في ظل التصعيد الحوثي... ما قدرة أمريكا والغرب على تأمين الملاحة بالبحر الأحمر؟

في ظل التصعيد الحوثي... ما قدرة أمريكا والغرب على تأمين الملاحة بالبحر الأحمر؟

في ظل التصعيد الحوثي... ما قدرة أمريكا والغرب على تأمين الملاحة بالبحر الأحمر؟


30/01/2024

حالة من التوتر غير المسبوق منذ أعوام، دخلتها منطقة الشرق الأوسط مع شن الحوثيين هجمات صاروخية وهجمات بطائرات بدون طيار على السفن في البحر الأحمر، وتهديداتهم لأيّ سفن مرتبطة بإسرائيل أو بحلفائها بأن تصبح هدفاً مشروعاً لها.

وذلك بالتزامن مع تصاعد الموقف بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة منذ أكثر من (100) يوم، الأمر الذي دفع الولايات المتحدة وحلفاءها لاتخاذ بعض التدابير، كمحاولة لردع الحوثيين، تحسباً لاتساع رقعة الصراع في البحر الأحمر، كونه أهم ممر مائي يربط أوروبا بآسيا وشرق أفريقيا، وأكثر قنوات الشحن كثافة عالمياً. 

هذا التوتر سيؤثر بشكل مباشر على اقتصادات كبرى لدول العالم، ويهدد الأمن والسلم الدوليين في الوقت الراهن، وفقاً لدراسة أصدرها حديثاً (المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات)، تساءل فيها عن قدرة الولايات المتحدة والغرب على تأمين الملاحة في البحر الأحمر.

الضربات الأمريكية والبريطانية ضد الحوثيين

الدراسة أشارت إلى الضربات العسكرية الـ (8) التي نفذتها الولايات المتحدة ضد أهداف للحوثيين في اليمن خلال الفترة من 11 إلى 23 كانون الثاني (يناير) 2024، وهي الضربات التي وصفتها واشنطن بأنّها "دفاعية"، وتستهدف خفض قدرات الحوثيين على مواصلة الهجمات ضد السفن الأمريكية والسفن العسكرية والتجارية في البحر الأحمر. 

والهجمات الأمريكية والبريطانية سبقها اعتماد مجلس الأمن قراراً في 10 كانون الثاني (يناير) 2024 يدين فيه هجمات الحوثيين ضد السفن في البحر الأحمر، الأمر الذي مهد الأرضية لتنفيذ ضربات ضد مواقع للحوثيين، كونهم يهددون الملاحة البحرية الدولية. 

أعلنت الولايات المتحدة في 18 كانون الأول (ديسمبر) 2023 تشكيل قوة "حارس الازدهار"

جاءت الضربات ضمن قواعد "الاشتباك المحدود"، ولم تستهدف البنية التحتية الرئيسية للحوثيين أو مراكز القيادة السياسية أو مناطق حيوية في صنعاء. وكشفت تقارير صحفية أمريكية عن أنّه تم إبلاغ الحوثيين مسبقاً بالعملية قبل تنفيذها بنحو (8) ساعات، ممّا سمح للحوثيين بترك المواقع، وفقاً لما نقلته الدراسة.

وقد شنت الولايات المتحدة في 23 كانون الثاني (يناير) 2023 الضربة الثانية المشتركة مع بريطانيا ضد الحوثيين، مستهدفين موقع تخزين تحت الأرض وصواريخ وقدرات عسكرية أخرى. 

وانتقد عسكريون أمريكيون سابقون محدودية الرد الأمريكي على تهديد الحوثي، رغم إعلان واشنطن أنّ الحوثيين "جماعة إرهابية"، وطالب الجنرال الأمريكي كيث كيلوج Keith Kellogg باستهداف إيران مباشرة.

قوة "حارس الازدهار"

وأعلنت الولايات المتحدة في 18 كانون الأول (ديسمبر) 2023 تشكيل قوة "حارس الازدهار"، وضمت وفقاً لبيان واشنطن (20) دولة حتى 20 كانون الثاني (يناير) 2024، وبشكل معلن  ضمّت كلاً من: "الولايات المتحدة ـ بريطانيا ـ البحرين ـ كندا ـ فرنسا ـ إيطاليا ـ هولندا ـ النرويج ـ إسبانيا ـ سيشيل"، لحماية أمن البحر الأحمر وضمان حرية الملاحة ومنع استهداف السفن في نطاق البحر الأحمر وخليج عدن. 

 

هذا التوتر سيؤثر بشكل مباشر على اقتصادات كبرى لدول العالم، ويهدد الأمن والسلم الدوليين في التوقيت الراهن

 

ونقلت الدراسة عن وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" أنّ هذه القوة بمثابة مبادرة أمنية جديدة ومهمة متعددة الجنسيات، أُنشئت تحت مظلة القوات البحرية المشتركة وقيادة قوة المهام المشتركة (153 ـ CTF) التابعة لها، والتي تركز على تأمين البحر الأحمر.

واعتبرت الدراسة أنّ تشكيل قوة "حارس الازدهار"، التي ضمت (20) دولة فقط وليس (39) دولة، يعكس عدم رغبة دول مركزية بالإقليم في التصعيد المباشر مع الحوثيين في هذه اللحظة.

وكانت قوة المهام المشتركة (CTF-153) تعمل بشكل محدود قائم على مواجهة القرصنة، وعبر أسلحة ومعدات وزوارق صغيرة لا تصل إلى حدّ استخدام السفن والفرقاطات، بينما دفعت أمريكا وبريطانيا بشكل واضح إلى تشكيل قوة عسكرية ضخمة من سفن ومدمرات وفرقاطات تعمل كحلف عسكري في البحر الأحمر.

موقف أوروبا من "حارس الازدهار"

وبحسب ما رصدته الدراسة، فإنّ أوروبا تنظر إلى أنّ هذه القوة يجب ألّا تحل محل قواتها الموجودة فعلاً في سواحل المنطقة، وتمتلك فرنسا قاعدة "معسكر السلام" بالقرب من مضيق هرمز و(1500) جندي في جيبوتي. 

وتعمل الفرقاطة الفرنسية (لانغدوك) الآن في البحر الأحمر، وقد أعلنت فرنسا ـ رغم انضمامها لـ "حارس الازدهار"- أنّها تدعم الجهود الرامية لتأمين حرية الملاحة في البحر الأحمر، وأنّ سفنها ستبقى تحت القيادة الفرنسية، ولم تذكر ما إذا كانت ستنشر المزيد من القوات البحرية ضمن "حارس الازدهار".

وأعلنت وزارة الدفاع الإسبانية أنّها لن تشارك إلا في المهام التي يقودها حلف الناتو أو العمليات التي ينسقها الاتحاد الأوروبي، ولن تشارك بشكل منفرد في عملية البحر الأحمر. واكتفت هولندا بإرسال ضابطي أركان، واكتفت النرويج بإرسال (10) ضباط بحريين إلى البحرين مقر القوات البحرية المشتركة. وقالت الدنمارك إنّها ستشارك في العملية وأرسلت ضابطاً واحداً.

بالمقابل، جاءت المشاركة الفعلية من جانب بريطانيا، وأعلنت انضمام المدمرة HMS Diamond  لقوة "حارس الازدهار"، إلى جانب اليونان التي أعلنت إرسال فرقاطة بحرية إلى البحر الأحمر. 

تشكيل قوة "حارس الازدهار" التي ضمت (20) دولة فقط وليس (39) دولة، يعكس عدم رغبة دول مركزية بالإقليم في التصعيد المباشر مع الحوثيين في هذه اللحظة

وتعتمد قوة "حارس الازدهار" بالفعل على حضور البحرية الأمريكية في البحر الأحمر وخليج عدن إلى جانب المدمرة البريطانيةHMS Diamond ، ولدى السفن الحربية التابعة لقوة "حارس الازدهار" القدرة على إسقاط الصواريخ القادمة من اليمن، ويبدو أنّ السفن الأمريكية قد اعترضت معظم المسيّرات والصواريخ التي أطلقها الحوثيون منذ بداية كانون الثاني (يناير) 2024 بنسبة فاعلية تصل إلى (80%)، ونجحت بالفعل المدمرة الأمريكية (يو إس إس كارني) في تحقيق نتائج إيجابية جداً في العلميات.

مهمة عسكرية أوروبية جديدة

هذا، وأعلن الاتحاد الأوروبي في 22 كانون الثاني (يناير) 2024 عن اتفاق للقيام بعملية عسكرية لتأمين الشحن البحري التجاري في البحر الأحمر، وتتشكل المهمة في 19 شباط (فبراير) 2024، لتبدأ عملها في غضون عدة أشهر، وتُعدّ المهمة منفصلة تماماً عن قوة "حارس الازدهار". 

 

المشهد في البحر الأحمر ينذر بمزيد من التصعيد من جانب الحوثيين، في ظل استمرار استهدافهم للسفن، وتكثيف الولايات المتحدة وبريطانيا الضربات ضد مواقعهم

 

وجاءت هذه الخطوة، نقلاً عن الدراسة، بعد مباحثات التكتل الأوروبي لإرسال قوة بحرية أوروبية لردع الحوثيين، خاصة أنّ فكرة توسع عملية "أتالانتا" المتمحورة على حماية الملاحة البحرية قبالة سواحل الصومال طرحت في 2022، بينما عطلت إسبانيا الأمر.

وقد خلصت الدراسة إلى أنّ المشهد في البحر الأحمر ينذر بمزيد من التصعيد من جانب الحوثيين، في ظل استمرار استهدافهم للسفن وتكثيف الولايات المتحدة وبريطانيا الضربات ضد مواقعهم، ممّا ينعكس على حركة التجارة والملاحة الدولية، ويؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد الأوروبي، وهو ما يؤدي إلى زيادة المهام العسكرية ونشر فرقاطات وسفن عسكرية جديدة، سواء من قبل تحالف "حارس الازدهار"، أو من قبل مهام أوروبية عسكرية.

كما لفتت إلى أنّ القدرات العسكرية للولايات المتحدة وبريطانيا في البحر الأحمر، وحشدهما للمزيد من السفن والفرقاطات العسكرية، والاتجاه نحو تحديث أنظمة دفاعية لاستهدف المسيّرات المعادية فوق البحر الأحمر، تشير إلى أنّ احتمالية تحول ضرباتهم ضد الحوثيين إلى هجومية، يعني دخول المنطقة في حرب إقليمية واسعة بين أطراف متعددة، ممّا يهدد الأمن والسلم الدوليين، ويضع الاقتصاد العالمي في مأزق جديد ربما يصعب مواجهته.

مواضيع ذات صلة:

إيران وأمن البحر الأحمر... ما أهداف استعراض القوة؟

هل يعطل إرهاب الحوثيين في البحر الأحمر عملية السلام؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية