
امتد التطور المتسارع في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، إلى القطاعات الحيوية مثل الأمن والاستخبارات، فمع تزايد التهديدات الإرهابية وتطور أساليبها، باتت أجهزة الاستخبارات تبحث عن أدوات جديدة وفعالة لمواجهة هذه التحديات ومن أبرز هذه الأدوات، الذكاء الاصطناعي.
وقد جلب نمو الإنترنت والاتصالات المتنقلة وقوة الحوسبة، مدعومًا بالتشفير القوي والأمن السيبراني الفعال، فوائد كبيرة للشركات والمواطنين، هذا التحول أدى أيضاً إلى تغيير جذري في بيئة عمل أجهزة الأمن والاستخبارات.
هذا التطور تحدثت عنه دراسة حديثة نشرها المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات بعنوان "لتحول في بيئة عمل الاستخبارات في تتبع الجماعات المتطرفة، توظيف الذكاء الاصطناعي".
كيف توظف أجهزة الاستخبارات الذكاء الاصطناعي؟
الدراسة لفتت إلى أن أجهزة الاستخبارات تعتمد على الذكاء الاصطناعي في مجموعة واسعة من المهام، منها: تحليل كميات هائلة من البيانات، حيث يتميز الذكاء الاصطناعي بقدرته على تحليل كميات هائلة من البيانات بسرعة ودقة فائقة، مما يتيح لأجهزة الاستخبارات اكتشاف الأنماط والاتجاهات المخفية التي يصعب على المحللين البشريين اكتشافها. كما يساعد الذكاء الاصطناعي في الرصد والتنبؤ.
أجهزة الاستخبارات تعتمد على الذكاء الاصطناعي في مجموعة واسعة من المهام منها تحليل كميات هائلة من البيانات
ويستخدم الذكاء الاصطناعي في رصد الأنشطة المشبوهة على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، والتنبؤ بالهجمات الإرهابية المحتملة بناءً على تحليل البيانات التاريخية، كما يستخدم الذكاء الاصطناعي في تحليل المكالمات الهاتفية والرسائل النصية والصور والفيديوهات، للكشف عن المعلومات الحساسة وتحديد هوية الأفراد.
وبحسب الدراسة فإن الذكاء الاصطناعي يساهم في ترجمة اللغات بسرعة ودقة، مما يتيح لأجهزة الاستخبارات تحليل المعلومات المتاحة بلغات مختلفة. يحمي الذكاء الاصطناعي أنظمة المعلومات من الهجمات الإلكترونية، ويكشف عن الثغرات الأمنية.
وكانت الجماعات المتطرفة وعصابات الهاكر وبعض الدول يستغلون بشكل متزايد نقاط الضعف الكامنة في الإنترنت، مستخدمين “الويب المظلم” والتشفير ليظلوا سريين ومجهولين.
كما كانت أساليب التحقيق القديمة تفقد فعاليتها بسرعة، وأصبح من الصعب مواجهة التهديدات الناشئة، وكانت الفئات الأكثر ضعفا في مجتمعنا تشعر بتأثير ذلك. وفي عالم متزايد التعقيد، كانت المملكة المتحدة في حاجة إلى نوع جديد من الأمن.
هذا وتضع الكميات الهائلة من البيانات ضغوطًا هائلة على الأجهزة الأمنية وجهات إنفاذ القانون، التي يجب عليها باستمرار تكييف أساليبها التحليلية للحفاظ على سلامة الشركات والجمهور، فيما تعمل التقنيات الناشئة على إعادة تشكيل العالم من حولنا يمثل G5 جيلًا جديدًا من التغيير الرقمي. إن الذكاء الاصطناعي، جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية بالفعل، يمكننا أن نتوقع نشر تقنيات الحوسبة الجديدة والبيولوجيا التركيبية وغيرها من التقنيات الناشئة خلال السنوات القليلة المقبلة.
الذكاء الاصطناعي بمواجهة الإرهاب
الدراسة لفتت إلى أن رئيس جهاز الاستخبارات البريطاني MI5، كين ماكالوم، كشف في آب/أغسطس 2023 عن اعتماد الجهاز على تقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة لتحديد الأفراد الذين يشكلون تهديدًا إرهابيًا.
وأوضح ماكالوم أن هذه التقنيات تمكن MI5 من تحليل كميات هائلة من البيانات، مثل مقاطع الفيديو العنيفة على الإنترنت، وتحديد الأنماط السلوكية التي قد تشير إلى نوايا متطرفة.
يستخدم الذكاء الاصطناعي في رصد الأنشطة المشبوهة على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والتنبؤ بالهجمات الإرهابية المحتملة
وبفضل هذه التقنيات، يمكن للموظفين التركيز على تحليل المعلومات الأكثر أهمية، بدلاً من قضاء وقت طويل في مهام روتينية مثل الاستماع إلى تسجيلات صوتية. وأكد ماكالوم على الدور الحيوي للرياضيات وعلوم البيانات في تطوير هذه التقنيات، مشيراً إلى أن الذكاء الاصطناعي يمثل ثورة في مجال مكافحة الإرهاب.
كما يمكن للذكاء الاصطناعي أيضًا أن يلعب دورًا مهمًا في مساعدة جهود مكافحة الإرهاب بطرق مختلفة، أحد تطبيقاته هو المراقبة والرصد. يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل مقاطع الفيديو الحية لتحديد السلوكيات أو الأشياء المشبوهة في الأماكن العامة، مما يساعد السلطات على الاستجابة بسرعة للتهديدات المحتملة. فيما يتعلق بمكافحة الدعاية وإزالة التطرف ، يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي اكتشاف المحتوى المتطرف وإزالته تلقائيًا من المنصات عبر الإنترنت، مما يحد من انتشار الدعاية الإرهابية. يمكن أن يدعم برامج إزالة التطرف من خلال تحديد الأفراد المعرضين للخطر وتحليل سلوكهم عبر الإنترنت.
كذلك، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي، بحسب الدراسة، في مجال التحليلات التنبؤية، فمن خلال تحليل الأنماط في البيانات التاريخية، ونشاط وسائل التواصل الاجتماعي، ومصادر الاستخبارات الأخرى، يمكن للذكاء الاصطناعي التنبؤ بالهجمات الإرهابية المحتملة. وهو قادر على تقييم سلوك الأفراد أو الجماعات لتحديد علامات التطرف والتدخل قبل وقوع الهجمات.
وفيما يتعلق بتحليل البيانات وجمع المعلومات الاستخبارية، يدمج الذكاء الاصطناعي مجموعات بيانات كبيرة من مصادر مثل لقطات المراقبة، والمنصات الرقمية، والمعاملات المالية لتوفير رؤى شاملة. كما يستخدم معالجة اللغة لفهم وتحليل اعتراضات الاتصالات والمحتوى عبر الإنترنت للتهديدات المحتملة.
توظيف الذكاء الاصطناعي من جانب المتطرف
بالمقابل، يمثل استخدام الجماعات الإرهابية للذكاء الاصطناعي تهديدًا متزايدًا للأمن العالمي. إذ يمكن لهذه الجماعات استغلال هذه التكنولوجيا في نشر الدعاية والتجنيد عبر إنشاء محتوى مزيف وتطوير خوارزميات تستهدف فئات معينة من الناس.
كما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد الإرهابيين في تخطيط هجمات أكثر دقة من خلال محاكاة السيناريوهات وتحليل البيانات. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام هذه التكنولوجيا لتشفير الاتصالات وتجنيد المتطرفين عبر روبوتات الدردشة. مواجهة هذا التهديد تتطلب تعاونًا دوليًا لتطوير إطار قانوني وأخلاقي لاستخدام الذكاء الاصطناعي، وتعزيز الوعي العام بمخاطره، وتطوير أدوات جديدة للكشف عن الأنشطة الإرهابية على الإنترنت
تنسيق أوروبي يستهدف مزيد من التعاون بمواجهة الإرهاب
استندت الدراسة إلى اجتماع للخبراء في لاهاي، هولندا، عقده قسم التهديدات العابرة للحدود الوطنية التابع لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا ومكتب الممثل المعني بحرية وسائل الإعلام، في 14 آذار/مارس 2024، بالتعاون مع المركز الدولي لمكافحة الإرهاب، مع التركيز على التحديات والفرص المتمثلة في استخدام الذكاء الاصطناعي في منع ومكافحة التطرف العنيف والإرهاب.
يمكن لهذه الجماعات استغلال هذه التكنولوجيا في نشر الدعاية والتجنيد عبر إنشاء محتوى مزيف وتطوير خوارزميات
وقد ناقش المشاركون قضايا مثل إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي من قبل المتطرفين، وأهمية الامتثال لحقوق الإنسان، ومعالجة التحيز في خوارزميات الذكاء الاصطناعي. وأكدوا على إمكانات الذكاء الاصطناعي في مساعدة جهود مكافحة الإرهاب مع الاعتراف بإمكانية إساءة استخدامه.
وسلط الاجتماع الضوء على الحاجة إلى معرفة الذكاء الاصطناعي، وإشراك الشباب، والوعي بالجنسين في استراتيجيات مكافحة الإرهاب.
وكذلك، توصل أعضاء البرلمان الأوروبي في ديسمبر 2023، إلى اتفاق سياسي مع المجلس بشأن مشروع قانون يهدف إلى ضمان أمان الذكاء الاصطناعي في أوروبا واحترامه للحقوق الأساسية والديمقراطية، بينما تتمكن الشركات من الازدهار والتوسع.
ويهدف هذا القانون إلى ضمان حماية الحقوق الأساسية والديمقراطية وسيادة القانون والاستدامة البيئية من مخاطر الذكاء الاصطناعي، مع تعزيز الابتكار وجعل أوروبا رائدة في هذا المجال. وتضع القواعد التزامات على الذكاء الاصطناعي بناءً على مخاطره المحتملة ومستوى تأثيره.