كيف تنظر دول الخليج إلى التعزيزات العسكرية الأمريكية بالمنطقة؟

كيف تنظر دول الخليج إلى التعزيزات العسكرية الأمريكية بالمنطقة؟

كيف تنظر دول الخليج إلى التعزيزات العسكرية الأمريكية بالمنطقة؟


07/09/2023

وسط حالة من المشاحنات الدولية، تسعى الولايات المتحدة لتعزيز تواجدها العسكري بدول الشرق الأوسط وفي منطقة الخليج، بهدف تأمين الملاحة في الممرات المائية بالمنطقة، وضبط الأجواء، خاصة في ضوء التشاحن المتبادل بين أمريكا وإيران. 

وتناولت دراسة حديثة صادرة عن مركز المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدمة، عرضاً للأسباب والدوافع الخاصة بالتعزيزات الأمريكية في المنطقة والسياقات المحفزة لذلك، في ضوء جملة من التداعيات على المستوى الدولي والإقليمي.

لماذا الآن؟

بحسب الدراسة التي أعدها الباحث الإماراتي محمد خلفان الصوافي، تسعى واشنطن لتعزيز وجودها العسكري في المنطقة لمراقبة الممرات المائية الرئيسية، وسط حالة الشد والجذب السائدة حالياً بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران.

وقد أعلنت أمريكا في شهر تموز (يوليو) الماضي أنّها ستنشر مدمرة وطائرات حربية من طراز (إف-35) و(إف-16)، كما ظهرت تقارير في الأسبوع الأول من آب (أغسطس) الماضي تفيد بأنّ الولايات المتحدة بصدد نشر جنود من المارينز على السفن التجارية التي تمر في مضيق هرمز. 

أيضاً، أعلن الأسطول الخامس الأمريكي، يوم 7 آب (أغسطس) الماضي، وصول أكثر من (3) آلاف بحار وجندي أمريكي إلى الشرق الأوسط.

تسعى الولايات المتحدة لتعزيز تواجدها العسكري بدول الشرق الأوسط وفي منطقة الخليج،

وعلى مدار العقود الـ (4) الماضية، كانت التعزيزات العسكرية والمناوشات جزءاً من مظاهر التوتر الأمريكي الإيراني، بحسب الباحث، حيث تتصاعد وتيرته وتتراجع حسب طبيعة العلاقات بينهما، لكنّ التطور هذه المرة يبدو مختلفاً في أحد مؤشراته، والذي يتعلق بسابقة تتمثل في نشر قوات أمريكية على متن السفن التجارية. 

ما الدوافع؟ 

ثمة دوافع عديدة يمكن من خلالها تفسير الإجراءات العسكرية الأمريكية في المنطقة خلال الفترة الأخيرة، بحسب الدراسة، ومنها أوّلاً مراجعة أمريكية متأخرة. 

ويقول الباحث إنّ "هناك زوايا عدة يمكن بها تفسير إرسال واشنطن مزيداً من القوات العسكرية وإمكانية نشر جنود فوق السفن التجارية العابرة في الخليج".

تسعى واشنطن لتعزيز وجودها العسكري في المنطقة لمراقبة الممرات المائية الرئيسية، وسط حالة الشد والجذب السائدة حالياً بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران

ومن وجهة النظر الخليجية، فإنّ الزاوية التي يتعين النظر منها تتعلق بما إذا كانت إدارة الرئيس جو بايدن قد بدأت في مراجعة سياساتها التي انتهجتها مع دول مجلس التعاون الخليجي، بعدما تأكد للإدارات الأمريكية المتعاقبة أنّ دول الخليج الـ (6) بدأت تشارك منافسي النفوذ الأمريكي العالمي في رسم السياسات الدولية. 

بل إنّها أثبتت، وفق ما أوردته الدراسة، قدرتها على احتواء الخطر الإيراني، وصارت طهران مشاركة معها في العمل من أجل تنمية المنطقة، بعد الاتفاق التاريخي بين السعودية وإيران برعاية الصين في آذار (مارس) الماضي.

حرب نفسية على إيران

تشير الدراسة إلى هدف آخر يرتبط بتعزير التواجد العسكري الأمريكي، وهو إمكانية إدارة حرب نفسية ضد طهران، ويرى الباحث أنّه ليس هناك جديد في إرسال حشود عسكرية لتعزيز الأسطول الأمريكي الخامس الموجود في البحرين، بما فيها السفن الهجومية، خاصة عندما تتصاعد هجمات قوارب الحرس الثوري الإيراني على السفن وناقلات النفط، ودائماً ما تتبنّى واشنطن خطاباً سياسياً تقليدياً؛ فحواه أنّ الهدف هو طمأنة دول الخليج الحليفة بشأن الحفاظ على أمن المنطقة. 

لكنّ هذا الخطاب، وفق الدراسة، سبق اختباره في مواقف عديدة تعرضت لها دول الخليج، خاصة في فترات الإدارات الديمقراطية الأمريكية، وكانت النتيجة "ثقة مهزوزة" في واشنطن. 

على مدار العقود الـ (4) الماضية، كانت التعزيزات العسكرية والمناوشات جزءاً من مظاهر التوتر الأمريكي الإيراني

وتذكر الدراسة من بين هذه المواقف تجاهل الولايات المتحدة لمصالح الخليج في المفاوضات مع إيران، ثم إبرام الاتفاق النووي معها عام 2015، فضلاً عن موقفها السلبي من تهديد الميليشيات المسلحة لأمن الخليج. 

وبالتالي، يرجح الباحث أنّ التحركات الأمريكية قد لا تتعدى كونها أوراق ضغط على طهران لتحريك الملف النووي، فالخبرة التاريخية للإدارات الديمقراطية في مواجهة إيران أثبتت أنّها تتعامل معها بحذر. 

التحضير للانتخابات الأمريكية 2024

تشير الدراسة إلى أنّه "بفضل التحولات الكبرى الحاصلة في الإقليم، تم تخفيف حدة واحدة من أكثر الأزمات المعقدة؛ وتتعلق بعودة العلاقات بين الرياض وطهران، والتي انعكست سلباً، بلا شك، على صورة الديمقراطيين في الداخل الأمريكي، وعلى دور واشنطن في الشرق الأوسط."

لذلك يرى الباحث أنّ الرئيس الأمريكي جو بايدن ربما يحاول رفع شعبيته قبل انطلاق سباق الانتخابات الرئاسية المُقرر إجراؤها في تشرين الثاني (نوفمبر) 2024؛ فهو يريد من جانب أن يؤكد للناخب الأمريكي أنّ بلاده مستمرة في استراتيجية التفوق العالمي، ويحاول من جانب آخر تصحيح الإشارات الصادرة عن واشنطن لتقول إنّها ملتزمة بتعهداتها في مواجهة الخطر الإيراني بالمنطقة. 

ما التداعيات؟ 

تشير الدراسة إلى عدد من التداعيات المُحتملة لتعزيز القوات الأمريكية في الشرق الأوسط بهدف ردع التهديدات الإيرانية للسفن التجارية وغيرها. 

أوّلاً: استبعاد المواجهة العسكرية المباشرة؛ هناك احتكاكات تاريخية بين القوات الأمريكية الموجودة في المنطقة والحرس الثوري الإيراني، ومن غير المُرجح أن تتحول المواجهة الحالية بين واشنطن وطهران إلى حرب عسكرية، لأنّ وجود سفن حربية أو قوات عسكرية لا يعني مواجهة شاملة.

ثانياً: زيادة التوتر في المنطقة؛ الأرجح هو تصاعد الشحن السياسي والعسكري واستخدام لغة التهديدات المتبادلة بين الطرفين الأمريكي والإيراني، مع إمكانية تحريك الولايات المتحدة المعارضة الإيرانية الداخلية والخارجية، بهدف الضغط على المفاوض الإيراني، ومن غير المُستبعد أن تردّ طهران باستفزازات للسفن الأجنبية في المنطقة، واختطاف رعايا دول أجنبية، وربما أيضاً تصدير بعض القلاقل لدول الأزمات في الإقليم.

وما موقف الخليج؟ 

وفق الدراسة تنأى دول الخليج بنفسها عن الخطوات أو الإشارات الأمريكية بالتصعيد في المنطقة، لأسباب عديدة؛ منها ما يلي:

1- الإدراك الخليجي لحقيقة الخطوات الأمريكية: إنّ الإجراءات العسكرية الأمريكية الجديدة في المنطقة، حسب القناعة الخليجية، لا تخرج عن كونها نوعاً من الضغط الدبلوماسي الأمريكي المُعتاد على إيران، لتحريك ملف ما.

تم تخفيف حدة واحدة من أكثر الأزمات المعقدة وتتعلق بعودة العلاقات بين الرياض وطهران

2- عدم تغير النمط الأمريكي مع الخليج: هناك العديد من المواقف السابقة التي تؤكد وجود نمط أمريكي ثابت بشأن ترضية دول الخليج وكسب تأييدها لتحركات وسياسات واشنطن في المنطقة، وهو نمط لا يخرج عن تصريحات ومواقف سياسية لا أكثر، ومهما بلغت من حدة أو تشدد، تبقى محصورة في نطاق الدبلوماسية، ولم تنتقل يوماً إلى دائرة العمل الفعلي. 

3- تغير النهج الخليجي: من يتتبع السياسة الخارجية الخليجية في الأعوام الأخيرة، سيجدها تصالحية مع الجميع، أي "تصفير المشاكل"، حتى مع إيران التي تحتل (3) جزر إماراتية (طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى)، وتتنازع مع السعودية والكويت على حقل الدرة.

وإجمالاً يرى الباحث أنّه من غير المُحتمل أن تعزل دول الخليج نفسها، أو أن تكون بعيدة عن أيّ تطورات فعلية في المنطقة، وتحديداً في جوارها، فهي الأكثر تأثراً بأيّ مُستجدات في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، سلباً أو إيجاباً، خاصة أنّ طهران تتبع سياسة معاقبة واشنطن من خلال تهديد مصالحها وحلفائها في الإقليم.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية