"الجندر الحزين"... الإرهاب يضيف للنساء دوراً جديداً هو القتل الهووي

كتاب الجندر الحزين... الإرهاب يضيف للنساء دوراً جديداً هو القتل الهووي

"الجندر الحزين"... الإرهاب يضيف للنساء دوراً جديداً هو القتل الهووي


24/10/2023

ما وجه الصلة بين الجندر والإرهاب الديني، لا سيّما عندما يتعلق الأمر بالنساء؟ وأيّ إفادة نقدية تضيفها دراسات الجندر حول علاقة النساء بالإرهاب؟ هل نحن أمام إرهاب جديد؟

تساؤلات طرحها الكاتب والمفكر التونسي أستاذ التعليم العالي في الفلسفة المعاصرة في جامعة تونس، فتحي المسكيني، في الجزء الأخير من كتاب (الجندر الحزين)، الصادر عن مؤسسة هنداوي، حيث يناقش ثلاثية الأب/ الملك/ الإله في التراث التوحيدي الذي ننتمي إليه، وخطاب الجنسانية في كتابات فوكو، والشخصانية الإسلامية والمرأة في نصوص محمد عزيز الحبابي، مروراً بالجندر الحزين: الفرْق بين المرأة والنساء، وإرهاب النساء كظاهرة جندرية.

الإرهاب النسوي لا يبلغ المفارقة الأخلاقية التي تميزه عن الإرهاب الرجالي، إلا عندما تقدم النساء على استعمال الجسد الأنثوي، في بعديه الأكثر حميمية واستثناء، ألا وهما؛ الموت والجنس

وتساءل الكاتب عن وجود إرهاب ذكوري وآخر نسوي؛ حيث إنّ إغفال دور الجنس بمعنييه؛ البيولوجي والاجتماعي، يجعلنا نهمل الوجه المخفي من حقيقة الإرهاب، أم أنّ الإرهاب ـ أي استعمال الموت بوصفه وجهة نظر ضد آخر بشري بلا ملامح خاصة ـ هو ظاهرة لا جنس لها، أو لا يمكن تجنيسها "في الأجساد" ولا جندرتها في المجتمع؟ وبشكل عام كيف نفسر حدة البحث في دلالة الإرهاب النسوي؟".

وفي مناقشته لهذه الأسئلة، أشار المسكيني، في الكتاب، إلى أنّ إرهاب النساء هو ظاهرة جندرية جديدة على الرغم من أنّ جدتها لم تمنعها من أن تغطي جملة مراتب أو أنواع الإرهاب: فهي لا تقف عند الخدمات اللوجستية للإرهابيين، بل تتعداها إلى التجنيد والعمل الدعوي واحتجاز الرهائن واختطاف الطائرات.

لكنّ الإرهاب النسوي لا يبلغ المفارقة الأخلاقية التي تميزه عن الإرهاب الرجالي، إلا عندما تقدم النساء على استعمال الجسد الأنثوي ـ في بعديه الأكثر حميمية واستثناء، ألا وهما؛ الموت والجنس، ويعني بذلك التفجيرات الانتحارية ودعوى "جهاد النكاح" ـ بوصفه تقنية إرهاب.

غلاف الكتاب

الكاتب التونسي يتابع في (الجندر الحزين): "لأنّ الجنس والموت من قبيل التجارب القصوى، فإنّ التحليلات والمناقشات الرائجة حول إرهاب النساء قد ظلت دوماً تحت وطأة تقاليد التفكير النمطي حول المرأة ومدى قدرتها على التمرد، ليس بالمعنى السياسي فحسب؛ بل بالمعنى الجندري: أي مدى عصيانها لادعاء الصلاحية أو الحقيقة الذي يرفعه المجتمع التقليدي حول جسدها. ما يزال جسد المرأة في كل مكان وثيقة أخلاقية أو دينية ضدها؛ ولذلك فإنّ جندرة الإرهاب سوف تفرض علينا مراجعة خطيرة لمدى فهمنا لحقيقته ومعالجته في المستقبل".

ويرى المسكيني أنّه لا يوجد تفجير انتحاري خاص بالجنس اللطيف، وآخر خاص بالجنس الغليظ. وليس ثمّة مساواة أكثر ممّا في واقعة الموت؛ ولذلك فإنّ نكتة الإشكال لا تتعلق بالنساء "بما هنّ كذلك"؛ أي وفقاً لتصنيف فقد اليوم جزءاً مربكاً من صلاحيته، بل بنوع التمثيلات الجندرية السائدة التي نواجه بها ظاهرة الإرهاب متى صدر عن المرأة المعاصرة.

إرهاب النساء يختلف عن إرهاب الرجال، في كونه قد ضخ معنى غير مسبوق في صناعة الموت

المفكر التونسي يعتقد أنّ "المشكل هو نزاع تمثيلات جندرية يندلع عندما يكون الفاعل امرأة وليس رجلاً، بذلك يمكننا أن نفسر ليس فقط نجاعة استعمال الموت بل إثارته واضطرابه المعياري حين يكون الممثل مؤنثاً؛ إذْ لا تتميز نجاعة الإرهاب النسوي عن نجاعة الإرهاب الرجالي إلا في مستوى البداهة، كان إرهاب الذكور بديهياً ورسمياً دوماً؛ وذلك لأنّه كان يتم في نطاق مجتمعات أبوية تعود إلى تاريخ سحيق، حتى تحول الوضع الجندري للرجال إلى وضع طبيعي".

بل يرى أنّ إثارة الإرهاب المجندر تكمن في عنصر لا علاقة له بأدوات الحرب، إنّه إرهاب يقع في مخيالنا الثقافي: أكان قديماً (القبيلة/ الجماعة الدينية) أم حديثاً "الجنس الناعم/ خصائص الأنوثة..."، والسؤال عنه هو أقرب إلى نقطة التعجب منه إلى نقطة الاستفهام. هو ليس سؤالاً معرفياً عن موضوع سوسيولوجي، بل هو حيرة رمزية تمسّ تصورنا لأنفسنا العميقة، وذلك بسبب علاقة النساء بالهوية في أيّ ثقافة.

الاستعباد الجنسي والتجنيد الدعوي تم تسويغهما فقهياً بكل يسر، إذ إنّ مدونة الملة أو الشريعة تسمح بذلك.

وبحسب ما ورد في الكتاب، فإنّه "حين تنبني علاقة جماعوية بين النساء على أساس شعار "أخوات في الإرهاب"، فإنّ مفهوم الأختية الإرهابية من شأنه أن يدمر ما تبقى من الهيبة الأخلاقية لمفهوم "الأخوة" الذكوري، الذي قام عليه مبدأ التعارف بين البشر المؤمنين في الملل الدينية، ومبدأ المواطنة بين العلمانيين في الدول المدنية الحديثة.

كما أنّ صفة "الأم الإرهابية" ليست أقلّ مفارقة، ثم سائر العلاقات مع الأنثى؛ مثل "البنت الإرهابية"، و"الزوجة الإرهابية"، و"الحبيبة الإرهابية"... إلخ؛ إذْ لا يقع التفجير على مستوى القنابل فقط، بل على مستوى الهوية أيضاً، وما إن تفجر امرأة نفسها حتى تصبح كل مساحات الهوية في خطر.

أشار المسكيني، في الكتاب، إلى أنّ إرهاب النساء هو ظاهرة جندرية جديدة

ويذهب المسكيني في كتابه إلى أنّه علينا أن نفرّق في آخر المطاف بين استخدام النساء في الإرهاب ـ وهذا في الأغلب موقف ذكوري؛ حيث يبقى دور النساء الأمهات/ المجندات/ الشهيدات أداتياً، ومن ثم هو ليس قناعة نسوية ـ وبين انخراط النساء أنفسهن وبإرادتهن في نمط الحياة الإرهابية، أي سفر النساء جسدياً وروحياً بلا رجعة إلى مناطق تحول فيها الإرهاب إلى نموذج عيش، بل إلى حياة يومية حيث يتعلم المرء، أكان امرأة أو طفلاً، كيف يعيد إنشاء هويته الشخصية.

الكاتب التونسي أشار في كتابه إلى أنّ إرهاب النساء يختلف عن إرهاب الرجال؛ في كونه قد ضخ معنى غير مسبوق في صناعة الموت: ليس فقط تأمين الحاجات اليومية لحياة معدة للموت؛ بل خاصة استعمال الجسد بوصفه أداة جنسية للجهاد، ولا فرق عندئذ بين الانتحار والنكاح والإنجاب. نحن صرنا أمام نشاطات إرادية مقننة في خدمة صورة إرهابية عن العالم، ولكن خاصة في خدمة حياة يومية حقيقية. وحين يدخل الجنس على الخط، فإنّ ماهية الإرهاب تكون قد تغيرت واصطبغت بدلالة غير مسبوقة؛ إنّها دلالة الحقيقة.

الإرهاب ليس مقصداً نسوياً؛ لا تنتحر النساء من أجل قضية نسوية، ومع ذلك فإنّ دوافع النساء ليست دينية

(الجندر الحزين) خلص إلى أنّ  المرأة الإرهابية تبدو مفهوماً متناقضاً بشكل مزعج. إنّها موضوع جنسي "حيث يمكن للاغتصاب أن يكون وسيلة جندرية لتجنيد النساء"، لم يتحول بعد إلى ذات جندرية مستقلة "المرأة المقاومة للإرهاب"، إنّ تنظيم (داعش) مثلاً قد أقدم على ما يشبه الإبادة الجندرية للنساء الأجنبيات (بالمعنى الفقهي): تحويل جسد الأنثى إلى سلعة جنسية في مقابل تجنيد النساء في التنظيم.

وهذه المفارقة في منزلة النساء ـ الاستعباد الجنسي والتجنيد الدعوي ـ قد تم تسويغها فقهياً بكل يسر. وكان الدور الأخلاقي التقليدي للنساء هو منح الحياة؛ أمّا الإرهاب، فهو يضيف للنساء دوراً جديداً هو القتل الهووي "القتل على العرق أو اللون أو الطائفة..."، لكنّ ذلك يعني أنّ الإرهاب ليس مقصداً نسوياً؛ لا تنتحر النساء من أجل قضية نسوية؛ ومع ذلك فإنّ دوافع النساء ليست دينية.

مواضيع ذات صلة:

العراق: سجال بشأن مفهوم "الجندر"... هل يحاول الإسلاميون إشغال الناس عن قضاياهم الرئيسة؟

في عصر السايبورغ: من الفقه إلى الجندر ومن العائلة إلى المختبر

جريمة فظيعة... الجندرمة التركية تقتل سوريين بهذه الطريقة




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية