كيف تآكلت شرعية سلاح حزب الله؟

كيف تآكلت شرعية سلاح حزب الله؟


19/08/2020

لا يكاد لبنان يخرج من أزمة إلّا ويجد نفسه في أزمة أشد، فبالأمس القريب عانى من فراغ رئاسي، حتى اتفق الفرقاء على العماد ميشيل عون، ثمّ جاءت أزمة الحكومة وتشكيلها والحقائب الوزارية، ثمّ انفجرت المشاكل الاقتصادية وانهيار سعر الصرف، ثمّ تلاها تظاهرات الشارع اللبناني المطالب بعدالة اجتماعية، ثمّ توالت المشكلات، حتى كان أشدّها انفجار مرفأ بيروت.

 

هناك من يرفض فكرة نزع سلاح حزب الله بحجة حصوله على شرعية ذلك من موقفه التأسيسي

هنا التفت العالم إلى أنّ ثمة دولة وكياناً في العالم اسمه لبنان، يستحقّ أهله حياة كريمة آمنة ومستقرّة، وبدأت الأقلام في البحث عن عوامل عدم استقرار هذا البلد، واتفقت الغالبية على أنّ الطائفية إحدى أهمّ مسببات هذا الوضع وفقدان الأمان المجتمعي، وأنّ المحاصصة السياسية هي التي تمدّ الطائفية بمسببات وجودها، وتدفع بالمواطن اللبناني إلى الارتماء في أحضانها، لتوفر له الحماية والرعاية التي يفتقد الحصول عليها من الدولة الوطنية الحديثة.

ومن أبرز المشاهد الطائفية، وجود ميليشيات حزب الله المسلحة بعتاد أكبر من الجيش اللبناني، من هنا تعالت الأصوات بضرورة تقنين وضع هذا التنظيم في الدولة اللبنانية، وحتمية نزع سلاحه قبل ازدياد تغوله على الدولة بقوّة البندقية.  

وعلى الجانب الآخر، هناك من يرفض فكرة تفكيك حزب الله إلى حزب سياسي يمارس السياسة  دون سلاحه، وذلك بحكم أنّه حصل على شرعية حمل السلاح من موقفه التأسيسي عند التكوين لمقاومة الجيش الإسرائيلي المحتل، وهذا ما دعا الفرقاء المجتمعين في مؤتمر الطائف العام 1990 إلى استثنائه من نزع السلاح، وبالفعل خاض الحزب معارك استنزاف ضدّ إسرائيل، انتهت بانسحابها الكامل من جنوب لبنان في العام 2000.

اقرأ أيضاً: أكثر من مجرد وكيل… تطور الاستراتيجية العسكرية لحزب الله اللبناني

لكن بعد انفجار مرفأ بيروت، وتوالي الاتهامات بضلوع حزب الله في التفجير، سواء بالقصد أو بالإهمال، تجدّد التساؤل حول سلاحه، وهل ما زالت شرعيته سارية؟ أم انتهت بانتهاء المهمّة؟ وما مدى صحة الادّعاء بتحوّل السلاح من مواجهة العدو الإسرائيلي إلى صدور الأهل في لبنان؟

رولان خاطر: أيّ مشروع يهدف لنزع سلاح حزب الله يجب أن يمرّ بإيران أوّلاً

 يقول الكاتب اللبناني والباحث في السياسة الدولية، رولان خاطر: "إنّ استمرار وجود حزب الله ببنيته العسكرية والأمنية والتسلطية والعقائدية هو جريمة بحقّ لبنان واللبنانيين، ولا يحقّ لأحد الحديث عن شرعية الحزب، فقد سقطت كحركة مقاومة يوم دخل إلى بيروت وانتهك أعراض الناس في 7 أيار (مايو) 2008، ولم يكن ذلك موجهاً لوليد جنبلاط وغيره من قادة 14 آذار فحسب، بل كان محاولة للسيطرة على المناطق الممتدة من الجبل إلى ساحل طرابلس (أي كامل الساحل من بيروت إلى طرابلس، ومن الجبل إلى البقاع) وبذلك يحكم السيطرة على لبنان لولى ضبط النفس الذي ووجه به هذا الاستفزاز".

اقرأ أيضاً: 15 عاما على اغتيال الحريري.. سنوات عجاف في لبنان

وأضاف خاطر في حديثه لـ"حفريات": "سقط ادعاؤه بأنه الحامي لأرض الوطن والديار عندما استخدم سلاحه للاستقواء على اللبنانيين، والضلوع مباشرة في قمع الثورة اللبنانية وقيادة الثورة المضادة، سواء بالسلاح مباشرة أو التهديد به، ممّا عطّل كلّ ما من شأنه أن يساهم ببناء الدولة. وقد تهاوت شعبيته العربية يوم قرّر تهديد أمن الخليج العربي والتورّط بأعمال إرهابية، وتكوين خلايا إرهابية في مصر والكويت والجزائر والمغرب وأوروبا وأمريكا اللاتينية.

سقط حزب الله وسقطت شرعيته يوم تحوّل من حركة مقاومة إلى ميليشيا وعصابات ترهب الناس، ليحكم قبضته على مؤسّسات الدولة بفعل تراجع الفريق المعارض له سياسياً".

وحول إمكانية نزع سلاح الحزب، ومن يملك القدرة على ذلك؟ قال خاطر: "نعم يمكن نزع سلاح حزب الله، بالمعنى البسيط للسؤال، لكن، أرى أنّ ثمن ذلك لن يكون بسيطاً، فهو لن يفعل ذلك طواعية للدولة اللبنانية، فالسلاح في عقيدة قادة الحزب هو القوة التي يمكن بها تطبيق أفكاره المنبثقة من فكر دولة الملالي في إيران، والذي يؤمن بتصدير الثورة، وبالتالي أيّ مشروع يهدف لنزع سلاح حزب الله يجب أن يمرّ بإيران أوّلاً، وفي الوقت الحالي يصبح من العسير فعل ذلك، إنما مع تصاعد الحصار وتشديد العقوبات على إيران، يمكن وقتها أن يكون السلاح موضع تفاوض مع الدول الكبرى، قد تحصل إيران عبر حزب الله على ضمانات وامتيازات في النظام السياسي اللبناني الجديد".

حنا صالح: اليوم اللبنانيون وبنسبة غير مسبوقة ترفض سلاح الحزب وتصرّ على تحييده سلمياً

من جهته، قال الكاتب والباحث السياسي اللبناني حنا صالح: "لا يمكننا الحديث عن حزب الله وأسلحته بعيداً عن التطوّرات المتتالية التي يشهدها الواقع اللبناني، والتي بدأت مع ثورة ١٧ تشرين الموجودة والمتجدّدة، التي حرّكت الوضع العام وكسرت الصورة النمطية  للمشهد اللبناني العادي؛ بمعنى أنّ فئات عديدة انخرطت في الثورة من كلّ المناطق، وشكّلت الساحات الشيعية بشكل خاص بمدينة صور أو النبطية أو بعلبك حاضنة للثورة، ومنعت حزب الله من القول إنّ الآخرين يثورون ضدّ سلاحه".

اقرأ أيضاً: ما فعله الاحتلال العثماني بلبنان

وأوضح صالح في تصريحه لـ"حفريات": واقعياً انطلقت الثورة بوجه الفقر وبوجه النهب وبوجه منظومة الفساد التي استباحت البلد، فهذه السلطة السياسية لم تكتفِ بنهب الدولة، بل نهبت ودائع اللبنانيين التي قُدّرت بأكثر من ٨٠ مليار دولار، ممّا عرّض الاقتصاد الوطني للانهيار، هذا الانفجار الشعبي الكبير صدّع منظومة الفساد فأُطِيح بسعد الحريري، وأدرك قادة حزب الله أنهم سيلقون المصير نفسه، فانقضّوا على الثورة، ودافعوا عن الفساد والفاسدين وعن نظام المحاصصة الطائفي، فتراجعت أسهمه في الشارع، وسقطت شعاراته وتآكلت شرعيته.

وأضاف صالح: ما حدث يوم 4 آب (أغسطس) الماضي، أكبر بكثير من مجرّد انفجار في مرفأ، فحجم ألم الشعب اللبناني أكبر وأعمق بكثير ممّا يظنّ العالم، لكن للأسف، ومن اللحظة الأولى، لم تقف الطبقة السياسية الحاكمة مع الشعب والدعوة لمحاسبة المتسبّب، فقد أعلنوا رفض التحقيق الدولي، أي رفض معرفة الحقيقة، وهذا الموقف المريب أثار غضباً شعبياً كبيراً، فكان سبت الإعدامات، فللمرّة الأولى بتاريخ لبنان نجد مجسّماً لصورة حسن نصر الله يتمّ إعدامها وسط بيروت مع الفاسدين الآخرين، لقد جاءت هذه الحادثة لترفع الصوت بقوّة ضدّ حزب الله، ولم يعد الشعار "كلّن يعني كلّن" فقط، بل تمّت تسميتهم واحداً واحداً: ميشيل عون، حسن نصر الله، نبيه برّي، سعد الحريري، وليد جنبلاط، سمير جعجع، فهم في قرارة المواطن اللبناني من دمّروا لبنان.

اقرأ ايضاً: هل ينقذ المجتمع الدولي لبنان من براثن حزب الله؟

 وحول سؤال: هل تؤدّي هذه التطوّرات إلى نزع سلاح حزب الله؟ قال صالح: "أنا لا أعتقد أنّ الظروف مواتية لنزع سلاح حزب الله؛ لكنّ الظروف مواتية إلى عزل هذا السلاح وتقييده، حتى لا يتمكّن من سرقة القرار السياسي اللبناني، فاليوم اللبنانيون، وبنسبة عالية جدّاً غير مسبوقة، ترفض هذا السلاح وتصرّ على تحييده سلمياً.

وأكّد صالح: "إننا في لبنان في وضع دقيق جدّاً، فكلّ المسؤولين السياسيين لا يجرؤون على النزول إلى أيّ شارع، ولا على الذهاب إلى مقهى أو مطعم، وحزب الله يعاني من هذا الرفض الشعبي، وهذا الوضع لا يمكن معه إقامة دولة، ولا يمكن الاعتماد عليهم في إعادة إعمار البلد، لذا أرى أنّ لبنان سيتعافى عندما يتجوّل أيّ مسؤول حكومي بحريّة بين الناس، ويتفقد المناطق بشكل طبيعي، وليس كما هو الوضع الحالي، إنّ لبنان ينتظر أن تتمكّن ثورة تشرين من بلورة نظام قوي حاسم، يؤمّن البديل الشعبي الحقيقي للحكومة، عندها يمكن الحديث عن مرحلة جديدة.

اقرأ ايضاً: حزب الله في قلب الغضب اللبناني.. "الخناق يضيق"

ويتفق مع هذا الرأي الباحث السياسي طارق البشبيشي الذي قال إنّ "الدور المقاوم الذي تبنّاه حزب الله توقف بعد العام 2006، واهتزّ شعار "المقاومة" بشدّة بعد توجيه حزب الله إلى الداخل ومحاولة الهيمنة على القرار السياسي، وفرض أجندته السياسية الموالية لإيران وتصفية الخصوم"، لافتاً إلى أنّ هناك من عناصر وقياديي الحزب متّهمون أمام القضاء الدولي باغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في 14 شباط (فبراير) 2005.

وأضاف في حديثه لـ"حفريات" أنّه "يجب أن نتذكّر كيف عرّض حزب الله أمن وسلامة لبنان للاهتزاز، بما يُسمّى أحداث السابع من أيار (مايو) 2008، عندما رفض قادته قرارات رئيس الحكومة فؤاد السنيورة بمصادرة شبكة الاتصالات التابعة لسلاح الإشارة الخاص بحزب الله وإقالة قائد جهاز أمن مطار بيروت الدولي العميد وفيق شقير، فسيطر مسلحون للحزب على أجزاء من بيروت، إثر معارك مسلحة، امتدت المواجهات بين أنصار قوى 8 آذار وأنصار قوى 14 آذار إلى مناطق الجبل الدرزية شرق بيروت، وبعض مناطق الشمال، وأدّت إلى سقوط نحو 100 قتيل، إضافة لاغتيالات أخرى طالت قيادات لبنانية، منها رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي العميد وسام الحسن العام 2012، الذي أوكلت إليه مهمّة توقيف قادة في حزب الله حول ما يخصّ قضية اغتيال رفيق الحريري.

اقرأ أيضاً: ما الثمن الذي سيدفعه اللبنانيون سداداً لشيك تركيا المفتوح؟

وأضاف البشبيشي: ليس أمام السياسيين اللبنانيين إلّا العمل على تفعيل قرارات مجلس الأمن 1559 و1680 و1701، التي تدعو إلى نزع سلاح كلّ الجماعات المسلحة، وأنه لا للسلاح خارج الدولة، لتفادي دخول البلاد في مرحلة أكثر دموية.

رأي آخر تبناه الخبير اللبناني في الشؤون الجيوسياسية والاقتصادية، الدكتور بيار عازار حيث قال: "حزب الله كتيار ظهر مع الاجتياح الإسرائيلي للبنان العام 1982، ثمّ تحوّل إلى حزب مقاوم بشكله الحالي في العام 1985، وطوال تلك السنوات لم تتوقف الأصوات المطالبة بنزع سلاحه، لا شكّ أنّ حدّة الأصوات كانت أقلّ قبل العام 2000، كانت أقلّ نظراً لما كان يقوم به الحزب من عمليات ضدّ إسرائيل بموافقة من كلّ الشرائح اللبنانية، وقد أدّت إلى الانسحاب الكامل من الجنوب اللبناني، رغم هذا هناك نزاع حدودي بين إسرائيل ولبنان، ظهر خلاف حول 3 نقاط حدودية بين إسرائيل ولبنان، وهنالك تجاوز من الجانب الإسرائيلي في 10 نقاط حدودية تابعة للبنان، فضلاً عن مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وشمال الغجر".

وأشار عازار إلى أنّ إسرائيل، تريد عند ترسيم الحدود النهائية مع لبنان التحكّم بمياه نهر الليطاني، والإبقاء على جبل الشيخ كرافد أساسي للمياه باتجاه البحر الميت، ويمكن القول إنّ إسرائيل اتفقت مع قبرص حول المنطقة الاقتصادية الخالصة في البحر، ممّا أفقد لبنان مساحة ٨٦٠ كلم٢، بمعنى فقدانها مساحة أساسية من بلوك ٨ و٩ و10، ووجود حزب الله بسلاحه يمثل عائقاً أمام ترسيم الحدود للصالح الإسرائيلي.

اقرأ أيضاً: لبنان: هل وصلت المحاصصة الطائفية محطتها الأخيرة؟

ويرى عازار أنّ "حزب الله هو قوّة عسكرية ردعية مقابل إسرائيل، وهو من نسيج المجتمع اللبناني؛ فالثنائية الشيعية (أمل وحزب الله) تمثل أكثر من ثلث المجتمع اللبناني، والخلاف  بينهما ضئيل، فحركة أمل من الشيعة العرب، مرتبطون بآية الله السيستاني في العراق، أمّا حزب الله فمرتبط بالمرجعية الإيرانية فقهياً، مع ملاحظة أنه لبناني الهوية، ولا يعاني من ثنائية الهوية".

وأضاف عازار: "هناك خطأ دائم في فهم منظومة السلاح عند حزب الله، هي منظومة مجتمعية وليست منظومة ميليشياوية تستطيع أن تنتزع منها السلاح، إنّ كلّ فتاة وكلّ فتى في حزب الله يمثّلان بندقية، وأهمّ قوّة في حزب الله هم النسوة وليس الرجال، وبالتالي، يجب أن يفهم الجميع أنّ سلاح حزب الله هو ملك المجتمع الشيعي".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية