لماذا يستهدف الإرهاب مصر؟

لماذا يستهدف الإرهاب مصر؟


11/07/2021

منذ صعود حركات التطرف في النصف الثاني من القرن العشرين، ظلت الجماعات الإرهابية تولي مصر "اهتماماً خاصاً" وتعتبرها أهم أهدافها الاستراتيجية، نظراً لخصوصية موقعها الاستراتيجي، وعمق وتاريخ تلك الحركات فيها.

صناعة بيئة الفوضى

عبر مقاطع فيديو موجهة إلى ما سموه "المجاهدين في مصر"، وأيضاً مئات المقالات وعشرات الكتب دعت التنظيمات الإرهابية، ومنها القاعدة وداعش، إلى استخدام النخبة المتأثرة بالفكرة الجهادية، التي تشكِّل العمود الفقري لبنيتها السياسية والعسكرية، مع رفدها بحلفاءٍ محلَّيين انتهازيين من أجل صناعة بيئة الفوضى.

وفي "الدليل العملي لحرب العصابات"، وهو كتاب نشره تنظيم القاعدة منذ سنوات فإنّ إثارة الفوضى يستلزم لها الاستنزاف أو (الدفاع الاستراتيجي)، عن طريق تنفيذ عمليات مفاجئة ومذهلة، سوف تخلق تأثيراً إيجابيّاً، و"التوازن الاستراتيجي النسبي"، عندما يتمكن المقاتلون من بناء جيش والسيطرة على المناطق التي استطاعوا انتزاعها من النظام، ثم "الفتن والاضطرابات السياسية الداخلية"، وهي التي يصفونها "بالمرحلة الحاسمة".

أما الداعشي أبو اليزيد الهرماسي فقد ذكر في كتابه "سر الأحجية المصرية" أنّه لكي يصلوا لحكم مصر والسيطرة عليها عليهم إدراك عدة محاور: حقيقة من يحكم مصر؟ وماذا تريد أمريكا والنظام العالمي من مصر؟ والطريق الموصل الاستقرار أم الفوضى؟

وفق "الدليل العملي لحرب العصابات" الذي نشرته القاعدة فإنّ إثارة الفوضى يستلزم الاستنزاف بتنفيذ عمليات مفاجئة ومذهلة

يقول في سطور الكتاب: "مصر ستظل محور اهتمامات القاصي والداني، الشرقي والغربي، البر والفاجر، المسلم والكافر، فهي رمانة ميزان الاستقرار للغرب الكافر ببلاد المسلمين ومنطلق فوضى الانهيار العالمي؛ لذلك هي أم الدنيا فعند استقرارها تستقر الدنيا وعندها انشطارها تنشطر الدنيا، وهنا تكمن أحجية الساسة والعامة من مثقفين وسياسيين ومنظرين"، متسائلاً: كيف نفتح مصر؟ ثم سرد خطوات محددة لما يسميه النكاية والإنهاك، أولاً عن طريق: إثارة الفوضى بين الجهات المنوطة بحمل السلاح وهي: (الجيش والشرطة والمسيحيين الأقباط) باستدراج عناصر منهم لعمل عمليات ضد فريق آخر، وتأليب فريق على آخر بالإعلام، والمال، وتذكير أناس موحدين صادقين من داخلهم بشرعية العمل وفضله. 

اقرأ أيضاً: الإخوان ونهاية تاريخ مصر

ثانياً: إنهاك الدولة بإسقاط منظومة المال باستهداف الموانئ وممرات الملاحة والمباني الاقتصادية والمالية مثل البنك المركزي ومقرات البورصة والبنوك وإضعاف الجنيه أمام العملات الأخرى ومنظومة الطاقة من كهرباء ونفط وغاز.

ثالثاً: تطفيش كل الاستثمارات الأجنبية، والعربية من مصر باستهداف الشركات والمؤسسات الخليجية والأجنبية استهدافاً مباشراً من خلال اختطاف الرعايا، وحرق المصانع والشركات متعددة الجنسيات.. الخ.

رابعاً: اغتيال من لا يرافقهم حراسة من القضاة وضباط الشرطة والجيش والإعلاميين. وخامساً: إشعال المناطق القبلية في سيناء ومطروح ووادي النطرون وما خلفهم من مناطق بالقتل العنصري للأقباط، وتكوين مجموعات من الشباب، خاصة أبناء الجامعات الخاصة وتدريبهم على الاختراق ورفع مستوى أمنياتهم.

لكن الهرماسي يجد مشكلة كبيرة وهي تمسك المصريين ببلدهم فيقول: "تكمن الأحجية المصرية في إجماع المصريين بجميع طوائفهم وفئاتهم وأيدولوجياتهم بل وعقائدهم الدينية على حب بلادهم والحياة فيها والتمتع بها والاستقرار بأرضها، فرغم خروج الكثير من أهل الإيمان إلى الجهاد في مواطن كثيرة وبذلوا أنفسهم لذلك إلا أنهم قلة لغيرهم".

الداعشي أبو اليزيد الهرماسي: مصر ستظل رمانة ميزان الاستقرار للغرب الكافر ببلاد المسلمين

في نفس الكتاب يرد أنه لحل مشكلة الشعب المصري الوطني فإنّ المرحلة الأولى من عملهم هي صراع فكري، ثم تأتي بعدها العمليات النوعية من مهاجمة أو تدمير منشآت أو اغتيالات، ثم المرحلة الخاصة بالشرطة، حتى يبدأ الأمن في فقدان السيطرة على الشوارع فتبدأ تدريجياً مرحلة الفوضى، وتبدأ المرحلة الثالثة - وهي التي تختص بالأقباط-، وستعتمد هذه على الصراع الاقتصادي من خلال تدمير المحلات التجارية، ومن ثم الدخول في المرحلة الرابعة وهي اغتيال الأقباط واستهدافهم.

اقرأ أيضاً: المصالحة التركية المصرية.. هل يرغب أردوغان فعلاً بالتخلي عن الإخوان؟

يقول الهرماسي: لا بد أن تعتمد استراتيجية التنظيم على استخدام النخبة المتأثرة بالفكرة الجهادية، التي تشكِّل العمود الفقري لبنيتها السياسية والعسكرية، مع دمجها من جماعات شريكة وحليفة، أو خلايا منفردة، أو ما يسمى الجنود التائهة داخل المدن والمراكز الحيوية، أو ذئاب منفردة، بحيث إن كل عضو يمثل جيشاً من رجل واحد، مع التركيز على المساجد والمؤسسات الدينية لسهولة الاختلاط والتأثير باللعب على العواطف الدينية في محاولة لتشكيل جماعات صغيرة العدد، أو حتى أفراد يعتنقون الأفكار الجهادية ويرتبطون أيديولوجيا بالتنظيم الأم، ويكونون مستعدين للتحرك بصورة منفردة.

الإرهاب ومركزية العمل بمصر

في الكتاب الذي أصدره داعش وهو "الطريق إلى أمة الخلافة" فقد قسّم التنظيم المصريين إلى: مجتمع قبلي؛ بسيناء شرقاً، ثم بمطروح غرباً، ومجتمعات تتدرج بين المجتمع القبلي الخالص وبين المجتمع الزراعي الخالص، مثل جنوب الصعيد؛ قنا والأقصر وأسوان، وسط وشمال الصعيد؛ أسيوط والمنيا وسوهاج وبني سويف، الشرقية وبعض القليوبية ثم البحيرة، ومجتمعات تجارية وصناعية؛ مثل: مدن القناة والمحلة، ثم الإسكندرية والقاهرة وبعض المدن الكبرى، ومجتمعات زراعية خالصة، وهو مجتمع زراعي نيلي فرعوني؛ دلتا مصر، مشيراً إلى أن مهمة التنظيم يجب أن تندرج في حفظ المجتمع من السلطة، كمثال: نشر ثقافة امتلاك السلاح بين الناس.

يستند مؤلف الكتاب، أبو بكر أحمد، إلى نبوءة ويعتبرها سر الأحجية المصرية وهي حديث أبي هريرة: "منعت العراق درهمها وقفيزها. ومنعت الشام مديها ودينارها. ومنعت مصر إردبها ودينارها. وعدتم من حيث بدأتم. وعدتم من حيث بدأتم. وعدتم من حيث بدأتم" صحيح مسلم، وأنّ الدور الذي بدأ بالعراق ثم الشام سيحل بمصر لا محالة، وفق قوله.

يقول: "لا يقوم جهاد تمكين، مهما كان عدد من يقوم به، ومهما كانت قوتهم، حتى يكون المجتمع مؤهلاً لذلك، أولاً. وأقرب المجتمعات في مصر، حسب طبيعتها الاجتماعية، وبعدها عن شكل وطبيعة المجتمع الفرعوني، لقيام جهاد تمكين، وقيام أمة خلافة هو سيناء، ثم يتدرج الأمر من مطروح إلى جنوب الصعيد إلى شماله، والمراكز الشرقية قبل الغربية، ثم يتدرج الأمر بنا إلى الوصول إلى داخل الدلتا، التي يصعب جداً أن يكون فيها الأمر في هذا الجيل إلا إن كان فتح".

داعش: من أهم الوسائل للوصول لحكم مصر بناء رؤية واعية تبرز دور التنظيم والاهتمام بالنشاط الدعوي

يرى أبو بكر أحمد أن من أهم الوسائل للوصول لحكم مصر بناء رؤية واعية تبرز دور التنظيم، والاهتمام بالنشاط الدعوي، مثال تفعيل الدور الاجتماعي للمسجد، والمسجد، حيث ينبغي أن يكون هو الأساس الأول للبناء كله، ثم العمل على تكوين وتفعيل الوحدات الاجتماعية في المجتمع، بتفعيل محاكم شرعية، أو لجان فض منازعات شرعية بين الناس؛ أفراداً وجماعات ثم تكون العمليات العسكرية محدودة ومحددة، ولخدمة أهداف سياسية ودعوية شديدة الوضوح.

رغم كل تلك الكتابات، ورغم الخطط المباشرة وغير المباشرة التي تم طرحها فإنّ تلك الجماعات فشلت في السيطرة المكانية، وفي حروب الاستنزاف التي شنتها بدءاً من العام 2011 وهو الذي شهد ظهور أكثر من 26 تنظيماً في مصر، وحتى الآن حينما اعترفت تنظيمات ومنها القاعدة بالهزيمة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية