لماذا ثار الإخوان في اليمن على أغنية "مش غلط"؟

"مش غلط نشرب سوا شاهي ونتمشى شويه، مش غلط نخفا ونجلس وحدنا حتى العشية"، تلك الكلمات من أغنية يمنية بعنوان "مش غلط" جعلت قيادات جماعة الإخوان المسلمين في البلاد يثورون غضباً، ويهاجمون صنّاعها من على منابر المساجد، ومنصات السوشيال ميديا.

ومن على منبر أحد المساجد، شنّ رجل الدين الإخواني، وعضو مجلس النواب عن حزب الإصلاح، الذراع السياسية للإخوان، عبد الله العديني، هجوماً لاذعاً على الأغنية، متهماً صنّاعها بنشر الفجور والرذيلة بين المجتمع، بسبب الكلمات التي تقول "نخفا ونجلس وحدنا حتى العشية".

وبعيداً عن مناقشة الكلمات من زاوية حقوق الإنسان في فعل ما يريد، وهو الأمر الذي يفعله الجميع طوال التاريخ الإنساني فيما يخص علاقة الرجل والمرأة، فالمدهش هو عدم فهم رجال الدين الإخوان لطبيعة الشعر، الذي من طبعه الحرية في القول، وعدم مطابقته للواقع، فليس شرطاً أن تلتزم كلمات الأغاني بالواقع، وإلا لحُرم الشعراء من فنهم.

مش غلط

باحثة يمنية، طلبت عدم الكشف عن اسمها، تحدثت لـ"حفريات"، وذكرت أنّ الأغنية ليس فيها ما يظنه شيوخ الإخوان، ولا تستدعي الهجمة الشديدة عليها، فضلاً عن أنّ الحرية هي شرط الإبداع الإنساني.

وبحسبها، فإنّ اللافت أنّ فريق العمل لأغنية "مش غلط" هم شباب ينتمون إلى جماعة الإخوان في اليمن، معتبرة أنّ السجال حول الأغنية هو أحد المظاهر التي تكشف عن الصراع بين جيل الشباب والكبار في جماعة الإخوان في اليمن؛ حيث يريد جيل الشباب الانعتاق من التطرف الذي يميز شيوخ الإخوان في اليمن بشكلٍ خاص. تقول الباحثة اليمنية باستغراب "قالوا دعوة للفسوق، وهو كوب شاي وفسحة مش أكتر".

وفي الأغنية يطلب رجل من حبيبته ملاقاته، "ايش بنخسر لو لعبنا أو تعبنا من كلام الحب وأنصفنا القضية، ايش بنخسر لو سمعنا ضحكتك يا شرعبية (نسبة إلى مكان في تعز)، أو سمعنا صوتك الحالم ألا يفتح شهية". لكن يبدو أنّ ما أثار مشايخ الإخوان هو تصدر جملة "مش غلط" للأغنية، حيث اعتبروها دعوة لشرعنة الخلوة بين الرجال والنساء. وفات هؤلاء أنّ تحريم الاختلاط بين الجنسين ليس أصلاً في الدين، إنما تشدد قامت عليه دعوة التيارات الدينية، بينما كان الاختلاط بين الجنسين أمراً مألوفاً، ولم يكن في ذهن المجتمع أنّ أي اختلاط يجلب التصورات الجنسية التي تملأ عقول رجال الدين.

يتشابه موقف الإخوان المسلمين من الفن بموقف جماعة الحوثي باختلاف درجة رد الفعل ودرجة نظرة شباب الإخوان لقادتهم مع نظرة أتباع الحوثي لزعمائهم

وفي السياق ذاته، حفل التراث الغنائي الشعبي في اليمن وجميع الدول بالأغاني التي تدور حول العشق والغرام، والاختلاء بالحبيب بعيداً عن الأهل، ولم تجد المجتمعات شيئاً مخالفاً في الاستمتاع بهذا التراث.

يقول رئيس مؤسسة دار المعارف للبحوث والإحصاء في حضرموت، سعيد بكران، لـ"حفريات" بأنّ القصة ليست في الكلمات، لكنّ الجماعة التي تُحكم قبضتها وسيطرتها على المجتمع كسلطة فعلية، وتجني من خلف ذلك أرباحاً كبيرة متنوعة الأوجه، تستخدم بين الفينة والأخرى مبدأ حراسة الفضيلة لتغذية سلطتها عبر البعد الأخلاقي، الذي يستثيرون به عواطف المؤيدين، ويقمعون به عواطف الرافضين لسلطتهم".

سجال صحي

ورغم أنّ ضغط جماعة الإخوان دفع بمغني الكلمات إلى تقديم توضيح، وشبه اعتذار عن أي إساءة في الفهم، والتأكيد على أنّه قصد بها العلاقة بين الزوج والزوجة، إلا أنّ ردوداً أخرى من صناع العمل لم ترضخ للابتزاز باسم الدين، ودافعت عن العمل الفني من باب حرية الإبداع.

وعلى مستوى شعبي، عبر عن نفسه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، خلقت الأغنية نقاشات واسعة، حملت أصواتاً هاجمت توظيف رجال الدين للسلطة الدينية في قمع المجتمع، وخلقت حالة من النقاشات بين مؤيدي ورافضي الأغنية، وهو أمر في مجمله صحي.

الباحث اليمني سعيد بكران لـ"حفريات": تستخدم جماعة الإخوان مبدأ حراسة الفضيلة لتغذية سلطتها عبر البعد الأخلاقي الذي يستثيرون به عواطف المؤيدين

كتب ملحن كلمات الأغنية، سنان التابعي، رداً على من تحولت مواقفهم من الإعجاب بالأغنية إلى مهاجمتها تأثراً بموقف رجال الدين الإخوان، بأنّه "بالله مش جريمة لما إعلامي أو دكتور أو مهندس أو أي شخص أكاديمي يُؤثر عليه ويتحكم بقراراته رجل دين؟".

وكان السجال الدائر فرصةً لكشف تناقض قادة الإخوان، ومنهم عضو مجلس النواب عن حزب الإصلاح الإخواني، شوقي القاضي، الذي هاجم في منشورات سابقة شيوخ الجماعة دفاعاً عن كلمات الشاعر أيوب طارش، التي قال فيها "وامعبد الشمس كم لك محتجب واحبيب"، بعد تكفير عدد من شيوخ الجماعة للشاعر، لكنه شارك في الهجوم على كلمات أغنية مش مهم، مسايرةً للمجموع، دون إدراك مناقضته لنفسه.

ويتشابه موقف الإخوان المسلمين من الفن بموقف جماعة الحوثي، باختلاف درجة ردّ الفعل، ودرجة نظرة شباب الإخوان لقادتهم مع نظرة أتباع الحوثي لزعمائهم. ففي مناطق الحوثي، أُلقي القبض على العديد من المغنيين، وتم تدمير العديد من الآلات الموسيقية، وهو أمر ربما يفعله شيوخ جماعة الإخوان في اليمن لو كانت بيدهم نفس سلطة الحوثيين.

سرقة الإخوان الفنية

ورداً على الأغنية، قام مؤدٍ يتبع جماعة الإخوان ويتبنى موقف شيوخ الجماعة المهاجم لأغنية "مش غلط"، واسمه بليغ التميمي بأداء أغنية بكلمات مختلفة، على نفس لحن الأغنية الأصلية، وقدمها إلى الجمهور كأنه مثال للفن الصحيح الذي لا يخالف الدين. ورداً عليه كتب ملحن الأغنية، سنان التابعي "مش غلط أنّ الفن يواجه بفن، والأغنية بأغنية، والكلمة بالكلمة، لكن الغلط أنك تأخذ لحن بدون ما تستأذن من صاحب الحقوق، ولا تعبر حقوقه ولا حتى تجيب اللحن سوا.  وشكراً".

وتقول أغنية التميمي "مش غلط إنك تحب حلال وتترفع شوية، مش غلط إنك تكون إنسان وأخلاقك سوية، الغلط هو انحرافك وانزلاقك عن مسار الدين وتسبب أذية، ما بتخسر لو تجنبت التفاهة الغبية، وكنت راقي في فنونك وحروفك والهوية. الهوى والحب يبن الناس مش شاهي ولا قهوة ولا جلسة خفية".

وفي الفيديو الذي أعده التميمي للأغنية، استعان بمقاطع مصورة وصور لأشخاص دون استئذانهم، وقام بتوظيفها بشكل يسيء لهم، ما يمثّل انتهاكاً لحقوق هؤلاء الأشخاص، وهو الأمر الذي لا يمثّل أهمية لدى جماعة الإخوان المسلمين، التي على غرار التيارات الدينية التي تستبيح كل شيء لفرض سلطتها وسطوتها.

وربما لو حرص الإخوان في اليمن على حرمة الدماء وحقوق الشعب بنفس حرصهم على ممارسة السلطة الأخلاقية على الناس لما وجدت جماعة الحوثيين الفرصة للانقضاض على البلاد، وخلق أسوأ أزمة إنسانية عرفها العالم منذ نصف قرن. لكنّ جماعة الإخوان لا تجد حرجاً في مهادنة الحوثيين، والتنسيق معهم في جبهات القتال، ثم التعاون مع تنظيم القاعدة وداعش في المحافظات الجنوبية، بينما تنزعج وترفع رايات الحرب بسبب بضع كلمات.