كعك العيد وصناعة البهجة في بيوت المصريين

كعك العيد وصناعة البهجة في بيوت المصريين

كعك العيد وصناعة البهجة في بيوت المصريين


20/04/2023

مع اقتراب شهر رمضان من نهايته، تبدأ الاستعدادات الأسرية لاستقبال العيد، أبرزها إعداد كعك العيد، الذي يظل طقساً صامداً رغم تطور العادات والتقاليد، حيث تكيفت تلك العادة مع كافة التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، التي مرت بها مصر عبر العصور. وبحكم العادة، فإنّه بعد صلاة العيد تسرع العائلات إلى المنزل لتناول الإفطار الأول بعد شهر رمضان، الذي قد يتكون من الكعك والبسكويت.

أصل الحكاية

أصل تلك العادة يرجعه البعض إلى العصور الفرعونية القديمة، بداعي أنّ الكعك هو حلوى فرعونية، وذلك بحسب النقوش الموجودة على بعض الجدران، مثل مقبرة الوزير رخ مي رع في الأقصر، وأنّ العادة انتشرت بشكل كبير في عهد الملك رمسيس الثالث.

ومن الراجح أنّ تقليد كعك العيد المعروف في أيامنا هذه يعود إلى التاريخ الإسلامي بشكل أساسي، وهو ما يؤكد عليه الباحث في التاريخ الإسلامي حسن حافظ في تصريحات لموقع (Arabia Weather)، ويلفت إلى أنّ تاريخ تقليد كعك العيد بدأ بالفعل مع عهد أحمد بن طولون، أي منذ عهد الدولة العباسية، وكان يصنع ويوزع في المناسبات الدينية، وخاصّة عيد الفطر، ومع قدوم العصر الفاطمي تشكلت المظاهر الاحتفالية المرتبطة بالأعياد؛ فكان الخليفة يرتدي لباساً معيناً في عيد الفطر، وكان هناك ما يُسمّى بـ "دار الفطر"، وكانت هذه المؤسسة مسؤولة عن جميع الاستعدادات اللازمة للاحتفال بالعيد، بما في ذلك تصنيع وتجهيز "كعك العيد"، وبكميات كبيرة، ممّا خلق رابطاً وثيقاً بين الاحتفال بعيد الفطر وتوزيع الكعك.

موكب العيد الفاطمي

الكاتب أحمد الصاوي، في كتابه " رمضان زمان"، يشرح بالتفصيل موكب العيد في العصر الفاطمي، حيث يجلس الخليفة في قاعة الذهب ليظهر الفطر، ومن حوله الوزراء والأمراء، ثم يأمر بافتتاح السماط والسماح للحاضرين بالأكل منه وأخذ ما يشتهون.

يرى البعض أنّ الكعك هو حلوى فرعونية

بعد الإفطار يخرج الخليفة مع حاشيته إلى الصلاة في المصلى الكبير الذي يقع خارج باب النصر، قبل أن يعود الموكب الحافل بأنواع المرح وشتى أنواع الاحتفالات. ويذكر الكاتب أنّ الدولة الفاطمية جعلت لكعك العيد إدارة حكومية خاصّة عرفت بدار الفطرة، وكانت مهمتها تجهيز الكميات اللازمة من الكعك والحلوى لتوزيعها على الرعية، وكذلك إعداد سماط العيد الذي يحضره الخليفة، وكان العمل في تجهيز هذه الكميات الهائلة يبدأ من شهر رجب ويستمر حتى منتصف شهر رمضان، وقد خصّصت الدولة لذلك ميزانية ضخمة، وصلت في بعض الأعوام إلى ما يقرب من (16) ألف دينار ذهبي؛ وذلك لشراء الدقيق وقناطير السكر واللوز والجوز والفستق والسمسم والعسل وماء الورد والمسك والكافور، وغير ذلك من المستلزمات.

اهتم المماليك أيضاً بكعك العيد، وبلغ إعداده وتوزيعه عند سلاطينهم مبلغاً كبيراً، حتى أنّهم اعتبروه من أوجه هيبة الدولة

كما اهتم المماليك أيضاً بكعك العيد، وبلغ إعداده وتوزيعه عند سلاطينهم مبلغاً كبيراً، حتى أنّهم اعتبروه من أوجه هيبة الدولة. ويوجد بالمتحف الإسلامي في القاهرة قوالب عليها عبارات يتم وضعها على الكعك قبل توزيعه، لتهنئة الناس بالعيد ، مثل: "كل التهاني، مع الشكر والبركات" وغيرها.

في العصر الحديث، لعب أهل الشام الذين هاجروا إلى مصر خلال القرنين (الـ 19 والـ 20) دوراً مهماً في تطوير صناعة الحلويات في مصر، بما في ذلك كعك العيد والبسكويت أيضاً، ونقلوا تقنيات حرفية جديدة، وأضافوا إلى الكعك أشكالاً جديدة؛ مع استخدام المناقيش وغيرها.

أمّا عن تسمية "كعك العيد"، فهناك من يرى أنّ الكلمة تأتي من اللغة القبطية القديمة، بينما هناك من يرى أنّها كلمة من أصل فارسي.

صناعة البهجة

كانت صناعة كعك العيد داخل المنزل وبين الأطفال تخلق حالة من البهجة والسعادة في البيوت في العشر الأواخر من شهر رمضان، فكانت النساء يتجمعن في منزل العائلة لتحضير عجينة الكعك، بينما يقوم الأطفال بتشكيله على شكل دائري، وعادة ما تكون العجينة وصفة سرّية ومقدسة، ترثها نساء الأسرة عن أمهاتهن وجداتهن. ولكن عادة ما يتم حشو الكعك بالعجمية المكونة من السمن والعسل وبذور السمسم والمكسرات، ويجب أن يُصنع بطريقة معينة لتجنب خروج الحشوة، ويُعدّ الملبن الحشوة الشعبية الأشهر، وهي حلوى تركية مصنوعة من دبس العنب، ومكثفة بالنشا، وتشمل الحشوات الأخرى العجوة والتمر، ثم يحمل الأطفال الصواني الكبيرة التي توضع فوقها العجائن المعدّة، ويذهبون إلى أقرب مخبز لتسويتها في الأفران، بينما تنتشر في الطرقات الروائح الشهية.

مع مرور الوقت، ظهر نوع جديد من الكعك، ألا وهو "الغريبة"

مع مرور الوقت، ظهر نوع جديد من الكعك، ألا وهو "الغريبة"، والتي يعود للشوام الفضل في ظهورها في مصر، وهي حلوى ذات مذاق خاص، ويتم تزيينها بالفستق أو اللوز أثناء تحضيرها.

وعلى الرغم من أنّ مشهد صناعة الكعك ما يزال شائعاً في مناطق معينة في القاهرة والمدن الصغيرة في مصر، إلا أنّ الغالبية استبدلت ذلك بالكعك الجاهز في المحلات، التي تتنافس من أجل تحقيق عائدات كبيرة، ممّا جعل العادة الأصيلة تتراجع بعض الشيء.

في العصر الحديث، لعب أهل الشام الذين هاجروا إلى مصر خلال القرنين (الـ 19 والـ 20) دوراً مهماً في تطوير صناعة الحلويات في مصر، بما في ذلك كعك العيد والبسكويت

ومع ارتفاع أسعار الكعك، وفي ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، بدأت تلك العادة الشعبية الخاصّة بصناعة الكعك منزلياً بالعودة بشكل تدريجي، حيث يمكن ملاحظة الجموع في المناطق الشعبية أمام الأفران؛ من أجل تسوية تلك المخبوزات الشهية.

 

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية