لماذا يبدو الخليج العربي منطقة مهمة للصين؟

لماذا يبدو الخليج العربي منطقة مهمة للصين؟

لماذا يبدو الخليج العربي منطقة مهمة للصين؟


11/03/2024

يمرّ نفوذ الصين بمسار صعودي في منطقة الخليج منذ تولي الرئيس شي جينبينغ الحكمَ عام 2012/2013، وتزامن هذا الصعود مع تحولات جيوسياسية إقليمية شكّلت فرصاً لتوسيع النفوذَين الاقتصادي والسياسي الصيني في المنطقة. وأحد أهم هذه التحولات هو التغير في التصورات الاستراتيجية لدول الخليج إزاء الولايات المتحدة وموقعها كمزوّد للأمن في الخليج ومستقبله.

ومنذ عقد القمم الثلاث (الصينية- السعودية، والصينية- الخليجية، والصينية- العربية) خلال زيارة الرئيس الصيني للرياض في ديسمبر 2022، وما تلاها من وساطة بكين في توقيع اتفاق استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، زادت التوقعات بشأن توسع رؤية الصين لدورها في منطقة الخليج ومنطقة الشرق الأوسط الأوسع، سواء اقتصرت طبيعة هذا الدور على الوساطات الدبلوماسية أو امتدت إلى أداء دور أمني أيضاً.

ويتوقع أن يخلق اهتمام الصين بالمنطقة فرصاً وتحديات لدولها، وتفاعلات مستقبلية لا يمكن للدارسين للمنطقة ولتأثير تنافس القوى العظمى فيها تجاهلها. لذلك، وهو ما عبّر عنه مركز الإمارات للسياسات في أبوظبي من خلال كتاب صدر مؤخراً بعنوان "صعود الصين في منطقة الخليج" بقلم أحمد أبودوح ود. زينو ليوني وكارلوتا ريناودو، ينصبّ على دراسة هذه التفاعلات في ضوء فهم أولويات القيادة الصينية في المنطقة، والتداعيات المحتملة على مصالح دولها الاستراتيجية، وتفضيلات الولايات المتحدة، ومآلات ذلك. 

وكان الأكاديمي عبد الله باعبود، الباحث غير المقيم في مركز مالكوم كير–كارنيغي للشرق الأوسط، نشر مقالاً في موقع كارنيغي بعنوان "لماذا تبرز الصين كمروِّج أساسي للاستقرار في مضيق هرمز". حيث أجرى الباحث مايكل يونع حواراً بخصوص هذا المقال تناول الدور المتغيّر للصين في الشرق الأوسط، ولا سيما تجاه دول الخليج.

النفط والغاز

ويجادل باعبود بأن الصين، نظراً إلى اعتمادها على منطقة الخليج للحصول على كمية كبيرة من النفط والغاز، لديها مصلحة وازنة في الحفاظ على الاستقرار والأمن في المنطقة، وخير مثال على ذلك توسّطها مؤخراً في اتفاق المصالحة بين السعودية وإيران. لذا تتيح منطقة الخليج فرصة مهمّة للصين في تنافسها الجيو-استراتيجي العالمي مع الولايات المتحدة. فعلى خلاف واشنطن، تتمتع بكين بعلاقات ثنائية وثيقة مع الدول الواقعة على جانبَي مضيق هرمز. وستصبح الصين، مع تنامي مصالحها في المنطقة، طرفاً فاعلاً أساسياً في أمن المضيق. وهذا ما أكّده الاتفاق السعودي الإيراني، إذ ساهم في نزع فتيل التشنّجات في مضيق هرمز والمنطقة الأوسع.

يمرّ نفوذ الصين بمسار صعودي في منطقة الخليج منذ تولي الرئيس شي جينبينغ الحكمَ عام 2012/2013

ويضيف باعبود أنّ الوجود العسكري للولايات المتحدة وحلفائها في المضيق شجّع الصين على المشاركة في تحمّل عبء الحفاظ على أمن المنطقة لحماية مصالحها التجارية، ولا سيما أنّ بكين عُرضة للتأثّر بشدّة من الاختلالات التي قد تطرأ على الإمدادات النفطية. وأظهرت المساعي التي بذلتها الصين في تسهيل ولادة الاتفاق بين السعودية وإيران أنّ بكين تعوّل على النفوذ الاقتصادي الذي تتمتّع به في المنطقة لتعزيز دورها في التأثير على الديناميكيات الأمنية الإقليمية، ومدّ جسور دبلوماسية في المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية من أجل حماية مصالحها التجارية. لم تعد الصين "راكباً بالمجّان"، كما وصفها الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، يعمل تحت المظلّة الأمنية الأمريكية والغربية.

مبادرة الحزام والطريق الصينية

وبسؤاله كيف تندرج منطقة الخليج الأوسع ضمن مبادرة الحزام والطريق الصينية، وبأي طريقة يهدّد ذلك دور الولايات المتحدة في المنطقة، أجاب باعبود: لقد اتّسعت مصالح الصين في منطقة الخليج، متجاوزةً حاجاتها في مجال الطاقة لتشمل مجموعة أوسع من الأنشطة الاقتصادية، ما دفع بكين إلى النظر إلى المنطقة على أنها ذات أهمية استراتيجية. ويشير تنامي حجم الاستثمارات الصينية في المنطقة، ولا سيما في مشاريع البنى التحتية الكبرى مثل الاتصالات والخدمات اللوجستية، إلى الأهمية التي تتمتّع بها منطقة الخليج الأوسع في مبادرة الحزام والطريق الصينية. يؤدّي الشرق الأوسط، بفضل موقعه الاستراتيجي عند تقاطع أفريقيا وآسيا وأوروبا، دوراً أساسياً في طموحات بكين العالمية، ويُعدّ محورياً في التنافس المتنامي بين قوتَين عظيمتَين هما الصين والولايات المتحدة. وعلى الرغم من الانسحاب العسكري الأمريكي المتصوّر من الشرق الأوسط، تسعى واشنطن إلى إثبات التزامها المتواصل بأمن حلفائها في المنطقة، حيث لا تزال تحتفظ بوجود عسكري ملحوظ.

 

لدى الصين مصلحة وازنة في الحفاظ على الاستقرار والأمن في المنطقة، وخير مثال على ذلك توسّطها في اتفاق المصالحة بين السعودية وإيران

 

على الرغم من أنّ نفوذ الصين العسكري في المنطقة محدود، تشعر واشنطن بالقلق حيال الانخراط المتزايد للشركات الصينية في شراكات في مجالَي الموانئ والتكنولوجيا، بما فيها مشاريع البنى التحتية للاتصالات، مثل إنشاء شبكات الجيل الخامس التي تشارك فيها شركة هواوي الصينية. وقد وجّهت واشنطن تحذيرات إلى حلفائها بأنّ التعاون مع مثل هذه الشركات قد يعرّض آفاق التعاون الأمني المستقبلي مع الولايات المتحدة للخطر. لكن، على الرغم من تنامي حدّة المنافسة بين بكين وواشنطن، للجانبَين مصلحة في صون أمن المنطقة واستقرارها.

التنافس الأمني بين الصين وأمريكا

وسأل يونغ باعبود: يبدو أنّ الصين لا تستطيع أن تتنافس مع الولايات المتحدة على المستوى الأمني. لماذا هذا الأمر مهم، وكيف تتوقع أن تعالج الصين هذا الوضع؟

نفوذ الصين العسكري في المنطقة محدود

باعبود رد على ذلك بأنه: على الرغم من أنّ الجيش الصيني يحتلّ المرتبة الأولى عالمياً من حيث عدد القوات العاملة في الخدمة، فإنّ خبرات الصين العسكرية وإمكانياتها البحرية والجوية لا تزال متأخرة عن نظيرتها الأمريكية بشكل كبير. فعمليات تمديد النفوذ الأمريكي لا تزال بلا منازع، نظراً إلى شبكتها الواسعة من القواعد البحرية المنتشرة خارج الأراضي الأمريكية، في حين أنّ القاعدة العسكرية للصين في جيبوتي هي قاعدتها الوحيدة خارج حدودها. إضافةً إلى ذلك، لا تستطيع الصين بعد التنافس مع هيمنة واشنطن على سوق السلاح العالمي، إذ بلغت حصة الولايات المتحدة من تجارة الأسلحة العالمية 40 في المئة بين 2018 و2022، مقارنةً مع 5.2 في المئة للصين.

 

رغم أنّ نفوذ الصين العسكري في المنطقة محدود، تشعر واشنطن بالقلق حيال الانخراط المتزايد للشركات الصينية في شراكات في مجالَي الموانئ والتكنولوجيا

 

ومع ذلك، يتابع باعبود: حقّقت الصين اختراقات مُلفتة في سوق السلاح في الشرق الأوسط على مدى العقد الفائت، بما في ذلك إبرام اتفاقات مهمة في المجال الدفاعي مع حلفاء بارزين للولايات المتحدة مثل مصر والسعودية. وفيما تسعى دول خليجية عدة إلى تنويع شبكة مورّدي الأسلحة لديها والحدّ من اعتمادها على الأسلحة الأمريكية، ستحاول الصين حتماً زيادة حصّتها في سوق السلاح المدرّ للربح في المنطقة. وستعمل كذلك على إقامة شبكة من القواعد العسكرية خارج حدودها، مع تركيز خاص على منطقة الشرق الأوسط.

وفي ضوء ذلك يمضي باعبود إلى القول: لا تبدو الصين على عجلة من أمرها لتحلّ مكان الولايات المتحدة، وهذا ليس هدفها على الأرجح. لكنّ مزيج نفوذها الاقتصادي والسياسي ومصالحها الأمنية والاستراتيجية سيؤدّي إلى تكثيف انخراطها في الأمن الإقليمي. بصرف النظر عن التنافس بين هاتَين القوتَين العظيمتَين، قد يعود الانخراط الأمني المتزايد للصين في منطقة الخليج بالفائدة على الأمن الإقليمي والعالمي.

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية