في العام 1992 قرّرت الأمم المُتحدّة اعتماد يوم الثامن من نيسان (أبريل) ليكون اليوم العالمي لـ "الغجر"، لتسليط الضوء على ثقافتهم وتاريخهم وتذكير العالم بما واجهوه تاريخياً من اضطهاد وما يواجهونه اليوم من تمييز، فماذا تعرف عن تاريخ الغجر وثقافتهم؟
من هم الغجر؟
بحسب مجمع اللغة العربية؛ فإنّ كلمة "غَجر" هي جمع لكمة "غَجريّ" ومؤنثها "غَجريّة" والغجر هم: "قوم جفاة متجوِّلون، منتشرون في جميع القارّات، يتمسَّكون بتقاليدهم الخاصَّة، ويعتمدون في معاشهم على التِّجارة، أو عزف الموسيقى وقراءة البخت، أو التَّسوّل، أو بعض الصناعات الخفيفة". كما جاء في المعجم الوسيط أنّ كلمة "غجريّ" تعني "متشدِّد، متسكِّع، متحلّل من مواصفات المجتمع وقيَمِه".
اقرأ أيضاً: الغجر.. الانتماء لحق البقاء
ولا بُدّ أنّ المعنى الأخير على وجه التحديد، خلق نوعاً من التوجّس لدى المجتمعات من الغجر، وكان سبباً في اضطهادهم تاريخياً، سيما من قِبل المجتمعات المُستقرّة التي تشعر بالخوف من وجود قوم مختلفين لا يخضعون لقيم المجتمع التقليدية.
ومصطلح "الغجر" في نهاية الأمر، عبارة عن تسمية عرقية وقد أُطلقت في البداية على جماعة بشرية جاءت من الهند إلى أوروبا خلال العصور الوسطى، بحسب المصادر التاريخية، حيث يتفق معظم المؤرخين على أنّ الأصل الجغرافي لشعب الغجر يعود إلى الهند، بناءً على تعقّب جذور لغتهم، التي وجدوا ارتباطاً بينها وبين اللغات الهندية القديمة.
الغجر حول العالم
يُقدّر عدد الغجر حول العالم بحوالي 10 ملايين شخص، ينقسمون إلى مجموعتين هما: "رومن" و"دومر". ويُشكّل "الرومن" أو "الرّوما" ثلاثة أرباع عدد الغجر حول العالم؛ إذ يُقدّر تعدادهم بـ 7 ملايين و590 ألفاً، نصفهم يعيشون في أوروبا الشرقية.
وينقسم الغجر الرّوما إلى مجموعة أخرى، منها "الفلاكس" الذين يعيشون بالغالب في رومانيا والبرازيل والبوسنة والهرسك والولايات المتحدة الأمريكية، حيث يدينون بالمسيحية ويتحدثون اللغة "الرومنية" بلهجتهم الفلاكسية.
يتفق معظم المؤرخين على أنّ الأصل الجغرافي لشعب الغجر يعود إلى الهند، بناءً على تعقّب جذور لغتهم؛ إذ وجدوا ارتباطاً بينها وبين اللغات الهندية القديمة
بالإضافة إلى غجر "البلقان الرّوما" الذين يتركزون في أوكرانيا وصربيا وبلغاريا، حيث يتحدثون باللغة "الرومنية"، "اللهجة البلقانية"، باستثناء من يعيشون في صربيا والذين يتحدثون بلهجة خاصة. ولا يوجد ديانة خاصة بغجر البلقان، حيث يدين من يعيش منهم في أوكرانيا بديانة خاصة بهم، فيما يدين أغلبيتهم بالديانة المسيحية، وثمة أقلية تعيش في تركيا ومقدونيا وإيران والبوسنة والهرسك ورومانيا وأفغانستان والجزائر وتدين بالدين الإسلامي، أما في بلغاريا فيسمون بغجر "الزرغر"، وهم مسيحيون في أغلبيتهم، وبعضهم مسلمين، بالإضافة إلى أقلية بلا دين.
ومن ضمن مجموعات "غجر الرّوما" هناك غجر "الكالو" في إسبانيا، الذين يعيشون في وسط وجنوب إسبانيا، فضلاً عن جزر الكناري والبرازيل، ويتحدثون لغة الدولة التي يقيمون فيها بشكل أساسي، بالإضافة إلى لغة "الكالو" الخاصة بهم، وهم مسيحيون ينقسمون بين البروتستانت والرومان الكاثوليك.
أمّا "غجر الدومر"، فيمثلون ربع عدد الغجر حول العالم؛ إذ يُقدّر تعدادهم بمليونين و563 ألف شخص، ينتشر ثلثيهم في الشرق الأوسط والثلث الأخير يعيش في آسيا الوسطى.
يُطلق على غجر الدومر الذين يعيشون في الإمارات اسم "الزُط"، علماً بأنّ بعض "الزُط" يعيشون في العراق وسوريا أيضاً
وينقسم غجر الدومر إلى مجموعات منها "الحلَب"، وينتشر أغلبيتهم في مصر وليبيا، وثمة أيضاً "النَوَر"، ممّن يعيشون في مصر وفلسطين والأردن وبادية سوريا وإيران، بالإضافة إلى "الغُربَتي" والذين يتوزعون في غرب إيران وفي سوريا والأردن، بالإضافة إلى غجر "اللولي" الدومر الذين يعيشون غرب إيران وأوزبكستان وقيرغيزستان.
ويُطلق على غجر الدومر الذين يعيشون في الإمارات "الزُط"، علماً بأنّ بعض "الزُط" يعيشون في العراق وسوريا. ومن ضمن مجموعات غجر الدومر، هناك "المهتار" في إيران، "الكراتشي" في شمال إيران والقوقاز وشمال تركيا، "اليُرُك" في تركيا وإيران، "تشوري والي" في أفغانستان وطاجيكستان، "البراكي" في سوريا والأردن، و"المزنوق" في أوزبكستان وإيران.
عادات الغجر وتقاليدهم
كما أسلفنا سابقاً، لا يجتمع الغجر على ديانة معينة، تماماً كما لا يعيشون في منطقة جغرافية واحدة، لكن ثمة عدد من العادات والتقاليد التي تجمعهم على اختلاف أماكن تواجدهم، فضلاً عن المهن التي اشتهروا بامتهانها تاريخياً.
ونظراً لطبيعة حياتهم التي تعتمد على التنقّل وعدم الاستقرار في مكان واحد؛ امتهن الغجر التقاط الطعام والصيد إضافة إلى خبرتهم في تربية الحيوانات وترويضها، والمعرفة التقليدية بطب الأعشاب.
تعرّض الغجر على مرّ التاريخ للاضطهاد والممارسات العدوانية من قِبل المجتمعات المُستقرة؛ إذ إنّهم عانوا من الترحيل القسري وعدم الاعتراف بهم كمواطنين في البلدان التي يقيمون بها
في السابق، كان تمييز الغجر سهلاً بسبب أنماط لباسهم الغريبة ولغتهم الخاصة، فقد كان النساء يلبسن الملابس الفضفاضة المزركشة، ويتخذن زينة من الحلي المختلفة بشكل كثيف ولافت، ويضعن على آذانهن حلقات كبيرة من الفضة تنعكس عليها أشعة الشمس مكونة بريقاً يضفي على الغجرية مسحة جمالية خاصة، مع تزيين الوجه وإسبال الشعر الأسود على جانبيه، أما الرجال فيلبسون الملابس المبهرجة متعددة الألوان إضافة إلى وضع لفافة حول الرقبة.
كما عُرف عن الغجر ارتباطهم العميق بالرقص والغناء وعزف الموسيقى، ويتضح ذلك من خلال المهرجانات التي يقيمها الغجر إحياءً للتراث والعادات الغجرية، إذ يكثر في هذه المهرجانات الرقص والغناء وارتداء الملابس الملونة والمبهجة كجزء من هويتهم، وعادةً ما تغلب مشاعر الحنين على أغانيهم التي تتحدث عن الحب والفقر والطرق الطويلة والحرية.
عُرف عن الغجر ارتباطهم العميق بالرقص والغناء وعزف الموسيقى، ويتضح ذلك من خلال المهرجانات التي يُقيمونها إحياءً لتراثهم وعاداتهم
ويُعرف عن الغجر أيضاً تعلقهم وارتباطهم بالأسرة والأقارب بشكل عام، فهم يسعدون بإنجاب الفتيات، لاعتقادهم أن الفتاة سبب وجودهم وتكاثرهم وعلى ذلك يعتبرون المرأة العنصر الأساسي في العائلة، فعادةً ما يقطن الزوج عند أهل زوجته وليس العكس.
وفيما يتعلّق بطقوس الزواج، يتزوج الشاب الغجري من الفتاة الغجرية في سن مبكرة وذلك الزواج يتبع التقاليد الغجرية بصرامة من حيث طريقة الاحتفال؛ ففي البدء يعطي الغجري البنت التي يختارها للزواج لفافة عنقه، وإذا ما ارتدت البنت تلك اللفافة فهذا يعني أنها قبلت الزواج به وإلا فلا، وهنالك عادة غريبة للزواج في المجتمعات الغجرية؛ إذ يتصافح الزوجان ثم تُكسر قطعة من الخبز وتسكب عليها قطرات من الدم من إبهاميهما، ثم يأكل كل واحد منهما القطعة التي فيها دم الآخر، وبعدها يغادران مكان الاحتفال، ولا يحضران إلا في اليوم التالي للمشاركة في الغناء والرقص وبذلك يتم الزواج، كما أنّ الطلاق نادر الحدوث بين الغجر.
تاريخٌ من المعاناة
تعرّض الغجر على مرّ التاريخ للاضطهاد والممارسات العدوانية من قِبل المجتمعات المُستقرة؛ إذ إنّهم عانوا من الترحيل القسري، وعدم الاعتراف بهم كمواطنين في البلدان التي يقيمون فيها، سيما في أوروبا، حيث تمّ ترحيلهم من مناطق عديدة كانوا يسكنوها، ولم يقف الأمر عند ذلك، فقد أصدر ملك بروسيا عام 1725، قراراً بقتل كل غجرى يتجاوز الـ 18 عاماً.
وفي عام 1929، صدرت قوانين تُلزِم الغجر الذين ليست لديهم مهنة ثابتة في ألمانيا بالعمل القسري "السخرة"، وقد طُبّق هذا النظام في عدد من الدول الأوروبية.
وتمّ تعريف الغجر وفق قانون نورمبيرج الصادر في ألمانيا عام 1935، بأنّهم "شعوب غير مرغوب فيها"؛ فكان يُمنع عليهم الزواج من الألمانيات، كما صُنّفوا على أنّهم "مجموعة منغلقة على نفسها"، وهي تهمة تُعدّ جريمة جنائية.
وكان لهتلر أيضاً موقف ضد الغجر، حيث أنشأ مكتباً مركزياً لمكافحة خطر الغجر، وكانت الوظيفة الأساسية لهذا المكتب هي فرز الغجر الأنقياء عن الغجر المختلطين، وقد تمت العديد من الممارسات العنصرية ضدهم في ذلك العهد، حتى وصل الحال إلى وضعهم في زرائب ذات سياج كما توضع البهائم، واستخدامهم كمادة للتجارب.
وكانت أكثر العمليات إبادة للغجر هو في نهاية الحرب العالمية الثانية؛ حيث قُتِل منهم 15000 غجري من أصل 20000 كانوا يعيشون في ألمانيا.
ومن الجدير ذكره في الختام أنّ معظم أفراد هذه الجماعة استطاعوا الاندماج بالمجتمعات الأخرى، سواء من خلال دخول المدارس أو العمل بوظيفة معينة وتغيير المظهر الخارجي، لكنهم حافظوا على علاقة وثيقة مع قيمهم الداخلية والطباع التي تربوا عليها، رغم وجود الكثير من التصورات السلبية عنهم واتساع الفجوة بينهم وبين المجتمعات غير الغجرية.