كيف سيشكل الامتناع عن التعاون مع المحكمة الجنائية ضرراً لإسرائيل؟

كيف سيشكل الامتناع عن التعاون مع المحكمة الجنائية ضرراً لإسرائيل؟


كاتب ومترجم فلسطيني‎
19/04/2021

رأى خبراء في الشأن السياسي والقانوني في إسرائيل قرار الحكومة الإسرائيلية بعدم التعاطي مع محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، وعدم الاعتراف بصلاحيتها حول التحقيق مع قادة سياسيين وعسكريين بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضدّ الفلسطينيين أمراً خاطئاً، بل كان من الممكن اقتراح مسار آخر ينقذ إسرائيل من التحقيق.  

قرار إسرائيل عدم التعاون مع الجنائية الدولية، سيسبّب انزعاجاً كبيراً لإسرائيل ويدخلها في خلافات على المستوى الدولي؛ لأنّ المحكمة ستفرض قراراً بعزل إسرائيل

ومنذ أن أعلنت محكمة الجنايات الدولية، في 3 آذار (مارس) الماضي، فتح تحقيق في جرائم حرب ارتكبتها إسرائيل بحقّ الفلسطينيين خلال الحرب الأخيرة على غزة صيف 2014، وتسعى إسرائيل للالتفاف على هذا القرار ونزع شرعيته بالوسائل كافة، من أجل حماية قادتها وجنودها العسكريين من الملاحقات القانونية، في قرار وصفه الكابينت الإسرائيلي بالمعاداة للسامية.

وكانت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، باتو بنسودا، قد أعلنت أنّ مكتبها قرّر فتح تحقيق رسمي في جرائم الحرب المرتكبة في الأراضي الفلسطينية، وسيشمل التحقيق طرفَي الصراع إسرائيل وحماس، لكنّ إسرائيل ردّت على رسالة المدعية بأنّه لا صلاحية لدى بنسودا المنتهية ولايتها بالتحقيق ضدّ إسرائيل وأنّها لن تتعاون معها.

تخبّط إسرائيلي

وأثار القرار الصادر غضب إسرائيل التي بدأت تتخبط في محاولة للتهرب من المساءلة القانونية؛ إذ وصف وزير الدفاع الإسرائيلي قرار فتح تحقيق ضدّ الإسرائيليين، بإهدار موارد المجتمع الدولي، فيما علّق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على القرار قائلاً: إنّ "قرار المحكمة الجنائية الدولية يعدّ إفلاساً أخلاقياً وقانونياً، ويضعف قدرة الدول الديمقراطية في الدفاع عن نفسها في مواجهة الإرهاب".

 المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، باتو بنسودا

وقدّم الجيش الإسرائيلي توصية إلى الحكومة، تقضي بعدم التعاون مع محكمة لاهاي بادّعاء الامتناع عن منحها شرعية، وأنّه في حال وافقت إسرائيل على التحقيق مع نفسها بدلاً من تحقيق تجريه المحكمة الدولية، فإنّها ستكون مطالبة بإجراء تحقيقات أخرى مع نفسها في أعقاب عمليات عسكرية في المستقبل.

وقال المحامي الإسرائيلي، كوفمان نيك؛ إنّ" ردّ إسرائيل على المحكمة الدولية في لاهاي بأنّها لا تمتلك سلطة التحقيق في مزاعم جرائم الحرب في قطاع غزة لا يصبّ في مصلحة إسرائيل، في حين أنّ هناك فرصة إسرائيلية للهروب من التحقيق الدّولي، وذلك من خلال عدم الإجابة بالأساس عن رسالتها، وفي هذه الحالة يمكن تجاوز القرار، لكنّ صنّاع القرار في إسرائيل لا يفهمون جوهر رسالة المحكمة، وكأنّه تمّ القبض عليهم".

الحقوقي صلاح عبد العاطي لـ "حفريات": هناك أدلة تثبت ارتكاب إسرائيل جرائم حرب، ولو استجابت للتعاون مع المحكمة فهذا سيلزمها بتقديم قادتها وجنودها لمحاكمات

أما الكاتب والمحلّل السياسي الإسرائيلي، إيتان جلبوع، فأكّد أنّ قرار محكمة الجنايات الدولية السماح بالتحقيق في قضايا تخصّ إسرائيل بشأن جرائم الحرب، التي ارتكبت في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، لا يبدو قوياً، لكن لا يمكن تجاهل خطورته في الوقت ذاته، بل إنّ الحاجة ماسّة لإجهاضه.

قرار خطير

وأشار جلبوع إلى أنّ المدعية باتو بنسودا هي من شجعت الفلسطينيين على الانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية من أجل رفع دعوى ضدّ إسرائيل؛ حيث إنّ قرار محكمة الجنايات يعدّ خطيراً على إسرائيل، لأنّها تستطيع وفق قوانينها محاكمة أشخاص، وتستطيع النائبة بنسودا استدعاء أشخاصٍ، من ضمنهم رئيس الوزراء ووزير الدفاع، وضباط في الجيش للتحقيق معهم.

اقرأ أيضاً: انسداد سياسي في إسرائيل يهدّد بالتوجه إلى انتخابات خامسة

وقال الكاتب والمحلل السياسي الإسرائيلي، ألون بنكاس؛ إنّ إسرائيل غير حكيمة دائماً في سلوكها الدولي حال مهاجمتها وهذا يخالف صورتها الذاتية؛ لذلك كانت ردودها متوقعة وفارغة إزاء قرار محكمة الجنايات الدولية، بشأن فتح تحقيق حول جرائم حرب ارتكبت في المناطق الفلسطينية، في حين أنّ الامتناع عن التعاون مع المحكمة، سيشكّل ضرراً كبيراً على المستوى السياسي لدولة إسرائيل.

رفض متوقّع

في سياق ذلك، يقول الناشط الحقوقي ورئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الفلسطينيين، الدكتور صلاح عبد العاطي: إنّ "إعلان إسرائيل رفض التعاون مع الجنائية الدولية أمر كان متوقّعاً، باعتبار أنّ إسرائيل، منذ اللحظات الأولى للقرار، حاولت شيطنة عمل المحكمة والطعن في أدائها، كما أنّها جنّدت كلّ حلفائها للضغط على المدعية لعدم فتح التحقيق".

رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الفلسطينيين، الدكتور صلاح عبد العاطي

يوضح الحقوقي عبد العاطي، في حديثه لـ "حفريات": "هناك أدلة ووثائق تثبت ارتكاب إسرائيل جرائم حرب في الأراضي الفلسطينية، ولو استجابت إسرائيل للتعاون مع المحكمة الجنائية، فهذا سيلزمها بتقديم قادتها وجنودها لمحاكمات، وهذا بالطبع لا تقبل به إسرائيل؛ لذلك اختارت رفض التعاون، كي تحمي قادتها السياسيين والعسكريين من الاعتقال".

ويضيف الناشط الحقوقي: "محكمة الجنايات، ومنذ إصدار القرار، تتعامل مع إسرائيل دون اكتراث بردّها، ورغم العراقيل التي تضعها دولة إسرائيل من خلال منع أطقم التحقيق من القدوم للأراضي الفلسطينية، يبقى أمام المحكمة خيار واحد، وهو إصدار مذكرات اعتقال بحقّ قادتها السياسيين والعسكريين، وعزلهم والتضييق على حركة سفرهم للخارج".

عزل إسرائيل

ويشير إلى أنّ "قرار إسرائيل عدم التعاون مع الجنائية الدولية، سيسبّب انزعاجاً كبيراً لإسرائيل ويدخلها في خلافات على المستوى الدولي؛ لأنّ المحكمة ستفرض قراراً بعزل إسرائيل، وستفرض على الدول الأعضاء في ميثاق روما، البالغ عددهم 126 دولة، تخفيف مستوى العلاقات الدبلوماسية معها، في حين ستصوّت غالبية هذه الدول لاعتقال مرتكبي جرائم الحرب في إسرائيل".

اقرأ أيضاً: هل تنجح إسرائيل في تشكيل حلف ناتو ضدّ إيران؟

وبحسب عبد العاطي؛ فإنّ "إسرائيل استغلّت انتهاء ولاية المدّعية، باتو بنسودا، في قرارها عدم التعاون مع المحكمة، وتعوّل الآن على تعيين المدّعي الجديد، المحامي البريطاني كريم خان، والذي يعدّ المرشّح الأفضل بالنسبة إلى إسرائيل، والذي سيعمل في الوقت الحالي على تأجيل فتح التحقيق، وربما إسقاطه بضغوط خارجية".

وتدّعي إسرائيل أنّ لديها جهازاً قضائياً مستقلاً يحقّق في أحداث غزة، وهذا دفع الحكومة الإسرائيلية إلى إصدار قرار نهائيّ، يقضي بعدم الاعتراف بسلطة التحقيق للمحكمة، وتصنيف المحكمة على أنّها هيئة سياسية وليست مؤسسة قضائية.

إسرائيل لم تخطِئ!

بدوره، بيّن أستاذ القانون الدولي، الدكتور حنا عيسى؛ أنّ "إسرائيل لم تخطِئ في ردّها على الجنايات الدولية، لأنّ محكمة الجنايات الدولية مختصة فقط بالتحقيق في قضايا الدول التي وقعت على وثيقة روما، لكنّ إسرائيل، مثل الولايات المتحدة ودول أخرى، لم توقّع على هذه الوثيقة، ولم تنضم إلى المحكمة الجنائية أصلاً، لأنّها كانت تخشى من أنّ المحكمة لن تكون أكثر من محكمة سياسية وليست قضائية".

أستاذ القانون الدولي، الدكتور حنا عيسى

وأضاف عيسى، في حديثه لـ "حفريات": "إسرائيل استمدّت قوتها من أطراف خارجية قبل أن تجازف وترسل برسالة للمدعية بعدم التعاون مع الجنائية، فبعض الدول الأوروبية لا تريد فتح تحقيق مع إسرائيل، كذلك أمريكا ترفض بشكل قاطع التحقيق مع إسرائيليين؛ لأنّ ذلك سيفتح الأبواب للتحقيق مع الأمريكيين بتهمة ارتكاب جرائم حرب سواء في العراق وأفغانستان".

اقرأ أيضاً: لماذا يُغضب التقارب الإسرائيلي الصيني الولايات المتحدة؟

وتابع: "إسرائيل، ومن خلال رفضها التعاون مع محكمة الجنايات، تكون قد اعترفت بشكل غير مباشر؛ بأنّ جيشها ارتكب جرائم ضدّ الإنسانية في الأراضي الفلسطينية؛ لذلك تتجنّب المساءلة القانونية برفضها قرار التحقيق، إلى جانب توجيه سفرائها في بعض الدول، للعمل ضدّ قرارات محكمة الجنايات الدولية وإسقاطها". 

التحقيق مع الفلسطينيين

وبسؤاله حول إمكانية إصدار المحكمة قرار بالتحقيق مع قادة الفصائل العسكرية في فلسطين، أكّد أستاذ القانون الدولي أنّ "هناك إمكانية للتحقيق مع قادة الفصائل، بالتحديد مع قيادات من حركة حماس، على خلفية الصواريخ العشوائية التي تطلق نحو إسرائيل؛ لأنّ فلسطين تعدّ عضواً في المحكمة منذ عام 2015، وينطبق عليها كلّ قرار يصدر عنها".

وأوضح عيسى؛ أنّ "الفصائل في حال قدمت لوائح اتّهام ضدّها بتهمة ارتكاب جرائم حرب سترفض ذلك؛ لأنّ الفصائل ترى أنّ المقاومة حقّ مكفول، ولا يوجد أيّ تناسب للصواريخ المستخدمة من قبل الفصائل والصواريخ الإسرائيلية، التي تزن بالأطنان، وأسقطت خلال الحروب على منازل المواطنين، وأدّت إلى إبادة جماعية، بالتالي، سيبقى على المحكمة، في حال إصدار القرار، التحقّق من الادّعاءات".

اقرأ أيضاً: لماذا تسعى إسرائيل إلى التقرّب من النظام السوري؟

وبحسب عيسى: فإنّ "المادة 42 من لائحة لاهاي لسنة 1907، قد عرّفت إسرائيل بأنّها احتلال اجتاز إقليم دولة وسيطر عليها سيطرة فعلية، من خلال نجاحها في إنشاء وإقامة إدارة عسكرية، تمارس من خلالها أعمال إدارة وتسيير شؤون الإقليم، وبموجب هذه المادة، فإنّ الأراضي الفلسطينية، ممثلة في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، تخضع للاحتلال الإسرائيلي، ويترتب على ذلك انطباق اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949، الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب".

الصفحة الرئيسية