كيف تسببت الحروب الدائرة بتصاعد الخطاب الإسلاموي واليميني المتطرف في هولاندا؟

كيف تسببت الحروب الدائرة بتصاعد الخطاب الإسلاموي واليميني المتطرف في هولاندا؟

كيف تسببت الحروب الدائرة بتصاعد الخطاب الإسلاموي واليميني المتطرف في هولاندا؟


28/05/2024

تضع التطورات التي تشهدها الساحة الدولية، مؤخرا، أوروبا بشكل عام وهولندا بالتحديد في تحدي جديد لتصاعد الخطاب المتطرف من جانب الجماعات الإسلاموية والتيارات اليمينية المتطرفة أيضاً، واستغلال هذه الجماعات المناخ السياسي العام، وانشغال الدول الكبرى عن مكافحة التطرف، لتعزيز نفوذها داخل المجتمع الهولندي.

وذلك بعد اشتداد الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وتصاعد الأحداث بين وحركة حماس في غزة وإسرائيل، وغياب التفاوض عن حربي أوكرانيا وغزة، إضافة إلى وجود توترات بين الغرب وروسيا والصين والولايات المتحدة.

هذا التحدي الجديد كشفت عن تفاصيله دراسة حديثة نشرها المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، بعنوان محاربة التطرف في هولندا ـ مخاطر الخطاب الإسلاموي واليميني المتطرف على الأمن المجتمعي.

واقع الإسلام السياسي والجماعات الإسلاموية

ذكرت الدراسة أن المسلمين يعدون أكبر أقلية أجنبية في هولندا، وتقدر أعدادهم ما بين (6-8%) من سكان هولندا، لذا تستغل الجماعات الإسلاموية هذه النقطة من أجل إيجاد مساحة خاصة لها ونشر أفكارها المتطرفة، تحت ستار تأسيس هيئات ومراكز لتقديم التعاليم الدينية وطقوس الصوم وحفظ القرآن والحج، ومتابعة الجانبين المجتمعي والثقافي بنشر الكتب وتوفير فرص التدريب لصقل المهارات في مجالات العمل المختلفة.

 

تاريخ الإسلام السياسي في هولندا يعد حديثاً على عكس حال هذا التيار في باقي دول أوروبا وتزامن مع ظهور الجيل الثاني من جماعة الإخوان بأوروبا

 

ولفتت إلى أن تاريخ الإسلام السياسي في هولندا يعد حديثاً على عكس حال هذا التيار في باقي دول أوروبا، وتزامن مع ظهور الجيل الثاني من جماعة الإخوان بأوروبا في مطلع تسعينيات القرن الماضي، وتوظيفها لموجات الهجرة من المنطقة العربية. ومنذ عام 1996 بدأت الجماعات الإسلاموية وفي مقدمتها الإخوان في التغلغل داخل المؤسسات المجتمعية والمساجد.

وقد استغل الإخوان العلاقات مع حزبي العمل واليسار الأخضر، واخترقوا رابطة “المجتمع المسلم” في لاهاي والتي تضم بداخلها منظمة “اليوروب تراست نيديرلاند” و”هيئة الإغاثة الإسلامية” و”المعهد الهولندي للعلوم الإنسانية” و”مركز السلام الإسلامي الثقافي” و”مركز الوسطية”.

هذا وتشير التقديرات إلى سيطرة الفكر الإخواني على (60%) من المساجد في هولندا والتي تقدر أعداها بنحو (453) مسجداً، ويتبع الإخوان في أمستردام “المسجد الأزرق” و”الحزب الإسلامي الإقليمي” و”حزب دينك” و”حزب نداء الإسلامي” الذي استطاع خوض انتخابات المقاطعات شمال هولندا في مارس 2019. 

وسيطر قيادات من الإخوان مثل “محمد عكاري” و”إبراهيم عكاري” و”نور الدين العوالي” و”علي أزوزي”، على أحزاب وكيانات اقتصادية في مجال العقارات في أمستردام وروتردام ولاهاي، كبوابة لنشر نفوذهم داخل المؤسسة الحكومية والدينية.

الخطاب الإسلاموي المتطرف

‏بحسب الدراسة فإن مؤشر الإرهاب في هولندا انخفض وتراجع مستوى التهديد من (4) إلى (3)، قبل بداية الحرب الأوكرانية في 24 شباط/فبراير 2022، وعادت المخاوف بشأن انتشار الخطاب الإسلاموي المتطرف بين المؤسسات الدينية والمجتمعية وعبر شبكات الإنترنت في حزيران/يونيو 2022، بالتزامن مع زيادة التهديد لشن تنظيم “داعش” هجوماً على أوروبا وتحديداً هولندا التي وقعت هدفاً للجماعات المتطرفة، نظراً لانتشار حوادث حرق القرآن وانتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا، واستغلت الجماعات المتطرفة هذه الحوادث لدعوة المؤيدين لفكر داعش عبر شبكات التواصل الاجتماعي لتنفيذ هجمات داخل هولندا وضد مصالح هولندية في الخارج.

وتعتمد الجماعات الإسلاموية على شبكات صغيرة وكبيرة منتشرة في المدن الكبرى بهولندا، ورغم أن هذه الشبكات منقسمة أيدلوجياً واجتماعياً، إلا أنها على تواصل دائم لتبادل الأفكار. وأوضح تقرير صادر عن المنسق الوطني لمكافحة الإرهاب والأمن (NCTV)في 30 مايو 2023، تصاعد الخطاب المتطرف والتهديدات الإرهابية في الأشهر الـ (6) الماضية، محذراً من ارتكاب مجموعات صغيرة أو أفراد أعمال عنف.

استغلال حرب غزة من قبل الجماعات المتطرفة

‏الدراسة أشارت إلى أن المنسق الوطني لمكافحة الإرهاب والأمن رفع مستوى التهديد من (3) إلى (4) في 12 كانون الأول/ديسمبر 2023، وأشار إلى أن التهديد الإرهابي متزايد، نظراً لانتشار الخطاب المتطرف من قبل الجماعات الجهادية التي أعلنت استعدادها لارتكاب هجمات إرهابية في أوروبا، جراء تأزم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني منذ أكثر من (7) أشهر، وحوادث حرق القرآن في أوروبا مؤخراً.

وقد استخدمت تنظيمات مثل داعش والقاعدة حرب غزة، لكسب متعاطفين معها لتنفيذ هجمات، ورصدت السلطات الهولندية حوادث فردية تستهدف اليهود في بعض الأحياء، وفي 27 مارس 2024 وصفت (3) سيدات، سيدة يهودية بـ “قاتلة أطفال” عقب انتشار منشورات بالمنطقة تشير إلى أن أبنة السيدة جندية إسرائيلية.

واقع اليمين الشعبوي

‏ووفقا لما ورد في الدراسة، فإن التيار اليميني المتطرف أصبح له وجوداً في المشهد السياسي، بعد تأسيس خيرت فيلدرز حزب الحرية (PVV) في 2006، ومشاركته في الانتخابات البرلمانية لأول مرة في حزيران/يونيو 2010، ما جعل الحزب ثالث أكبر قوة سياسية في هولندا. 

وحصل حزب “منتدى من أجل الديمقراطية FvD ” اليميني على مقعدين بمجلس النواب الهولندي بعد فوزه بنسبة (1.8%) من الأصوات في الانتخابات العامة لعام 2017، وفاز بـ (16%) من أصوات الناخبين في انتخابات المقاطعات لعام 2019، ليصبح بعدها أكبر حزب في مجلس الشيوخ، وأكبر حزب من حيث العضوية في هولندا. وحققت الأحزاب الشعبوية ذات التوجهات اليمينية رقماً قياسياً في انتخابات 2021، بالحصول على (16%) من الأصوات.

 

تستغل الجماعات الإسلاموية هذه النقطة من أجل إيجاد مساحة خاصة لها ونشر أفكارها المتطرفة تحت ستار تأسيس هيئات ومراكز لتقديم التعاليم الدينية

 

كما فاز حزب الحرية بالانتخابات في نوفمبر 2023، بحصوله على (37) مقعداً في البرلمان المكون من (150) مقعداً، وخلال حملته الانتخابية تعهد الحزب بفرض حظر على المساجد والحجاب والقرآن، وردد زعيم الحزب خيرت فيلدرز شعار “مسلمين أقل في هولندا”. 

وفي 17 أيار/مايو 2024 اتفق خيرت فيلدرز على تشكيل ائتلاف حكومي مع حزبين يمينيين وحزب ليبرالي لأول مرة. ويعرف عن فيلدرز بمواقفه المتشددة من المسلمين واليهود، لذا أشار تقرير في 30 أيار/مايو 2024، إلى أن التطرف اليميني أكثر انتشاراً ولا يمكن التنبؤ به في السنوات الأخيرة، وتشكل أقلية منه تهديداً عنيفاً، وجزء آخر يعمل على تطبيع أفكاره المتعصبة والمتطرفة في المجالين الاجتماعي والسياسي. وتوغل الخطاب المتطرف المعادي للأجانب على مواقع التواصل الاجتماعي في الفترة ما بين نهاية 2023 وحتى مايو 2024.

مخاطر الخطاب المتطرف على المجتمع

‏إل ذلك، يتسبب الخطاب المتطرف اليميني والإسلاموي على شبكة الإنترنت وفي المؤسسات الدينية والمجتمعية، في زيادة الانقسام داخل المجتمع الهولندي، ويؤثر على عملية اندماج المسلمين في الحياة السياسية والفعاليات المشتركة، لمعاناة فئات كثيرة من الجالية المسلمة في هولندا من صعوبة التأقلم مع باقي الثقافات. 

ويزيد، وفقا للدراسة، من حالة الكراهية وحوادث العنف ضد اليهود والمسلمين، ما يؤثر سلباً على النظام القانوني الديمقراطي، ويغذي حالة انعدام الثقة في الحكومة ومؤسسات الدولة، خاصة مع صعود أحزاب يمينية متطرفة إلى السلطة وتصاعد خطابها المعادي للسامية والمسلمين.

كما أكدت المخابرات الوطنية الهولندية في 23 نيسان/أبريل 2024، أن التهديدات التي تستهدف هولندا ترتبط بشكل متزايد بالاضطرابات العالمية وفي مقدمتها حرب غزة، منوهة إلى أنها أحداث تثير المتطرفين بعد حوادث حرق القرآن في 2023.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية