لماذا وجهت تركيا أنظارها نحو القارة السمراء؟

تركيا وأفريقيا

لماذا وجهت تركيا أنظارها نحو القارة السمراء؟


06/01/2020

مع دخول الألفيّة الجديدة، أعادت تركيا ترتيب كثير من حساباتها السياسيّة على صعيد التوجهات الخارجيّة، وبدلاً من صبّ الجهود من أجلّ الظفر بموقع هامشيّ في المنظومة السياسية والاقتصاديّة الغربيّة، كما كان التوجّه السائد في القرن العشرين، طمحت للوصول إلى موقع القيادة في منظومة سياسية - اقتصاديّة ممتدة عبر آسيا وأفريقيا، مستعينةً في ذلك بالسبل الناعمة؛ من الاقتصاد، والثقافة، وتقديم المساعدات التنمويّة والإنسانيّة، مع اللجوء أحياناً إلى القوة العسكريّة الخشنة.
رسم الاستراتيجيّة.. والتنفيذ
جاء الاهتمام التركيّ بالقارّة الأفريقيّة، في الوقت الذي أصبحت فيه ساحة للتنافس الاستثماريّ والتجاريّ العالميّ، وذلك لما تمتاز به من مؤهلات عدّة؛ حيث تضمّ القارّة الأفريقيّة، اليوم، أسرع عشر اقتصادات نمواً في العالم، وتشير التقديرات إلى أنّ دول القارة في حاجة إلى قرابة (100) مليار دولار سنوياً لتلبية خططها الاستثمارية في البُنى التحتيّة، إضافة إلى عامل النمو في عدد السكان، والذي تجاوز الـ (1.2) مليار نسمة، وهو ما يعني ازدياد الحاجات الاستهلاكيّة خصوصاً في ظلّ ضعف قطاعات الإنتاج في دول القارّة.

لم يقتصر التمدد التركي في أفريقيا على الاقتصاد والمساعدات بل تطوّر إلى إعلان تأسيس قاعدة عسكرية تركية في الصومال

وفي هذا الإطار؛ أعدّت تركيا، عام 1998، خطة الانفتاح على أفريقيا من أجل تحقيق نقلة نوعيّة في العلاقات مع القارّة على كافة الصُعُد، وذلك بالتزامن مع نمو الاقتصاد التركيّ، واقتراب حجم الناتج المحليّ الإجمالي التركيّ، عام 2000، من حاجز الـ (300) مليار دولار، ودخول تركيا مجموعة "العشرين"، عام 1999، والعودة إلى تسجيل معدلات نمو مرتفعة تجاوزت الـ 5% بعد التعافي من آثار أزمة العام 2001، وبالتالي بدأ الاقتصاد التركي يتطلب أسواقاً جديدة تستهلك إنتاجه.
وعام 2003؛ أعدّت مستشاريّة التجارة الخارجية التركية إستراتيجية باسم "إستراتيجية تطوير العلاقات الاقتصادية مع الدول الأفريقية"، وفي سبيل تنفيذ هذه الإستراتيجيات؛ بدأت تركيا بتوظيف مختلف الأدوات بدءاً من إقامة المعارض، إلى إرسال البعثات التجاريّة، وعقد مجالس الأعمال، وتشكيل اللجان الاقتصادية المشتركة، وفتح المكاتب التجارية، وعقد الاتفاقيات التجارية.

اقرأ أيضاً: هل تبخرت أحلام تركيا بإنشاء قاعدة عسكرية في سواكن السودانية؟
وعام 2005؛ أعلنت الحكومة التركية العام "عام أفريقيا"، وفي المقابل أعلن الاتحاد الأفريقي، عام 2008، تركيا شريكاً إستراتيجياً له، وعام 2008 كذلك عقدت قمة التعاون الأولى بين تركيا وأفريقيا في إسطنبول بمشاركة (49) دولة أفريقية، وهدفت لتقييم المرحلة التي وصلت إليها العلاقات بين تركيا والدول الأفريقية، واقتراح سبل تعزيزها.

مراسم استقبال أردوغان في السنغال في آذار 2018

وتعززت هذه التوجهات مع نيل تركيا العضوية في عدد من المؤسسات الأفريقية؛ ففي عام 2005 نالت صفة عضو مراقب في الاتحاد الأفريقي، وفي العام ذاته أيضاً أصبحت عضواً في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (ECOWAS)، وكذلك في مجموعة دول أفريقيا الشرقية (EAC)، وعام 2008؛ تمّت المصادقة على الطلب الذي تقدمت به تركيا من أجل نيل عضويّة بنك التنمية الأفريقي وصندوق التنمية الأفريقي.
نماذج من أفريقيا العربية
بالإمكان إلقاء نظرة على نماذج للتمدد الاقتصادي التركي في دول أفريقية العربية؛ ففي عام 2004 وقع المغرب وتركيا اتفاق التبادل الحر، وعلى إثره تضاعف حجم التبادل التجاري بين البلدين ووصل، عام 2016، إلى حوالي أربعة أضعاف ما كان عليه عام 2006، ووصل إلى (2.8) مليار دولار بعد أن كان بحدود الـ (70) مليون دولار عام 2006، ولكن، مع ميل في الميزان بشكل كبير إلى الكفّة التركية، بحسب تقرير صادر عن وزارة الاقتصاد والمالية المغربية، عام 2016، أشار إلى أنّ الصادرات التركية إلى المغرب تشكّل نحو (2) مليار دولار، فيما بلغت الصادرات المغربيّة حدود الـ (800) مليون دولار، كما بلغ عدد الشركات التركية العاملة في المغرب ثمانين شركة.

بلغت قيمة التبادل التجاري بين تركيا وتونس نحو مليار دولار من بينها نحو 240 مليون فقط من الصادرات التونسيّة

وفي تونس كذلك، شهدت العلاقات التجارية تطوراً كبيراً وغير متوازن، وذلك منذ توقيع اتفاقية التجارة الحرّة بين البلدين، عام 2004، والتي سمحت بدخول البضائع التركية إلى السوق التونسية بإعفاءات جمركية، وفي عام 2017؛ بلغت قيمة التبادل التجاري بين البلدين نحو مليار دولار أمريكي، من بينها نحو (240) مليون دولار فقط من الصادرات التونسيّة، مقابل (760) مليون دولار من الواردات القادمة من تركيا، وبسبب هذا التفاوت قرر البرلمان التونسي مراجعة العمل بالاتفاقية، عام 2017، وفرض رسوم جمركية على 90% من السلع المستوردة من تركيا.

اقرأ أيضاً: السوادن يلغي "اتفاقية سواكن" مع تركيا
وفي السودان؛ قام الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بزيارة الخرطوم، في كانون الأول (ديسمبر) عام 2017، ونجح خلال الزيارة بالحصول على موافقة الحكومة السودانيّة على إدارة تركيا لجزيرة سواكن ذات الموقع المهم على ساحل البحر الأحمر، وشملت الخطة التركية إعادة بناء ميناء يعود للعصر العثماني، وبناء مرفأ لصيانة السفن المدنية والعسكرية، مع خطة لتحويل الجزيرة إلى موقع سياحي. وفي هذا الفيديو لقطات من استقبال أردوغان في جزيرة سواكن:

 

 

وفي أيلول (سبتمبر) 2018؛ وقعت أنقرة مع الخرطوم اتفاقاً بقيمة (100) مليون دولار للتنقيب عن النفط مع توقيع اتفاقيات لتخصيص آلاف الأميال المربعة من الأراضي الزراعية السودانية، لتستثمر فيها شركات تركية.
ويبيّن الجدول الآتي تضاعف حجم التبادل التجاريّ بين تركيا وكافة دول القارة الأفريقية، خلال الفترة بين (2003-2018)، بحسب التقارير الصادرة عن وزارة التجارة التركية؛ حيث وصل حجم التبادل، عام 2018، إلى (20) مليار دولار:

وشكّلت الصادرات التركيّة معظم قيمة التبادل، مع تضاعف حجمها من (2.1) مليار دولار عام 2003، إلى (13.5) مليار عام 2012، وشملت الصادرات التركيّة الحديد، والصُلب، والفحم، ومواد التشحيم، والصناعات الآلية.
دبلوماسية الفضيلة
ولا تقتصر السياسة التركية تجاه القارة على التمدّد الاستثماري والتجاري، إنما هي مدعّمة بالمساعدات بأشكالها، من التنموية إلى الإنسانية، إلى المساعدات في مجالات مكافحة الأمراض والزراعة والريّ، إلى الصحة والتعليم. وكغيرها من المساعدات، تهدف هذه المساعدات إلى تعزيز العلاقات مع هذه الدول وتكريس اعتمادها على تركيا وارتباطها بها، ويتم استخدامها كورقة تهديد وضغط في حال أفصحت دولة ما عن نية وتوجه بتقليص العلاقات مع تركيا.
وتعدّ تركيا واحدة من أكثر الدول تقديماً للمساعدات التنموية، وعام 2012؛ بلغت حصّة أفريقيا من المساعدات التنموية التركية ما نسبته 31%، وهو ما مثل مبلغ (772) مليون دولار، ويبيّن الجدول أدناه النمو في حجم المساعدات التنموية التركية إلى القارة الأفريقية، وفق الأرقام المنشورة على موقع وزارة الخارجية التركية:

وعام 2012؛ وصل عدد مكاتب تنسيق البرامج التي تديرها الوكالة التركية للتعاون الدولي والتنسيق (TIKA) في أفريقيا إلى تسعة، ويشكّل مجال الصحة جانباً مهماً من المساعدات الإنسانية التركية إلى البلدان الأفريقية، وخدم في الفترة (2007-2010) نحو (600) طبيب وممرض تركي في أفريقيا.

 بعثة تركيّة تقدم المساعدات في أفريقيا

ولم يقتصر النفوذ والتمدد التركي في أفريقيا على الاقتصاد والمساعدات الإنسانية، بل تطوّر إلى النفوذ العسكريّ، مع إعلان تركيا، عام 2016، تأسيس قاعدة عسكرية في الصومال، أعلنت أنقرة أنّ الغاية منها تدريب الجيش الصومالي، وإعداده من أجل مواجهة الحركات المتطرفة في البلاد، إضافة إلى مواجهة جماعات القراصنة في خليج عدن، وفي كانون الثاني (يناير) 2018، أعلـن سفير جيبوتي لدى تركيا، آدم حسين عبد الله؛ أنّ "بلاده تولي أهمية بالغة لتوطيد علاقاتها العسكرية مع تركيا"، وأنّ "جيبوتي ترحّب بإقامة قاعدة عسكرية تركية على أراضيها".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية