قاعدة العنف المشتركة بين "الإخوان" و "القاعدة"

قاعدة العنف المشتركة بين "الإخوان" و "القاعدة"


13/08/2022

منير أديب

علاقة "الإخوان المسلمين" بتنظيم "قاعدة الجهاد" ممتدة ومستمرة؛ فمؤسس التنظيم وزعيمه الأول، أسامة بن لادن، كان من "الإخوان المسلمين"، وقد اعترف أكثر من مرة بذلك، وعبّر عنه ساعده الأيمن والرجل الثاني في التنظيم آنذاك، أيمن الظواهري، في أكثر من مناسبة.

ما نقله "الظواهري"، الذي تولى قيادة التنظيم في ما بعد، في تسجيل صوتي أن أسامة بن لادن، كان من "الإخوان المسلمين" وأنه خرج عليهم. وعندما أدلى بهذه الشهادة قال، إنه ينقلها عن أسامة بن لادن، شخصياً الذي تربى في حضن التنظيم وتلقى تعاليمة في داخله.

ما قاله أيمن الظواهري، عن أسامة بن لادن، صادف واقعاً عاشه "الظواهري" نفسه عندما كان عمره خمسة عشر عاماً، فقد كان هو الآخر من "الإخوان المسلمين"، أي أنه مر بطريق العنف من خلال طريق "الإخوان" كسابقه وقدوته أسامة بن لادن.

ولعلك تتعجب كثيراً عندما تقرأ كتاب الظواهري، "فرسان تحت راية النبي"، والذي أكد فيه أنه سافر إلى أفغانستان بطلب وعرض من "الإخوان المسلمين" أنفسهم، حيث كان يعمل في أحد المراكز الطبية التابعة لهم، ففي هذا الوقت كان يمتلك "الإخوان" ما يسمى بالجمعية الطبية الإسلامية، وكان يعمل في أحد فروعها بحي السيدة زينب في القاهرة، حتى هاتفه أحد قياديي "الإخوان"، لم يذكر "الظواهري" أسمه أو لعله لم يتذكره، عارضاً عليه السفر إلى أفغانستان لمداواة الجرحى من "المجاهدين العرب والأفغان".

يُكمل "الظواهري" حديثة قائلاً، إنه وجد هذا العرض فرصة لاستكمال طريق "الجهاد"، فالرجل لم يخفي في هذا التوقيت لانتمائه لتنظيم "الجهاد الإسلامي" في القاهرة، كما أنه كان يريد أن يطبق هذا المفهوم عبر الرحلة التي وفرها له "الإخوان"، حيث كان يعمل معهم في الجمعية الطبية الإسلامية.

سافر أيمن الظواهري إلى أفغانستان بأموال "الإخوان المسلمين"، الذين وفروا له تذكرة الطيران والإقامة في بيشاور بباكستان تمهيداً للمهمة التي أرسل إليها في أفغانستان، وهنا حدث التحول المتوقع في شخصية الرجل الذي إنتقل من تنظيم "الجهاد الإسلامي" إلى تنظيم "قاعدة الجهاد"، ولما لا؟ فـ"القاعدة" تكوّنت من تنظيم "الجهاد الإسلامي" في مصر، حتى أطلق عليها تنظيم "قاعدة الجهاد".

إذا كان هذا ما يخص أهم رجلين في تنظيم "القاعدة" خلال الثلاثة عقود الأخيرة، فإننا إذا تأملنا المشهد الأفغاني سوف نجد أن "الإخوان" هم من كانوا يديرونه في أفغانستان مع أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، فهم كانوا بمثابة المحفظة التي كانت تساعد في الإنفاق على المقاتلين عبر الهدايا والهبات والتبرعات التي كانوا يجمعونها. ليس هذا فحسب ولكن من خلال دعم حركة "المجاهدين" في هذا التوقيت بالمقاتلين وهؤلاء هم من شكلوا تنظيم القاعدة في ما بعد ومن رحم هذا التنظيم ظهر تنظيم "داعش" والذي أقام دولته في 29 حزيران (يونيو) من العام 2014.

انتشر "الإخوان" داخل أفغانستان وكانوا فاعلين في هذه الحرب عبر المال والرجال معاً، "المقاتلين" في هذا التوقيت، حتى أن مرشد "الإخوان" الخامس، مصطفى مشهور ومعه قيادي التنظيم، كمال السنانيري، زارا أفغانستان لفترة طويلة مع وفد من "الإخوان" وأقاما فيها فترة طويلة. دلالة هذه الإقامة مرتبطة بالعلاقات الوثيقة ما بين قيادات "الإخوان" و"القاعدة" وكل "المجاهدين" في أفغانستان، وكان الهدف تقريب وجهات النظر بين جبهات المقاتلين التي تحاربت بعد إنتهاء الحرب الأفغانية، وهذا جزء من الأيديولوجيا المتطرفة لهؤلاء المقاتلين.

في هذا التوقيت، عرض عبد الله عزام، أحد قادة "الإخوان المسلمين"، وأحد الذين شاركوا بقوة في الحرب الأفغانية، وشريك، أسامة بن لادن، في مشروعه "الجهادي" في أفغانستان، عرض الأول على الثاني، إنشاء تنظيم "قاعدة الجهاد"، ولعل المفارقة تحكم هنا أن نشأة تنظيم "القاعدة" كان بعرض من "الإخوان المسلمين"، وأن أسامة بن لادن كان مستقبلاً لهذا العرض وشريكاً في إنشاء التنظيم، ثم تولى سلطته بعد أن قتل عبد الله عزام في استهداف لسيارته بمتفجرة.

قال عبد الله عزام لأسامة بن لادن: "إن الحرب الأفغانية انتهت بنصر للمجاهدين، إنتهت الحرب ولكن لم ينتهِ الجهاد، وسوف يظل باقياً إلى يوم الدين، ونحن لدينا قاعدة بيانات لكل المجاهدين الذين أتوا إلى أفغانستان وقاتلوا فيها، سواء من قتل أو من ما زال على قيد الحياة أو جنسيات هؤلاء المجاهدين، وكذا التدريبات التي تلقوها". بيانات هؤلاء المجاهدين الذين تم جمعها على مدار سنوات الحرب كانت غنيمة وأغرت "عزام" على استغلالها.

طلب عبد الله عزام من أسامة بن لادن استثمار قاعدة بيانات المجاهدين، فتم انشاء تنظيم "قاعدة الجهاد"، حتى ينتقل "المجاهدون" إلى مكان آخر، وقد كان القتال أو الجهاد هدفاً في حد ذاته وليس مجرد غاية لتحرير أفغانستان، هؤلاء المجاهدين، الذين نتحدث عنهم هم أنفسهم مقاتلي تنظيم "القاعدة" الذي قتل زعيمه منذ أقل من إسبوعين، وهم أنفسهم الذين نفذوا تفجيرات 11 أيلول (سبتمبر) عام 2001، وقتلوا الأبرياء، وهم من أمروا بتفجير السفارة الأميركية في دار السلام ونيروبي، ومئات العمليات الإرهابية.

عندما تتأمل مشهد العنف عموماً بالنسبة إلى التنظيمات المتطرفة عابرة الحدود والقارات تتفاجأ بوجود علاقات بينها وبين "الإخوان المسلمين"، والعلاقة ليست على مستوى الأفكار التي يؤمن بها كلا التنظيمين، ولكن علاقة عضوية "تنظيمية" أيضاً، فـ"الإخوان" شاركوا في نشأة تنظيم "قاعدة الجهاد"، وهو نفسه نواة تنظيم "داعش" الذي ملأ العالم عنفاً.

"الإخوان المسلمون" هم بمثابة الأم الرؤوم لكل تنظيمات العنف والتطرف، وهم الرحم التي أخرجت هذه التنظيمات، والثدي الذي أرضع غيرها من التنظيمات التي نشأت بعيداً من العنف؛ مثال "الجماعة الإسلامية" المسلحة في مصر وتنظيم "الجهاد الإسلامي"، قد تربوا على أفكار، "الإخوان المسلمين" وكتابات سيد قطب، عضو مكتب الإرشاد، ومسؤول لجنة نشر الدعوة داخل المكتب التنفيذي لـ"الإخوان"، فأي قاعدة مشتركة للعنف إذاً تجمع بين "الإخوان" و"القاعدة"؟

عن "النهار" العربي


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية