لماذا تفشل جهود التوصل إلى صفقة بين إسرائيل وحماس؟

لماذا تفشل جهود التوصل إلى صفقة بين إسرائيل وحماس؟

لماذا تفشل جهود التوصل إلى صفقة بين إسرائيل وحماس؟


13/06/2024

ربما تتركز الفجوة بين إسرائيل وحماس ليس بخلافات حول تبادل الأسرى فقط، بما فيها من تفاصيل وتعقيدات حول الأعداد من الإسرائيليين لدى حماس ونوعية الأسرى لدى إسرائيل مقابلهم، بل بقضيتين أساسيتين؛ وهما: وقف دائم لإطلاق النار، وانسحاب إسرائيل من كامل قطاع غزة، وهو ما ترفضه الحكومة الإسرائيلية، بالإضافة إلى قضايا إعادة فتح المعابر بما يضمن عودة النازحين والإغاثة الإنسانية لسكان القطاع، وهي قضايا تتعامل معها إسرائيل باعتبارها أسلحة للضغط على حماس، فيما تبدو قضية مستقبل الحكم لقطاع غزة بعد انتهاء الحرب قضية خلافية مطروحة في الأروقة السرّية وليس في مراحل الصفقة التي يتم الحديث عنها.

الجهود المبذولة للتوصل إلى الهدنة تتشارك فيها أطراف رئيسة؛ وهي: إسرائيل وحماس بالإضافة إلى أمريكا، وأطراف أخرى تمارس أدواراً لتقريب وجهات النظر؛ وهي: مصر وقطر بشكل رئيسي، بالإضافة إلى دول أخرى، من بينها المملكة العربية السعودية والإمارات والأردن وتركيا، ويبدو الدور الإيراني الأكثر فاعلية في دعم طروحات متشددة لدى تيار في حركة حماس، وفيما يلي وقفة عند مرجعيات واستراتيجيات الأطراف الـ (3) الرئيسية لإنجاز الصفقة:

أوّلاً: حركة حماس؛ وتنطلق من جملة مبادئ أبرزها أنّها حققت الانتصار في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وبعد الدخول الإسرائيلي إلى قطاع غزة، وتبنّي رهانات واسعة على إسقاط الحكومة الإسرائيلية، على خلفية قضيتي الرهائن لديها، وما تحققه الاشتباكات اليومية وتكتيكات القتال وسقوط قتلى من الجنود والضباط الإسرائيليين، بالإضافة إلى رهانات على الإدانات الدولية لوحشية إسرائيل في ثلاثية "القصف، والمجاعة، والأوبئة والأمراض"، وبالتزامن فإنّ استراتيجيات حماس تتضمن الاحتفاظ بالسلطة، رغم إشارات بالقبول بقيادة فلسطينية مشتركة، وإدارة عمليات إعادة الإعمار، بما يعنيه ذلك من السيطرة على أموال الإعمار من المانحين دوليّاً وعربيّاً، وهو ما أشارت إليه حماس في ردها على مبادرة الرئيس بايدن، فقد تضمنت تعديلاتها نقل الإعمار من المرحلة الثالثة إلى الأولى من الصفقة، ومن المؤكد أنّ حماس معنية بالحفاظ على سلطتها وحكمها في قطاع غزة، لأنّها أصبحت العنوان الأول ومعيار الانتصار أو الهزيمة.

الجهود المبذولة للتوصل إلى الهدنة تتشارك فيها أطراف رئيسة؛ وهي: إسرائيل وحماس بالإضافة إلى أمريكا، وأطراف أخرى تمارس أدواراً لتقريب وجهات النظر

ثانياً: الحكومة الإسرائيلية؛ ربما يبدو ترسيخ مقاربات بأنّ الرفض والتشدد والتصعيد العسكري يرتبط بشخص نتنياهو بحاجة لإعادة نظر، ذلك أنّ هناك إجماعاً في الليكود ولدى حلفاء نتنياهو من اليمين الديني المتطرف، بالإضافة إلى غالبية الإسرائيليين، على تحقيق أهداف الحرب بالقضاء على حماس "سياسيّاً وعسكريّاً"، ووقف أيّ تهديد مستقبلي لمستوطنات غلاف غزة. وقد أصبح واضحاً أنّ تحرير الأسرى الإسرائيليين يبدو قضية ثانوية بالنسبة إلى اليمين، ومن المؤكد أنّ نتنياهو في مأزق يتمثل بخسارته أحزاب اليمين في حال موافقته على أيّ صفقة لا تتضمن أهدافه الكبرى، ومواجهة ضغوط المعارضة وأهالي الأسرى، التي يتوقع أن تزداد بعد استقالة (بيني غانتس)، وعودته إلى الشارع وفقاً للصيغة القائمة قبل السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، غير أنّ الرهان الأهم لدى اليمين الإسرائيلي ونتنياهو سيبقى إطالة أمد الحرب إلى حين إجراء الانتخابات الأمريكية، أملاً بفوز (ترامب) واليمين الأمريكي، الذي سيوفر له غطاءات، وينهي خلافاته الحالية مع الإدارة الديمقراطية.

ثالثاً: الولايات المتحدة؛ فقد بنت إدارة الرئيس بايدن استراتيجيتها  على أساس دعم كامل لإسرائيل عسكريّاً وسياسيّاً، وإدارة خلافات مع نتنياهو وحكومته حول العمليات العسكرية في غزة، بما يضمن تقليل قتل المدنيين، ورفض احتلال القطاع وإعادة السلطة الفلسطينية إليه بعد إصلاحها، وبالتزامن تطويق أيّ تصعيد يمكن أن يذهب إلى حرب إقليمية واسعة تبدأ بتوسيع الاشتباكات بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، ورغم كل ما يقال حول احتمالات توسع الحرب إلى حرب إقليمية، إلا أنّ هذا الاحتمال أصبح ورقة إيرانية وأمريكية للضغط على الحكومة الإسرائيلية.

ولعل من نافلة القول أنّ هناك العديد من القواسم المشتركة بين الأطراف الـ (3)؛ وهي أوّلاً: أنّ الصفقة تخضع وبصورة مباشرة لحسابات خاصة بالاحتفاظ بالسلطة بالنسبة إلى حكومة نتنياهو والرئيس بايدن بالإضافة إلى حركة حماس، مع الفارق أنّ الاحتفاظ بالنسبة إلى إسرائيل وأمريكا سيكون عبر صناديق الاقتراع، وثانياً: إذا كان يتم التركيز على انقسامات في إسرائيل وأمريكا بين اليمين المتطرف والعلمانيين، فإنّ انقساماً تشهده حركة حماس بين قيادة الداخل (السنوار) الموالية لإيران بالكامل، وقيادة الخارج (إسماعيل هنية والمكتب السياسي) الموالية للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين.

توماس فريدمان: "إنّ المشكلة تكمن في أنّ المتطرفين هم من يجلس في قمرة القيادة، ليس في إسرائيل وفلسطين فقط، وإنّما في المنطقة كلها"

وفي الخلاصة؛ فإنّه، وخلافاً لمقاربات استقرت في الحروب والسلام بأنّ إنجاز السلام لا يتحقق إلا بقيادات متشددة في الحكم، فإنّ ما ذهب إليه الصحفي الأمريكي (توماس فريدمان) بقوله: "إنّ المشكلة تكمن في أنّ المتطرفين هم من يجلس في قمرة القيادة، ليس في إسرائيل وفلسطين فقط، وإنّما في المنطقة كلها"، تبدو حرية بالتوقف والدراسة، فالتطرف الجديد أسقط مفردة التسويات من قواميسه، وأصبحنا أمام مفردات جديدة؛ "إمّا نحن، وإمّا هُم"، وهي المفردة التي تحكم سياسات إسرائيل وسياسات تيار من حماس، وهو ما يجعل احتمالات التوصل إلى هدنة محدودة واردة، لكن دون التوصل إلى صفقة شاملة.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية