كيف تؤثر الحرب على الصحة العقلية؟.. دراسة حديثة تجيب

كيف تؤثر الحرب على الصحة العقلية؟.. دراسة حديثة تجيب

كيف تؤثر الحرب على الصحة العقلية؟.. دراسة حديثة تجيب


18/09/2023

تتسبب الحروب والنزاعات المسلحة بآثار كارثية ومدمرة لا تطال أمن الإنسان الجسدي والاقتصادي وروتينه اليومي فحسب، وإنما تتعداها لتطال استقراره النفسي والعقلي، وقد تستمر حتى بعد انتهاء الحرب بأعوام طويلة، وتترك ذكريات مؤلمة لدى جميع أفراد المجتمع الذي يعاني من الحرب.

اضطرابات نفسية مزمنة

ووفق أحدث الدراسات المنشورة في مجلة الصحة العقلية والنفسية الأمريكية، فإنّ 22 بالمائة من الأشخاص الذين يعيشون في مناطق الصراعات المسلحة يعانون من "الاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة والاضطراب ثنائي القطب وانفصام الشخصية".

تشير الأبحاث الصادرة من الكلية الملكية للأطباء النفسيين إلى أنّ أعراض الاضطراب النفسي بعد الحروب تظهر بعد أسابيع أو في غضون 3 أشهر

كما يعاني نحو 9 بالمائة من سكان البلدان التي تشهد صراعات عنيفة، من اضطرابات صحية عقلية ونفسية شديدة ومزمنة.

وخلصت دراسة شارك فيها باحثون من جامعات "كوينزلاند" الأسترالية و"واشنطن" و"هارفارد" الأمريكيتين بتمويل من منظمة الصحة العالمية، إلى أنّ الاكتئاب والقلق يزيدان مع تقدم العمر في البلدان التي تشهد صراعات، وأنّ هذه الأرقام أعلى بكثير منها في وقت السلم؛ إذ يعاني واحد من كل 14 شخصاً تقريباً من أحد أشكال المرض العقلي؛ أي ما يصل إلى نسبة 7.14 بالمائة، في ما يعرف باضطراب ما بعد الصدمة.

22 بالمائة من الأشخاص الذين يعيشون في مناطق الصراعات المسلحة يعانون من اضطرابات نفسية

وكان "اضطراب ما بعد الصدمة" (PTSP) معروفاً بالعديد من الأسماء في الماضي، مثل "صدمة القذيفة" خلال سنوات الحرب العالمية الأولى و"التعب القتالي" بعد الحرب العالمية الثانية، وهو نوع من أنواع الخوف الشديد يؤدي إلى اضطرابات في الشخصية وتؤثر على الاتزان النفسي.

وتشير الأبحاث الصادرة من الكلية الملكية للأطباء النفسيين إلى أنّ أعراض الاضطراب النفسي بعد الحروب تظهر بعد أسابيع أو في غضون 3 أشهر، من بينها أعراض فسيولوجية مثل؛ ألم العضلات والإسهال وعدم انتظام النبض، والصداع واضطرابات في الشهية، وفق ما أورده موقع "سكاي نيوز".

من لم يختبر صدمة مشابهة فهو يعيش تجربة جديدة وخصوصاً الأطفال الذين لا يستطيعون إيجاد فهم سليم ومقنع بالنسبة لهم لفهم أسباب هذا العنف الشديد ومبرراته

وتتزامن الأعراض الفسيولوجية مع أخرى نفسية تسيطر على المصاب مثل؛ نوبات الفزع والخوف والاكتئاب والقلق والشعور بالذنب، وقد تصل إلى الأفكار والميول الانتحارية.

اقرأ أيضاً: هل تعاني من القلق والاكتئاب؟ إليك 10 استراتيجيات لصحة نفسية أفضل

وتشمل أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، الشعور بحدوث التجربة من جديد؛ إذ تكون ذكريات الماضي حية لدرجة أنّ المريض يعيد عيش التجربة الصادمة بمشاعر مشابهة لما حدث كالخوف والأصوات والآلام لا إرادياً خلال النهار أو في الكوابيس ليلاً، كما أنّها تدفع بالشخص إلى تجنب مواقف وأماكن معينة مرتبطة بالحادث.

تشمل أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، الشعور بحدوث التجربة من جديد

وتشمل الأعراض أيضاً، شعور الفرد باليقظة والحذر دائماً وكأنه في خطر دائم، ولا يستطيع الاسترخاء مع صعوبة النوم والقلق. وقد تشمل الأعراض الاستثارة ورد الفعل الانفعالي ونوبات الغضب والتصرف بتهور أو تدمير ذاتي. 

آثار متفاوتة

وتختلف الآثار النفسية التي تخلّفها الحروب بين الأشخاص الذين عاشوها إما بشكل مباشر أو غير مباشر، كما تختلف ردود أفعال الأشخاص بمقدار تفاعلهم مع الحدث ومدى تأثرهم به.

هذه الآثار تختلف وفقاً لفئتين من الأشخاص، تشمل الأولى الأشخاص الذين عاشوا تجربة سابقة أو مشابهة، والثانية الأشخاص الذين لم يتعرضوا لهكذا تجربة، وبالتالي فإنّ تكرار التجربة لدى من خَبِرها قد تؤدي به إلى تحطيم الأمل والثقة بإمكانية الحصول على الأمن من جديد، كما يجد هذا الشخص نفسه غير قادر على إيجاد التفسير لما يجري حوله، فتكرار التجربة يعيد إحياء الصدمة الأولى إضافةً للمعاناة التي يعيشها في حاضره، أي الصدمة الجديدة، وفق ما أورده موقع "عنب بلدي".

 العديد من الباحثين يعتقدون أنّ قمع ذكريات الصدمة، يسبب معاناة أكبر للأشخاص الذين يتعرضون للصدمة، وذلك على المدى القصير أو الطويل

أما من لم يختبر صدمة مشابهة فهو يعيش تجربة جديدة وخصوصاً الأطفال الذين لا يستطيعون إيجاد فهم سليم ومقنع بالنسبة لهم لفهم أسباب هذا العنف الشديد ومبرراته.

ويحاول الفرد أثناء الحرب أن يتفادى المخاطر بكل ما أوتي من قوة وأن يبقى حياً، وبالتالي فالبعض يعبر عن حالة الصدمة بالبكاء والقلق الشديد، والبعض الآخر يعتمد (التأجيل) وهي العملية النفسية التي يعيش خلالها الفرد حالة شبه طبيعية بعد الصدمة مباشرة، وتظهر الأعراض النفسية الناتجة عن الصدمة بعد زوال التهديد بفترة.

اقرأ أيضاً: أشهر 6 أفلام عن الاضطرابات النفسية.. هل شاهدتها؟

إن ما يمكن الفرد من تحمل القدر الكبير من الخسائر البشرية والمادية هو عملية التأجيل كآلية دفاعية نفسية، أو من خلال إعطاء معنى لما يحصل، ومن خلال النكران للخسارة للتخفيف من وطأة ما يجري.

الأطفال والمراهقون

التأثير الأكبر لما يجري من العنف الذي يدور في واقعنا إنما يتجلى على الأطفال والمراهقين؛ فالطفل يختزن في خياله مشاهد العنف والعدائية، والتي قد تنعكس على واقعه بأعمال عدائية ناتجة عن أزمة نفسية نتيجة خوفه مما يراه من مشاهد قد تؤدي به إلى انطواء على الذات.

التأثير الأكبر لما يجري من العنف الذي يدور في واقعنا إنما يتجلى على الأطفال والمراهقين

ويشير الدكتور ألبرت نامبتجي، وهو عالم في الطب النفسي السريري في المركز الوطني لمعالجة الصدمات، أنه بعد الإبادات الجماعية يعاني الأطفال من العديد من الأعراض التي تتجلى بالكوابيس، وبالصعوبة في التركيز والاكتئاب والشعور باليأس بشأن المستقبل، وفق ما أورد موقع "نون بوست".

كما أظهر تقرير لجنة الأمم المتحدة الخاص بحقوق الإنسان، أنّ الأطفال الذين يكونون ضمن دوامة الأحداث الدموية تبقى ذكريات الأحداث معهم، وتسبب لهم كوابيس شديدة، وتتداخل مع مجريات حياتهم اليومية وكأنها تحدث الآن، كما أنها تسبب لهم الخوف وانعدام الأمن.

 

بعض المراهقين الأكثر تأثراً بمشاهد العنف، بات لديهم اضطرابات في السلوك كالاتجاه نحو الشجار أو السرقة غير المبررين

 

ومن المعروف طبياً أنّ الأطفال الذين يتعرضون للحروب قد يحاولون قمع ذكرياتهم السيئة عنها بدلاً من مواجهتها، ولكن العديد من الباحثين يعتقدون أن قمع ذكريات الصدمة، يسبب معاناة أكبر للأشخاص الذين يتعرضون للصدمة، وذلك على المدى القصير أو الطويل.

أما المراهقون فيقع التأثير الأكبر للحرب عليهم سلبياً على الصعيد السلوكي؛ إذ إنّ بعض المراهقين الأكثر تأثراً مع مشاهد العنف، بات لديهم اضطرابات في السلوك كالاتجاه نحو الشجار أو السرقة غير المبررين. وبالمقابل يمكن أن يميل البعض الآخر إلى أن يكون أكثر تعاطفاً وانفتاحاً مع الغير وتفهماً للمشاكل.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية