كيف تحوّل "القاعدة" إلى تنظيمات كثيرة؟

القاعدة ليس تنظيماً بل (تنظيمات)

كيف تحوّل "القاعدة" إلى تنظيمات كثيرة؟


09/05/2023

فقد تنظيم القاعدة السيطرة على مساره قبل وفاة أسامة بن لادن بقليل، وصار تابعاً لهوى قياداته وبعض استراتيجيات العمل التي يراها بعض منهم، حتى أصبح التنظيم رمزاً وإيديولوجية وأسلوب عمل، وليس تنظيماً واحداً، بل تنظيمات كثيرة.

من التنظيم الواحد إلى الشبكة

يرى أبو الوليد مصطفى حامد (صهر سيف العدل)، ومؤرخ القاعدة، أنّ هناك مدرسة فكرية استراتيجية تم تشكيلها في جبهة مدينة جلال آباد بأفغانستان، كانت إلى حد ما أشدّ تطرفاً من كل العرب الذي ذهبوا إلى القتال التضامني مع الأفغان، وكان من نتاجها عملية مركز التجارة في نيويورك عام 1993 التي رتبها الباكستاني رمزي يوسف، وعملية مركز التجارة العالمي عام 2001 التي رتبها خالد الشيخ (ابن عم رمزي يوسف)، وهو أيضاً كان على ارتباط بمدرسة جلال آباد نفسها وقت تكوينه، مع أسامة أزمراي، وأبو مصعب الزرقاوي، وقد ساهموا جميعاً في التوجيه الاستراتيجي الذي أطلقه أسامة بن لادن من جبال تورا بورا في تشرين الأول (أكتوبر) 1996، داعياً إلى "تحرير جزيرة العرب من المشركين"، ثم سريعاً أصبح "تحرير المقدسات الإسلامية في جزيرة العرب وفلسطين"، ثم ضرب الأمريكيين في كل مكان، وفتح حرب شاملة ضد الولايات المتحدة وجميع مصالحها وجميع حاملي جنسيتها حول العالم، لتبدأ مرحلة من التشتت والضياع الاستراتيجي لعدم واقعية الهدف من جهة، ولعدم مناسبة الإمكانات المتاحة لتحقيق ذلك، لتتحول القاعدة إلى شبكة وتنظيمات كثيرة.

 سيف العدل المصري

وحوّلت القضية التي فجّرها أتباع هذه المدرسة وهي (تكفير أعوان الحاكم) التنظيم إلى مجموعات متنافرة، بعضها كان يتميز بالوحشية في التعامل مع الخصوم، وتحت شعار (الجهاد) ظهرت تنظيمات كثيرة.

ويرى مصطفى حامد أنّ تحول "الجهاد" إلى عمل ارتزاقي لدى الأغلبية من التنظيمات، بدوافع متعددة تبدأ من البحث عن الشهرة والزعامة، وصولاً إلى البحث عن المال والسلاح والنفوذ، ساهم في صناعة بعض التنظيمات، ومنذ رحيل أسامة بن لادن لم تظهر أيّ قيادة بالقدر نفسه، والعمل الجهادي نفسه أصبح شعاراً للفرقة الإسلامية والفوضى، ولم يعد هو أمل المسلمين في الخلاص، بقدر ما أصبح خطراً يهدد بلادهم وأمنها.

نجح سيف العدل في إحكام قبضته على خيوط اللعبة داخل تنظيم القاعدة، وتعزيز نفوذه الشخصي على القيادات الإقليمية في اليمن والصومال وسوريا

في الأعوام الأخيرة لأسامة بن لادن قرر هو والظواهري أن يحوّلا القاعدة إلى شبكة لا مركزية، تحمل في طياتها تنظيمات ذات توجهات مختلفة، إلّا أنّها تتفق حول الهدف الرئيسي، وأرسى التنظيم لنفسه مبدأ "المشاركة القتالية في مقابل التمويل"، ممّا أدى إلى انحرافات خطيرة في تركيبته التنظيمية المحلية، ومسار عمله في المناطق المختلفة.

يقول مصطفى حامد في كتابه "عشرون طلقة في سبيل الله": لأنّ اسم القاعدة في ذلك الوقت كان هو الأعلى والأهم بين كل التنظيمات السلفية الجهادية، وكانت القيادات الشبابية الجديدة في تلك الميادين لا تمتلك شهرة القاعدة ولا جاذبيتها، فقد اختارت تلك القيادات المحلية الإعلان عن انضمامها للقاعدة، التي دعمتهم بمدربين وكوادر عسكرية خدمت سابقاً في أفغانستان، فوصل التنظيم إلى مصادر تمويلية جديدة كانت تدعم الجماعات في العراق وسوريا واليمن، فمنحها ذلك إمكانية الاستمرار والبقاء على مسرح الأحداث، وحين تمكنت بعض التنظيمات من الوصول إلى مصادر تمويل مستقلة أدى ذلك إلى مزيد من التفكك.

اختراق تنظيم القاعدة وانقسامه 

إنّ التنظيم، شأنه شأن باقي التنظيمات العربية، هو تنظيم الرجل الواحد والقائد التاريخي، الذي من بعده يأتي الفراغ أو التيه والضياع، وهكذا هي "القاعدة" بعد أن فقدت أسامة بن لادن، ومن قبلها جماعة الإخوان المسلمين بعد فقدهم حسن البنا، فلا يعود التنظيم إلى ما كان عليه أبداً.

عقب مقتل أسامة بن لادن وتولي الظواهري، عانى تنظيم القاعدة من الانقسامات والتشظي بشكل لا مثيل له، وظهر تنظيم داعش، وتم اختراق التنظيم من قبل إيران عن طريق سيف العدل، الذي كان يتولى مسؤولية استقبال القيادات الهاربة من أفغانستان وترتيب إقامتها في طهران.

اتفق سيف العدل مع الحرس الثوري في 2002، وكان مصطفى حامد هو الرجل الذي ساهم في الوساطة مع الإيرانيين، الذين هدفوا إلى اتفاق يضمنون من خلاله توجيه عمليات القاعدة إلى أمريكا أو إلى العرب، وليس إليهم أو إلى حلفائهم.

 أبو الوليد مصطفى حامد (صهر سيف العدل)

بين عامي 2010 و2011، سمحت إيران لأسرة أسامة بن لادن، وعدد من قادة التنظيم ومنهم أبو الخير المصري، الرجل الثاني، بالذهاب إلى سوريا، ضمن صيغة تفاوضية قضت بتسليم التنظيم للدبلوماسي الإيراني حشمت الله زادة (الذي اختطف في شمال باكستان شتاء 2008).

بقي سيف العدل برغبته داخل إيران، ومنحته الأخيرة حرية كبيرة، ومنها السماح له بترتيب لقاءات سرّية مع قيادات الفروع، مقابل إعادة توجيه التنظيم بما يخدم مصالح الإيرانيين.

في بحث نشره مركز صنعاء للدراسات، أنّ سيف العدل نجح في جعل فرع التنظيم باليمن لا يوجه عملياته ضد الحوثيين، وساهم تولي قاسم الريمي، وتشابه الخبرة التاريخية بينهما في التقارب بين الرجلين بصورة كبيرة، فكل منهما كان مسؤولاً عسكرياً في التنظيم، وتولى تنسيق العمليات الخارجية والمهام الأمنية، وفي عام 2016 أوفد الريمي أحد أخلص رجاله "رشيد الصنعاني" وبحوزته مبالغ نقدية كبيرة نُهبت من المكلا إلى منطقة نائية على أحد السواحل الإيرانية، والتقى بسيف العدل بحضور ضباط من الحرس الثوري الإيراني، وجعل ابنه يعود مع الوفد إلى اليمن، الذي يحظى بعدة ألقاب، منها "محمد الحضرمي" و"ابن المدني". وقد توطد دور نجل سيف العدل في اليمن بشكل مطرد، وأصبح أحد حلقات الوصل الرئيسية بين فرع التنظيم اليمني ووالده في إيران، لا سيّما بعد مقتل قاسم الريمي عام 2020.

اتفق سيف العدل مع الحرس الثوري في 2002، وكان مصطفى حامد هو الرجل الذي ساهم في الوساطة مع الإيرانيين

يؤكد البحث المعنون بـ "القيادة من إيران"، وفق مصادر من داخل التنظيم، أنّ سيف العدل وجّه الريمي بتنفيذ عمليات في الداخل الأمريكي دون علم الظواهري، وخلال عامي 2017 و2018، عمل سيف العدل على توسيع نفوذه في اليمن عبر الانخراط قدر الإمكان في الترتيبات الداخلية للتنظيم، واستطاع سيف العدل منذ 2020 إقناع خالد باطرفي بنهجه الاستراتيجي، الذي يركز على مواجهة الدول الغربية وحلفائها في اليمن (أي التحالف الذي تقوده السعودية، والحكومة التي تتخذ من عدن مقراً لها، والإمارات وحلفاؤها)، بدلاً من مواجهة جماعة الحوثيين المدعومة من إيران، وأدى هذا الاختراق إلى تنامي حالة الغضب داخلياً من قرارات باطرفي، ومن تدخلات سيف العدل المتزايدة، وإلى تشظي وانقسام التنظيم باليمن.

نجح سيف العدل في إحكام قبضته على خيوط اللعبة داخل تنظيم القاعدة على (3) مراحل؛ وهي تعزيز نفوذه الشخصي على القيادات الإقليمية في اليمن والصومال وسوريا، وربط علاقات متينة بين الرجال الموالين له داخل قيادات الأفرع المختلفة، وإضعاف العلاقة بين الفروع الإقليمية وبين القيادة المركزية في أفغانستان، ومن ثم قطعها تماماً.

تقول صفحة "مزمجر الشام" القريبة من القاعدة: إنّ سيف العدل كونه موجوداً بحكم "الإقامة الجبرية" في إيران، فهذا يطرح إشكالية شرعية قبل كل شيء وعقبة أمام توليه زعامة التنظيم، وسيحرج تنظيم القاعدة كثيراً، وهو بحسب شهادة "أبو خالد السوري" لا يملك كاريزما وشخصية أسامة بن لادن والظواهري، ولن يستطيع إدارة شؤون التنظيم، لكنّ التنظيم لم يعد ذلك المركزي والقوي والمتماسك، وأصبحت قيادته رمزية فقط، بينما يتولى كل فرع للتنظيم إدارة شؤونه وتقرير استراتيجيته دون الرجوع إلى قيادة التنظيم الأم، حيث تبقى إشكالية وجود "سيف العدل" في إيران تحت أعين السلطات الإيرانية العقبة الأبرز.

إذن تنظيم القاعدة الآن له قيادات متعددة واستراتيجيات مختلفة؛ أهمها بكل تأكيد سيف العدل والتنظيم الخاص الذي يقوده من طهران، والمختلف تماماً عن تنظيم القاعدة الذي يقوده عمر أحمد ديري، وهو ما يؤكد أنّ هدف أسامة بن لادن في تأسيس تنظيم وجعله شبكة واحدة قد انتهى إلى الأبد.

مواضيع ذات صلة:

اليمن: تخادم الحوثي والقاعدة برعاية إيرانية

إرهاب داعش والقاعدة في أفريقيا يتمدد ولا ينحسر

القاعدة والحوثي... أدلة جديدة تظهر العلاقة الوطيدة




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية