كيف يساهم "الإخوان" في تأييد الغرب والتحشيد ضدّ روسيا؟

كيف يساهم "الإخوان" في تأييد الغرب والتحشيد ضدّ روسيا؟


17/03/2022

منذ اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية، عام 2014، جرى توظيف الدين، المسيحي والإسلامي، في الصراع بين الطرفين، واصطفّ رجال الدين في كل دولةٍ ضدّ إخوانهم في الدين نفسه في الدولة الأخرى. وكان الانقسام المسيحيّ أسبق، بعد اعتراف بطريركية القسطنطينية المسكونية، ومقرّها إسطنبول، باستقلالية كييف دينياً، ما أتاح إنشاء كنيسة أوكرانية موحدة، وإن ظلّت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية تشكّل ثاني أكبر طائفةٍ في البلاد.

وبالنسبة إلى المسلمين، فاتّخذ الانقسام شكله الواضح بعد مشاركة القوات الشيشانية المسلمة في الحرب الروسية ضدّ أوكرانيا، كجزءٍ من قوات دولة روسيا الاتحادية، منذ عام 2014، وزاد ذلك بمباركة مفتي روسيا ورجال دين من الشيشان وداغستان للعملية العسكرية في أوكرانيا.

اقرأ أيضاً: على أساس المعاملة بالمثل... روسيا تفرض عقوبات على أمريكيين... أسماء

ومقابل ذلك، نشط رجال الدين المسلمين، الذين يعتنق غالبيتهم فكر جماعة الإخوان المسلمين، في إصدار بيانات الدعم والدعوات للقتال ضدّ الروس، ولا يعدّ البُعد الديني هو الوحيد في اصطفاف مسلمي أوكرانيا، فقبل ذلك هناك الخلاف التاريخي بين تتار القرم الذين يشكلون أغلبية مسلمي أوكرانيا، والدولة الروسية منذ عهد القياصرة، والتي قضت على خانات تتار القرم، وضمّت أراضيهم إلى روسيا.

الإخوان في أوكرانيا

ويتمتع الإخوان بوضع قوي داخل أوكرانيا، خاصةً بعد تولي المسلمين الأوكرانيين الأدوار القيادية داخل المؤسسات الإسلامية في أوكرانيا، وعلى رأسها مجلس مسلمي أوكرانيا، ومنظمة الرائد. وهما المنظمتان الأساسيتان اللتان تنشطان بين مسلمي أوكرانيا، وتتفرع عنهما العشرات من المنظمات الخيرية والدعوية، وهما محسوبتان على الإخوان المسلمين، ويتولى سيران عريفوف رئاسة مجلس مسلمي أوكرانيا، وشغل من قبل رئيس منظمة الرائد حتى توليه رئاسة المجلس.

مفتي أوكرانيا في المنتصف بالزي العسكري

وترتبط هذه المنظمات بعلاقاتٍ وطيدة بالمنظمات الإسلامية التابعة للإخوان المسلمين في أوروبا وتركيا، سواء ثقافياً وفكرياً وإعلامياً، وعلى مستوى الدعم المالي والسياسي، خاصةً أنّ معظم مسلمي أوكرانيا الذين يسكنون في المناطق الجنوبية بالقرب من شبه جزيرة القرم، التي كانت موطناً أساسياً لهم خلال القرون السابقة، لديهم عداء تاريخي مع روسيا منذ الحروب الروسية القيصرية مع خانات القرم وحتى بعد ذلك في العهد السوفيتي.

اقرأ أيضاً: كيف تعتزم ميليشيات سورية "الوفاء وردّ الجميل لروسيا"؟

وتحتلّ تركيا مكانةً مهمّة لدى مسلمي أوكرانيا بشكلٍ تاريخي، منذ عهد العثمانيين، وتوطّدت هذه العلاقة مع توطد العلاقات التركية في عهد أردوغان بأوكرانيا، ما سمح بنمو عمل هذه المنظمات، وقربها من السلطة السياسية في كييف.

في ظلّ الاصطفاف الغربي ضدّ روسيا، يجد الإخوان في أوروبا فرصةً لإعادة تثبيت مواقعهم داخل المجتمعات الأوروبية، والاستفادة من ذلك عبر إدانة روسيا، وتقديم الدعم لأوكرانيا

وتتبنى المنظمات الإسلامية في أوكرانيا موقفاً عدائياً من روسيا، يتشاركون فيه مع القوميين الأوكرانيين في مناطق الغرب، حيث المسيحية الكاثوليكية هي الطائفة المهيمنة، وزاد الموقف العدائي بسيطرة موسكو على شبه جزيرة القرم، واعتقالها ونفيها للعديد من قادة العمل الإسلامي التتري.

ورغم أنّ هذه المنظمات تنشط بين مواطنين أوكرانيين إلا أنّها تتميز بالغطاء الإسلامي، مع تغاضي كييف عن علمانيتها في التعاطي مع هذه المنظمات، التي تحوز تأثيراً كبيراً مالياً وسياسياً.

اقرأ أيضاً: هل تعود أمريكا إلى "استراتيجية الاحتواء" مع روسيا؟

وقبل اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، نشط مفتي مسلمي أوكرانيا، سعيد إسماعيلوف، في التنديد بالتحشيد الروسي، وشارك في بيانات الإدارات الروحية بشأن ذلك. ومع اندلاع الحرب خلع المفتي عباءة الداعية وارتدى الزي العسكري، وبات يشارك في قوات الدفاع المدني في كييف، ويحثّ المسلمين الأوكرانيين على القتال ضدّ الروس، ولديه علاقات بالإدارات الدينية العاملة في الجيش الأمريكي.

ويعمل المفتي مع المنظمات الإخوانية على شراء العتاد العسكري غير القتالي، مثل الخوذات والدروع، سواء محلياً أو عبر الصين لتزويد المقاتلين.

وبات رئيس مجلس مسلمي أوكرانيا، سيران عريفوف، ضيفاً دائم الحضور على شاشات القنوات الفضائية الإخوانية التي تبث من تركيا، والتي تدعم إعلامياً أوكرانيا، وتحدّث عريفوف عن مشاركة أعضاء المنظمات الإسلامية في القتال ضمن قوات الدفاع المدني.

رئيس مجلس مسلمي أوكرانيا، سيران عريفوف

ويسعى إخوان أوكرانيا إلى زجّ المسلمين في القتال ضدّ روسيا، وفي إطار ذلك قام المفتي إسماعيلوف بتحريف كلمة عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، المحسوب على الإخوان، محمد الحسن الددو، وكتب فوق فيديو له أنّه "يدين قتال المسلمين إلى جانب روسيا، لكنّه يرى قتالهم إلى جانب أوكرانيا عادلاً وصحيحاً".

وحدث الأمر ذاته في ترجمة موقع مجلس مسلمي أوكرانيا لبيان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين حول الحرب، حيث تحوّل البيان المحايد باللغة العربية إلى بيان يدين روسيا بترجمته إلى اللغة الأوكرانية والروسية.

وإلى جانب ذلك خرج مفتي أوكرانيا بخطاب مترجم للغة العربية يدعو المسلمين إلى عدم الانضمام للقتال في روسيا، وذلك بعد توارد أنباء عن قتال سوريين بجانب روسيا، في 14 من آذار (مارس) الجاري.

استعطاف العالم الإسلامي

وتعمل المنظمات الإخوانية في أوكرانيا على استعطاف المشاعر الإسلامية، وكسر حالة التأييد الشعبية في العالم العربي لموقف روسيا، والذي ينبع من النكاية في الغرب في المقام الأول.

فاروق: الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ستلعبان بورقة التنظيمات القاعدية والداعشية

ويقول الباحث في شؤون الجماعات الأصولية المسلحة، عمرو فاروق: "هناك محاولات حالية لإثارة المشاعر الدينية والإسلامية، وصناعة مظلة لتمرير تلك الحالة، من خلال تصدير بيانات تحمل الطابع السياسي الديني من ممثلي المنظمات الإسلامية، وفي مقدمتهم مفتي أوكرانيا، سعيد إسماعيلوف، إلى جانب مجلس مسلمي أوكرانيا وعدد من المنظمات الإسلامية، المحسوبة على جماعات الإخوان، والتي ترتبط بعلاقات وثيقة مع اتحاد علماء المسلمين، وتتبنى موقفاً مناهضاً مع الجانب الروسي على طول الخط".

الباحث أحمد سلطان لـ "حفريات": موقف الإخوان متماهٍ تماماً مع الموقف الأوروبي، نظراً لارتباط منظمات العمل الإسلامي في أوروبا بالاتحاد الأوروبي، حيث تسعى لتعزيز موقفها في المجتمع الغربي

وتابع فاروق لـ "حفريات": "العلاقة بين مكونات الإسلام السياسي كافةً وروسيا علاقة عدائية، وهناك أزمة تاريخية وفكرية بينهما، وتعمل منظمات الإخوان المسلمين عبر المنصات الإعلامية على الاستفادة من أرضية الخصومة هذه بين المؤيدين للإسلام السياسي ضدّ روسيا".

ومن جانبه، يقول الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، أحمد سلطان: "يستفيد الإخوان في أوكرانيا من الصراع الحالي، لتعزيز مواقعهم بالانحياز التامّ للدولة الأوكرانية في مواجهة روسيا، ويأملون تحقيق مكاسب ومزيد من التغلغل بين المجتمعات الإسلامية هناك".

وإلى جانب الانخراط العسكري، تنشط المنظمات الإسلامية في العمل الإغاثي في المناطق التي تشهد قتالاً، وتقدم خدمات واسعة للمسلمين، وكذلك تعمل في المناطق الحدودية وفق تسهيلاتٍ أوروبية.

وتعمل هذه المنظمات على إثارة مشاعر العداء بين المسلمين في روسيا الاتحادية، وتعيد التذكير بالحروب الروسية في مناطق القوقاز ذات الغالبية المسلمة.

سلطان: الإخوان ربما ينخرطون في إتاحة الدعم اللوجستي للمقاتلين تحت مظلة الدول الأوروبية

وأشار الباحث فاروق إلى أنّ "كلاً من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ستلعبان بورقة التنظيمات القاعدية والداعشية، لا سيما المتمركزة بقوة في ولاية القوقاز، لإدارة المعركة بالوكالة، مثلما استخدمت من قبل ظاهرة المجاهدين العرب، في مواجهة الدبّ الروسي واستنزافه، وسقوطه في بئر الجماعات الأصولية، في أفغانستان والشيشان".

وكما أدّى توظيف المسيحية في الصراع إلى قطيعةٍ بين المؤسسات المسيحية في روسيا وأوكرانيا، أدّى توظيف الإسلام من المنظمات الإخوانية منذ عام 2014، ثم المؤسسات الرسمية الروسية، مع اندلاع الحرب في 24 شباط (فبراير) الماضي، إلى القطيعة بين المؤسسات الإسلامية في البلدين. وقال مفتي مسلمي أوكرانيا عبر صفحته على "فيسبوك" رداً على سؤالٍ من صحفيين أجانب حول إصلاح علاقته بالمؤسسات الإسلامية الروسية: "لن يحدث. كرامتي كأوكراني وضميري لا يسمحان لي بمدّ اليد إليهم".

التماهي مع الموقف الغربي

وحول موقف جماعة الإخوان المسلمين المركزية، يقول الباحث أحمد سلطان لـ "حفريات": "الجماعة المركزية في مصر لم تصدر أية بيانات، لكنّ فرعيها في بريطانيا وأوكرانيا، ومعهما مجلس المسلمين الأوروبيين، دانوا العلمية العسكرية الروسية، ودعوا لإنهائها، ودعم أوكرانيا، ودعوا في أوكرانيا لمقاومة الروس".

ويرى سلطان؛ أنّ "جماعة الإخوان تسعى لتحقيق أقصى استفادة ممكنة من الوضع القائم، لكن دون ردود رسمية خاصة"، وأشار إلى أنّ "موقف الإخوان متماهٍ تماماً مع الموقف الأوروبي، نظراً لارتباط منظمات العمل الإسلامي في أوروبا بالاتحاد الأوروبي، حيث تسعى لتعزيز موقفها في المجتمع الغربي".

وفي ظلّ الاصطفاف الغربي ضدّ روسيا، يجد الإخوان في أوروبا فرصةً لإعادة تثبيت مواقعهم داخل المجتمعات الأوروبية، والاستفادة من ذلك عبر إدانة روسيا، وتقديم الدعم لأوكرانيا، بما يعزز دور منظماتهم في المجتمع، وربما يخفف الرقابة الأمنية التي نشطت مؤخراً ضدها.

اقرأ أيضاً: ما حقيقة طلب روسيا مساعدات عسكرية من الصين؟

وحول انخراط الإخوان في العمل المسلح، يرى سلطان أنّ "جماعة الإخوان، نتيجة خبرتها التي راكمتها، تبتعد عن فكرة الدخول في الصراع المسلح المباشر، ويقتصر دورها على تقديم الدعم اللوجستي، وتنسيق مشاركة الأفراد في القتال، وذلك بناءً على اتفاقيات مع أجهزة الاستخبارات الغربية، مثلما حدث في الشيشان وأفغانستان".

وأفاد الباحث في شؤون الحركات الإسلامية؛ بأنّ "دور الإخوان ما يزال يقتصر على عمليات الدعم، وربما ينخرطون في إتاحة الدعم اللوجستي للمقاتلين تحت مظلة الدول الأوروبية، لكن، حتى الآن، المشهد ضبابي بشكل كبير، خاصة مع تعدّد الفاعلين والاتجاهات في الأزمة".

وتبقى احتمالات مشاركة معتنقي الفكر الجهادي في الحرب ضدّ روسيا مفتوحة؛ حيث يزداد الخطاب الديني للمنظمات الإسلامية الأوكرانية، بهدف حشد تأييد مسلمي أوروبا في المقام الأول، وربما يدفع هذا الخطاب إلى جانب حالة السيولة ضدّ روسيا في العالم الغربي إلى انخراط مسلمين في الحرب أسوةً بانخراط العديد من اليمنيين في أوروبا".

وفي 24 من الشهر الماضي، أعلنت روسيا بدء عملية عسكرية في أوكرانيا، تحت مسمى حماية المدنيين في الدونباس، وتطورت العملية لتشمل مناطق واسعة من شرق وجنوب أوكرانيا، وبعد عشرين يوماً من الحرب باتت القوات الروسية تحاصر العاصمة الأوكرانية، كييف من معظم الجهات.

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية