود "صراع عنيف" بين النظامَين، الرئاسي والبرلماني، في البلاد، إلى جانب التراشق الحادّ بين الطرفين منذ بداية المدة النيابية الحالية (أواخر 2019)، حول طبيعة النظام السياسي في تونس.

وفي هذا السياق، يرى الناشط السياسيّ، محمد الحامدي؛ أنّ برنامج حركة النهضة، منذ أيام المجلس الوطني التأسيسي (2011-2014)، يسعى لإرساء نظام سياسي برلماني، لتكون كلّ الصلاحيات بيده، وكي لا يتركوا لرئيس البلاد أيّة صلاحية، ليستطيعوا التحكم بالبلاد وفق أهوائهم.

الناشط السياسيّ، محمد الحامدي

وأضاف الحامدي، في تصريحه لـ "حفريات": "الغنوشي يعي أنّ حركته تتمتع بنسبةٍ مهمةٍ من مقاعد البرلمان؛ لذلك يريد نظاماً تكون خلاله كلّ خيوط اللعبة بيده، كما أنّه يسعى للقضاء على كلّ الصلاحيات الموكولة لرئيس البلاد وإسنادها لنفسه ولحركته، معتبراً أنّ هذا النظام لا يتماشى مع تونس، التي ما تزال في السنوات الأولى من الديمقراطية، بل يتماشى مع تجارب ديمقراطية متطوّرة في العمل السياسي.

وكان الرئيس التونسي قد وجّه انتقادات مبطنة، في أيار (مايو) الماضي، إلى تحركات النهضة الخارجية، قائلاً إنّ "الدولة التونسية واحدة ولها رئيس واحد في الداخل والخارج على السواء"، رداً على تخطي صلاحياته الدستورية عبر عقد لقاءات دولية خارجية، والتعدي على وظيفة الرئاسة.

مساعٍ لتأبيد بقاء حركة النهضة

دعوات الغنوشي لتغيير نظام الحكم من شبه برلماني إلى برلماني، فسّرها محللون على أنّها خطوةٌ جريئة لإطالة بقاء النهضة في السلطة لأكثر وقتٍ ممكنٍ، بوجود تمثيلية برلمانية كبيرةِ، وإن تراجعت بمرور المحطات الانتخابية، غير أنّها ما تزال كافية لهيمنة حركة النهضة، خصوصاً أنّها ما انفكت، منذ عودة نشاطها إلى العلن إثر الثورة التونسية، تجري عملية هيمنة مستمرة ودؤوبة على كلّ أجهزة الدولة، وعلى كلّ مقدرات البلاد.

اقرأ أيضاً: الغنوشي يدين عنف حليفه في البرلمان... من هو؟

 كما أنّها مرّت في استنساخ كلّ ما كانت تنتقده في نظام بن علي، من تداخل بين الحزب والدولة، وتوظيف كلّ أجهزة الدولة ومؤسساتها لخدمة الحزب، وفق ما أكّده رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان، مصطفى عبد الكبير، الذي رأى أنّ الغنوشي يريد من خلال إرساء نظام برلماني تأبيد البقاء في السلطة، والذهاب لفرض وضعية سياسية تونس غير قادرة عليها في الوقت الحالي.

 رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان، مصطفى عبد الكبير

وأشار عبد الكبير،  في تصريحه لـ"حفريات"، إلى أنّ الغنوشي يسعى إلى عزل كلّ الأطراف الأخرى سواه، خاصةً رئيس الجمهورية، وهو ما أكّده في تصريحه الذي قال فيه: إنّ "وجود رئيس البلاد بروتوكولي ورمزي"، لافتاً إلى أنّ الغنوشي شيخ هرمٌ في السياسة، ويدرك جيّداً أنّ الذهاب سريعاً إلى النظام البرلماني سيؤبد وجودهم كطرفٍ سياسي مهمّ في الحكم، ويقلّص بروز قوى أخرى.

اقرأ أيضاً: أراد التونسيون حواراً فهددهم الغنوشي بالحرب.. هل يؤمن الإخوان بغير العنف؟

رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان يرى أيضاً؛ أنّ الوضع في تونس، وفي كلّ دول العالم الثالث التي تعرف ضائقةً ماليةً، لا يحتمل التحدّث عن ديمقراطية ناضجةٍ، في ظلّ وجود مالٍ فاسدٍ، وشراء أصوات الناخبين، إلى جانب تغلغل اللوبيات الاقتصادية في العملية السياسية، و أنّ الحديث عن تغيير النظام إلى نظام برلماني كاملٍ سيضرّ بالبلاد، وسيدفع إلى مزيدٍ من الانقسام والتباعد بين الأطراف المكونة للمشهد السياسي.

وشدّد عبد الكبير على أنّ تونس تحتاج، اليوم، إلى نظام رئاسي معدل، يراوح بين النظام البرلماني والرئاسي، لأنّها ما تزال بعيدةً عن النفس الديمقراطي.

وتتهم عدّة أحزابٍ سياسية حركة النهضة بالتغلغل في مفاصل الدولة ونشر منخرطيها والمقربين منها في عديد الخطط الإدارية، وأنّها متورطة في ملفات تبييض أموال، وتمتلك أربع قنوات تلفزية، للدعاية لها ولبرنامجها السياسي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية