
يُعتبر نشر الأفكار المتطرفة الهدف الأسمى للمتطرفين، لذا فهم يشعلون معركة رقمية كبرى عبر الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي من أجل الوصول إلى أكبر قاعدة من المستهدفين بالتجنيد والاستقطاب.
التوغل على مواقع التواصل
يعني استخدام وسائل التواصل تحقيق أهداف؛ هي: القرصنة التي يتم تنظيمها والتخطيط لها عبر العالم الافتراضي، وتتسم بالتعقيد، وهي عبارة عن مجموعات متخصصة في هذا الشأن. وعلى سبيل المثال بدأ تنظيم (داعش) بتشكيلها بحلول أوائل عام 2016، وهي وفق (ويكيبيديا)، تنقسم إلى (4) أقسام هي: "قسم الخلافة الشبح"، و"جيش أبناء الخلافة"، و"جيش الخلافة الإلكترونية"، و"فريق الأمن الإلكتروني". وكلهم اتحدوا في نيسان (أبريل) 2016 باسم "الخلافة الإلكترونية الموحدة"، وتم بث أخبارها من خلال قناة Telegram الخاصة بهم وحسابات وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى.
الهدف الثاني هو إدارة الأعمال القتالية، وهي التي تتصل بشكل مباشر بما يُسمّى بهيكلة جناح العمل الخارجي، وتنقسم إلى:
أ) المبتدئون المنفردون.
ب) العمل المسلح الحر.
ج) العمل النوعي الخاص للمحترفين المتواصلين مع التنظيم.
د) مجموعات المناطق المركزية في العراق وسوريا.
هـ) مجموعات الأذرع والولايات.
والأهم هو العمل الدعوي، الذي تتم إدارته عن طريق مخططين افتراضيين مختصين، وهو الذي يسعى لتحقيق أقصى استفادة من وسائل التواصل، ويجري ذلك في غرف مغلقة، وكل غرفة لها قائد، ليتصلوا جميعاً في النهاية بقائد عام، وينقسم إلى: الترويج ـ الاستقطاب.
أمّا الترويج، فهو يتم عن طريق وكالات رئيسية مثل (الفرقان ميديا)، وهو الفرع الإعلامي القيادي الرسمي، ومركز الحياة الإعلامي، وهو الذي تم إنشاؤه للتواصل مع الأشخاص الذين لا يتحدثون اللغة العربية، وإلى جانب ذلك وكالة (أعماق) التي تغطي أخبار العمليات التي ينفذها تنظيم الدولة الإسلامية في جميع أنحاء العالم، ثم صحيفة (النبأ) الإلكترونية الأسبوعية، التي تصدر كل يوم خميس. ويتم الترويج عن طريق قناة إعلامية رسمية لكل ولاية، وتقدم بيانات رسمية مشتركة وتقارير مصورة ومقاطع فيديو، ومصدرها الرئيسي القنوات المركزية مثل الفرقان، والحياة، وفجر البشائر، وهو برنامج يقوم بجلب العديد من التغريدات والصور ومقاطع الفيديو التي تتعاطف مع التنظيم من خلال بعض الحسابات على موقع (x).
إنّ استراتيجية الترويج لهذه التنظيمات، وفق ما تنشره وكالاته الإعلامية الرسمية، مثل (ناشر نيوز ـ قريش ـ أعماق ـ منبر الإعلام الجهادي) كالتالي: الترويج لقيادة التنظيم والترويج لعمليات أفرع التنظيم والترويج لانتصارات مقاتلي النخبة والترويج للتباينات الفكرية مع التنظيمات الأخرى.
وفي العالم السيبراني الترويجي سنلاحظ الدعاية المقدمة، والافتتاحيات، والأسلوب الدموي، والتصميم الغرافيكي، والقدرة على استهداف جمهور جديد يجعله مورداً جديداً، وذلك من خلال تكريس خطوط إنتاج دعائية، وهو ما لوحظ مؤخراً أنّه يركز بشكل أكبر على الغرب، وحث جميع أعضاء الأمّة (المجتمع الإسلامي الافتراضي) على تنفيذ هجمات.
العمل الإلكتروني الجديد
يُعتبر العمل إلكترونياً لدى المتطرفين وسيلة مهمة بعيداً عن الخطوات التقليدية القديمة لجمع الأعضاء،، وهي التي جمعتها موسوعة القاعدة الجهادية، التي كانوا يحددون فيها الخطوات للاختيار، وأوّلها الجذب والدعوة، وهي مرحلة غالباً ما يقوم بها دعاة تلك الجماعات الذين يتواجدون غالباً في بؤر التجنيد التقليدية؛ المساجد والجمعيات الخيرية والإغاثية والثقافية الإسلامية والجامعات والمعاهد والمدارس الدينية ورحلات الحج والعمرة والمعسكرات الصيفية والكشفية والصالات الرياضية.
يبدأ الاستقطاب بجذب الشخص الهدف بعد معرفة البروفايل النفسي له بعمق، ثم عزله عن البيئة التي قد تؤثر عليه سلباً، ثم تبدأ الدورات الفكرية، وبعدها تبدأ المرحلة الثالثة التي يتم فيها التصنيف إلى (مقاتل، متخصص، انغماسي، انتحاري).
تتحدث الموسوعة عن المرحلة الرابعة التي أطلقت عليها (الناقل والمضافات)، وهي التي يتم فيها إحكام السيطرة على الشاب المستهدف، بإبدال الوثائق الرسمية له بوثائق مزورة، واستبدال اسمه بكنية، وبنسيان هذا الشاب اسمه ينسى معه كل الذكريات التي كانت في بلده، وهذه الطريقة هي أسلوب من أساليب غسل الأدمغة أيضاً.
ويستخدم المتطرفون في عمليات نشر الأفكار: أ) هاشتاغات للترويج لمحتويات تتضمن دعاية. ب) المجلات الدورية الشهرية وكلها تستخدم عناوين مؤثرة، وتقتبس بعض العناوين من القرآن الكريم، أو تربط هذه العناوين بتاريخ الإسلام وبطولاته ومنها على سبيل المثال: "فتربصوا إنّا معكم متربصون"، "هذا وعد الله" وهو إصدار مرئي يوضح سير المعارك في جبل مكحول، وكذلك الإصدار المرئي "شفاء الصدور"، و"رسائل من أرض الملاحم" وغيرها الكثير.
ويستخدم المتطرفون الوثائقيات، والألعاب الإلكترونية القتالية، والمشاهد الكرتونية التي تحاكي العمليات الإرهابية لتشجيع غيرهم على ارتكابها.
ومن خلال قنوات افتراضية يعمل المتطرفون والإرهابيون على تجديد المحتوى المنشور، بالتركيز على الأخبار العاجلة التي لا يتعدى مداها الزمني (48) ساعة، لإعلام أفراده بتحركاته، وکذلك لتشتيت القوات الأمنية، وتثبيط نجاحاتهم ضده، وتوصيل رسالة مفادها أنّ التنظيم ما زال موجوداً. علاوة على ذلك نشر المعلومات عن العمليات التي يقوم بها باقي الذئاب المنفردة، وتبنّي العمليات الإرهابية، حتى لو كانت خارج أعضائه.
ويمكن تصنيف الأفكار والرسائل التي يحرصون على تصديرها، وهي: تخوين المخالفين وإسقاط شرعيتهم، وتفنيد الاتهامات الموجهة للتنظيم وادعاء المظلومية، ورسائل الخطاب الداخلي للمقاتلين والأتباع، والاحتفاء بالتقارير الصحفية والاستخباراتية التي تتحدث عن قوتهم، والتحريض على العنف وبثّ خطاب الكراهية والتكفير، ومجاراة الأحداث والتعليق عليها.
وتعکس متابعة المحتوى الإعلامي للإرهابيين في الفضاء الافتراضي أنّ لديهم نوعين من الرسائل حسب الجمهور المستهدف؛ وهما: الرسائل الإيجابية التطمينية، ورسائل عنيفة أو ترهيبية، وأمّا الأولى، فهي تستهدف العناصر المستهدفة بالاستقطاب والترويج، وأمّا الثانية، فهي رسائل عنيفة أو ترهيبية، تتضمن الأعمال الوحشية ذات الإطار العنيف المصاغ بشكل مسرحي استعراضي مناسب للاتجاهات السائدة كشيء شائع، ومحبوب بشكل مألوف للأفراد من كل أنحاء العالم، ويعمل على تسهيل تقبل المواطنين الأحداث العنيفة.
والملاحظ في تطبيق الدعائية التجنيدية للمتطرفين تمكنهم من وضع استراتيجية آنية وقصيرة الأمد؛ من خلال تغيير الخطاب الإيديولوجي من التهديد والتنكيل إلى فتح باب التوبة، من أجل كسب العديد من المجندين الجدد، وضمان حيادية الكثير من العشائر والشخصيات المؤثرة ضمن مناطق عمليات وتحرك الخلايا المرتبطة به، وزيادة القدرة الحركية للمجاميع الإرهابية المرتبطة بالتنظيم واختراقها لمناطق جغرافية أو سكانية محددة كانت مقيدة عليها في السابق أو كانت محدودة الحركة فيها (التحرك في أوقات الليل فقط)، وزيادة المواد الإعلامية المنشورة المكتوبة والسمعية، واستغلال حالات المقت الشعبي والمناطقي، ومحاولة توظيفها إعلامياً من خلال إظهار ضعف الحكومات.