كيف يمكن للدول أن تمارس "الإسلام الرسمي" للحد من التطرف الراديكالي؟

كيف يمكن للدول أن تمارس "الإسلام الرسمي" للحد من التطرف الراديكالي؟


18/11/2017

في مقابلةٍ أُجرِيتْ معهُ مؤخراً، صاغ ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، العناوين الرئيسة للصُحُف بمطالبةٍ ملفتةٍ مفادُها أنَّه سوف يحاولُ إعادة بلده إلى "الإسلام المعتدل" في إطار جهوده الإصلاحية الأوسع. بِالرّغْمِ مِنْ أنّه من غير الواضح، إذا كان ثمَّة شيءٌ من هذا القبيل، ما هي التغييرات الملموسة التي سوف يُحدِثُها هذا، فإنَّ تصريحاته تأتي ضمن اتجاه متزايد بين قادة العالم العربي لاستخدام مُقَوّمات المؤسَّسة الدينية التي ترعاها الدولة، أو "الإسلام الرسميّ"، لمواجهة الأيديولوجيات المتطرِّفة.
بعض البلدان كانت أكثرَ نجاحاً من غيرها في تسخير سلطة الإسلام الرسميّ لتحدّي الحركات "الإسلاموية" الشعبية والحد من الأيديولوجيات الراديكالية. في مقال جديد، ندرسُ كيف استخدمَت الأنظمةُ المؤسَّساتِ الدينية الرسمية، في مصر والأردن والمغرب وتونس، بعد أن هزَّت انتفاضات عام 2011 المنطقة. إنَّنا نجدُ أنَّ النجاح يعتمد على عاملين رئيسين هما: طبيعة المؤسَّسات الدينية المَوْرُوثة، ونوع نظام الحكم في البلد.
لقد سعتْ هذه البلدان الأربعة إلى بِناء إسلام رسميّ في الأعوام الأخيرة، ولكن إستراتيجياتها الخُصُوصِيّة تختلف بطرق جِدّيّة.

توسيع الإسلام الرسميّ في المغرب
محكوماً بنظام ملكيّ، وَرث المغرب مؤسَّسات دينية قوية، ممّا مكَّن البلد من توسيع نطاق امتداده في الفضاء الدينيّ بعد عام 2011. الملك يستمدُّ الشرعية، جزئياً، كونه كما يُعتقَد من سلالة النبيّ محمّد و"أمير المؤمنين". مع ذلك، خلافاً للأردن، الذي يحكمه أيضاً نظام ملكيّ، وَرث المغرب مؤسَّسة دينية كبيرة. وإذْ تتّخذُ من "فاس" مقراً لها، تُعَدُّ جامعة القرويين مركزاً تاريخياً للتعلُّم الإسلاميّ في شمال غرب أفريقيا وأقدم مركز في العالم للتعليم العالي، حيثُ يعود تاريخها إلى عام 859.

بعض البلدان كانت أكثرَ نجاحاً من غيرها في تسخير سلطة الإسلام الرسميّ لتحدي الحركات الإسلاموية الشعبية

في أعقاب انتفاضات عام 2011، أعلن الملك محمد السادس عن برنامج تأهيل لتدريب الأئمة والعلماء على تفسيرات عقائدية مناسبة وبدأ مشروعاً كبيراً لتجديد مساجد البلد. وفي عام 2012، أعلن وزير الأوقاف والشؤون الدينية أنَّ أي مراسيم أو فتاوى دينية صادرة عن سلطات غير المجلس الأعلى للعلماء المغربيين تُعَدُّ باطلة. بالإضافة إلى ذلك، سعى المغرب إلى توسيع نطاق الإسلام الرسميّ من خلال تدريب أئمة من دول المنطقة، بما في ذلك تونس ومالي ونيجيريا، على طرقٍ لمواجهة الأيديولوجيات الراديكالية. وفي عام 2015، دشَّن الملك تسهيلات بقيمة 20 مليون دولار، لإعطاء هذا البرنامج مَصْدَر تمويل مُسْتَقِر.
باختصار، اعتنقت الدولةُ الإسلام الرسميّ كلّيًا وسَعَتْ بسرعةٍ لتوسيعه كوسيلة للتّحكم في الفضاء الدينيّ.

تفعيل الإسلام الرسميّ في الأردن
الأردن يُحكَم أيضاً بنظام ملكيّ، ولكن، على عكس المغرب، لم يكن هناك مؤسَّسة إسلامية تاريخية مماثلة. نتيجة لذلك، سعى إلى تفعيل الإسلام الرسميّ.
في الأردن، تقوم شرعية الملك، على الأقل جزئياً، على السلالة الملكية التي تعود إلى النبيّ محمد وليس على دستور يستند إلى العلمانية. ولأنه لم يكن هناك قاعدة لسلطة بديلة للإسلام الرسمي، يمكن للدولة أن تشكِّل الإسلام الرسميّ على النحو الذي تراه مناسباً.
بدءاً من أواخر الستينيات، بدأ الأردن يكرِّس موارد كبيرة لبناء بيروقراطية دينية تسيطر عليها الدولة. وفي السنوات الأخيرة، تمكَّنت المملكة من تفعيل شبكة الإسلام الرسميّ التي بُنِيتْ تدريجياً على مدى عقود. ومن أجل زيادة نِطَاقها، قدَّمت الحكومة حوافز مالية، بما في ذلك راتباً وسفراً مدفوعاً إلى مكة المكرمة وورش عمل دينية. كما واصلت السّعي لتحقيق الأهداف الواردة في "رسالة عمَّان" والتّسامح بين الأديان كما جاء في مبادرة "كلمة سواء". في الوقت نفسه، بدأت الحكومة في عملية تقييد أكثر إحكاماً للمحتوى الدّيني والسّياسي لجميع الخطب في أنحاء المملكة كافة.

تطوير الإسلام الرسميّ في تونس
تونس، وهي جمهورية، واجهتْ تحديات كبيرةً في السّيطرة على الفضاء الديني. الحبيب بورقيبة، الرئيس المؤسِّس للبلد، لم يستخدم الدين كأساس رئيس لشرعية النظام الجديد. وخوفاً من وجود قاعدة لسلطة منافسة، سعى للحدّ من تأثير المراكز التقليدية للسُّلطات الدينية.
بحلول ثورة 2011، تأكدت هذه السياسات، مع عدم وجود مؤسَّسات دينية قوية في تونس. وفي مواجهة التحديات المتزايدة بعد عام 2011، سعت الحكومة الجديدة على الفور إلى تطوير الإسلام الرسميّ.
أولاً أعادت الحكومة فتح مسجد الزيتونة، المركز التاريخي للتعلُّم في العاصمة، كمركز تعليميّ.

لعب السيسي دوراً مباشراً في الدعوة إلى "ثورة دينية" لمواجهة التطرُّف بينما كان يتحدَّث من داخل الأزهر نفسه

ثانياً، وقّعت الحكومة اتفاقًا مع المغرب لتدريب الأئمة التونسيين وتعزيز إصلاح المؤسَّسات والمنظمات الدينية في تونس.
وفي الواقع، سعى القادة التونسيون إلى استيراد بعض شرعية المغرب التاريخية في محاولة لإعادة بناء الإسلام الرسميّ لبلدهم.

اعتماد الإسلام الرسميّ في مصر
أخيراً، مصر، وهي جمهورية ذات مؤسَّسات دينية قوية، سعت إلى اعتماد الإسلام الرسمي. بدءاً من الستينيات، قام الرئيس جمال عبد الناصر بتأميم المركز التاريخي للتعلُّم الإسلامي السُنّي، الأزهر، وأوقافه الواسعة. وبعد الثورة "في عام 2011"، منح المجلس الأعلى للقوات المسلحة الأزهرَ استقلالية أكبر إلى حد ما، وقَد عارض الأزهر رئاسة محمد مرسي (2012-2013)، الذي كان ينتمي إلى الإخوان المسلمين. واستمراراً لهذا النموذج، عمل الرئيس عبد الفتاح السيسي على تأميم الدين وإضفاء طابع شخصي على الإسلام الرسميّ. بعد وصوله إلى السلطة في عام 2013، ظهر السيسي صُحبة الإمام الأكبر للأزهر إلى جانبه. كما لعب السيسي دوراً مباشراً في الدعوة إلى "ثورة دينية" لمواجهة التطرُّف بينما كان يتحدَّث من داخل الأزهر نفسه. في الواقع، حاولَ أن يستخدم شرعية الأزهر دون منحه أي درجة من الاستقلال يمكن، بدورها، أن تُستَخدم لتهديد الدولة نفسها.
لقد اتَّخذت كل من هذه الدول الأربع خطوات بارِزة لزيادة تأثير الإسلام الرسميّ بعد عام 2011. بِالرّغْمِ مِنْ فهم كل منها للقيمة الواضحة للإسلام الرسميّ على أنها السيطرة على الفضاء الديني، فإنَّ قدرتها على القيام بذلك تعتمد على نوع النظام الحاكم وتاريخه مع الإسلام الرسميّ. على أنه من المبكر الحديث عمّا إذا كانت هذه الاستثمارات المكلفة ستدرُّ أرباحاً. ومع هزيمة جماعة الدولة الإسلامية المسلحة وعودة مقاتليها إلى أوطانهم في جميع أنحاء العالم العربي وخارجه، تأمَلُ هذه الحكومات أنْ يعطيها إسلام رسميّ أكثر قوة، فرصة أفضل لمواجهة الإسلام الراديكالي.

عن الـ"واشنطن بوست" في 3 نوفمبر 2017

.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية