
شهدت علاقة حركة طالبان مع إيران العديد من التقلبات، ففي أثناء حكم طالبان لأفغانستان (1996-2001) شهدت علاقة الطرفين خلافات كثيرة بينهما، وكانت المحطة الأبرز في هذه العلاقة مقتل العشرات من مقاتلي طالبان عام 1998 في مدينة مزار شريف شمالي أفغانستان على يد قوات (حلف الشمال) التي كانت إيران من أبرز داعميها.
وكان رد قوات طالبان شن حملة على المدينة التي يعتبر معظم سكانها من الهزارة (أغلبيتهم من الشيعة) والاستيلاء عليها، إضافة إلى مهاجمة القنصلية الإيرانية هناك التي قتل فيها صحفي إيراني و8 دبلوماسيين، وأصبحت إيران على شفا حرب مع طالبان.
لهذه الأسباب وغيرها دعمت إيران ضمنياً في عام 2001 احتلال الولايات المتحدة لأفغانستان والإطاحة بحكومة طالبان، وذكر رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني في ذلك الوقت حسين موسويان أنّ التعاون تم في إطار المصالح المشتركة لإيران والولايات المتحدة، وهو الإطاحة بحكم طالبان.
وتغيرت العلاقة بين إيران وطالبان من حين إلى آخر، وتوجهت نحو الصداقة، وجفت بذرة التعاون الإيراني الأمريكي ضد طالبان بعد أن صنف الرئيس الأمريكي السابق إيران ضمن محور الشر إلى جانب العراق وكوريا الشمالية، بعد احتلال بلاده لأفغانستان.
وغذى التعاون بين إيران وطالبان أيضاً العداء المشترك لقوات التحالف المدعومة من الولايات المتحدة التي احتلت أفغانستان، فاستضافت طهران في الأعوام والأشهر الأخيرة قادة طالبان وممثلي الحكومة الأفغانية.
علقت إيران الرسمية بحذر على سيطرة طالبان على أفغانستان، وظهر هذا جلياً في بيان رئيسي الذي اكتفى بالإشارة إلى الإخفاق الأمريكي
وفي الوقت الراهن، علقت إيران الرسمية بحذر على سيطرة طالبان على أفغانستان، وظهر هذا جلياً في بيان الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الذي اكتفى بالإشارة إلى الإخفاق الأمريكي كفرصة موقف يؤشر على تريث إيراني في انتظار اتضاح كل أبعاد الصورة على أرض تتشارك معها الحدود الجغرافية والعديد من القواسم العرقية والطائفية واللغوية، فيما لا تبدو خفية عوامل تفجر عداء إيديولوجي وديني، حسبما نقلت "روسيا اليوم".
واتخذت طالبان نبرة تصالحية تجاه إيران، فقد قال ذبيح الله مجاهد المتحدث باسم حركة طالبان في مقابلة أجرتها معه وكالة "إيلنا" الإيرانية مؤخراً: إنّ الحرب الأهلية وقلة الخبرة منعتا الحركة من إقامة علاقات جيدة مع جيرانها خلال فترة حكمها الأولى لأفغانستان.
طالبان تتخذ نبرة تصالحية تجاه إيران، فقد قال المتحدث باسم الحركة إنّ الحرب الأهلية وقلة الخبرة منعتا الحركة من إقامة علاقات جيدة مع جيرانها
وعلى الصعيد العسكري رحب الحرس الثوري الإيراني بدخول طالبان العاصمة الأفغانية، ممّا يعتبر مؤشراً على العلاقات التي اتضحت أمس، وقد فتحت إيران حدودها أمام عناصر من حركة طالبان، واستقبلت عدداً منهم أمس، بحسب مصادر أفغانية لصحيفة "إندبندنت" بنسختها الفارسية.
وقالت المصادر إنّ عناصر من قوات طالبان دخلت الليلة الماضية الأراضي الإيرانية لإقناع حوالي 300 جندي من قوات الجيش الأفغاني الذين فروا إلى إيران بعد سيطرة طالبان على البلاد.
وأضافت المصادر التي تحدثت لموقع الصحيفة في طهران أنّ "طالبان تمكنت من إقناع حوالي 300 جندي أفغاني بمغادرة إيران والعودة إلى ديارهم".
وأوضحت مصادر في حركة طالبان "أنّ مئات من جنود الجيش (الأفغاني) الذين فروا إلى إيران خلال الاشتباكات في محافظة فراه الواقعة غربي أفغانستان، قد تمت تبرئتهم واستجوابهم وإبلاغهم من قبل مسؤولي الحركة داخل إيران بالعودة إلى أفغانستان وأكدوا أنهم لن يتعرضوا للأذى".
ونُشرت مقاطع فيديو للحادث على مواقع التواصل الاجتماعي، تُظهر ممثلين عن طالبان يلقون خطباً على الجنود الأفغان الذين يلتمسون اللجوء في إيران.
الحرس الثوري الإيراني يرحب بدخول طالبان العاصمة الأفغانية، ويفتح حدوده أمام عناصر من حركة طالبان
هذا، واتخذ المسؤولون في طهران موقفاً متعاطفاً مع سيطرة طالبان على أفغانستان، من خلال تصريحاتهم ومنشوراتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وكانت قناة "أفق" الإيرانية قد أجرت الليلة الماضية أول مقابلة مباشرة مع المتحدث باسم المكتب السياسي لحركة طالبان محمد نعيم، الذي أكد أنه "لا توجد أي مشكلة بين الحركة وبين إيران، وأنّ إيران بلد جار، ولدينا علاقات جيدة معها".
بالمقابل، يعتقد عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني جليل رحيمي جهان آبادي أنّ لدى إيران سلسلة من المخاوف تتعلق بكيفية حكم طالبان لأفغانستان.
وبرأيه، فإنّ هذه المخاوف تتجلى في عدة نقاط: أولها أنّ أفغانستان تصنف مركزاً لإنتاج المخدرات في العالم، وأنّ إحدى طرق مرور المخدرات منها لأوروبا تمر عبر إيران، فضلاً عن المخاوف بشأن الأضرار الأمنية والاجتماعية، وبالتالي فإنّ طهران تنتظر سلوك طالبان على الأرض.
المسألة الثانية هي قضية الجماعات المتطرفة والانفصالية التي تعمل في المناطق الحدودية بين البلدين، وهناك طلب إيراني لطالبان بعدم دعم هذه الجماعات، حسب آبادي.
ويضيف آبادي، في تصريح صحفي نقلته "إيران إنترناشيونال"، أنّ جزءاً آخر من اهتمام إيران بأفغانستان يتمثل في احترام حقوق الأعراق الدينية والثقافات المختلفة، وأنّ أي نوع من عدم الاستيعاب والاندماج الديني والعرقي والثقافي وتجاهل حقوق هذه الأعراق سيخلق توترات وتحديات في علاقات الطرفين.
وأضاف عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني أنّ من القضايا الأخرى التي تهمنا هي مسائل الحدود والأنهار بين البلدين والاتفاقات والالتزامات الأخرى القائمة بين طهران وحكومة أفغانستان ومدى التزام طالبان بها.
تحت عنوان "جبهة شيعية ضد طالبان تتشكل في أفغانستان"، كتب إيغور سوبوتين في "نيزافيسيمايا غازيتا" حول الارتياب في لعب إيران دوراً مزدوجاً في أفغانستان.
وجاء في المقال: وجدت طهران وكابول نفسيهما على شفا صراع دبلوماسي، بسبب ما نشرته وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية عن الوضع في أفغانستان.
وأكدت صحيفة "جمهوري إسلامي" المعروفة أنّ تنظيماً متشدداً من الشيعة الأفغان قد نضج في البلد المجاور لمواجهة مسلحي طالبان بدعم من إيران.
وأشارت صحيفة "الشرق الأوسط" إلى أنّ الهزارة الشيعة، بتجنيدهم من قبل ضباط إيرانيين، يمكن أن يصبحوا أداة سياسية في وطنهم، ويمكن لإيران أن تستخدمهم لتعزيز مواقعها في أفغانستان.
وتعليقاً على الافتراضات التي ظهرت في الصحافة الإيرانية، لم يستبعد الباحث في معهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية ومدير مركز دراسة أفغانستان المعاصرة، عمر نصار، أن يكون المقصود بالجبهة الشيعية مجموعات قادة الهزارة الميدانيين السابقين.
محمد نعيم: لا توجد أي مشكلة بين الحركة وبين إيران، وإنّ إيران بلد جار، ولدينا علاقات جيدة معها
وقال لـ"نيزافيسيمايا غازيتا": "إنما هم بمفردهم لا يشكلون أي خطر على طالبان، في الوقت الحالي يعملون على تقوية موقعهم داخل حركة الميليشيات المناهضة لطالبان".
هذه الحركة، بحسب نصار، لا تشمل الهزارة فحسب، وإنما الطاجيك والأوزبك أيضاً، وربما لم يتم إنشاؤها بمعزل عن مساعدة كابل، وهذه القوات يمكن أن تشكل تهديداً لطالبان فقط في المستقبل.
ورغم تطمينات طالبان لإيران، إلا أنّ الحركة تواصل اتهام إيران بالعمل على تصدير المذهب الشيعي إلى أفغانستان ودعم أحزاب المعارضة، وهي تعمل للحد من النفوذ الإيراني على الأرض، وبرزت تلك الخلافات العقائدية عندما قام عناصر حركة طالبان بمجرد دخولهم كابل بإزالة رايات وأعلام الشيعة من الطرقات ورفع علم الحركة.
عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني: لدى إيران سلسلة من المخاوف تتعلق بكيفية حكم طالبان لأفغانستان
الخلافات بين الطرفين لم تمنع طالبان من محاولة استنساخ نظام ولاية الفقيه في إيران، ويرى محللون، نقلت عنهم شبكة "سكاي نيوز"، أنّ دستور حركة طالبان، إن تم تطبيقه كما هو، قد يفرز نظام حكم سيكون قريباً من النظام الإيراني؛ الذي تمنح بنوده كامل الصلاحيات لزعيم الحركة - الملقب بـ"أمير المؤمنين"- على غرار مرشد إيران.
وقد استسلمت عاصمة أفغانستان كابول لطالبان قبل نحو أسبوعين دون مقاومة، ويسيطر التنظيم الآن على معظم مقاطعات أفغانستان، وأعلن أنه أصدر عفواً عن القوات العسكرية وموظفي الحكومة.
وجرت في الأيام الماضية محادثات بين قادة طالبان وبعض الشخصيات السياسية لتحديد شكل الحكومة الانتقالية المقبلة في كابول.