
وسعت دولة الإمارات مجالات الاعتماد على التقنيات التكنولوجية الحديثة في دعم قطاع الزراعة لمواجهة الظروف البيئية الصعبة والحدّ من تأثير التغيرات المناخية على المنتجات الزراعية خلال الأعوام الماضية بشكل كبير، بهدف تحقيق الأمن الغذائي المعتمد على الزراعة، وأيضاً تعزيز أنماط الاعتماد على التكنولوجيا في كافة المجالات ضمن خطة عمل متكاملة تحاول الدولة من خلالها توظيف العلم في كافة أنماط الحياة.
وأوردت دراسة حديثة صادرة عن مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة للباحث محمود نجم أنماط الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة في قطاع الزراعة الإماراتي، ونتائج ذلك، كما قدّمت قراءة مستقبلية لما ستكون عليه الزراعة في ضوء التوسع بالاعتماد على تلك التقنيات.
خطوات جادة نحو تحقيق الأمن الغذائي
بحسب الدراسة التي نشرت حديثاً تحت عنوان: "كيف تُوظف الإمارات التكنولوجيا في تعزيز أمنها الغذائي؟"، قطعت دولة الإمارات شوطاً كبيراً في التكنولوجيا الزراعية، في ظل رؤية قيادتها الرشيدة وما أطلقته من مبادرات واستراتيجيات طموحة في هذا المجال، وعلى نحو يُطور اقتصادها القائم على الابتكار والتطبيقات التكنولوجية التي تدمج التقنيات الحديثة في الزراعة، وبالتالي يعزز أمنها الغذائي، ولا سيّما في ظل الأزمات العالمية الراهنة.
ففي عام 2017 تم تعيين مريم بنت محمد سعيد حارب المهيري وزيرة دولة للأمن الغذائي. وفي عام 2018 أطلقت الإمارات "الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي"، وكان من أبرز أهدافها أن تكون الإمارات الأفضل عالمياً في مؤشر الأمن الغذائي العالمي بحلول عام 2051، وبالفعل خلال أعوام قليلة بدأ حصاد ثمار هذه الخطوات.
الاعتماد على التنوع لمواجهة التحديات البيئية
تشكل البيئة الصحراوية أكثر من ثلاثة أرباع المساحة الكلية لدولة الإمارات، وفق ما أوردته الدراسة، وهي تحتل المركز الثاني عالمياً في مؤشر الإجهاد المائي بعد الكويت بنسبة 1667%، أي أنّها تحتاج إلى أكثر من (16) ضعف مواردها المائية العذبة المتجددة المتاحة لتلبية احتياجاتها.
الهدف الرئيسي لدولة الإمارات هو ضمان الأمن الغذائي للمواطنين والمقيمين فيها، وقد سمح تميز الدولة في استخدام التكنولوجيا والالتزام بحرية التجارة وسهولة تداول السلع باستقرار متوسط كفاية الإمدادات الغذائية لسكانها عند 133% من احتياجاتهم، مقارنة بحوالي 124% للمتوسط العالمي
لذلك اعتمدت الإمارات على تنويع أساليب الزراعة قليلة الاعتماد على المياه والتربة الخصبة، لتنجح في زيادة القيمة المضافة لقطاع الزراعة والغابات وصيد الأسماك الإماراتي من (2.6) مليار دولار في عام 2014 إلى (3.1) مليارات دولار في عام 2019، وهي أعلى من قيمة إسهام القطاع نفسه في دول أغنى بالموارد المائية مثل ألبانيا وبلجيكا وبلغاريا وكوستاريكا، وفقاً لبيانات منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو).
توظيف التكنولوجيا
تحت هذا العنوان أوردت الدراسة مجموعة من الآيات التي تستهدف الاستفادة القصوى من التقنيات الحديثة من أجل تعزيز النشاط الزراعي والمساهمة بالأمن الغذائي، تعتمد بالأساس على توفير البيئة المناسبة لاستخدام التكنولوجيا واستغلالها بشكل متوازن في جميع المؤشرات الفرعية للأمن الغذائي (الوفرة والإتاحة والجودة والسلامة والاستدامة).
وتدعم وزارة التغير المناخي والبيئة بدولة الإمارات، وفق الدراسة، استخدام التكنولوجيا المائية بين المزارعين، وتعتمد هذه التكنولوجيا على استخدام المياه الغنية بالمغذيات اللازمة لنمو النباتات من دون تربة، أو بوجود كمية قليلة من التربة، حيث توفر هذه الطريقة ما يتراوح بين 70% و90% من المياه، كما توفر حوالي 99% من مساحة الأرض المطلوبة للزراعة، وبتكلفة قريبة من التكلفة التقليدية للزراعة في أرض خصبة.
علاوة على أنّ "المزارع العمودية" تعمل بشكل "مؤتمت" بالكامل، وتقدم محاصيل زراعية بتكاليف ثابتة على امتداد المواسم، وفي هذا الإطار، دشنت مريم المهيري، وزيرة التغير المناخي والبيئة في دولة الإمارات، يوم 15 شباط (فبراير) الماضي أكبر مزرعة في العالم للزراعة العمودية الداخلية في أبو ظبي.
كما تحاول الإمارات زيادة الاعتماد على الزراعة الملحية، حيث قام المركز الدولي للزراعة الملحية (إكبا) بزراعة عدد من المحاصيل مستخدماً المياه المالحة، مثل "الساليكورنيا" "فاصوليا البحر"، ونبتة "الكينوا"، وهي، وإن كانت تفتقد إلى الشعبية في منطقة الخليج، إلا أنّه يمكن تصديرها إلى الخارج والاستفادة من عائدها في استيراد أغذية أخرى.
وتعتمد أساليب هذه الزراعة على استصلاح وإعادة استخدام الأراضي الزراعية المتدهورة، وذلك من خلال زراعة بعض المحاصيل والسلالات النباتية التي تتحمل المياه المالحة أو شبه المالحة، ممّا يخفف من استخدام المياه العذبة وتحسين خصائص التربة.
توفير مصادر المياه وتحسين الإنتاج
تحتل الإمارات حالياً المركز الثاني عالمياً في تحلية المياه، وبلغت السعة الإجمالية لمحطات تحلية مياه البحر في عام 2022 حوالي (1.6) مليون جالون يومياً، وبحلول عام 2025 ستصل السعة الإجمالية إلى (2.2) مليون جالون يومياً. وتستهدف استراتيجية الأمن المائي 2036 خفض إجمالي الطلب على المياه في الدولة بنسبة 21%، مع زيادة إنتاجية المياه وإعادة استخدام 95% من المياه في الوقت نفسه، وفق أفضل تقنيات إعادة تدوير المياه، بحسب الدراسة.
اعتمدت الإمارات على تنويع أساليب الزراعة قليلة الاعتماد على المياه والتربة الخصبة، لتنجح في زيادة القيمة المضافة لقطاع الزراعة والغابات وصيد الأسماك الإماراتي من (2.6) مليار دولار في عام 2014 إلى (3.1) مليارات دولار في عام 2019
وعلى مستوى تحسين سلاسل الإنتاج وجودة المنتج وتقليل الهدر، تقوم هيئة أبو ظبي للزراعة والسلامة الغذائية بتسويق المنتجات الزراعية المحلية اعتماداً على علامتها التجارية الخاصة، حيث تقوم بدور الوسيط بين مئات المزارعين وتجار الجملة، كما طورت تطبيقاً إلكترونياً لتدريب المزارعين على أفضل الممارسات، إذ يزود التطبيق المستخدمين بأحدث المعلومات التقنية عن المحاصيل الشعبية.
وأطلقت الهيئة مشروع تحديد جيني للماشية يهدف إلى تحديد السلالات الأنسب لبيئة الإمارات من أجل تحقيق أعلى إنتاجية للمزارعين، كما أصدرت تسلسلاً جديداً للجينوم لنخيل التمر، للمساعدة في تطوير أنواع جديدة ومحسنة من نخيل التمر، وهي تعمل أيضاً على تعزيز تقنيات ما بعد الحصاد المحسنة لتقليل فاقد المحاصيل.
تحفيز الابتكار
تقوم دولة الإمارات بالعديد من الأنشطة لجذب التكنولوجيا الحديثة في مجالي توفير المياه وتطوير الزراعة، فمثلاً استضافت أبو ظبي في عام 2019 المنتدى العالمي للابتكارات في الزراعة، وهو أكبر معرض للابتكارات في مجال التكنولوجيا الزراعية في العالم، وفق الباحث.
وأيضاً في منتصف شباط (فبراير) الماضي، استضافت (آيروفارمز)، الشركة المتخصصة في مجال الزراعة العمودية الداخلية، فعاليات قمة (آيروفارمز) السنوية الثانية لابتكارات التكنولوجيا الزراعية في أبو ظبي، بمشاركة (24) متحدثاً وأكثر من (1000) مشارك من (65) دولة لمناقشة مستقبل الزراعة والأمن الغذائي.
وقامت شركة (آيروفارمز) خلال هذه القمة بتوقيع مذكرتي تفاهم مع كل من جامعة نيويورك أبوظبي، والمركز الدولي للزراعة الملحية (إكبا).
وتم إنشاء هيئة أبو ظبي للزراعة والسلامة الغذائية في عام 2019 لضمان استدامة تطوير قطاع الزراعة، ودعم المزارعين المحليين في استخدام التقنيات والمنهجيات والممارسات الجديدة، فضلاً عن توفير التدريب الفني والمشورة.
وفيما يخص تمويل الابتكار، شهد عام 2019 تقديم أبو ظبي تمويلاً للبحث والتطوير بقيمة (5.6) مليارات درهم للمساعدة في معالجة ندرة المياه، ومليار درهم لشركات التكنولوجيا الزراعية المحلية أو الدولية لتأسيس وجود في أبو ظبي.
صدارة إقليمية ومكانة دولية
يبقى الهدف الرئيسي لدولة الإمارات هو ضمان الأمن الغذائي للمواطنين والمقيمين فيها، وقد سمح تميز الدولة في استخدام التكنولوجيا والالتزام بحرية التجارة وسهولة تداول السلع، باستقرار متوسط كفاية الإمدادات الغذائية لسكانها عند 133% من احتياجاتهم، مقارنة بحوالي 124% للمتوسط العالمي، وذلك وفقاً لتقديرات منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة.
تصدرت الإمارات دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على المؤشر العالمي للأمن الغذائي 2022، والصادر عن (إيكونوميست إيمباكت)، وعلى المستوى العالمي جاءت الإمارات في المرتبة الـ (23) من أصل (113) دولة شملها المؤشر الإجمالي للأمن الغذائي
كما ظل معدل ارتفاع أسعار السلع الغذائية عند مستوى أقل من المتوسط العالمي للارتفاع، حيث انخفضت مثلاً أسعار الغذاء في الإمارات بمعدل (1.4) نقطة مئوية في عام 2019، قبل أن ترتفع بمعدل (3.7) نقاط مئوية في عام 2020، هذا في الوقت الذي سجلت فيه الأسعار العالمية ارتفاعاً بمعدل (4.4) نقاط و(6.3) نقاط خلال العامين المذكورين.
وقد تصدرت الإمارات دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على المؤشر العالمي للأمن الغذائي 2022، والصادر عن (إيكونوميست إيمباكت).
وعلى المستوى العالمي، جاءت الإمارات في المرتبة الـ (23) من أصل (113) دولة شملها المؤشر الإجمالي للأمن الغذائي، متقدمة (12) مرتبة مقارنة بنتائج عام 2021، والمرتبة السابعة في المؤشر الفرعي لتوافر الغذاء، والـ (16) في مستوى سلامة وجودة الغذاء. وحققت الإمارات (75.2) درجة على المقياس العام لمؤشر الأمن الغذائي المكون من (100) درجة، مقارنة مع (71) درجة سجلتها في عام 2021.