كيف أدارت طهران الأسبوع الأول من العقوبات الأمريكية على إيران؟

إيران

كيف أدارت طهران الأسبوع الأول من العقوبات الأمريكية على إيران؟


14/08/2018

صعّدت طهران خلال الأيام الأولى من بدء سريان العقوبات الأمريكية الجديدة، في السابع من الشهر الحالي، حملاتها الإعلامية الهادفة للإيهام بأنّ هناك مؤشرات اقتصادية إيجابية تظهر في الاقتصاد الإيراني. وانتشرت في مختلف وسائل الإعلام الإيرانية العديد من التقارير والتحليلات الاقتصادية الزائفة التي يمكن وضعها في إطار الحرب النفسية، بينما تواصلت الانخفاضات الكبيرة في أسعار العملة الإيرانية مقابل الدولار، وباقي العملات الأجنبية، وتفاقمت موجات التضخم وارتفاع الأسعار، بحسب تقديرات الراصدين والمتابعين المحليين، دون إمكانية للحصول على أرقام دقيقة في هذا الشأن بسبب انعدام الشفافية.

وفي هذه الأثناء هيمنت حالة من التشاؤم في طهران حول مستقبل البلاد، والانفتاح الاقتصادي على الغرب، بعد خروج الكثير من الشركات الأوروبية من إيران، برغم تفعيل "الاتحاد الأوروبي" لقانون الإجراءات المناهضة.

من المرجح بأنّ العقوبات الأمريكية الجديدة ستغلق أبواباً واسعة من الإيرادات المالية، والتحويلات النقدية أمام طهران

وفي محاولة للخروج بخطة طوارئ ناجعة للتعامل مع الوضع المالي المتأزم، أُعلِن في طهران عن إقالة محافظ البنك المركزي الإيراني "ولي الله سيف"، كما أعلنت السلطة القضائية عن اعتقال عدد كبير من الأشخاص على خلفية اتهامهم بالتلاعب بأسعار العملات.

وكان من بين المعتقلين أحد المسؤولين البارزين في البنك المركزي الإيراني. وهو نائب محافظ البنك المركزي أحمد عراقجي، الذي قالت بعض التقارير الإعلامية إنّه أُقيل من منصبه بعد غضب شعبي واسع واحتجاجات في الشوارع بسبب الهبوط السريع للعملة الإيرانية. إذْ فقد الريال الإيراني نحو نصف قيمته منذ نيسان (إبريل) 2018. كما أعلن البنك المركزي، بإدارته الجديدة، عن حزمة سياسات نقدية جديدة زعم بأنها سوف تؤثر إيجاباً على سوق العملات.

اقرأ أيضاً: روحاني ضحية العزلة الداخلية والعقوبات الأمريكية

وقُبَيْل إعلان الدفعة الأولى من العقوبات الأمريكية كان الدولار سجّل رقماً قياسياً جديداً في سعر صرفه مقابل الريال الإيراني، وبمعدّل حوالي 110,000 ريال لكل دولار (11,000 تومان لكل دولار). ويُعد ذلك أضعف سعر صرف للريال الإيراني في تاريخه. وقد جاء الهبوط في سعر الريال الإيراني نتيجة السياسات المحلية الخاطئة، والشؤون الخارجية المضطربة للبلاد. ولم يكن أمام روحاني سوى خيار إرسال إشارات مفادها بأنه يعمل على حل الأزمة بسرعة، ولعل ذلك يُفسّر قراره بتغيير محافظ البنك المركزي الإيراني، ولي الله سيف.

بدأت إيران بالفعل في تطبيق طرق مختلفة للتحايل على العقوبات الأمريكية

هزات اجتماعي وسياسية

وكانت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، أعلنت في 8 أيار (مايو) 2018، بأنه ينبغي على الجميع التوقّف عن شراء النفط الخام الإيراني اعتباراً من 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2018. لكن يبدو أنّ السؤال الأهم ظل يتعلق بإمكانية تطبيق مثل هذا الحظر على صادرات النفط الإيرانية من جانب القوة العالمية الأولى منفردةً.

ومن المرجح بأنّ العقوبات الأمريكية الجديدة ستغلق أبواباً واسعة من الإيرادات المالية، والتحويلات النقدية أمام طهران، وتعرقل حصولها على التكنولوجيا والمعدات الحديثة. لكنّ حرمان طهران من بيع النفط يبقى أخطر تداعيات عودة العقوبات؛ فهو يهدد بانهيار الاقتصاد الإيراني، وإحداث هزات اجتماعية وسياسية، قد تؤدي بدورها إلى انهيار النظام السياسي برمّته في نهاية المطاف.

حرمان طهران من بيع النفط يبقى أخطر تداعيات عودة العقوبات؛ فهو يهدد بانهيار الاقتصاد الإيراني

وقد بدأت إيران بالفعل في تطبيق طرق مختلفة للتحايل على العقوبات الأمريكية المقبلة؛ حيث قدم رئيس منظمة التخطيط والميزانية محمد باقر نوبخت، 12 رزمة تنفيذية لمواجهة الحظر الأمريكي. وطلب البنك المركزي الإيراني من السلطة القضائية الإفراج عن عدد من المعتقلين في ملف ارتفاع أسعار الذهب والعملات الأجنبية؛ حيث من المتوقع أن يكون لهؤلاء -ومعظمهم من التجار ذوي الخبرة في سوق العملات وأساليب التحايل على الأنظمة النقدية العالمية- دورٌ مهم في التحايل على العقوبات المالية المفروضة على طهران. كما سيطلب من هؤلاء تنشيط السوق الثانوية للعملات التي أطلقها البنك المركزي الإيراني في إطار حزمة المقترحات الجديدة لوقف انهيار قيمة الريال الإيراني. وقد تمّ بالفعل تدشين السوق الثانوية للصرف الأجنبي في طهران بإشراف البنك المركزي الإيراني.

واتخذت طهران إجراءات أخرى لمواجهة العقوبات المقبلة؛ فقد حظرت السلطات في طهران تصدير 18 نوعاً من السلع (في معظمها منتجات زراعية)، ونفّذت مصلحة الجمارك في البلاد مشروع " TIR "الإلكتروني، بهدف تسهيل عملية النقل البري لأكبر كميات ممكنة من النفط والبتروكيماويات والصادرات الأخرى المحظورة إلى دول مجاورة يُتوقع ألّا تلتزم بالعقوبات الأمريكية المفروضة على طهران، مثل؛ تركيا والعراق، وبدرجة أقل أفغانستان وباكستان.

اقرأ أيضاً: كيف أثّرت العقوبات الأمريكية في يومها الأول في السوق الإيرانية؟!

وفي هذا الإطار أيضاً، ظهرت عدة تقارير متضاربة حول استعداد طهران للدخول في صفقات لمقايضة النفط بالسلع. وبدأت إيران حملة دبلوماسية للبحث عن شركاء اقتصاديين جدد، وأعربت عن استعدادها لمنح روسيا والصين والهند معاملة تفضيلية في مجالات التجارة والاستثمار في إيران، ووقعت اتفاقاً مع روسيا في مجال التأمين، وبدأت تتخذ إجراءات لإنشاء فرع لبنك "باسغارد" الإيراني في مدينة مومباي الهندية قبيل الحظر الأمريكي. كما بذلت إيران جهوداً لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع دول الجوار المُحادِدة لإيران براً وبحراً. وفي هذا الإطار، نظمت إيران منتدىً لتنمية الصادرات في بحر قزوين في مدينة ساري.

الجهود الأوروبية لإنقاذ الاتفاق تتواصل وطهران تطلق "بالون اختبار"

وفق تقارير إيرانية وأوروبية متطابقة، عرض الأوروبيون على وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف وفريقه في السادس من تموز (يوليو) الماضي في فيينا، أول مشروع للحوافز الاقتصادية لإيران، من أجل إبقائها في الاتفاق النووي. ولا تزال المباحثات بين الطرفين متواصلة حول المشروع. لكنّ ظريف زعم، في تصريح لوكالة "رويترز" للأنباء، بأن ما تقدمه أوروبا لإيران لن يكون كافياً لإبقاء طهران في الاتفاق النووي. وذكرت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية "IRNA" أنّ ظريف قال لمفوض الاتحاد الأوروبي للطاقة ميجيل أرياس كانتي: "مع انسحاب أمريكا زادت توقعات (إيران) من الاتحاد الأوروبي من أجل الحفاظ على مكاسب الاتفاق، وفي هذا الإطار فإن الدعم السياسي الأوروبي للاتفاق لا يكفي".

تفاقمت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية بإيران بعد تطبيق الفريق الاقتصادي لروحاني حزم الإصلاحات القاسية

وقالت وكالة "رويترز" للأنباء في تقرير لها، "إنّ استثمارات الاتحاد الأوروبي في إيران، والتي تأتي بالأساس من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، قفزت إلى أكثر من 20 مليار يورو منذ العام 2016 في مشروعات تتنوع من الفضاء إلى الطاقة. لكن من أجل تحسين اقتصادها المعتمد على النفط تحتاج إيران إلى جذب استثمارات أجنبية بنحو 100 مليار دولار لدعم صناعة النفط، إلا أنّ المستثمرين الأجانب الكبار مازالوا يحجمون عن الدخول، وذلك يعود جزئياً إلى العقوبات الأمريكية المتبقية على إيران". ولا يزال من غير المعروف ما إذا كانت أوروبا ستختار في النهاية الانحياز إلى مصالحها الفعلية الاقتصادية مع الولايات المتحدة، أم أنها ستتمكن من التوفيق بينها، وبين مصالحها المرجوّة مع طهران.

ونظراً لضبابية الموقف الأوروبي، أطلقت طهران بالون اختبار بقرارها المفاجئ استعادة حوالي 350 مليون دولار من "البنك التجاري الأوروبي-الإيراني" في مدينة هامبورغ. وشكّل القرار اختباراً قاسياً للأوروبيين؛ إذ بينما ادّعى الإيرانيون بأنهم يحتاجون المال لأسباب مشروعة، دفع سفير الولايات المتحدة في برلين باتجاه عدم تحويل هذه الأموال إلى طهران، خوفاً من أن تُستخدم في دعم الإرهاب. وفي حال اتخذ الألمان قراراً يقضي بمنع تحويل هذه الأموال، فإنّ ذلك سيضر بإجراءات بناء الثقة التي يسعى الأوربيون إلى تعزيزها مع الجانب الإيراني في الوقت الحالي.

اقرأ أيضاً: تطبيق العقوبات الأمريكية على إيران... ردود الأفعال

ولا تريد إيران بأي حال أن ترى حصتها في سوق النفط في أوروبا تختفي، على نحو يشبه ما حدث في الفترة التي امتدت بين عامي 2012 و2015. ولذلك ستكون طهران على الأرجح مُنفتحة إزاء أي ترتيبات لمقايضة النفط بالسلع وفق شروط جاذبة للأوروبيين. ولعل هذا الأمر سيزيد من تعقيد مهمة بومبيو في إقناع الأوروبيين بالتخلي عن إيران. وقد بدأت طهران بالفعل بإبرام صفقات مقايضة للنفط مقابل السلع مع عدة دول من بينها روسيا والصين والهند.

الرئيس الجديد للبنك المركزي واستمرار النهج النيوليبرالي

تباينت ردود الفعل في طهران، وفق تقارير إعلامية عديدة، حول قرار الرئيس الإيراني حسن روحاني، تعيين عبد الناصر همتي (61 عاماً) محافظاً جديداً للبنك المركزي الإيراني؛ ويُعدُّ همتي مصرفياً مُخضرماً في إيران، وهو يحمل درجة دكتوراه في الاقتصاد من جامعة لندن. لكنّ الرجل يعدُّ أيضاً عضواً بارزاً في الشبكة السياسية-الاقتصادية للرئيس السابق أكبر هاشمي رفسنجاني التي أنشئت في الثمانينيات. ويبدو أنّ قرار تعيين همتي في هذا المنصب اتُخذ في اللحظة الأخيرة؛ فقد تم تعيين الرجل قبل أسابيع قليلة فقط، سفيراً لإيران لدى الصين. ولعل ذلك يُبيّن بأن "شبكة رفسنجاني" لا تزال في قلب الفريق الاقتصادي للرئيس الروحاني، وهي شبكة تُروّج أساساً لاقتصاد السوق القائم على عدم التدخل الحكومي، وهو نهج محفوف بالمخاطر إذا ما أخذنا بالاعتبار التحديات الاقتصادية الضخمة التي تواجه إيران.

اقرأ أيضاً: كيف تتحايل طهران على العقوبات الأمريكية؟

وقد تفاقمت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية بشكل لافت في إيران بعد تطبيق الفريق الاقتصادي النيوليبرالي للرئيس روحاني لحزم متعددة من الإصلاحات الاقتصادية القاسية، والتي تضمنت خصخصة قطاعات واسعة من الاقتصاد، وفرض ضرائب ورسوم متنوعة، ورفعاً متكرراً للدعم الحكومي عن السلع الأساسية؛ ما أثار احتجاجات واسعة النطاق في البلاد.

هل تنجح حزمة مقترحات البنك المركزي الجديدة في إدارة الأزمة؟

وفقاً لوكالات أنباء إيرانية عدة، عرض المحافظ الجديد للمركزي عبد الناصر همتي في السابع من آب (أغسطس) الجاري، حزمة مقترحات للتعامل مع سوق العملات الصعبة، بعد أقل من أسبوعين على تسلمه المنصب خلفاً لولي الله سيف الذي تمت إقالته على خلفية الانهيارات المتتالية لسعر صرف العملة الإيرانية.

وجاء الإعلان عن الحزمة الجديدة بعد ثلاثة أشهر من تطبيق حزمة مقترحات تقدم بها المساعد الأول للرئيس الإيراني إسحاق جهانغيري لضبط سوق صرف العملات. لكنّ مقترحات نائب الرئيس المذكورة أخفقت بالكامل في وقف انهيار أسعار العملة الإيرانية. وطُرحت الحزمة الجديدة في السادس من آب (أغسطس) من الشهر نفسه، بالتزامُن من بدء تطبيق الدفعة الأولى من العقوبات الأمريكية على أيران.

وتشبه حزمة مقترحات المحافظ الجديد للبنك المركزي خطة طريق، تأتي بعدما بلغ تراجُع سعر العملة الإيرانية ذروته مقابل الدولار الأمريكي. ولذلك يمكن القول إنّ من أهم أهداف الحزمة، هو الحد من الانهيار المتتالي لقيمة العملة الإيرانية، مقابل بقية العملات، وبشكل خاص مقابل الدولار الأميركي، والدرهم الإماراتي، واليورو. لكن طرح هذه الحزمة بالتزامن مع بدء تطبيق الدفعة الأولى من العقوبات الأميركية، قاد إلى الاستنتاج أيضاً بأنّ حزمة المقترحات تعد خطوة هامة من أجل التصدي للموجة الأولى من العقوبات، والتي تتمركز حول حظر تبادل الدولار والذهب مع إيران. ومن هنا يبدو أنّ الحزمة المقترحة يراد منها تحقيق غايتين: الحدّ من انهيار قيمة العملة الإيرانية مقابل العملات الأجنبية، من جهة، والتصدي للدفعة الأولى من العقوبات الأمريكية، وامتصاص ضربتها من جهة ثانية.

 

 

ولعل الفكرة المركزية التي تطرحها حزمة المقترحات الجديدة هي إنشاء سوق ثانوية لتداول العملات في إيران؛ وهذه السوق الثانوية هي أشبه ببورصة لتداول العملات، وبوجه خاص لتداول الدولار. وتأتي هذه السوق الثانوية مقابل السوق الحكومية التي تحدد السعر الرسمي فيه الحكومة. أما المحور الثاني الذي تطرحه حزمة المقترحات الجديدة، فهو إعادة نشاط شركات الصرافة؛ فبعدما كانت الحزمة السابقة أوقفت أنشطة شركات الصرافة الإيرانية، مُؤَكِّدةً حَصْرَ عملية عرض الدولار بيد البنك المركزي الإيراني، وفي الوقت ذاته اعتبار أي عملية تبادل للدولار خارج هذا الإطار ضرباً من التهريب، أعادت الحزمة الجديدة فتح أبواب شركات الصرافة. على أن تكون هذه الشركات مجازة في تأمين الدولار للمواطنين، أو في مداولة الدولار، شريطة أن تقوم بتسجيل الدولار الذي تشتريه، أو تبيعه، مرفقاً بالمستندات في موقع تابع للبنك المركزي. وألا يحق لها الاحتفاظ بالدولار الذي تشتريه، لأكثر من ثلاثة أيام، وذلك للحيلولة دون تحكمها في سعر السوق، عبر عملية احتكار للدولار.

كما أعادت الحزمة الجديدة فتح ملف المدخرات البنكية من الدولار، وأعادت للمواطنين حق الادّخار بالدولار في حسابات دولارية في البنوك الإيرانية، مقابل أن يضمن البنك للمدخرين بالدولار معدلات من الأرباح، وأن يضمن لهم كذلك الحصول على أصول مدخراتهم بالدولار، أو ما يعادلها، وفق سعر السوق الثانوية (وليس وفق السعر الرسمي). ولا يعد الموضوع جديداً؛ إذ كان البنك المركزي الإيراني خلال حكومة الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، قام بمثل هذه الخطوة، إلا أن البنوك لم تلتزم، ولم ترجع أصول المدخرين بالدولار، وإنما أجبرتهم على استرجاعها بالسعر الرسمي، وهو سعر أقل بكثير من سعر السوق.

اقرأ أيضاً: هكذا تلتف كوريا الشمالية على العقوبات الأممية

وفي المحور الأخير ضمن حزمة المقترحات الجديدة، جرى التأكيد على حرية إدخال العملات الصعبة والذهب وباقي المعادن الثمينة إلى إيران، دون أن يكون لذلك سقف محدد، ودون أن تفرض عليه ضريبة استيراد؛ ما يعد إلغاءً لقانونٍ أصدرته حكومة روحاني نفسها سابقا، يجعل الحدّ الأعلى لاستيراد العملة الصعبة أو الذهب، عند 10 آلاف يورو مع فرض ضريبة على ذلك.

ووفقاً لحزمة المقترحات الجديدة، يتعين على الحكومة رصد 20 مليار دولار لتأمين احتياجات البلاد من البضائع الضرورية بالسعر الحكومي للدولار (وهو نصف السعر السوقي للدولار تقريباً) حتى نهاية العام الإيراني الراهن (منتصف آذار/ مارس 2019)؛ ما يُبقي المستقبل مفتوحاً على كل الاحتمالات، خصوصاً في ظل احتمال ألا تستطيع الحكومة الحصول على ما يكفي من مستحقات النفط لتغطية البضائع الأساسية بالدولار الحكومي خلال العام الإيراني المقبل؛ ما يجعل هذه الحزمة أشبه بـ "حزمة حتى إشعار آخر".

ومن اللافت أن الحزمة الجديدة تجاهلت الإشارة إلى تعهدات البنك المركزي بتأمين 7.6 مليون قطعة من الذهب الذي قام إيرانيون بشرائه في مزاد البنك المركزي خلال آذار (مارس) الماضي،  وهو ما يجعل المركزي متعهداً بتقديم ما لا يقل عن 55 طناً من مخزونه الذهبي للزبائن. وهي الخطوة التي أسهمت بشكل فاعل في خفض أسعار الذهب في الأسواق نتيجة ارتفاع العرض، إلّا أنها في نهاية المطاف ستؤدي إلى انهيارات جديدة في قيمة العملة الإيرانية؛ نتيجة انخفاض مخزون البنك المركزي من الذهب، بنحو 55 في المائة (حيث تشير الأرقام إلى أنّ مجموع مخزون البنك المركزي الإيراني من الذهب حاليا يبلغ نحو 100 طن).

هذه السياسات الاقتصادية المتناقضة والمتضادّة أصبحت أشبه بميكانيزمات للتدمير الذاتي تعمل في الاقتصاد الإيراني. ولعلّ الافتقار إلى الهدف والرؤية الاقتصادية المنسجمة يعود في معظمه إلى هيمنة السياسة على القرار الاقتصادي في البلاد بشكل مفرط.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية