لماذا تلجأ عائلات فلسطينية لاستئصال أرحام المعوّقات؟

لماذا تلجأ عائلات فلسطينية لاستئصال أرحام المعوّقات؟


27/01/2021

في ظلّ انعدام الرقابة القانونية وغياب القيم الأخلاقية والإنسانية، لجأت عائلات فلسطينية لاستئصال أرحام فتياتها المعاقات ذهنياً، خشية تعرّضهن للتحرش والاعتداءات الجنسية، والذي قد يترك وصمة اجتماعية، تتنافى مع عادات الفلسطينيين وتقاليدهم الاجتماعية المحافظة.

وكان وزير الشؤون الاجتماعية الأسبق، كمال الشرافي، قد أصدر، في 26 شباط (فبراير) 2014، تعميماً لكافة الإدارات والمراكز التابعة للوزارة، أكّد فيه رفض الوزارة إجراء عمليات استئصال الأرحام للفتيات ذوات الإعاقة، من نزيلات المؤسسات، مشدداً على ضرورة متابعة أيّ انتهاك بهذا الشأن، مهما كان مصدره أو مكانه، محذراً من أيّ استغلال لوضع حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.

 وزير الشؤون الاجتماعية الأسبق، كمال الشرافي

ووفق جهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، لعام 2019؛ فإنّ 50% من النساء ذوات الإعاقة المتزوجات تعرضن للعنف بمختلف أشكاله، أكثرها كان العنف النفسي، كالشتم والصراخ والحبس المنزلي والتمييز داخل الأسرة، والعنف الاقتصاديّ، كالحرمان من الميراث أو المصروف، يليه الجسدي بالضرب، وآخرها الجنسي.

اقرأ أيضاً: الرصاص الإسرائيلي يطفئ نور عيون أطفال العيسوية بالقدس

وتظهر الأرقام أيضاً أن نسبة ذوي الإعاقة بلغت 2.1 % من مجمل السكان، موزَعين بواقع 48% في الضفة الغربية، و52% في قطاع غزة، كما تقدّر نسبة مشاركة النساء ذوات الإعاقة في القوى العاملة (عمر 15 سنة وما فوق) 4% فقط من إجمالي النساء، مقابل 24% للذكور، على الرغم من أنّ القانون الخاص بذوي الإعاقة يُلزِم المؤسسات الحكومية وغير الحكومية باستيعاب عدد من ذوي الاحتياجات الخاصة، بما لا يقل عن 2% من موظفيها بشكل يتناسب مع طبيعة العمل، مع إلزامية مواءمة المكان لهم.

مطالبات بتوثيق الحالات التي يتمّ إجراء عمليات استئصال الأرحام لها داخل المستشفيات والمراكز الطبية، ومعاقبة مخترقي القوانين، والمتسبّبين بحدوث هذه العمليات

وأصدرت السلطة الفلسطينية القانون رقم (4) لعام 1999 "بشأن حقوق المعوقين"، ولاحقاً أقرّت في عام 2004، اللائحة التنفيذية الخاصة به؛ حيث تنصّ على ضرورة مواءَمة الأماكن والمواصلات، ومنح كلّ الحقوق الصحية والتعليمية، وتأمين كلّ احتياجاتهم، من كتب ومواد إعلامية وغيرها، إضافة إلى معاقبة مَن يستغل أيّ شخص معاق أو يتعرض له بأيّ شكل من أشكال العنف، لكنّه لم يفصّل العقوبات أو أنواع العنف، على الرغم من انضمام فلسطين، خلال عام 2014، إلى اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة الدولية، من دون التحفظ على أيّ من بنودها.

اقرأ أيضاً: هكذا تحدّت ديما جحا الإعاقة والحرب والوصايا المحبطة

ولم تأخذ التشريعات العقابية السارية في فلسطين، خاصة قانون العقوبات الأردني لعام 1960، المطبق في الضفة الغربية، وقانون العقوبات الانتدابي لسنة 1936 المطبق في قطاع غزة، بعين الاعتبار حماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بشكل عام، وحقوق النساء والفتيات ذوات الإعاقة بشكل خاص، وأن تلك التشريعات لم تتضمّن أية إشارة إلى مفهوم التمييز بكافة أشكاله.

نسبة ذوي الإعاقة بلغت 2.1 % من مجمل السكان، موزَعين بواقع 48% في الضفة الغربية، و52% في قطاع غزة

ونصّت المادة (23) من اتفاقية حقوق الطفل على أنّ تتخذ جميع الدول التدابير التشريعية والتنفيذية والقضائية لحماية الطفل، وتأمين احتياجاته، وتأمين الحماية والأمان له، أما المادة (16) فقد جاءت خصيصاً لحماية الطفل المعاق، وأخذ التدابير اللازمة لتوفير الحياة الكريمة له، ومنع الاعتداء عليه بكل أشكاله، وأهمّها الاعتداء الجنسي.

اقرأ أيضاً: رضا عبدالسلام: رحلتي إلى إذاعة القرآن الكريم بدأت بتحايلي على الإعاقة

وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد خصصت 11 تشرين الأول (أكتوبر) من كل عام للاحتفال باليوم الدولي للطفل، ورفعت شعار "قوة الفتاة المراهقة في رؤية لعام 2030"، لتعزيز القوانين المعنية بالجندر والسياسات في كلّ المجالات، خصوصاً تلك المتعلقة بالمراهقات من ذوات الإعاقة والمهمّشات وضحايا الاتجار والاستغلال الجنسي.

خوفاً من الفضيحة المجتمعية

وترى المديرة التنفيذية لجمعية نجوم الأمل لتمكين النساء ذوات الإعاقة، كفاح أبو غوش،  أنّ "لجوء بعض العائلات لإزالة أرحام فتياتهم المعاقات ذهنياً ليست ظاهرة منتشرة في المجتمع الفلسطيني، وهي مشكلة تنبع من خوف الأهالي من وقوع فتياتهم فريسة للاعتداء الجنسي، لإدراكهم ووعيهم بأهمية حماية الفتيات ذوات الإعاقة الذهنية، واللاتي يعتبرن الأكثر عرضة من غيرهن لممارسة الاعتداءات المختلفة عليهن، وليست الجنسية فقط".

المديرة التنفيذية لجمعية نجوم الأمل لتمكين النساء ذوات الإعاقة، كفاح أبو غوش

وبيّنت أبو غوش لـ"حفريات" أنّ "الهاجس التي تقع به بعض العائلات يدفع الأمهات أن يكن عرضة للعنف الذي تقع فيه الفتيات المعاقات ذهنياً، نتيجة رفضهن استئصال أرحام بناتهن"، مشيرة إلى أنّ "غالبية العنف الذي يقع بحقّ الفتيات ذوات الإعاقة يتمّ من قبل الدائرة الأولى بالعائلة، كالأب والأخ والخال، وهو ما يدفع هذه العائلات التي تفتقر للوعي الكافي بحكم العادات والتقاليد المحافظة في المجتمع الفلسطيني إلى إزالة أرحام هؤلاء الفتيات، خوفاً من الفضيحة المجتمعية".

اقرأ أيضاً: الإعاقة الحركية لا تمنع ممارسة الكاراتيه في غزة

ولا توجد لدى الجمعية أية إحصائيات عن أعداد الفتيات اللاتي تتمّ إزالة أرحامهن، أو الاعتداء عليهنّ جنسياً، بفعل عزوف الكثير من العائلات عن البوح بهذه المشكلة، وكذلك لا توجد إحصائيات رسمية للفتيات اللاتي تعرضن لعمليات جراحية لإزالة الأرحام، نظراً لإجراء تلك العمليات في مراكز خاصة وغير مرخصة". وتوضح أبوغوش أنّ "تعريض الفتيات لهذه العمليات الخطيرة من شأنه التسبّب بآثار جانبية خطيرة عليهن؛ كالتأثير على دورتهنّ الشهرية، والتسبّب بأمراض أخرى تؤثر في حياتهنّ الطبيعية بشكل عام".

الخبيرة الاجتماعية كفاح أبو غوش لـ"حفريات": غالبية العنف الذي يقع بحقّ الفتيات ذوات الإعاقة يتمّ من قبل الدائرة الأولى بالعائلة، كالأب والأخ والخال

وأكّدت أبو غوش؛ أنّ "إجراء مثل تلك العمليات الجراحية من شأنه أن يخلق هوّة بين الفتاة المعاقة والمجتمع؛ حيث تكون بذلك أكثر عرضة للاغتصاب، وكأنّ بعض العائلات تبيح أن يتمّ الاعتداء جنسياً على فتياتها المعاقات ذهنياً"، مؤكدة أنّ "بعض العائلات في حاجة ماسة للدعم النفسي والتوجيه والإرشاد؛ إذ يقع عليها العبء الأول والأساسي، لتقديم الحماية للفتيات من ذوات الإعاقة الذهنية".

مبرّرات غير أخلاقية

في هذا السياق، تحدّث إبراهيم سليم، منسّق المشاريع في مؤسسة تنمية وإعلام المرأة "تام"، عن أنّ "المبررات التي تلجأ إليها بعض العائلات لإجراء عمليات جراحية لإزالة أرحام فتياتها المعاقات، تتم بذريعة عدم قدرتهنّ على المحافظة على نظافتهنّ الشخصية، أما أسباب هذه العائلات غير المعلنة، فهي تفترض حمايتهنّ من التعرض للتحرش والاغتصاب، حتى يتجنبوا حدوث حمل لدى الفتاة التي يتمّ هتك عرضها"، مبيناً أنّها "مبررات غير أخلاقية، ولا تستند إلى أيّ قانون، بل تزيد من خطر تعرض هؤلاء الفتيات للاعتداءات بشتى أنواعها، وتزيد من احتمالات تعرضهن للمخاطر الصحية".

إبراهيم سليم، منسّق المشاريع في مؤسسة تنمية وإعلام المرأة "تام"

ويضيف سليم لـ "حفريات": "القانون الفلسطيني لا يتضمّن آليات ونصوصاً واضحة تسمح بإجراء عمليات استئصال أرحام النساء والفتيات المعاقات ذهنياً، لكنّه يسمح باستئصال بعض الأعضاء، في حال كانت تشكل خطراً حقيقياً على صحة الإنسان، إلا أنّه في حالات استئصال أرحام الإناث المعاقات، فلا توجد نصوص محددة لإيقاع العقوبات على المتسببين بهذه الأعمال، سواء داخل الأسرة أو على مستوى المراكز الطبية، التي تلجأ للقيام بمثل هذه الجراحات الغير قانونية".

أشكال متنوّعة من العنف

ولفت إلى أنّ "النساء والفتيات المعاقات تتعرضن لنوعين من التمييز، أولهما أنهنّ نساء، وثانيهما أنّهنّ ذوات إعاقة، إضافة إلى تعرضهن لأشكال متنوعة من العنف؛ كالعنف الجسدي والجنسي، وعدم تقبّل الأسرة لهن، والعنف النفسي عن طريق اتّباع الأسرة أسلوب الحرمان والحبس داخل المنزل، وكذلك تعرضهنّ إلى العنف الاقتصادي، والحرمان الاجتماعي من أبسط الحقوق، والتنمر عليهن، والإساءة إليهن مجتمعياً".

اقرأ أيضاً: "هدف".. مطعم مغربي يدعم ذوي الاحتياجات الخاصة

ولفت سليم إلى أنّ هناك شحّاً كبيراً في المعلومات والقضايا حول ذوات الإعاقة ذهنياً، في ظلّ عدم وجود برامج توعوية تعزّز مهارات العائلات، حول كيفية التعامل مع فتياتهنّ المعاقات، مبيناً أنّ "المطلوب فلسطينياً هو إستراتيجية وطنية متكاملة للحماية من الاعتداءات المبينة على النوع الاجتماعي، وكذلك توحيد الجهود مع كافة المؤسسات الرسمية والمجتمعية، لتوثيق الحالات التي يتمّ إجراء عمليات استئصال الأرحام لها داخل المستشفيات والمراكز الطبية، ومعاقبة مخترقي القوانين، والمتسبّبين بحدوث هذه العمليات خارج إطار القانون".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية