كيف تؤثر اشتباكات طرابلس على خارطة الطريق الليبية؟

كيف تؤثر اشتباكات طرابلس على خارطة الطريق الليبية؟

كيف تؤثر اشتباكات طرابلس على خارطة الطريق الليبية؟


24/08/2023

خلفت اشتباكات طرابلس التي وقعت الثلاثاء 18 آب (أغسطس) بين (اللواء 444) و(قوة الردع الخاصة)، وهما القوتان العسكريتان الأكثر نفوذاً في طرابلس، والمواليتان للحكومة الليبية في طرابلس، خلفت الكثير من التداعيات المحلية والإقليمية المؤثرة على خارطة الطريق السياسية في ليبيا، وسط احتمالات عن تصعيد عسكري متوقع في ضوء حالة تشاحن سياسي ممتدة.

وتناولت دراسة حديثة صادرة عن المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، للباحث محمود قاسم، تداعيات ومآلات حالة التأزم السياسي والعسكري في ليبيا، في ضوء جملة من المؤثرات أبرزها اشتباكات طرابلس الأخيرة، فضلاً عن تأثير الانقلاب العسكري في النيجر.

وفي مقدمة دراسته يقول الباحث: إنّ ليبيا تشهد في الوقت الراهن جملة من التطورات على الصعيدين السياسي والعسكري، والتي تثير عدداً من التساؤلات بشأن مسار الأزمة الليبية، وما يمكن أن يكون عليه اليوم التالي، خاصة فيما يرتبط بإنهاء المرحلة الانتقالية وتجاوز حالة عدم الاستقرار، والصدام المستمر بين الأجسام السياسية والفاعلين المسيطرين على التفاعلات الداخلية.

يُضاف إلى ذلك التطورات المتسارعة على الصعيد الأمني والعسكري، والتي مثلت اشتباكات طرابلس أحدث فصولها وأعنفها في الأشهر الماضية، علاوة على استمرار الانقسام داخل المؤسسة العسكرية والإشكاليات المرتبطة بإخراج المرتزقة من البلاد وتضارب مصالح الأطراف الخارجية.

هل بات الحل السياسي مستحيلاً؟

بحسب الدراسة، اتّسم المشهد الليبي طيلة الأعوام الماضية بالتعقيد، وظل التكرار وغياب الإنجاز السمة الغالبة على تفاعلاته، وأصبح استكمال المرحلة الانتقالية وتوحيد المؤسسات والأجسام السياسية أمراً بالغ الصعوبة، في الوقت ذاته تحول أيّ حديث عن انفراجة سياسية أو توافقات تفضي للوصول إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية محل شك، في ظل الإخفاق المتكرر والفرص الضائعة التي اصطدمت بتعقيدات الداخل والخارج.

رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة

ويرى الباحث أنّ مشهد إهدار فرصة إجراء الانتخابات الليبية نهاية عام 2021 لا يختلف عن المشهد الراهن، والذي يشير إلى صعوبة إنجاز المهمة والوصول إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية خلال العام الجاري، فرغم أنّ كافة الجهود كانت ترمي لإزالة العقبات أمام المسار السياسي؛ بهدف إجراء الانتخابات خلال 2023، إلّا أنّ التطورات الأخيرة تشير إلى صعوبة تحقيق ذلك خلال الأشهر المتبقية من العام.

وفي حالة التوافق بشأن خارطة الطريق التي أنتجها مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، والتي حددت مدة زمنية (240) يوماً لإجراء الانتخابات يبدأ احتسابها منذ صدور القوانين، فإجراء الانتخابات لن يتم إلا بعد (8 أو 9) أشهر على الأقل.

دراسة: إهدار فرصة إجراء الانتخابات الليبية نهاية عام 2021 لا يختلف عن المشهد الراهن، الذي يشير إلى صعوبة إنجاز المهمة والوصول إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية خلال العام الجاري

ويشير الباحث إلى أنّ هناك قناعة لدى الأطراف الداخلية والخارجية بصعوبة استكمال المسار السياسي هذا العام، حتى إنّ رغبات المبعوث الأممي عبد الله باتيلي والمجتمع الدولي تبدلت خلال الفترات الماضية، وتحول التوجه من إجراء الانتخابات العام الحالي إلى الحديث عن إجرائها في أقرب وقت ممكن.

وبحسب الدراسة، يعني ذلك أنّ هناك تسليماً من كافة المنخرطين في المشهد بصعوبة إنجاز ذلك الاستحقاق وسط التعقيدات المسيطرة على المشهد، الأمر الذي من شأنه أن يطيل أمد المراحل الانتقالية التي دخلت مطلع العام الجاري عامها الـ (12)، دون وجود مؤشرات حقيقية عن وجود رغبة أو قدرة على وضع حدّ لدوامة التكرار وتعاقب المراحل الانتقالية.

تعقيدات تربك المشهد الليبي

تورد الدراسة تعقيدات وأزمات مركّبة تسيطر على الأزمة الليبية وتفاعلاتها الراهنة، والتي تشير إلى استمرار الوضع على ما هو عليه، خاصة في ظل التطورات الأخيرة المتسارعة على المستويات السياسية والعسكرية، أبرزها التغير في قيادة مجلس الدولة، حيث أسفرت الانتخابات الدورية للمجلس الأعلى للدولة عن وقوع تغيير في قيادته، وذلك في أعقاب الإطاحة بخالد المشري الذي استمر على رأس المجلس لمدة (5) أعوام منذ انتخابه 2018.

هناك قناعة لدى الأطراف الداخلية والخارجية بصعوبة استكمال المسار السياسي هذا العام، حتى إنّ رغبات المبعوث الأممي عبد الله باتيلي والمجتمع الدولي تبدلت خلال الفترات الماضية، وتحول التوجه من إجراء الانتخابات العام الحالي إلى الحديث عن إجرائها في أقرب وقت ممكن

 وبحسب الباحث، يمكن أن تصبّ هذه التغييرات في صالح رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة، خاصة أنّ الخلاف بينه وبين المشري كان قد بلغ ذروته في الفترات الماضية، وعليه يمكن أن تظهر تأثيرات ذلك على مستقبل العملية السياسية، ومساعي تشكيل حكومة موحدة لإجراء الانتخابات، ممّا قد يربك المشهد بشكل عام، إلّا أنّ التحركات والتصريحات الأولية لرئيس المجلس الجديد توحي بإمكانية استمرار حالة التوافق، وسوف يكون ذلك الأمر مرهوناً بقدرة الأطراف الداخلية والخارجية على التأثير ودفع المسار السياسي إلى الأمام.

خلافات مع البعثة الأممية

 تشير الدراسة إلى زيادة منسوب التوتر بين المبعوث الأممي، وبين مجلس النواب الليبي، في الفترة الأخيرة.

ويعود الخلاف بصورة أساسية إلى معارضة عبد الله باتيلي مبعوث الأمم المتحدة في ليبيا لمخرجات لجنة إعداد القوانين الانتخابية (6+6)، فقد اعتبرها غير كافية، ولا يمكن أن تؤدي إلى استكمال المسار السياسي، الأمر الذي نظر إليه مجلس النواب على أنّه تجاوز لصلاحيات وسلطات المبعوث الأممي.

مجمل التطورات السياسية والاشتباكات العسكرية في الغرب الليبي تشير إلى تراجع فرص استكمال الاستحقاق السياسي وإجراء الانتخابات الليبية في المدى المنظور، إلى جانب الخلافات السياسية وغياب الثقة بين الأجسام والمؤسسات السياسية المنخرطة في المشهد

وقد صرح عقيلة صالح من قبل بأنّ "المبعوث الأممي ليس حاكماً لليبيا، مشيراً إلى أنّ مهمة البعثة الأممية مساعدة الليبيين، وليس اختيار من يحكم".

وبشكل عام، قد يزداد هذا التوتر في المراحل القادمة، خاصة في حال إصرار (باتيلي) على طرح مبادرته لتشكيل لجنة للتفاوض بشأن القوانين الانتخابية، الأمر الذي قد يضع ليبيا فيما يمكن وصفه بصراع الخرائط الانتقالية، حيث يرفض مجلس النواب هذا التوجه، ويعدّه تجاوزاً في مهام عمل البعثة، وأنّ صياغة شكل وترتيبات المرحلة القادمة من ضمن الاختصاصات الأصيلة لمجلس النواب، وفق الباحث.

 صعوبة  السيطرة على الفصائل المسلحة

وفق الدراسة، تدلّ الاشتباكات الأخيرة بين عناصر (اللواء 444 قتال)، و(قوات الردع الخاصة)، على خلفية قيام قوات الردع باعتقال آمر اللواء 444 العقيد محمود حمزة، تدلّ على صعوبة إحكام حكومة الوحدة الليبية سيطرتها على الميليشيات المسلحة في الغرب بشكل تام، وأنّ حالة الهدوء في الغرب ـ حتى وإن استمرت لأوقات طويلة ـ تظل مؤقتة، ممّا يزيد من الشكوك المرتبطة بقدرة الدبيبة على فرض نفوذ دائم من الاستقرار غرب ليبيا، لأنّ تضارب المصالح بين الميليشيات في الغرب في أيّ لحظة من شأنه أن يؤجج الصراع، خاصة أنّ ولاء تلك العناصر يرتبط بالمصالح الضيقة والمساعي لفرض الهيمنة واستعراض القوة.

 تأثيرات الجوار الحدودي

فرضت حالة السيولة الأمنية وعدم الاستقرار لدى دول الجوار الليبي، بحسب الباحث، تحدياً كبيراً يمكن أن يؤثر بصورة مباشرة على مجمل الترتيبات في ليبيا، وهي المخاوف التي تصاعدت حدتها في أعقاب اندلاع الصراع في السودان، وما تبعه من انقلاب عسكري في النيجر، ومن شأن عدم الاستقرار الإقليمي أن ينعكس على المشهد الليبي، بعدما بات جنوب البلاد محاطاً بعدد من التهديدات، التي تجعله عرضة للتأثر المباشر.

عقيلة صالح: المبعوث الأممي ليس حاكماً لليبيا

ويتوقع الباحث أن يؤدي تفاقم الاضطرابات الأمنية في دول الجوار الليبي إلى تحويل البلاد لبوابة خلفية لتلك الأزمات، وذلك في ضوء عدّة اعتبارات؛ ومنها: أنّ الانقلاب العسكري في النيجر، وحالة التنافس بين الغرب وروسيا على حيازة النفوذ في منطقة الساحل والصحراء بشكل عام، يمكن أن ينعكس على الاصطفافات الدولية في المشهد الليبي، ممّا قد يعيق أيّ جهود لحلحلة الأزمة، كما أنّ الارتباطات القبلية والديموغرافية للعناصر المتصارعة في السودان والنيجر بالجنوب الليبي قد تحوله إلى حاضنة تسعى تلك العناصر لتعزيز حضورها فيه.

يضاف إلى ذلك التحديات المرتبطة بما يوفره هذا المشهد من بيئة مواتية لانتشار التنظيمات الإرهابية، وجماعات الجريمة المنظمة التي تجيد توظيف الفراغات الأمنية، علاوة على تنامي ظاهرة اللجوء، ممّا يزيد الأعباء الأمنية في ليبيا.

وإجمالاً؛ يرى الباحث أنّ مجمل التطورات السياسية والاشتباكات العسكرية في الغرب الليبي تشير إلى تراجع فرص استكمال الاستحقاق السياسي وإجراء الانتخابات الليبية في المدى المنظور، إلى جانب الخلافات السياسية وغياب الثقة بين الأجسام والمؤسسات السياسية المنخرطة في المشهد.

مواضيع ذات صلة:

ليبيا: مواقف متباينة للأذرع الإخوانية من اشتباكات طرابلس

اشتباكات عنيفة بين أكبر مجموعتين مسلحتين بطرابلس يهدد استقرار ليبيا



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية