لبنان والحرب الشاملة وأدوار "حزب الله"

لبنان والحرب الشاملة وأدوار "حزب الله"

لبنان والحرب الشاملة وأدوار "حزب الله"


26/02/2024

رفيق خوري

لا شيء يوحي بأن خطر الحرب الشاملة على لبنان المنهك يدفع بقايا السلطة إلى أي تعديل في السلوك السياسي. لا في التخلي عن قاموس اللغة الخشبية. ولا في الالتفات بالخيار وحتى بالاضطرار، إلى الحد الأدنى من ممارسة المسؤولية الوطنية. وترجمة ذلك هي إما الاطمئنان إلى أن أميركا وإيران تضغطان بقوة على إسرائيل و"حزب الله" للحيلولة دون تصعيد التراشق الصاروخي إلى حرب مفتوحة، وإما التصرف كأن خطر الحرب قدر لا يرد، ولا مهرب من الاستعداد لها.

فكل التحذيرات التي تسمعها بيروت من الموفدين والزوار الأميركيين والأوروبيين والعرب، والدعوات إلى تهدئة على جبهة الجنوب والتفاهم على انتخاب رئيس للجمهورية، تأتي الردود عليها بالتشاطر السياسي وتكرار مطلبين (أولهما) أوقفوا حرب إسرائيل على غزة و(ثانيهما) الحل هو تطبيق القرار 1701 بكل مندرجاته.

أما المطلب الأول، فليس في يد أي دولة ولو كانت تريد ذلك، وفي طليعتها أميركا التي تدعم إسرائيل ومعظم ما تطالب به هو "هدنة إنسانية" لتبادل الرهائن والأسرى وشن المعارك من دون إيذاء المدنيين. والمطلب الثاني عجز مجلس الأمن الدولي صاحب القرار ولبنان الرسمي عن التطبيق الكامل لأنه يحد من حرية إسرائيل في الخروقات الجوية والبرية والبحرية ويجبرها على الانسحاب من النقاط المختلف عليها عند "الخط الأزرق"، كما يحد من قدرة "حزب الله" على ممارسة المقاومة.

وأقل ما طلبه، أخيراً، حسن نصرالله من بقايا السلطة هو أن تضع شروطاً لتطبيق القرار. ومعنى هذا عملياً هو أن على مجلس الأمن تعديل القرار في اتجاه معاكس للاتجاه الذي طلبته واشنطن وباريس وتل أبيب ورفضته بيروت بالاعتماد على "حزب الله".

والانطباع السائد هو أن الذهاب إلى حرب شاملة يمكن أن يحدث نتيجة خطأ في الحسابات أو تصعيد غير محسوب. والظاهر حتى الآن أن "حزب الله" حريص على عدم إعطاء ذريعة للعدو الإسرائيلي الذي يهدد بالحرب الشاملة يومياً، إن لم يحصل على ما يريد بالدبلوماسية من خلال جهود أميركا وفرنسا، لكن غياب الخطأ في الحسابات أو التصعيد الذي يتجاوز الخطوط الحمر ليس ضماناً لامتناع حكومة نتنياهو عما تسميها "حرب الشمال.

والسبب هو أن الحرب "المضبوطة" أدت إلى تهجير نحو 100 ألف مستوطن من الجليل الأعلى. وهؤلاء يريدون العودة إلى مستوطناتهم ويضغطون يومياً على نتنياهو وشركاه. وأنشأوا حتى الآن تنظيمين "خيمة الجنود في الاحتياط" و"لوبي 1701". لا بل علقوا لافتات ضخمة في الجليل تحمل نصاً ساخراً بالعبرية والعربية والإنجليزية هو "هذا الطريق يؤدي إلى الشريط الأمني للجنوب اللبناني داخل أراضي دولة إسرائيل. دخول المواطنين الإسرائيليين محظور إلى حين عودة الأمن إلى مدن الشمال".

ولعل أبسط ما يطلبه هؤلاء هو "نقل المعركة إلى الأرض اللبنانية حتى يطبق لبنان القرار 1701 ويجعل المنطقة من نهر الليطاني وجنوباً منزوعة السلاح".

لكن الحرب الشاملة تزيد من تعقيد الوضع وتقود إلى إحداث دمار كبير في إسرائيل ودمار أكبر في لبنان. والمعادلة واضحة (الحل الدبلوماسي صعب، والحل العسكري خطر)، ومشكلة "حزب الله" أنه يلعب كثيراً من الأدوار في وقت واحد، مقاومة أي اعتداء إسرائيلي على لبنان وتحرير فلسطين وحماية النظام الإيراني والعمل لمشروعه الإقليمي والمشاركة في حرب سوريا إلى جانب النظام، ومعه الحرس الثوري وميليشيات "لواء فاطميون" الأفغاني و"زينبيون الباكستاني"، ومساعدة الحوثيين في اليمن والحشد الشعبي في العراق، وعسكرة طائفة في لبنان، والتحكم بكل مفاصل السلطة.

وكل هذا يحدث، وسط انعكاسات الأدوار على الأوضاع الداخلية في لبنان المأزوم سياسياً ومالياً واقتصادياً واجتماعياً كما على حسابات القوى الإقليمية والدولية في الصراع الجيوسياسي. أدوار أكبر من لبنان لحزب من طائفة واحدة من بين 18 طائفة.

هناك بالطبع رهانات على توقعات حول صفقة أميركية- إيرانية يمكن أن يكون لها "ملحق لبناني". ولا شيء يضمن أن تنطبق التوقعات على الوقائع. وسواء وقعت حرب شاملة أو لا، فإن لبنان يدفع في "ميني حرب" حالياً ثمن حرب مفتوحة.

عن "اندبندنت عربية"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية