قدرة الإخوان على التلون السياسي ومستقبل التنظيم في الكويت

قدرة الإخوان على التلون السياسي ومستقبل التنظيم في الكويت

قدرة الإخوان على التلون السياسي ومستقبل التنظيم في الكويت


31/03/2024

تعرف الحركات السياسية عادة التلون بلون المرحلة التي تعمل من خلالها، بيد أنّ التاريخ يشهد ببراعة استثنائية تمتعت بها جماعة الإخوان المسلمين فيما يتعلق بالتلون المرحلي، من خلال استمرارها قرابة قرن من الزمان، وهي مدة تقتضي التلون بلون كل نظامٍ سياسي يحكم، وكل مرحلة ومتطلباتها. ولا تختلف قدرتها من منطقة إلى أخرى، بل يعزز اختلاف أشكال تلونها من منطقة إلى أخرى حسب الاحتياجات الاجتماعية والمرحلية، مع الشواهد على قدرتها الاستثنائية على التلون المرحلي والجغرافي. 

ومنذ تولي الشيخ مشعل أحمد الجابر الصباح الإمارة بدولة الكويت، وبما هو معروف عنه من صرامة وخلفية أمنية، بات تعاونه مع الإخوان أو السماح بتمددهم السياسي أمراً غير محتمل، خاصة بعد اللفظ العالمي لهم، وفشلهم السياسي الذريع والمشهود. وبالتالي ظهر التساؤل حول السياسات القادمة للإخوان، وإجراءات الأمير مشعل تجاههم، وقدرتهم على تغيير استراتيجياتهم وسياساتهم.

الدور السياسي للإخوان في الكويت

عرفت المساعي الإخوانية بمحاولة أسلمة المجتمعات العربية، وهذا ما طالبت به الجماعة مرات عديدة في الكويت، منذ حملتها لتعديل المادة الثانية من الدستور عام 1963، لتنص على أنّ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع، وهو مسعى حاولت جماعة الإخوان تنفيذه مرات عديدة في كافة البلدان العربية، وذلك لأنّه يمكنها من تنفيذ سياساتها الإقصائية تحت لواء وشعار الشريعة الإسلامية. وسلكت الجماعة مسالك عديدة على الصعيد الاجتماعي والسياسي للمشاركة في صناعة المشهد في الكويت، وأسلمة المجتمع والدولة، ولم تتوانَ عن المشاركات السياسية والاجتماعية.

وكان الحضور الإخواني فردياً في البرلمان الكويتي حتى عام 1981، الذي بدأ فيه الإخوان الترشح ككتلة سياسية واحدة، وامتدّ النفوذ والدهاء الإخواني إلى التحالف مع كتل سياسية أخرى في الكويت، واستجواب وزراء في البرلمان الكويتي، ممّا أقلق السلطة السياسية وأنذر الحكومة بفقدان سلطتها، وهذا ما دفع الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد إلى إصدار مرسوم أميري بإيقاف العمل ببعض مواد الدستور، وحلّ البرلمان. وانبثقت حركة شعبية تطالب بالعودة إلى العمل بالدستور، وخلال هذه الفترة نشأ انقسام داخلي بين الإخوان، حيث رفض التيار المتطرف التعاون مع الحكومة ونظام عملها، وآخر يرى أنّ المشاركة في العملية السياسية هي سبيل الإصلاح المتاح والوحيد. 

ومن اللافت للنظر أنّ الدستور الكويتي لا يسمح بإقامة أحزاب سياسية، ولكنّه لا يمنع قيام حركات وجمعيات ونقابات وطنية، لهذا جاءت الذراع السياسية للإخوان بالكويت تحت اسم الحركة الدستورية الإسلامية (حدس)، وهي لا تمثل حزباً سياسياً بقدر ما تمثل أداة لأسلمة سياسات وقوانين الدولة، وظهرت هذه الحركة بعد تحرير الكويت من الاحتلال العراقي في العام 1991، ويُعدّ من أوائل المؤسسين لهذه الحركة حسب ما تعلن عن نفسها: الشيخ جاسم المهلهل، والسيد عيسى الشاهين، والدكتور ناصر الصانع، والمهندس مبارك الدويلة، وغيرهم من المتبنين للتيار الإسلامي بالكويت.

وللحركة الدستورية الإسلامية (حدس) نشاط سياسي واضح في الكويت، وتلعب دوراً كبيراً في سياسة الكويت، فشاركت في الانتخابات البرلمانية منذ العام 1992، وكانت مشاركاتها في البرلمان الكويتي من خلال (3 أو 4) أعضاء ضمن (50) عضواً يمثلون الشعب الكويتي، ووصلت إلى (6) أعضاء، وهي نسبة تقترب من 10%؛ وهي نسبة غير هينة، ويصل تمثيلها في البرلمان مع الحركة السلفية أحياناً إلى نسبة 20%، ويوجد التيار الشيعي في البرلمان الكويتي بـ (8 أو9) أعضاء عادة. 


تُعدّ الحركة الدستورية الإسلامية جزءاً من التيار الإسلاموي عموماً في البرلمان الكويتي، ويواجهون حاليّاً بعض المتغيرات القائمة بعد رحيل الأمير نواف، وتولي الأمير مشعل

 

وشهد العام 2006 صعوداً للتيارات الإسلامية، وحصدت الذراع السياسية للإخوان، الحركة الدستورية الإسلامية، (6) مقاعد من مقاعد البرلمان الكويتي، وهي أعلى نسبة حصلت عليها في تاريخها داخل البرلمان الكويتي، وفي انتخابات 2012 اجتاح الإسلاميون البرلمان الكويتي بمجمل (34) عضواً في البرلمان من أصل (50) عضواً، وهي نسبة تعبّر عن سيطرة الإسلاميين على المسار السياسي في الكويت، وحكمت المحكمة الدستورية بحلّ هذا البرلمان. ودفعت هذه السيطرة الأمير إلى تعديل قانون الانتخاب في الكويت، وامتنعت الحركة عن المشاركة (4) أعوام احتجاجاً على تعديل قانون الانتخاب الجديد، إلى أن رضخت للأمر الواقع وعادت إلى المشاركة السياسية.

وتعرف الكويت بأزمة حقيقية في حل البرلمانات، فلم يُنهِ برلمان دورته الكاملة إلّا مرات قليلة، ويخرج هذا عن الصراع بين الذراع السياسية للإخوان في الكويت، والحكومة الكويتية عادة، فلا تقف محاولة الإخوان للسيطرة على الشأن الكويتي، والوصول إلى السلطة وأسلمة سياسات الدولة وقوانينها، في خط موازٍ مع مساعيها لأسلمة الدولة اجتماعياً. ومع تنصيب الأمير مشعل أميراً على الكويت، توجس الإخوان في ظل عدم وضوح الرؤية بشأن توجهات الأمير الجديد.

الحركة الدستورية الإسلامية وولاية الأمير مشعل

تُعدّ الحركة الدستورية الإسلامية جزءاً من التيار الإسلاموي عموماً في البرلمان الكويتي، ويواجهون حاليّاً بعض المتغيرات القائمة بعد رحيل الأمير نواف، وتولي الأمير مشعل، خاصة أنّ الأمير مشعل غير متماهٍ مع الحركة الإخوانية، بل يمكن القول إنّه قد يرفض التعامل معها، وربما يكون هذا سبباً رئيسياً في حل البرلمان عدة مرات، والتي جاءت الأخيرة منها بمرسوم أميري أصدره الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح في 10 شباط (فبراير) الماضي، وجاء المرسوم بحلّ المجلس لعدم احترام الذات الأميرية والمساس بها بعبارات غير منضبطة، وهو أمر مخالف للدستور الكويتي.

وكان للحركة الدستورية الإسلامية في هذا البرلمان (3) أعضاء، فضلاً عن الأعضاء المستقلين المنتمين فكرياً والمتضامنين معهم، بالإضافة إلى أعضاء الحركة السلفية المتفقين والمتحالفين ضمنياً معهم، ويجب أن يوضع هذا ضمن الاعتبارات السياسية لحلّ البرلمان، خاصة أنّ خطاب الأمير مشعل أمام البرلمان حمل عبارات اتهام واضحة بالفساد، والتعيينات وتولي المناصب، وتهديدات أمنية، وقبل بعدها استقالة الحكومة التي قدمت له؛ لهذا كان من المتوقع قرار حلّ البرلمان، خاصّة أنّه بدا غير راضٍ عنه، وعن تنامي الدور الإسلاموي في السياسة الكويتية.

ويرجع عدم قبول الأمير مشعل لحركة (حدس) إلى خلفيته الأمنية، فقد تعلم داخل جامعة هندن للشرطة في بريطانيا وتخرج عام 1960، وعمل في مناصب أمنية أهمها شغله لمنصب رئيس المباحث العامة قرابة (3) أعوام، منذ عام 1967 إلى عام 1970، وحوّل هذا الجهاز إلى جهاز أمن الدولة، الذي ما يزال يحمل هذا الاسم، ورجل بهذه الخلفية الأمنية من الضروري أن يكون على وعي بخطورة التعامل مع الإخوان المسلمين وممثلهم في الكويت الحركة الدستورية الإسلامية، خاصّة أنّ تجارب الإخوان في المحيط العربي توضح عدم قبولهم للتعددية وحاجتهم الملحة للسلطة، وجاهزيتهم الكاملة لفعل أيّ شيء للوصول إلى السلطة، حتى لو وصل الأمر إلى صناعة الفتن والحروب الأهلية كما في السودان، أو التضامن مع جماعات مسلحة كما حدث في مصر. 

والواقع أنّ الكويت لم تنجُ هي الأخرى من هذه المحاولات، فقد سعت الحركات الإسلامية إلى تأجيج الشارع الكويتي والإطاحة بالنظام السياسي، ووصل هذا إلى ما سُمّي بـ "الأربعاء الأسود"، في 16 تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2011، حين اقتحم العشرات من الأفراد البرلمان الكويتي، وكان من بينهم أعضاء منتخبون في هذا البرلمان، وطالبوا بإقالة رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد الصباح وقتها، وكان معروفاً بعدم اتفاقه مع التيارات الإسلامية. 

رغم الدهاء الإخواني الذي يمكّن الجماعة من التلون بلون المرحلة عادة، إلا أنّ الخلفية الأمنية للأمير مشعل وصرامته تجعلها في موضع صعب ومهدد

 

وظهرت في تلك الأثناء رغبتهم في الإطاحة بنظام الحكم بشكلٍ واضح وصريح، فلم يتوانوا عن إعلان رغبتهم في تغيير نظام الحكم في الكويت، ليكون برلمانياً بالكامل، ويكون منصب الأمير منصباً شرفياً، وهي مساحة تحتاجها حركة (حدس) للدخول في الصراع على الحكم، بدلاً من الاكتفاء بالعمل السياسي من خلال البرلمان، أو عبر تحالفات مع بعض القبائل الكويتية، أو بعض أفراد أسرة الحكم، حيث يصبح الحكم متاحاً لكافة الطوائف الكويتية، ولهم الحق في خوض هذا السجال السياسي بالتأكيد.

ويُعدّ هذا تهديداً واضحاً يدركه الأمير مشعل، وأدركه من قبله الأمير نواف؛ واتخذ العديد من الإجراءات للحدّ من شعبية التيار الإسلامي، ولعل أهمها تغيير النظام الانتخابي الذي دفعهم لمقاطعة الانتخابات لمدة عامين، ولكنّهم عادوا بعد أن اتضح أنّ العملية السياسية تدور بدونهم. وإدراك الشيخ مشعل كرجل أمن يجعل حركة (حدس) متخوفة من الإجراءات التي يمكن أن يتخذها، وخسارتها للمكاسب الشعبية والسياسية التي أحرزتها، خاصّة بعد فشل الإخوان حول العالم. 

مستقبل الإخوان في الكويت

ركزت التيارات الإسلاموية مؤخراً على تغيير التكتيكات السياسية أكثر من الاجتماعية، ومحاولات الأسلمة، ويرجع ذلك إلى الفشل السياسي للإخوان الذي دفع العديد من هذه التيارات للتنصل من الجماعة والتخفف من فشلها السياسي، وأخذت هذه التيارات بالميل نحو الاعتدال والامتثال للمتطلبات السياسية، والتركيز على تغيير السياسات أكثر من محاولة أسلمة المجتمع.

وهذا ما سعت إليه أيضاً حركة (حدس) في الكويت، ولم يكن هذا جديداً عليها، حيث عملت على التخفيف من حدة مطالبها الإسلامية، إثر حلّ برلمان 2012 وتغيير قانون الانتخابات، وكفت عن المطالبة بتعديل المادة الثانية من الدستور الكويتي؛ لتنص على أنّ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع عام 2013، ويُعدّ هذا المطلب الأساسي لهذه الحركة، بيد  أنّ مثل هذا التكتيك من التخلي عن المطلب الأساسي غير غريب على جماعة الإخوان، فتاريخها يشهد بقدرتها على التلاعب السياسي واستغلالها لكافة الأدوات المتاحة للوصول إلى السلطة؛ وظهر هذا في تغيير سياساتها في الكويت والتخفيف من حمولة دعوتها الإسلامية.

رغم الدهاء الإخواني الذي يمكّن الجماعة من التلون بلون المرحلة عادة، إلا أنّ الخلفية الأمنية للأمير مشعل وصرامته تجعلها في موضع صعب ومهدد، خاصّة أنّه بدأ فترة حكمه بإجراءات وقرارات صارمة توحي بوعيه وتنبهه للخطر الإخواني. بالمقابل فإنّ سياسات الإخوان قد تتغير، ولكنّ سعيهم الدائم للسلطة، واستباحة كل شيء للوصول إليها لا يتغير، وهذا ما يجعل التفاهم السياسي مع الجماعة يشكّل خطراً على أيّ سلطة، حيث إنّ مسلكها للسياسة هدفه الرئيس القضاء على الخصم والاستبداد بالحكم تحت مُسمّى ديني. 

بالطبع لا يمكن الجزم بعدم ورود تغيرات بين التيارات الإسلاموية والأمير مشعل، ولكن إذا حدثت تغيرات، فعلى الأرجح ستكون تنازلات من قبل التيارات الإسلاموية، والتركيز على تغيير سياساتها بشكل يتلاءم مع التغيرات الجديدة لضمان استمراريتها، وهذا ما تسعى إليه جماعة الإخوان، وتمثلها الحركة الدستورية الإسلامية في الكويت، من خلال بحثها لاستراتيجيات جديدة تعمل على التمثيل النيابي في البرلمان الجديد، الذي جاء بقانون جديد يحصنّه من الحلّ الدستوري.

وهذا دأب الإخوان في العالم ككل، ففشل الجماعة السياسي واللفظ الاجتماعي لها؛ أجبرها على تغيير سياساتها واستراتيجياتها لتعيد ترتيب صفوفها من جديد، وهو أمر تبرع فيه الجماعة. ومن المؤكد أنّ الأمير مشعل لن يتهاون، وذلك لإدراكه الأمني وخبرته السياسية اللذين جعلا قراراته تأتي بهذا الحسم، وظهر هذا في حله للبرلمان، ورفض الحكومة القاطع للمظاهرات الأخيرة التي طالب بها الإخوان في ساحة التحرير لنصرة غزة شكلاً، وللعودة إلى المشهد وتوظيف المحنة الفلسطينية، كموضوع تعوّد عليه الإخوان أينما كانوا.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية