كوارث اقتصادية ربما يشهدها العالم في 2019

كوارث اقتصادية ربما يشهدها العالم في 2019


21/01/2019

ترجمة: محمد الدخاخني


قبل 12 شهراً؛ كان الموقف الاقتصادي العالمي مشجعاً، بل قوي؛ فقد شهد عام 2017 أفضل نموّ للناتج المحلي الإجمالي العالمي، منذ تبعات الأزمة المالية، وبدا أنّ عام 2018 لديه ما هو أفضل ليقدمه، وكان رئيس القسم الاقتصادي في صندوق النقد الدولي، موري أوبستفلد، قد أفاد بأنّ "التحسّن الدوري العالمي، الذي انطلق منتصف عام 2016، يواصل اكتساب مزيدٍ من القوة".
البورصات ازدهرت، والثقة في قطاع الأعمال كانت عالية، وشعور المستهلك كان قوياً، بدا الأمر كما لو أنّ العالم ينفض أخيراً الذكرى المؤلمة للأزمة المالية العالمية التي وقعت قبل عقد من الزمان، إلا أنّ الأمور تبدو الآن أقلّ وردية بكثير.

اقرأ أيضاً: القمة الاقتصادية أضرّت بلبنان وفشلت في علاج التصدّع العربي
صحيح أنّه، على السطح، لم يتغير الشيء الكثير، فصندوق النقد الدولي يتوقع أن يصل النموّ العالمي، عام 2019، إلى 3.7%، وهو المستوى نفسه الذي كان عليه الأمر في عامي 2018 و2017، ومع ذلك؛ فإنّ هذا يمثل تراجعاً عن نسبة 3.9%، التي كان الصندوق يتوقعها قبل ثمانية أشهر، ويجمع اقتصاديو القطاع الخاص على أنه سيكون عند 3.6% فقط.

ماذا سيحدث للاقتصاد العالمي في الأشهر الـ 12 المقبلة؟
من المتوقَّع أن يتراجع النموّ الأمريكي بشكل ملحوظ؛ من 2.9% عام 2018، إلى 2.5% عام 2019؛ حيث سيتلاشى حافز التخفيضات الضريبية غير الممولة، التي أقرّها دونالد ترامب، كما انحسرت توقعات التوسع في الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا، وهناك أيضاً حالات تراجع في الصين والهند والبرازيل والمكسيك وجنوب إفريقيا، وعلى أرض الواقع تبدو الأمور أكثر إزعاجاً.

ذبلت البورصات بشكل كبير خلال الأشهر القليلة الماضية، فانخفض مؤشر "إم إس سي آي" العالمي للأسهم بنسبة 15%

هذا وقد انكمشت الاقتصاديات الألمانية والإيطالية واليابانية بشكل غير متوقع، في الربع الثالث من عام 2018، كما يتضح في أحدث بيانات الناتج المحلي الإجمالي الرسمية لتلك البلدان، فالانكماش الألماني، الذي يرجع في الأساس إلى إغلاق مصانع تخصّ قطاع السيارات، هو الأول منذ عام 2015، والنموّ الصيني في الربع الثالث، 6.5% على أساس سنوي، هو الأدنى منذ عقد من الزمن، كما تراجعت مؤشرات مسح النشاط بحسب القطاع في معظم البلدان منذ الصيف.
ومن جانبها؛ ذبلت البورصات بشكل كبير خلال الأشهر القليلة الماضية، فانخفض مؤشر "إم إس سي آي" العالمي للأسهم بنسبة 15%، منذ أيلول (سبتمبر)، وانتهى العام بانخفاض بأكثر من عشر ما بدأ به، والبورصات الناشئة أيضاً في هبوط، ما يعني أنها قد هبطت بأكثر من الخمس منذ آخر معدلات ارتفاع وصلت إليها.

اقرأ أيضاً: هل يحتكر الإخوان المسلمون اقتصاد "الحلال" في أوروبا؟
يحذر صندوق النقد الدولي قائلاً: "ربّما وصل التوسّع إلى ذروته"، وتقول كريستين لاغارد، المديرة الإدارية للصندوق: "لقد شهدنا نمواً قوياً من حيث المعايير التاريخية، لكننا الآن نواجه فترة تتجسد فيها مخاطر كبيرة وتلوح في أفقها غيوم أشدّ عتمة".
إذاً؛ ما الذي يفسّر تلك الغيوم المعتمة؟ بإيجاز، يبدو أنّ الإجابات هي: الحروب التجارية، وارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (البريكسيت).

حروب ترامب التجارية
إنّ عدوان دونالد ترامب التجاري على الصين، التعريفات الجمركية التي فرضها على واردات بقيمة 200 مليار دولار وتهديده بالمزيد، يبدو، في النهاية، أنه يضرب الاقتصاد الحقيقي، ويقوض المزاج العام بين الشركات، ويضرّ بالاستثمار؛ فقد سقطت طلبات التصدير الجديدة للمصنعين في منطقة من الانكماش في كلّ من ألمانيا والصين، كما تباطأ نموّ حركة التجارة عبر الموانئ بشكل حادّ.
ورغم ما تقوله كلّ من واشنطن وبكين؛ فإنّ "الاتفاق" بين دولتي مجموعة العشرين في بوينس آيرس، في كانون الأول (ديسمبر)، يعبّر بوضوح عن وقف إطلاق نار مؤقت وليس عن هدنة.

اقرأ أيضاً: كيف يسعى مجلس التنسيق السعودي- الإماراتي لتأسيس "أمن اقتصادي" شامل؟
ويقدر صندوق النقد الدولي؛ أنّ التعريفات الجمركية على واردات السيارات التي يهدّد ترامب بفرضها على جميع البلدان، باستثناء كندا والمكسيك، يمكن أن تضرب الناتج المحلي الإجمالي العالمي في المدى الفوري بنسبة 0.75%، ومن جانبها؛ تشعر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تتخذ من باريس مقراً لها بالقلق، وتشير تقديراتها إلى أنّ الأعمال العدائية المرتبطة بالتعريفات الجمركية يمكن أن تضرب 2% من التجارة العالمية، بحلول عام 2021.

التخفيضات الضريبية المحلية للرئيس ترامب عززت نمو الناتج المحلي الإجمالي على المدى القصير

السياسات النقدية والنمو

ثم هناك السياسة النقدية؛ من الواضح أنّ التخفيضات الضريبية المحلية للرئيس ترامب قد عززت نمو الناتج المحلي الإجمالي على المدى القصير، في أكبر اقتصاد في العالم، ولكنها دفعت أيضاً البنك المركزي الأمريكي إلى رفع أسعار الفائدة، لتفادي ما يعدّه البنك تهديداً بالتضخم غير المستقر، ويبلغ سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية الآن 2.5%، بينما يشير تسعير الأسواق في عام 2019، على الأقل، إلى ارتفاعين إضافيين.

عدوان ترامب التجاري على الصين يبدو، أنه يضرب الاقتصاد الحقيقي ويقوض المزاج العام بين الشركات ويضرّ بالاستثمار

في الماضي؛ كان أيّ "انعكاس" لمنحنى عائد الاقتراض في الولايات المتحدة مبشراً، حيث انخفضت معدلات الفائدة على 10 أعوام لأقل من معدلات الفائدة على عامين، بركود اقتصادي أمريكي، والارتفاعات الضعيفة في العائدات الطويلة مقارنة بالعوائد قصيرة الأجل المرتفعة هذا العام، تعني أنّ انعكاساً يقترب، على ما يبدو، بخطى ثابتة.
وكما يقول جافين ديفيس، من شركة "فولكترم" لإدارة السندات: "الزيادة التدريجية في أسعار الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي كانت كافية لرفع قيمة الدولار، وتقويض الثقة في الأسواق الناشئة، وتشديد الظروف النقدية العالمية، هذه العملية قد تنتهي، أو لا تنتهي، إلى حالة كساد، لكنّها بالتأكيد تتسبب بالفعل فيما يطلق عليه 'إرهاق التعافي'، في معظم أركان الاقتصاد العالمي".
إنّ عملية تشديد ظروف النظام النقدي الأمريكي، تميل إلى ضرب الأسواق الناشئة، ويقول آدم سلاتر، من شركة "أكسفورد إيكونومكس": "لقد كان هناك "توقف" مفاجئ لتدفقات رأس المال إلى الأسواق الناشئة، خلال الأشهر الأخيرة، ما أدّى إلى عواقب مؤلمة بالنسبة إلى [تلك] الأسواق، التي تعاني من عجز خارجي كبير".

اقرأ أيضاً: مؤشر جديد على تفاقم الأزمة الاقتصادية في تركيا
ويطارد شبح تشديد ظروف السياسة النقدية وتأثيره أوروبا أيضاً؛ فقد توسع اقتصاد منطقة اليورو بنسبة 0.2% فقط، في الربع الثالث من عام 2018، وهو أدنى معدل ربع سنوي له منذ أكثر من أربعة أعوام، وذكريات عام 2017، عندما نمت العملة الموحدة بنسبة 2.4%، وذلك هو أسرع معدل نمو لها منذ عقد من الزمن، انتهت منذ زمن بعيد، فصندوق النقد الدولي يتوقع نمواً بنسبة 1.9% فقط، عام 2019، لمنطقة اليورو.
وقد يكون هذا تقدير مفرط في التفاؤل؛ ففي إيطاليا، من المتوقع أن يتباطأ النمو من 1.2% إلى 1% العام المقبل، رغم تجنّب فرض عقوبات من قبل المفوضية الأوروبية على خطط ميزانيتها، وقد تراجع الشعبويون في روما عن الاقتراض في الوقت الراهن، لكن يمكن أن تشتعل النار مجدداً في العام الجديد، وقد أشار البنك المركزي الأوروبي إلى أنّ التباطؤ والصراع السياسي لن يدفعا إيطاليا إلى إعادة تشغيل برنامج التحفيز النقدي، الذي تبلغ قيمته 2.6 تريليون يورو، والذي انتهى هذا الشهر.

قد ينكمش اقتصاد المملكة المتحدة بنسبة 3%

البريكست وأشباح أزمة 2008
أخيراً هناك البريكست؛ لقد حدّد صندوق النقد الدولي نمواً غير كارثي بالنسبة إلى اقتصاد المملكة المتحدة في العام المقبل، بنسبة 1.5%، زيادة عن 1.4% للعام 2017، لكن هذا، بالطبع، كان يستند إلى افتراض خروج سلس من الاتحاد الأوروبي، في آذار (مارس) القادم، أو بالأحرى الدخول في سوق موحّدة لمدة 21 شهراً، وانتقال جمركي؛ حيث لا شيء يتغير حقاً.

التعريفات الجمركية على واردات السيارات التي يهدّد ترامب بفرضها يمكن أن تضرب الناتج المحلي الإجمالي العالمي

يقول بنك إنجلترا؛ إنّه إذا كان البريكست، على العكس من ذلك، "مزعجاً" اقتصادياً، ولم نتوصل إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي، فقد ينكمش اقتصاد المملكة المتحدة بنسبة 3%. وفي السيناريو الأسوأ لبريكست غير متفق عليه بشكل "غير منظم"؛ فإنّه يمكن أن ينكمش الاقتصاد بنسبة 8%، وهذا من شأنه أن يجعل الانهيار الاقتصادي أكبر من الانهيار الذي جرى وقت الأزمة المالية العالمية في عام 2008.
ذلك خطر انخفاضي له أرجحية ضعيفة نسبياً، وليس تقديراً قياسياً بالطبع، ولكن في الذكرى السنوية العاشرة للانهيار المالي، علينا أن نتذكر أنّ الأخطار الانخفاضية ذات الأرجحية الضعيفة تتحقق في بعض الأحيان، وهي تفعل ذلك دون رحمة، أما الدرس الكبير الآخر من الأزمة المالية، عام 2008؛ فهو أنّ الأخطار يمكن أن تتحقق من أماكن غير متوقعة، ربما يمكن أن تأتي صدمة سياسية من طفرة لجوء أخرى من الشرق الأوسط أو شمال إفريقيا، أو ربما يمكن أن تأتي من هجوم إلكتروني مدمّر على الأعمال التجارية أو الحكومة.

اقرأ أيضاً: إنذار اقتصادي جادّ: مستقبلنا غير آمن!

في ميزانية شهر تشرين الثاني (نوفمبر)؛ وضع مكتب مسؤولية الميزانية احتمالات حدوث ركود آخر في المملكة المتحدة، على مدى الأعوام الخمسة التالية، على أساس تاريخي، عند نسبة 50%، وإذا تعثر الاقتصاد العالمي الأوسع في انكماش خلال الأشهر الـ 12 المقبلة، فمن المهم أيضاً أن نضع في اعتبارنا أنّ أعباء الديون الحكومية أعلى بكثير مما كانت عليه قبل عقد من الزمن، وأنّ أسعار الفائدة في العالم المتقدم لا يمكن أن تنخفض بقدر ما حصل حينها، وهذا قد يحد من مساحة استقرار التدابير النقدية والمالية من الحكومات.

اقرأ أيضاً: هل تُنذر الأزمة الاقتصادية بتصدع نظام طهران؟
وكانت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني قد حذّرت من أنّ "الديون المرتفعة وتراجع النمو وارتفاع الأسعار، كلّها تعرّض البلاد لمخاطر الصدمات التي تقوض الاستدامة والقدرة على تحمّل الديون".
وكما لاحظ غوردون براون هذا العام، في هذا العصر من الحروب التجارية والتحالفات الاقتصادية المنهكة، قد لا نملك التعاون العالمي الضروري لإخراجنا من أزمة عالمية أخرى مثل عام 2008.
بالنسبة إلى العالم، خاصة بريطانيا، سيكون العيش محفوفاً بالمخاطر خلال عام 2019.


المصدر: بين شو، الإندبندنت



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية