قانوني لـ"حفريات": إيران تختطف القضاء كما اختطفت لبنان

قانوني لـ"حفريات": إيران تختطف القضاء كما اختطفت لبنان

قانوني لـ"حفريات": إيران تختطف القضاء كما اختطفت لبنان


04/03/2023

"البيطار ارتكب خطأ جسيماً، وعويدات ارتكب خطيئة"، بتلك الجملة يلخص أستاذ القانون، محمد زكور، الخلاف الأخير بين المحقق العدلي المكلف بالتحقيق في انفجار مرفأ بيروت، القاضي طارق البيطار، والنائب العام التمييزي، غسان عويدات، بعد التراشق الإعلامي بين الطرفين، وافراج عويدات عن من أوقفهم البيطار على خلفية التحقيقات.

ولم تشهد التحقيقات في قضية انفجار مرفأ بيروت في آب (أغسطس) 2020 تقدم ملموس، بعد مرور عامين ونصف العام على الكارثة التي خلفت ما يزيد عن 218 قتيلاً، وآلاف الجرحى، فضلاً عن تهدم وتضرر عشرات آلاف المباني، وخسائر مالية كبيرة.

صدام قضائي

أحدثت العودة المفاجئة لقاضي التحقيق طارق البيطار إلى استئناف التحقيقات في 23 كانون الثاني (يناير)خلافات كبيرة في الجسم القضائي اللبناني، على إثرها تدخل النائب العام التمييزي غسان عويدات، وأصدر أمره بالافراج عن سائر الموقوفين على ذمة التحقيقات، وهو ما اعتبره البيطار تجاوزاً على صلاحياته.

ومنذ توليه مهمته، واجهت القاضي البيطار عشرات من دعاوى الرد، وطلب كف اليد عن التحقيق، واستبداله بقاضي تحقيق آخر. ولم تكن الخلافات السياسية غائبة عن ذلك السجال القانوني؛ إذ يرى الثنائي الشيعي وتيار المردة أنّ البيطار سيّس التحقيقات، بسبب ادعائه على مسؤولين سابقين ينتمون إلى تلك القوى السياسية.

د. محمد زكور: البيطار ارتكب خطأ جسيماً، وعويدات ارتكب خطيئة

وفي حديثه لـ"حفريات"، تناول رئيس مركز "ليبرتي للدراسات القانونية والدستورية" الأكاديمي اللبناني محمد زكور، الخلافات بين البيطار وعويدات، وقال بأنّ العودة المفاجئة من القاضي البيطار لممارسة عمله، بقرار ذاتي، دون الفصل في دعاوى طلب الرد التي بلغت 44 دعوى، هو أمر غير صحيح ولا يستقيم.

وأوضح أنّ طلبات الرد تعني تغيير الدعوى لقاضٍ آخر، وبحكم القانون تُكف يد البيطار حكماً عن الدعوى لحين البت فيها، وهو ما أدى إلى وقف التحقيق لمدة عام وشهر. ووفق حديث أستاذ القانون، محمد زكور، تتولى الهيئة العامة لمحكمة التمييز البت في طلبات رد الدعوى بحق البيطار، وتتألف من الرئيس الأول للمحكمة، ورؤساء غرف محاكم التمييز، لكن ما منع انعقاد الهيئة هو تقاعد عدد من القضاة في تلك المناصب، وبهذا لم تعد الهيئة مكتملة ولم يتم البت في طلبات الرد، ويظل البيطار مكفوف اليد عن التحقيقات وفق ذلك.

ما يشهده القضاء من صراع هو محاولة من إيران وحزب الله لفرض هيمنتهم على النظام القضائي والإمساك به بشكل كامل، إكمالاً للإمساك بالنظام الاقتصادي والأمني والسياسي

كان القاضي البيطار برر عودته لممارسة عمله في دراسة أعدها وقدمها، استندت على اجتهاد صادر عن رئيس المجلس العدلي الأسبق القاضي الراحل فيليب خير الله، الذي اعتبر أنّ عضو المجلس العدلي لا يجري ردّه من محكمة أدنى من المجلس العدلي بخلاف ما ذهبت إليه الهيئة العامة لمحكمة التمييز.

من جانبه، قال أستاذ القانون محمد زكور، استند البيطار إلى عدة نقاط قانونية اعتبر نفسه بموجبها فوق طلبات الرد، ويحق له متابعة عمله. يقول زكور عن آلية تعيين المحقق العدلي وفق القانون اللبناني، يحق لمجلس الوزراء بمرسوم تحويل الدعوى إلى المجلس العدلي، وهو محكمة استثنائية خاصة، تتألف من الرئيس الأول لمحاكم التمييز رئيساً، وعضوية أربعة قضاة من محاكم التمييز يعينهم مجلس الوزراء بمرسوم. وتابع بأنّه بقرار من وزير العدل بموافقة مجلس القضاء الأعلى، يُعين محقق عدلي يلعب دور قاضي التحقيق. وفي قضية انفجار مرفأ بيروت كانت البداية مع القاضي فادي صوان وبعده طارق البيطار.

خطأ البيطار

يتمثل خطأ القاضي طارق البيطار في استئناف عمله قبل البت في طلبات الرد التي قدمها مُدعى عليهم بحقه. وكان البيطار نشر دراسة وضح فيها ما استند عليه لعودته، وقام وزير العدل بإحالة نسخة منها إلى مجلس القضاء الأعلى للإطلاع، بينما أخفق مجلس القضاء الأعلى في الانعقاد لمرتين لفض الاشتباك بين القاضي البيطار والنائب العام التمييزي غسان عويدات، بعد تغيب رئيسه القاضي سهيل عبود عن الحضور، واختلاف رؤية أعضاء المجلس حول المخرج من الأزمة.

وحول مبررات القاضي البيطار، تناول أستاذ القانون، محمد زكور، ثلاثة مبررات، الأول هو ما يراه البيطار بعدم جواز رده، قياساً على المادة (357) من قانون أصول المحاكمات الجزائية، التي تتناول تشكيل المجلس العدلي، والتي نصّت على وجود عضو رديف في حالة شغور مركز أحد أعضاء المجلس بسبب الوفاة أو الاستقالة أو الرد، بينما في حالة القاضي العدلي لم تتحدث عن تعيين عضو رديف، فلهذا اعتبر أنّه لا يجوز رده؛ لأنّه لو يجوز ذلك لنصّ القانون على وجود عضو رديف أسوةً بالمادة السابقة.

انقسام سياسي حول المحقق طارق البيطار

ورداً على ذلك، يرى زكور، أنّه بذلك ضرب البيطار القواعد القانونية العامة؛ لأنّه لا يجوز لأي قاضي البت في طب رده، أي يكون الخصم والحكم. وثانياً نصّ قانون أصول المحاكمات المدنية بشكل عام على جواز ردّ جميع القضاة، وليس معقولاً أنّ تنصّ كل مادة تتحدث عن قاضٍ عن رده، ويكفي القانون العام للرد.

ويتساءل أستاذ القانون محمد زكور، ما العمل إذا ما كان أحد المتهمين قريباً للقاضي للبيطار، هل سيستمر في عمله، وفي حالة وفاته هل ينتهي التحقيق. وشدد زكور على أنّ وجود المحقق العدلي من وجود القضية، وليس العكس.

والحجة الثانية للبيطار، يقول زكور، اعتبار البيطار بما أنّه عُين من وزير العدل، الذي يعتبر أعلى مرجع إداري، فلا يجوز للسلطة القضائية أن تغيره حال تقديم طلبات رد؛ لأنّ ذلك ضرب لمبدأ الفصل بين السلطات، وتغول من السلطة القضائية على التنفيذية. ويفند زكور تلك الحجة، بقوله بنفس المبدأ، إذ إنّ تعيين البيطار وعدم جواز رده هو تعدٍ على السلطة التشريعية التي أجازت ردّ القضاة.

الأكاديمي القانوني محمد زكور لـ"حفريات": أحذر من المخاطر التي تتربص بالتنظيم القضائي، بسبب الصراع بين أعلى مواقع السلطة القضائية؛ النائب العام التمييزي والمحقق العدلي

وكتب البيطار وفق ما نشرته صحيفة "اللواء" اللبنانية: "أُعطى المحقق العدلي سلطة موازية لسلطة الملاحقة المناطة حصراً أمام المجلس العدلي بمدعي عام التمييز، فتكون تالياً له صلاحية الملاحقة العائدة لهذا الأخير، متى أصبحت الدعوى العامة أمامه، ويصبح بغنى عن الحصول على أي إذن بالملاحقة توجبه القوانين ذات الشأن، وذلك أسوة بمدعي عام التمييز".

وحول ذلك، يقول أستاذ القانون محمد زكور، يرى البيطار بما أنّه مُعين من قبل أعلى مرجع إداري (وزير العدل) فليس مضطراً للحصول على أذونات بملاحقة الموظفين من إداراتهم، وفق ما ينصّ قانون "نظام الموظفين". ويرد زكور على ذلك، بأنّ تعيين البيطار لا يعطل قانون الموظفين، أو غيره من القوانين.

خطيئة عويدات

أما عن قرار النائب العام التمييزي غسان عويدات، بالإفراج عن الموقوفين بقرار من القاضي البيطار على ذمة التحقيقات، فيرى القانوني زكور، أنّ ذلك "خطية كبرى". وأفاد بأنّ النائب العام التمييزي هو طرف ويمثل الحق العام ويدافع عن الحق العام، ولا يجوز له أن يحل محل قاضي التحقيق، الذي هو من يُصدر مذكرات التوقيف في قضيته، ولا يحق لأحد غيره إخلاء سبيل الموقوفين في قضيته.

ويرى زكور، أنّ تصرف النائب العام التمييزي، هو حلول محل قاضي التحقيق، وضرب لأبسط تقسيم الاختصاصات بين النيابة العامة وقضاة التحقيق. ويُذكر أنّ غسان عويدات تنحى عن التحقيق في قضية المرفأ بسبب قرابته من الوزير السابق، النائب غازي زعيتر، أحد المدعى عليهم، لاستشعاره الحرج.

د. نوفل ضو: لا استقلالاً في القضاء ما دام لبنان محتلاً من إيران

ومن جانبه، يرى منسق عام التجمع من أجل السيادة، نوفل ضو، بأنّ لبنان في وضع احتلال من إيران، وبالتالي لا يوجد نظام قضائي مستقل في ظل الاحتلال. وأفاد لـ"حفريات" بأنّ ما يشهده القضاء من صراع هو محاولة من إيران وحزب الله لفرض هيمنتهم على النظام القضائي والإمساك به بشكل كامل، إكمالاً للإمساك بالنظام الاقتصادي والأمني والسياسي.

وكان الخلاف القضائي أخذ منحى طائفياً لدى البعض، بسبب انتماء البيطار للمسيحيين وعويدات للمسلمين. ويذهب الأكاديمي اللبناني، محمد زكور، بخلاف ذلك، حيث يرى أنّ المنحى الطائفي موجود في لبنان بشكل عام، لكن في أزمة تحقيقات انفجار المرفأ، يتسم السجال بانقسام بين السلطة التي ترى رأي عويدات، والشعب الذي يطالب البيطار بإكمال عمله.

وحذر زكور من المخاطر التي تتربص بالتنظيم القضائي، بسبب الصراع بين أعلى مواقع السلطة القضائية؛ النائب العام التمييزي والمحقق العدلي، وقيام كلاهما بضرب القواعد البديهية للتقاضي، بما يهدد بتحلل السلطة القضائية كما يتحلل لبنان.

وشدد على أنّه لا سبيل للخروج من الأزمة دون فصل السياسي عن القضائي، ومنع تدخل السلطة التنفيذية بعمل القضائية، ورفع يد السياسيين الحاكمين عن لبنان باسم الطائفية عن القضاء، وتطبيق نظام الطائف كاملاً بإلغاء الطائفية، وإقرار دستور يقوم على المواطنة.

تأتي تلك الأزمة في ظل شغور رئاسي، وخلافات بين الفرقاء السياسيين على عقد جلسات مجلس الوزراء في ظل وجود حكومة تصريف الأعمال. وربما يؤثر قرار القاضي البيطار الأخير بتأجيل الإجراءات التي كان بصدد الإعلان عنها في إتاحة فرصة لمخرج من خلال اجتماع مجلس القضاء الأعلى، بعيداً عن حالة الاستقطاب التي تشهدها البلاد.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية