لماذا تأخرت الاستجابة البريطانية للخطر الإخواني؟

لماذا تأخرت الاستجابة البريطانية للخطر الإخواني؟

لماذا تأخرت الاستجابة البريطانية للخطر الإخواني؟


18/03/2024

أعلنت الحكومة البريطانية تعريفاً رسمياً جديداً لـ "التطرف" يوم الخميس الماضي، واضعة جماعة الإخوان المسلمين على رأس قائمة المنظمات التي تثير قلقها. وجاءت هذه الخطوة رداً على تزايد التقارير التي تتحدث عن معاداة السامية وخطاب الكراهية ضدّ المسلمين، وما تسميه السلطات زيادة التطرف في بريطانيا.

وفي حديثه أمام البرلمان أشار وزير المجتمعات المحلية مايكل جوف بشكل خاص إلى التهديدات التي يشكلها اليمين المتطرف و"المتطرفون الإسلاميون الذين يسعون إلى فصل المسلمين عن بقية المجتمع، وخلق الانقسام داخل المجتمعات الإسلامية". مضيفاً: "نحن لا ننوي بأيّ حال من الأحوال تقييد حرية التعبير أو الدين أو المعتقد، لكنّ الحكومة لا يمكن أن تكون في موقف، عن قصد أو بغير قصد، نرعى أو ندعم أو ندعم بأيّ شكل من الأشكال منظمات أو أفراداً يعارضون الحريات التي نعتز بها". 

وقال جوف: إنّ المجموعات التي تثير المخاوف بموجب التعريف الجديد تشمل الرابطة الإسلامية في بريطانيا (MAB)، وهي فرع في المملكة المتحدة لجماعة الإخوان المسلمين، وكذلك الحركة الاشتراكية الوطنية البريطانية، وهي منظمة يمينية. وتابع جوف: "إنّ منظمات مثل (الرابطة الإسلامية في بريطانيا)، ومجموعات أخرى مثل (كيج وميند) تثير القلق بشأن توجهاتها ومعتقداتها الإسلامية، سنحاسب هذه المنظمات وغيرها لتقييم ما إذا كانت تلبي تعريفنا للتطرف، وسنتخذ الإجراء المناسب".

 رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك

ويأتي هذا الإعلان بعد أسبوعين من إلقاء رئيس الوزراء ريشي سوناك خطاباً متلفزاً؛ للتنديد بـ "الزيادة المروعة في الاضطرابات المتطرفة والإجرامية"، والتي ربطها بالحرب بين إسرائيل وحماس.

إجراءات متأخرة

الإجراءات التي أعلن عنها مايكل جوف جاءت متأخرة جداً، وبعد أعوام من تجاهل الحكومات المتعاقبة لتقارير وتساؤلات حول أنشطة الإخوان المشبوهة في لندن. ففي آذار (مارس) 2021 أرسل اللورد مارلسفورد سؤالاً رسمياً إلى حكومة المملكة المتحدة حول نتائج تقرير المراجعة الداخلية لجماعة الإخوان المسلمين، والذي تم تكليف لجنة متخصصة به في نيسان (أبريل) 2014 بناءً على طلب من الحكومة.

أشار وزير المجتمعات المحلية مايكل جوف بشكل خاص إلى التهديدات التي يشكلها اليمين المتطرف و"المتطرفون الإسلاميون الذين يسعون إلى فصل المسلمين عن بقية المجتمع

ودعا اللورد مارلسفورد آنذاك حكومة رئيس الوزراء بوريس جونسون إلى الكشف عن خططها فيما يتعلق بنشر التقرير بالكامل، بعد إصدار ملخص في العام 2015 لم يتضمن أهم الاستنتاجات. وأضاف عضو مجلس اللوردات أنّ الأمر أثار علامة استفهام حول التفاصيل التي تضمنها التقرير، وحول تهديد الإخوان للأمن القومي البريطاني. كما حث حكومة جونسون على الكشف عن موقفها وتقييمها لتلك النتائج، مؤكداً أنّ النتائج المنشورة للمراجعة تشير إلى تهديد جماعة الإخوان المسلمين للأمن والمصالح القومية البريطانية.

وسبق أن سأل اللورد مارلسفورد الحكومة عن تقييمها لتعيين إبراهيم منير في منصب القائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين؛ وما هو تقييمها لأيّ تهديد يشكله وجوده على الأمن القومي للمملكة المتحدة والعلاقات الدولية؟

الحكومة البريطانية قالت رداً على سؤال مارلسفورد: "نحن لا نعلق على الأفراد، لكنّ الحكومة تبقي قيد المراجعة الآراء التي يروج لها، والأنشطة التي يقوم بها الإخوان المسلمون، بما في ذلك شركاؤهم في المملكة المتحدة". وأضافت: "أيّ ادعاءات بوجود تهديدات للأمن القومي البريطاني، أو إساءة استخدام التمويل الخيري داخل المملكة المتحدة، يتم التحقيق فيها بقوة، ويتم اتخاذ الإجراء المناسب".

القائم بأعمال المرشد الراحل إبراهيم منير

كما تمّ طرح سؤال آخر يتعلق بالتقرير المنشور في العام 2015 عن جماعة الإخوان المسلمين، من قبل اللورد المحافظ روباثان، الذي سأل الحكومة: "ما التقييم الأخير، إن وجد، للإخوان المسلمين"؟ وتم إرسال إجابة من الحكومة تفيد بأنّها "تظل ملتزمة بمراجعة أيّ مجموعات أو أفراد قد تشكل أفعالهم تهديداً للأمن القومي للمملكة المتحدة".

لقد قامت حكومة المملكة المتحدة بمراجعة وضع الجماعة قبل عدة أعوام، بعد دعوات من بعض الدول العربية لتصنيفها منظمة إرهابية، ولم تكن المراجعة حاسمة، ممّا أكد التصور الرائج بأنّ "لندن تؤوي إرهابيين لاستخدامهم كورقة ضغط في العلاقات البريطانية/ العربية".

ويمكن القول: إنّ العديد من العوامل ساعدت جبهة الإخوان المسلمين في المملكة المتحدة على الهيمنة، بالتزامن مع الصراع مع جبهة محمود حسين في إسطنبول، وكان الأهم هو الخط الاستراتيجي الذي اعتمده القائم بأعمال المرشد الراحل إبراهيم منير، والمتمثل في إصلاح العلاقات مع السلطات البريطانية. 

كانت حكومة المملكة المتحدة قد قامت بمراجعة وضع الجماعة قبل عدة أعوام، بعد دعوات من بعض الدول العربية لتصنيفها منظمة إرهابية

ومع تراجع الدعم التركي للإخوان، نجحت قيادة جبهة لندن في استعادة الهيمنة بشكل كبير على التنظيم. وعلى الرغم من أنّ المكوّنين الفلسطيني والسوري في التنظيم الدولي للجماعة أكثر نشاطاً في أوروبا، إلّا أنّ المكوّن المصري احتفظ بالنفوذ الأكبر في جبهة لندن، بفضل شخصيات مثل: محيي الزيات، ومحمد البحيري، وعبد المنعم البربري، وحلمي الجزار.

وجد الإخوان في لندن الملاذ الأنسب للعمل من أجل إعادة تنظيم قواعدهم في الشرق الأوسط، حيث تُعدّ المملكة المتحدة مركزاً متميزاً للمعاملات المالية من إسطنبول. وبحسب تقرير صادر عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، فإنّ للجماعة استثمارات في أوروبا تصل إلى أكثر من (10) مليارات دولار، تمرّ عبر لندن، إلى جانب التمويل والاتصالات، وتتمتع المملكة المتحدة بأهمية كبيرة بسبب روابطها التقليدية والتاريخية مع الجماعة.

إجراءات متوقعة

من المتوقع أن تنشر السلطات قائمة بالمنظمات المثيرة للقلق في الأسابيع المقبلة، لكنّ الإجراءات القريبة، بحسب مراقبين، لن تجرّم هذه الجماعات أو تحظرها بعد. إلّا أنّ التعريف الجديد سيحدّ نظرياً من أنشطة جماعة الإخوان المسلمين، ويقلل من تأثيرها على المجتمعات الإسلامية وقدرتها على الترويج لأفكارها المتطرفة.

وربما يؤدي التعريف الجديد إلى سنّ قوانين تضع نهجاً شاملاً من قبل الحكومة البريطانية في التعامل مع الجماعات الإسلامية المتطرفة المتمركزة في المملكة المتحدة، للحدّ من الحوادث المتعلقة بالتطرف. حيث ارتفعت الحوادث المعادية للسامية بنسبة 147% في العام 2023، وارتفعت جرائم الكراهية ضد المسلمين بنسبة 335%.  

جدير بالذكر أنّ التعريف الجديد للتطرف ينص على أنّ التطرف "هو الترويج لإيديولوجيا قائمة على العنف أو الكراهية أو التعصب؛ تهدف إلى تدمير الحقوق والحريات الأساسية؛ أو تقويض أو استبدال الديمقراطية البرلمانية الليبرالية في المملكة المتحدة؛ أو خلق بيئة للآخرين عن عمد لتحقيق تلك النتائج".

بدوره، حذّر المجلس الإسلامي البريطاني من المقترحات التي وصفها بأنّها "غير ديمقراطية، ومثيرة للانقسام، ومن المحتمل أن تكون غير قانونية". و"قد تتضمن تعريف المنظمات الإسلامية الراسخة بأنّها متطرفة". وقالت زارا محمد، الأمين العام للمنظمة: "مع اقتراب الانتخابات، ليس من المستغرب أن تلجأ الحكومة إلى هذا التكتيك اليائس في الحرب الثقافية".

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية