كيف تستعد دول الساحل الأفريقي لمواجهة أكثر حسماً مع الإرهاب؟

كيف تستعد دول الساحل الأفريقي لمواجهة أكثر حسماً مع الإرهاب؟

كيف تستعد دول الساحل الأفريقي لمواجهة أكثر حسماً مع الإرهاب؟


09/10/2022

تتعاظم المخاوف والتحذيرات الدولية يوماً تلو الآخر، جرّاء تنامي ظاهرة الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي، اعتماداً على حالة الانفلات الأمني والاضطرابات السياسية في معظم الدول، فبعد مالي وتشاد، شهدت بوركينا فاسو خلال الأسبوع الأخير من أيلول (سبتمبر) الماضي، انقلاباً عسكرياً على السلطة هو الثاني خلال (8) أشهر، الأمر الدي ضاعف من خطر استغلال التنظيمات النشطة في تلك المناطق للأوضاع غير المستقرة لتوسيع نفوذها ونطاق سيطرتها جغرافياً. 

وقتل (11) جندياً يوم الثلاثاء 28 أيلول (سبتمبر) إثر تفجير إرهابي استهدف قافلة عسكرية، وأعلن المتحدث باسم حكومة بوركينا فاسو أنّ نحو (50) مدنياً يُعتبرون من المفقودين إثر الحادث.

الهجوم وقع خلال أسبوع واحد من الانقلاب العسكري في البلاد، بينما تشهد مالي وتشاد وغيرها من دول الساحل الأفريقي هجمات مشابهة بشكل شبه يومي، ينفذها في الغالب تنظيما داعش أو القاعدة، أو بعض الجماعات المحلية التابعة لهما، هذا الهجوم ضاعف بشكل كبير المخاوف من توسع نشاط التنظيمين خلال الفترة المقبلة أو استغلال مساحات الصراع والأزمة لنقل الثقل التنظيمي بعيداً عن المساحات الجغرافية التقليدية.

تزايد النشاط الإرهابي

جاءت منطقة الساحل الأفريقي في المرتبة الثانية من حيث عدد العمليات الإرهابية خلال شهر أيلول (سبتمبر) الماضي، بعد شرق أفريقيا الذي تنشط فيه حركة الشباب الصومالية الإرهابية بشكل ملحوظ.

 اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش أنّ الوضع الأمني في منطقة الساحل الأفريقي "بالغ الخطورة"

وبحسب مؤشر العمليات الإرهابية الدوري الذي أصدره مرصد الأزهر في 4 تشرين الأول (أكتوبر)، سجلت أفريقيا بوجه عام تزايد العمليات الإرهابية، وشهد الساحل الأفريقي (12) عملية إرهابية (22.2% من إجمالي عدد العمليات الإرهابية)، أسفرت عن مقتل (62)، وإعدام (11)، وإصابة (97)، واختطاف (50).    

وجاءت بوركينا فاسو في مقدمة دول المنطقة التي تعرضت لـ (7) عمليات خلفت (11) قتيلاً، و(87) مصاباً بجراح، و(50) مختطفاً. 

كاتبة سودانية: الأحوال الاقتصادية لعبت دوراً في زيادة سطوة الجماعات الإرهابية، إذ إنّ المجتمعات التي تعيش في فقر مدقع تحاول الخروج منه بأيّ شكل  

 

وشهدت مالي (4) عمليات أدت إلى سقوط (51) ضحية، وإصابة (10) آخرين، وتفردت النيجر بعملية إعدام لـ (11) شخصاً بتهمة التجسس للجهات التي تسعى لكبح جماحها.  

ووفق المرصد، لدى دول منطقة الساحل تحديات كبيرة خاصة بعد انسحاب مالي من مجموعة الساحل الـ5 (G5)، ذلك الانسحاب الذي خلق خرقاً كبيراً للترسيخ الإقليمي الذي كان له تداعياته على التحديات الأمنية والتنموية للدول الأخرى، الأمر الذي يتطلب في الوقت الحاضر إصلاحات عاجلة وعميقة في كل من تنظيم وبعثات مجموعة الساحل الـ5، والتزام أعضائها بتنفيذ ذلك بشكل فوري من أجل حشد المعركة ضد الإرهاب الذي أزعج هذه البلدان لعدة أعوام.  

ما الأسباب؟

وضعت الكاتبة السودانية منى عبد الفتاح (3) أسباب رئيسية لتوغل الظاهرة الإرهابية في الدول الأفريقية، تتقدمها الصراعات والأزمات السياسية والاقتصادية المتعاقبة.  

وقالت عبد الفتاح في مقالها التحليلي المنشور بموقع "إندبندنت عربية" تحت عنوان "كيف تنتصر أفريقيا في معركتها ضد الإرهاب": إنّ "أفريقيا تواجه، في إطار مكافحتها للإرهاب، أزماتها الداخلية وهي مشتركة في معظمها بين دولها، وأنتجت هذه الأوضاع عوامل هيأت التربة لنمو الجماعات الإرهابية؛ وهي: أولاً الصراعات في الدول الأفريقية، ومعظمها مدفوع بالمظالم ضد الدولة، زادت منها السياسات الداخلية التي لعبت دوراً في تأجيجها، فضلاً عن رغبة الجماعات السياسية في تعزيز طموحاتها ومصالحها والحصول على امتيازات أو المحافظة عليها في مجتمعات تحترم كل ذي حظوة سياسية أو اجتماعية أو مادية أو ذي سلطة وجاه، ويلاحظ أنّ الجماعات المتمردة التي التحمت بالجماعات الإرهابية أو أفرزتها خاضعة لسيطرة جماعة إثنية أو قبلية ضد الإثنيات الأخرى.

منى عبد الفتاح: نشاط الحركات الإرهابية في الدمج بين التطرف الديني والإسلام السياسي نتج عنه حركة جديدة تستقطب أفراداً من المجتمعات الأفريقية أصبحوا في ما بعد قادة للإرهاب

 

أمّا السبب الثاني، وفق عبد الفتاح، فإنّه يتعلق بالدور الذي لعبته الأحوال الاقتصادية في زيادة سطوة الجماعات الإرهابية؛ إذ إنّ المجتمعات التي تعيش في فقر مدقع تحاول الخروج منه بأيّ شكل، فنشطت حركة تجارية غريبة بين سكان المناطق الفقيرة، واتضح في ما بعد أنّ الجماعات الإرهابية تستقطب المتمردين على الدولة من المهمشين بمساعدتهم في التجارة بسيطرتها على طرقها أو الاستثمار فيها، كما أنّها لعبت دور الوسيط في النزاعات بين الرعاة والمزارعين في المناطق التي ضربها الجفاف، وغالباً ما يكونون من إثنيتين مختلفتين، وعندما فرضت دولة مالي حظراً على تحرك الإرهابيين من تنظيم "القاعدة" مع قطعان الماشية، تنكروا في زيّ الرعاة.

منى عبدالفتاح: أفريقيا تواجه، في إطار مكافحتها للإرهاب، أزماتها الداخلية

وثالثاً، تقول عبد الفتاح: إنّ نشاط الحركات الإرهابية في الدمج بين التطرف الديني والإسلام السياسي نتجت عنه حركة جديدة تستقطب أفراداً من المجتمعات الأفريقية أصبحوا في ما بعد قادة، ولهؤلاء إستراتيجية معينة هي تحدي المعتقدات التقليدية أو الصوفية، ونتج عن هذا التوجه الجديد، باعتباره تصحيحاً للدين، توفير مكتسبات لزعامة وسلطة دينية جديدة جاذبة لأنّها تقع في مرتبة وسطى بين التطرف والتصوف، كما نشط الاستقطاب من جهة أخرى بادّعاء جماعات معينة متفوقة اجتماعياً أنّ جذورها تعود إلى النبي الكريم محمد، فتفرض سيطرتها وزعامتها على الجماعات المسلمة الأقل منها في التراتب الاجتماعي.

تحذير أممي وإستراتيجية بديلة

اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش أنّ الوضع الأمني في منطقة الساحل الأفريقي "بالغ الخطورة"، وقال خلال مشاركته في اجتماع عقد بين وزراء خارجية دول الساحل على هامش الدورة الـ77 للجمعية العامة للأمم المتحدة: إنّ "الوضع ملح، حيث تزداد الحالة الإنسانية سوءاً بسبب انعدام الأمن وعدم الاستقرار السياسي في منطقة الساحل.

وقال بحسب الموقع الرسمي للأمم المتحدة: "في بعض المناطق، فقدت الدول إمكانية الوصول إلى سكانها بالكامل"، إذ تعمل الجماعات المسلحة غير الحكومية على إحكام قبضتها على المنطقة".    

ونوّه إلى أنّ الأزمة الأمنية في منطقة الساحل تشكل تهديداً عالمياً، وإذا لم يتم فعل شيء، فإنّ "آثار الإرهاب والتطرف العنيف والجريمة المنظمة سوف تكون محسوسة خارج المنطقة والقارة الأفريقية."

مرصد الأزهر: منطقة الساحل الأفريقي في المرتبة الثانية من حيث عدد العمليات الإرهابية خلال شهر أيلول الماضي، بعد شرق أفريقيا الذي تنشط فيه حركة الشباب الصومالية الإرهابية بشكل ملحوظ

 

وفي ضوء انسحاب مالي من القوة الإقليمية المناهضة، عقد وزراء دفاع ورؤساء أركان دول مجموعة الساحل الـ 5، اجتماعاً طارئاً في عاصمة النيجر يوم الجمعة 23 أيلول (سبتمبر) الماضي.   

وناقش الاجتماع بحسب صحيفة "الشرق الأوسط" بحث إستراتيجية جديدة، تعتمدها القوة الإقليمية بعد انسحاب مالي منها في أيار (مايو) الماضي. 

ووفقاً للبيان الختامي للاجتماع الذي نشرته وكالة الصحافة الفرنسية مساء الجمعة، فإنّ "قادة مجموعة الساحل تبادلوا وجهات النظر بشأن التشكيل الجديد للقوة المشتركة بعد انسحاب مالي، ومغادرة قوة برخان، مؤكدين أنّ الوضع الجديد يفرض عليهم اعتماد إستراتيجيات جديدة للمحاربة الفعالة للمجموعات الإرهابية المسلحة في المنطقة المشتركة، دون الكشف عن تفاصيل هذه الإستراتيجية.

لكنّ وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، قال بحسب موقع "إرم نيوز": إنّ خطوات مهمة سوف يتمّ اتخاذها على صعيد إطلاق قوة مشتركة لمكافحة الإرهاب في الساحل الأفريقي، خلال اجتماع قمة مجموعة الـ5 في الساحل في باماكو في الثاني من تموز (يوليو) المقبل.

وأوضح لودريان، في تصريح صحفي أدلى به للصحفيين في العاصمة الموريتانية نواكشوط، أنّ القوة التي قرر قادة دول المجموعة إنشاءها من المقرر أن يجيزها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

وقال البيان: إنّه "رغم جهود الدول الأعضاء، ودعم الشركاء، فإنّ الوضع الأمني يبقى مقلقاً، خصوصاً في منطقة المثلث الحدودي على الحدود بين بوركينا فاسو ومالي والنيجر."

مواضيع ذات صلة:

انسحاب فرنسا من دول الساحل الأفريقي... هل يُعرض أمن المغرب العربي للخطر؟

هل تدير فرنسا ظهرها للأمن في الساحل الأفريقي؟

بعد طرد السفير الفرنسي من باماكو... ما مصير فرنسا في الساحل الأفريقي؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية