قراءة في الخطة "ب" الأمريكية ـ الإسرائيلية ضد إيران

قراءة في الخطة "ب" الأمريكية ـ الإسرائيلية ضد إيران


31/10/2021

لعلّ الحقيقة المؤكدة هي أنّ هناك "فجوة" عميقة بين واشنطن وتل أبيب تجاه إمكانية عقد صفقة نووية جديدة بين واشنطن وطهران، بدلالة كثافة اللقاءات السرية والعلنية التي تجري بين أوساط "سياسية وأمنية وعسكرية" في واشنطن وتل أبيب، منذ تسلّم جو بايدن مقاليد الحكم في البيت الأبيض، ولاحقاً الإطاحة بنتنياهو وتشكيل حكومة إسرائيلية جديدة يتردد أنها "أقلّ تطرفاً" من الحكومة السابقة، وكان آخر هذه اللقاءات اللقاء بين وزراء خارجية "أمريكا وإسرائيل والإمارات مؤخراً في واشنطن، والذي تركز على بحث ما يُعرف بالخطة "ب" للتعامل مع إيران، وجوهرها اتخاذ إجراءات جديدة للضغط على طهران لإجبارها على التفاوض.

اقرأ أيضاً: هل كان مؤتمر التطبيع في أربيل رسالة إيرانية مشفرة لواشنطن؟

مرجعية تلك الفجوة هي أنّ الوصول إلى صفقة نووية جديدة مع طهران هو هدف استراتيجي لإدارة بايدن، مع الأخذ بعين الاعتبار "الهفوات" التي لم يتضمنها الاتفاق السابق 2015 ومن بينها: البرنامج الصاروخي الإيراني، والتمدد الإقليمي لإيران عبر الحرس الثوري ووكلائه، وتشمل الهواجس الإسرائيلية "عدم الثقة" بالقيادة الإيرانية، وأنها على مقربة من صناعة قنبلة نووية، بالتزامن مع برنامج صاروخي متطور، واستمرار تدخلات الحرس الثوري الإيراني في الإقليم، وتحديداً في سوريا ولبنان واليمن، عبر حزب الله اللبناني، مع استمرار تزويده بالأسلحة ومنظومات صاروخية متطورة، تقدر أوساط إسرائيلية أنه يمتلك أكثر من 100 صاروخ توصف بقدرتها الدقيقة على الوصول إلى أهدافها.

ملامح الخطة "ب" غير واضحة، وإن كانت تتضمن المزيد من الإجراءات العقابية والضغوط على إيران من الداخل وفي محيطها الإقليمي وضد وكلائها

 

ملامح الخطة "ب" غير واضحة، وإن كانت تتضمن المزيد من الإجراءات العقابية والضغوط على إيران من الداخل وفي محيطها الإقليمي وضد وكلائها، وتجديد التلويح بالخيار العسكري ضد إيران باحتمالات أن تنفذ إسرائيل ضربة للمفاعلات النووية الإيرانية أو بالاشتراك مع أمريكا ودول أخرى، وهو أقل السيناريوهات احتمالاً، وإن كان غير مستبعد على الإطلاق، لا سيّما أنّ السياقات العامة لصراع إيران مع الغرب ما زالت سقوفه زيادة وتائر سقف معارك "عض الأصابع"، ورهانات من قبل كافة الأطراف على إمكانيات تقديم تنازلات.

اقرأ أيضاً: ماذا يعني انضمام إيران إلى منظمة شنغهاي للتعاون؟

لكنّ الخطة "ب" التي يجري الحديث عنها في واشنطن وتل أبيب بدأتها إدارة ترامب منذ الإطاحة بالاتفاق النووي، وأبرز ملامحها إثارة العمل ضد إيران من الداخل بعمليات استخبارية تستهدف الحرس الثوري ورموزه ومنشآته والمفاعلات النووية، وعقوبات "غير مسبوقة" ضد طهران، والعمل على ضرب وكلاء إيران وخاصة الميليشيات الإيرانية والعراقية في العراق وسوريا، غير أنّ هذه الخطة "ب" يأتي طرحها مجدداً في سياقات تطورات جديدة بالنسبة إلى إيران، أبرزها: سياقات دولية غير مؤيدة لإيران بما فيها مواقف أوروبية "بريطانيا وفرنسا"، خاصة بعد عمليات الحرس الثوري ضد التجارة الدولية وحرب الناقلات في خليج سلطنة عمان، وارتباك إيران بانشغالها بأمنها القومي الذي أصبح عرضة للتهديد على كافة حدودها، بعد فتح جبهات جديدة، من الشمال "أذربيجان" بالتعاون مع إسرائيل، ومن الجنوب بعد الاتفاقات الخليجية مع إسرائيل، والمخاوف الإيرانية من استخدام إسرائيل قواعد عسكرية خليجية ضدها، ومن كردستان العراق ومن داخل العراق، بالإضافة إلى الجبهة الجديدة الواسعة التي ستفتح عاجلاً أو آجلاً مع أفغانستان، وبالتزامن تواصل أمريكا وإسرائيل توجيه ضربات لوكلاء إيران في سوريا والعراق.

اقرأ أيضاً: كيف نقرأ اختراقات الموساد الإسرائيلي لإيران؟

إيران من جانبها ما زالت قادرة على المناورة، بما في ذلك استمرار لعبة "حافة الهاوية"؛ إذ رغم العقوبات الاقتصادية وتداعياتها ما زالت تبدي قدراً عالياً من الصمود باستثمار العراق وكسر بعض العقوبات، وتهديد الملاحة الدولية في مضيق هرمز وبحر العرب وحتى البحر الأحمر، وما يزال حرسها الثوري قادراً على الانتشار على كافة حدودها، وما زالت ميليشياتها في العراق وسوريا ولبنان بالإضافة إلى اليمن، رغم التضييق والخسارات الكبيرة والمتلاحقة، قادرة على الفعل وخوض الصراعات، بما يحدث إرباكاً في المشهد السياسي والعسكري في هذه الدول، ومن المؤكد أنّ إحكام تيار التشدد قبضته على مفاصل الدولة الإيرانية "قيادة المرشد، والحرس الثوري، والبرلمان، والحكومة ورئاسة الجمهورية"، بعد الإطاحة بالتيار الإصىلاحي "حسن روحاني وجواد ظريف"، جميعها أعطت دفعاً قوياً للمرشد للذهاب بإيران باتجاهات العودة إلى مقاربات الجمهورية الأولى.

الخطة "ب" بدأتها إدارة ترامب منذ الإطاحة بالاتفاق النووي، وأبرز ملامحها إثارة العمل ضد إيران من الداخل بعمليات استخبارية تستهدف الحرس الثوري ورموزه ومنشآته والمفاعلات النووية

 

ومع ذلك، فإنّ المؤكد هو أنّ إيران اليوم، رغم الصورة الإعلامية التي يرسمها إعلام الجمهورية بأنها دولة قوية متماسكة وببرنامج نووي وصاروخي وقوة إقليمية عبر الحرس الثوري الإيراني، إلا أنّ ذلك لا ينفي حجم المشاكل الداخلية التي قد تطيح بالنظام الإيراني، وهو ما تدركه القيادة الإيرانية وتخشاه، لا سيّما أنّ حقيقة إيران من الداخل لا تختلف كثيراً عن حقيقة الاتحاد السوفييتي قبيل سقوطه.

 وفي الخلاصة، فإنّ الخطة "ب" ربما لا تقدّم جديداً، إلا بمزيد من التضييق على إيران، وفقاً لمقاربة العصا والجزرة الأمريكية، وهو ما يشكّل هواجس إسرائيلية، إلا أنّ المؤكد هو أنّ أمريكا لن تمضي قدماً بالصفقة دون أخذها بعين الاعتبار، وهو ما يتوقع استجابة إيرانية لكثير منها، ويبدو أنّ احتمالات الوصول إلى الصفقة، خلافاً لما يعتقد كثيرون، أقرب من أيّ وقت مضى، في ظل قيادة المرشد الأعلى للثورة وتيار التشدد، فهذا التيار نفسه هو الذي وافق على إنهاء الحرب العراقية ـ الإيرانية، وبشروط لم تكن بصالح إيران، إنقاذاً للنظام الإيراني.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية