في ظل غياب المال السياسي... هل راهن سعيد على شعب يائس من السياسة؟

في ظل غياب المال السياسي... هل راهن سعيد على شعب يائس من السياسة؟

في ظل غياب المال السياسي... هل راهن سعيد على شعب يائس من السياسة؟


18/12/2022

في وقت ينشغل فيه التونسيون بمعالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية التي أنتجتها الأعوام الـ (10) التي حكمت خلالها حركة النهضة الإخوانية تونس، فضلاً عن استمرار فقدان بعض المواد الغذائية المتكرر، ومنها الحليب والسكر، امتنع أغلبهم عن الذهاب إلى مراكز الاقتراع للتصويت من أجل برلمان جديد، لن تشارك فيه حركة النهضة التي أنهكت البلاد خلال الأعوام الماضية، والتي طالب التونسيون بمحاسبتها.

وفي رابع انتخابات تشريعية منذ الثورة أواخر عام 2010 أعلن رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس أنّ نسبة الإقبال الأولية في الانتخابات البرلمانية التي انطلقت أمس بلغت 8.8% فقط، مشيراً إلى أنّ نحو (803) آلاف شخص أدلوا بأصواتهم وفقاً للأرقام الأولية الرسمية.

غياب المال السياسي

ووصف رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر نسبة الإقبال بأنّها "متواضعة ولكن ليست مخجلة"، وعزاها إلى نظام التصويت الجديد، وعدم وجود دعاية انتخابية مدفوعة، أو المال السياسي الفاسد والأجنبي لشراء أصوات الناخبين، كما حدث خلال المحطات الانتخابية السابقة، فضلاً عن غياب استعمال الموارد العمومية.

وأرجع بوعسكر ضعف نسبة المشاركة بتغيير القانون الانتخابي، واعتماد نظام الاقتراع على الأفراد، إضافة إلى تأثير دعوات المقاطعة الصادرة عن عدد من الأحزاب ومكونات المشهد السياسي في تونس.

فاروق بوعسكر: نسبة الإقبال متواضعة ولكنها "ليست مخجلة"

وأشار بوعسكر إلى أنّ عدد الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم، والذي قدّر بحوالي (803) آلاف ناخب، هو العدد الذي تمكن المترشحون من إقناعهم بإمكانياتهم الذاتية، وفق تعبيره.

ومنذ 2011 شهدت تونس (4) محطات انتخابية تشريعية بدءاً من انتخابات المجلس الوطني التأسيسي وصولاً إلى انتخابات 17 كانون الأول (ديسمبر) 2022، التي أجريت في ظلّ الدستور الجديد، وقانون انتخابي جديد أيضاً يقوم على نظام اقتراع على الأفراد وعلى دورتين في حال تساوي الأصوات، خلافاً لنظام الاقتراع على القوائم، واعتماد أكبر البقايا الذي كان معتمداً في القانون الانتخابي السابق.

أوضاع اجتماعية متردية أنتجتها الأعوام الـ 10 التي حكمت خلالها حركة النهضة الإخوانية تونس

وسجّلت نسب الإقبال على الانتخابات تراجعاً متواصلاً، وشهدت الانتخابات التشريعية في 2014 أعلى نسبة مشاركة، فقد بلغت حوالي 69%، لتتراجع في 2019 إلى 41,3%، و8.8 % خلال الانتخابات الحالية، دون اعتبار المحطة الأولى التي أعقبت الثورة في عام 2011 بنسبة 54,1%.

دون حركة النهضة ودون حصانة

وتُعدّ الانتخابات الحالية هي الأولى منذ 2011 دون حركة النهضة الإخوانية، التي دعت قواعدها الشعبية إلى مقاطعة التصويت، في وقت تلاحق فيه العدالة بعض أبرز قيادتها، وفي مقدمتهم زعيمها راشد الغنوشي، بتهم مختلفة، يتعلق أغلبها بقضايا إرهابية، وتسفير الجهاديين إلى بؤر التوتر، فضلاً عن التورط في اغتيالات سياسية وتبييض الأموال.

هذا، ولن يتمتع النواب الجدد بالحصانة، بعد أن ألغى قانون الانتخابات الجديد الحصانة القانونية، ومنح المواطن حق سحب الثقة من النائب حال تقاعسه عن مهامه.

وشهدت الدورات النيابية السابقة عدّة تحالفات، وُصفت في بعض الأحيان بالصفقات، من أجل تمرير بعض القوانين، أو إسقاط حكومات، وحتى من أجل تأخير تكوين مؤسسات دستورية نص عليها دستور 2014.

وهو ما أثار غضب التونسيين الذين طالبوا بمحاسبة كل المنظومة السياسية التي أعقبت الثورة، وفي مقدمتها حركة النهضة، وإغلاق البرلمان السابق.

العدالة تلاحق بعض أبرز قيادات النهضة، وفي مقدمتهم زعيمها راشد الغنوشي، بتهم مختلفة

وتأتي هذه المحطة الانتخابية بعد سلسلة من الاحتجاجات الشعبية على حكم حركة النهضة الإخوانية للبلاد منذ عام 2011، واتهامات لها بإعلاء مصلحة التنظيم الإخواني على مصلحة تونس، وبالفساد السياسي والمالي ونشر الإرهاب.

سعيّد راهن على شعب يائس من السياسة

الرئيس قيس سعيد يراهن بقوة على عامة شرائح الشعب التونسي، التي عبّرت طوال الأعوام الماضية عن رفضها الشديد للمكونات السياسية التي راكمت الخيبات المتتالية، وفشلت في تحقيق ما وعدت به ناخبيها، ممّا عمّق الهوّة بينها وبين التونسيين الذين اختزلوا أداء الأحزاب السياسية في الصراعات على المكاسب والتعاطي بمنطق الغنيمة مع الحكم.

المكونات السياسية راكمت الخيبات المتتالية وفشلت في تحقيق ما وعدت به ناخبيها

وهو ما برّر حالة البهجة التي فجرتها قرارات 25 تموز (يوليو) 2021 لدى التونسيين الذين سئموا من الصراعات الحزبية، واستثمر رئيس الجمهورية قيس سعيد هذه الفجوة بين الأحزاب التي تحكمت بسدّة الحكم والتونسيين، فحمّلها مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في البلاد من تأزم اقتصادي واجتماعي، واستبعدها من مشروعه السياسي الذي بدأ باستشارة إلكترونية، فحوار وطني، ثم باستفتاء شعبي، وصولاً إلى الانتخابات التشريعية، التي جاءت بعد زيادات كبيرة في الأسعار، وفقدان متواصل لأغلب المواد الأساسية الاستهلاكية، والتي اتُهمت حركة النهضة بالتسبب فيها.

حتى أنّ عامة التونسيين أصبحت، في مرحلة ما من العمل السياسي، تعتبر كلمة "حزب" نوعاً من "الوصم السياسي والاجتماعي، لأنّ بعض الأحزاب جمعت رجال أعمال فاسدين ومتهربين من الضرائب".

هذا، وتعيش البلاد أزمة مالية أثرت في حياة الناس، وجرى رفع الأسعار بسبب تعديل سياسة الدعم لبعض المواد الأساسية، واختفى بعضها من السوق، وشنت الحكومة حملة واسعة على المضاربين في سوق السلع الغذائية، وشهدت العملة المحلية تراجعاً ملموساً.

المعارضة تطارد حلم العودة إلى المشهد

وفور الإعلان عن نسبة الإقبال نشرت حركة النهضة الإخوانية بتونس منشوراً على صفحتها الرسمية بموقع "فيسبوك" تشكر فيه التونسيين على مقاطعة التصويت.

وسارعت كل قيادات الأحزاب المعارضة إلى نشر تدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي، تدعو فيها إلى انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة، وتطالب الرئيس سعيّد بالاستقالة الفورية.

وطالب ائتلاف جبهة الخلاص الوطني المعارض الذي تتزعمه حركة النهضة الإخوانية الرئيس قيس سعيد بالاستقالة من منصبه، قائلاً: إنّه فقد شرعيته بعد الانتخابات بمشاركة ضعيفة للغاية لم تصل إلى 9%.   

ودعت الجبهة التي تضم أحزاباً أبرزها حزب النهضة الإسلامي إلى "احتجاجات واعتصامات حاشدة" للمطالبة بانتخابات رئاسية جديدة.

وقال زعيم الجبهة نجيب الشابي: إنّ ما حدث اليوم زلزال، متابعاً: "من هذه اللحظة نعتبر سعيد رئيساً غير شرعي ونطالبه بالاستقالة بعد هذا الفشل الذريع"، وأضاف أنّه يجب أن تكون هناك فترة انتقالية قصيرة، وتعيين قاضٍ ينظم انتخابات رئاسية وحواراً وطنياً لاحقاً.

ونشرت قيادات إخوانية منشورات تهكمية ساخرة من نسبة الإقبال على الانتخابات، في إشارة إلى فشل الرئيس سعيّد بإقناع التونسيين بالتوجه إلى مراكز الاقتراع، في وقت تعيش فيه تونس أزمة اقتصادية حادّة، يرجعها مراقبون إلى تراكم فشل الحكومات التي أعقبت الثورة، خلال فترة حكم حركة النهضة الإخوانية.

وأصدر ائتلاف الكرامة المتشدّد، القريب من حركة النهضة، بياناً دعا فيه سعيّد إلى الاستقالة الفورية، والدعوة إلى تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة.

ويظلّ الشغل الشاغل لـ (12) مليون تونسي، بمن فيهم (9) ملايين ناخب مسجل، ارتفاع تكاليف المعيشة، مع تضخم يبلغ حوالي 10%، والافتقار المتكرر لبعض المواد الغذائية في المحال التجارية، ومنها الحليب والسكر.

مواضيع ذات صلة

مبادرة تونسية لدعم مسار سعيد في مواجهة الإسلام السياسي.. ماذا جاء فيها؟

- قيادي سابق بـ"النهضة": الغنوشي أطاح بالديمقراطية... والحركة في طريقها إلى الزوال



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية