كيف يمكن ردع التطرف والتجنيد عبر الإنترنت في القرن الحادي والعشرين؟

كيف يمكن ردع التطرف والتجنيد عبر الإنترنت في القرن الحادي والعشرين؟

كيف يمكن ردع التطرف والتجنيد عبر الإنترنت في القرن الحادي والعشرين؟


11/08/2024

حللت دراسة حديثة نشرها "المركز العربي لدراسة التطرف"، بعنوان "ردع التطرف والتجنيد عبر الإنترنت في القرن الحادي والعشرين" شهادة 261 من المنشقين عن داعش والعائدين والقادة المسجونين، بالإضافة إلى 16 من المنتمين لأقصى اليمين/العنصريين البيض، مع التركيز بشكل خاص على مسارات ستة كنديين داخل وخارج داعش  والتطرف العنيف العنصري الأبيض.

كما حللت الدراسة المخاطر المتزايدة المتمثلة في التطرف والتجنيد عبر الإنترنت حصرياً، والنمو الهائل للتطرف العنيف لليمين المتطرف والعنصرية البيضاء، فضلاً عن خطط داعش للعودة منذ سقوط دولة الخلافة الإقليمية، وكيف ساهم كوفيد-19 في مستقبل الإرهاب الجهادي المسلح والتطرف العنيف بشكل عام.

ردع التطرف والتجنيد عبر الإنترنت في القرن الحادي والعشرين

واعتبرت الدراسة أن كندا محظوظة نسبيًا عند تحليل تاريخها المتعلق بالتطرف العنيف؛ إذ حددت قاعدة بيانات الحوادث الكندية 1405 حادثة إرهابية أو متطرفة وقعت في كندا ما بين 1960 و2014، بالإضافة إلى 410 حادثة إرهابية أو متطرفة نفذها كنديون (جناة أو مستهدفون) وقعت خارج كندا خلال نفس الفترة الزمنية.

لكنها لفتت إلى أن الجهاديين المتشددين الكنديين أصبحوا محور اهتمام في القرن الحادي والعشرين، وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001. والواقع أن كندا شهدت حدثًا إرهابيًا بارزًا مستوحى من تنظيم القاعدة، والذي تم إحباطه لحسن الحظ قبل أن تنفذه مجموعة تورنتو 18.

حللت الدراسة المخاطر المتزايدة المتمثلة في التطرف والتجنيد عبر الإنترنت حصرياً

وفي المجموع، حدد هاريس هوجان وداوسون وأماراسينجام 50 جهاديًا محليًا كنديًا نشطًا على مدى السنوات العشرين الماضية (هاريس هوجان وداوسون وأماراسينجام، 2020). ويبقى هذا الرقم ضئيلاً مقارنة بحوالي 185 مواطنًا ومقيمًا كنديًا غادروا كندا للانضمام إلى داعش في العراق وسوريا كمقاتلين إرهابيين أجانب، بما في ذلك شخصاً واحداً عاد وأثار غضب الكنديين بمزاعمه التي وردت في سلسلة “الخلافة” في صحيفة نيويورك تايمز.

 

وجد الكتاب أصحاب الدراسة أن ما لا يقل عن نصف الأشخاص الذين اعتنقوا الإسلام أصبحوا متطرفين عبر الإنترنت

 

وفي كثير من النواحي، يتشابه المقاتلون الإرهابيون الأجانب الكنديون مع المقاتلين الإرهابيين الأجانب في الدول الغربية الأخرى، وإن كان عددهم أكبر بكثير من أوروبا الغربية مقارنة بأميركا الشمالية، وتختلف أسباب سفرهم في نواح مهمة.

كما واجهت أوروبا الغربية هجمات نفذها أشخاص تدربوا مع داعش في سوريا قبل العودة إلى ديارهم، في حين لم تواجه كندا والولايات المتحدة مثل هذه الهجمات.

وهناك أدلة تشير إلى أن تزايد الخطاب المناهض للمهاجرين والمعادي للإسلام في السياسة المحلية والوطنية الكندية ربما ساهم في تكوين “مناخ الكراهية” الذي عزز من قوة بعض المتطرفين من أقصى اليمين، وأن الشرطة وأجهزة الأمن في كندا، كما هو الحال في البلدان الغربية الأخرى، قللت من تقدير التهديد الذي يشكله المتطرفون من أقصى اليمين مقارنة بالجهاديين المتشددين.

التطرف والتجنيد عبر الإنترنت

تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دورًا في التطرف والتجنيد في كندا، حيث وجدت دراسة أجريت سنة 2018 وهمت الكنديين المتورطين في الإرهاب الجهادي المتشدد منذ عام 2012 أن الإنترنت لعب دورًا في عملية التطرف بالنسبة إلى ما لا يقل عن 21 من أصل 32 فردًا كانت معلوماتهم عن التطرف متاحة. 

ووجد الكتاب أصحاب الدراسة أن ما لا يقل عن نصف الأشخاص الذين اعتنقوا الإسلام أصبحوا متطرفين عبر الإنترنت، وأن ما لا يقل عن 26 فردًا في العينة استخدموا الإنترنت لنشر الدعم للإرهاب أو التواصل مع متطرفين عنيفين آخرين بعد أن أصبحوا متطرفين. وبجمع هذه البيانات، خلصوا إلى أن “الإنترنت لعب دورًا إما أثناء أو بعد عملية التطرف لدى ما لا يقل عن 76 في المائة من العينة”.

كما أشارت الدراسة إلى وجود أدلة عديدة تشير إلى ارتباط جائحة كوفيد-19 بزيادة التطرف العنيف والتجنيد عبر الإنترنت. ليس فقط لكون الناس يقضون وقتًا أطول على الإنترنت أثناء حظر التنقل، خاصة الشباب الذين قد يكونون في المدرسة لولا ذلك، ولكن القلق بشأن الصحة العامة والاقتصاد دفع الكثيرين إلى البحث عن بعض الشعور باليقين عبر الإنترنت.

وفي كندا على وجه التحديد، وجدت دراسة كبيرة أن إدراك مخاطر كوفيد-19 كان مشابهًا لإدراك الولايات المتحدة من حيث الاستقطاب السياسي الشديد، وأن هناك زيادة ملحوظة في التفاعل مع المحتوى المتطرف عبر الإنترنت في أكبر مدن كندا منذ بداية الحظر الذي أعقب كوفيد-19.

هناك أدلة تشير إلى أن تزايد الخطاب المناهض للمهاجرين والمعادي للإسلام في السياسة المحلية والوطنية الكندية

وذكرت الدراسة أنه من بين 261 من العائدين والمنشقين والكوادر المسجونين من داعش الذين قابلتهم الكاتبة الأولى، تم تحليل 258 في هذا المقال. ويشمل هذا العدد 211 رجلاً و47 امرأة. ومن بين هؤلاء، تم التأثير على 51.2 في المائة أو تجنيدهم للانضمام إلى داعش، جزئيًا على الأقل، عبر الإنترنت.

ويشمل ذلك مشاهدة مقاطع الفيديو التي أنتجتها داعش أو مجموعات أخرى أو مدنيون سوريون عبر الإنترنت، والتواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي مع الأصدقاء أو العائلة الذين انضموا بالفعل إلى الجماعة، أو التواصل مباشرة مع مجندي داعش.

عودة داعش إلى الظهور

وبحسب الدراسة، فيبدو أن الخطر الأساسي الذي يهدد كندا يتمثل في موجات مستقبلية من المقاتلين الأجانب المشاركين في الصراعات في الخارج عند اندلاعها، وما يسمى بهجمات “الذئاب المنفردة” التي تدعو هذه الجماعات إلى تنفيذها على الأراضي الكندية. 

 

وجدت دراسة كبيرة أن إدراك مخاطر كوفيد-19 كان مشابهًا لإدراك الولايات المتحدة من حيث الاستقطاب السياسي الشديد

 

ورغم أن المقاتلين الأجانب العائدين الذين تحتجزهم حاليا قوات سوريا الديمقراطية قد يشكلون بعض المخاطر، إما في تطرف الآخرين في السجون أو في تنفيذ أعمال عنف إذا تم إطلاق سراحهم، فيجب أن يكون لديهم إمكانية الولوج إلى خدمات إعادة التأهيل وإعادة الإدماج المناسبة لمنع حدوث أي من الأمرين، ولم تكن كندا هدفًا لأي هجمات ارتكبها العائدون، بل يبدو من المرجح أن العائدين يشعرون بخيبة الأمل ويريدون ببساطة العودة إلى ديارهم ومواجهة العدالة إذا لزم الأمر، وأن يعيشوا حياة طبيعية بسيطة. 

كما أن هناك توثيق واسع النطاق لنساء داعش المتشددات واللواتي يواصلن فرض قواعد داعش، وخاصة فيما يتعلق بالزي اللائق، في معسكرات قوات سوريا الديمقراطية، وخاصة مخيم الهول. هؤلاء النساء هاجمن أخريات بعنف، بل قتلن نساء أخريات خاب أملهن في داعش، وكذلك الحراس في المخيم.

المخاطر المستقبلية

ومع الانتقال إلى عقد جديد، شددت الدراسة على ضرورة أن يأخذ الباحثون والممارسون وصناع السياسات في الاعتبار دروس الماضي عند اتخاذ القرارات. مشيرة إلى التغيير الكبير الذي شهده  العقد الماضي، مع خمسة دروس بارزة؛ أولاً، وفي حين استخدم أوائل المتطرفون الإنترنت أيضًا للتجنيد ونشر دعايات الكراهية الخاصة بهم، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أداة قوية بشكل متزايد للمتطرفين العنيفين والإرهابيين. 

استخفاف أجهزة الأمن وباقي المهنيين باليمين المتطرف العنيف أمر لا بد من معالجته

كما يمكن للأفراد بناء علاقات حميمة قائمة على الثقة دون أن يلتقوا شخصيًا، ويمكن أن يجعلهم التواصل العالمي والوعي يتفاعلون مع محنة الضحايا على بعد آلاف الأميال. وإذا ما استخدمت بشكل استراتيجي، يمكن أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي أيضًا أداة لمكافحة الإرهاب ومنع التطرف العنيف ومواجهته.

ثانيًا، من الواضح أن استخفاف أجهزة الأمن وباقي المهنيين باليمين المتطرف العنيف أمر لا بد من معالجته.

ثالثا، تجارب التمييز والتهميش تزيد من مخاطر التجنيد في التطرف العنيف، ويتضخم هذا التأثير مع حدوث التطرف المتبادل عندما تتقاتل الجماعات المتعارضة وتهاجم بعضها البعض بعنف، مما يؤدي إلى تسريع الاستقطاب وأعمال العنف. 

 

تجارب التمييز والتهميش تزيد من مخاطر التجنيد في التطرف العنيف ويتضخم هذا التأثير مع حدوث التطرف المتبادل عندما تتقاتل الجماعات المتعارضة

 

ورابعا، يمكن استخدام الثقافة للخير أو الشر. في حالة اليمين المتطرف، تم استخدام موسيقى الكراهية إلى جانب الشرب لجذب المجندين الجدد، ومنحهم شعورا بالانتماء يأتي بثمن. في حالة داعش والقاعدة، تم استخدام الكتب المقدسة المعاد تأويلها والمحرفة والتفسيرات المنقحة للإسلام السني لجذب المجندين الجدد.

خامسا، الانتماء، والشعور بالأهمية والغرض والكرامة غالبا ما تكون نقاط ضعف مهمة، وهي احتياجات تلبيها هذه الجماعات بوعود الأسرة والانتماء والغرض والكرامة الممنوحة عند الانضمام. وهو ما يعطي مصداقية أيضًا لنموذج “النونات الثلاثة” الذي طرحه آري كروجلانسكي، والذي يرى أن الاحتياجات والشبكة والسرد ضرورية لكي يصبح شخص ما متطرفًا عنيفًا (كروجلانسكي، وبيلانجر، وجوناراتنا، 2019).




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية