فورين بوليسي: أين اختقى تنظيم القاعدة؟

فورين بوليسي: أين اختقى تنظيم القاعدة؟

فورين بوليسي: أين اختقى تنظيم القاعدة؟


01/08/2023

جورج عيسى

في 31 يوليو (تموز) 2022، قتلت غارة أمريكية بطائرة مسيرة زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في بيت ضيافة تابع لطالبان في كابول. وبعد مرور عام لم تعلن القاعدة عن خليفة للظواهري.

فاقم مقتل الظواهري العديد من المشاكل للحركة

يرى الباحث البارز في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية دانيال بايمان أن هذا الأمر صعّب على المجموعة الأساسية في القاعدة أن تزعم قيادة الحركة العالمية أو حتى أن تظل لاعباً مهماً إقليمياً أو دولياً.
عانت القاعدة والمجموعة الأوسع من الجماعات التابعة التي تدعي قيادتها كما الحركة ككل من ضربات متكررة في السنوات الأخيرة مما قلل من التهديد للولايات المتحدة وحلفائها. إن الاختفاء شبه الكامل للقاعدة من عناوين الأخبار اليومية ومحادثات السياسة الخارجية الأوسع في واشنطن أمر لافت للنظر.

الأرقام واضحة... وكذلك النمط

إن نظرة سريعة إلى عدد الهجمات  الإرهابية القاتلة في الولايات المتحدة منذ 11 سبتمبر (أيلول) تشير إلى تراجع التنظيم على مستوى القدرات والتأثير الآيديولوجي. وفق بيانات لمؤسسة أمريكا الجديدة، قتل الإرهابيون 107 أمريكيين على الأراضي الأمريكية منذ 11 سبتمبر، مقارنة بـ130 قتلوا على يد إرهابيين يمينيين. إن التنظيم الأساسي الذي قاده الظواهري لم يوجه هجوماً على الولايات المتحدة منذ 11 سبتمبر، وبعد موجة من الهجمات الدموية في أوروبا، لم يشن هجوماً هناك منذ هجمات لندن سنة 2005.
في أوروبا، حققت المجموعات المرتبطة مثل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية نجاحاً أكبر، كما حصل مع هجوم 2015 على رسامي مجلة شارلي إيبدو الكاريكاتورية، لكن عملياتها انخفضت أيضاً في السنوات الأخيرة. نفذ تنظيم داعش هجمات أكثر من التنظيمات التابعة للقاعدة، بما في ذلك عمليات إطلاق نار وتفجيرات انتحارية مدمرة في باريس وبروكسل سنتي 2015 و2016 على التوالي، لكن نمطاً من التراجع واضح في أوروبا. عانت الجماعات التابعة للقاعدة والتي كانت قوية في السابق مثل القاعدة في شبه الجزيرة العربية والجماعات المرتبطة بها في الفلبين وسوريا ودول أخرى من خسائر قيادية عدة وانقسامات داخلية ومشاكل منهكة أخرى، مما يصعب عليها شن هجمات خارجية.

حسب بايمان، إن قياس الدعم الإجمالي أمر صعب، لكن المقاتلين الأجانب لم يعودوا يتدفقون إلى أماكن مثل أفغانستان والعراق وسوريا حيث كانت قوة تنظيمي داعش والقاعدة في تصاعد سابقاً وأصبحت الآن أضعف بكثير. للتوضيح، ليست الصورة ليست كلها سيئة بالنسبة إلى الإرهابيين، إذ تظهر منظمات إرهابية جديدة في أفريقيا، وتزدهر مجموعات قوية مثل حركة الشباب في الصومال. لكن التراجع واضح في معظم أنحاء العالم.

اقتتال داخلي... وتناقص أعداد المقاتلين

يعود جزء من هذا الضعف إلى الحرب الداخلية التي اندلعت في 2013 ضمن الحركة الإرهابية بين القاعدة وفرعها الناشئ آنذاك، تنظيم داعش. في العديد من البلدان الإسلامية، وعلى الأخص أفغانستان وأجزاء من الساحل وسوريا، شنت القاعدة وحلفاؤها حرباً مباشرة ضد تنظيم داعش المنافس وما يسمى بـ"الولايات". كما أدى هذا الاقتتال الداخلي إلى إضعاف صدقية الحركتين. الحركة أيضاً مجزأة ومحلية. تركز معظم المجموعات المرتبطة، من مالي إلى نيجيريا وأفغانستان، بشكل شبه حصري الآن على الحرب الأهلية المحلية أو عمليات التمرد التي تقاتل فيها.

يقلل هذا التحول في التركيز من فرصة وقوع هجوم إرهابي دولي. ربما يمكن لبعض الجماعات الإرهابية، مثل تلك الموجودة في غرب أفريقيا، أن تشن هجوماً إرهابياً على الغرب إذا بذلت هذا الجهد. لكن وحشيتها موجهة نحو بلدانها وجيرانها، حيث يموت الآلاف من الناس، وكثير منهم مسلمون، من الهجمات الإرهابية والحروب الأهلية التي تتورط فيها جماعات إرهابية. أدت الضربات الأمريكية بطائرات من دون طيار إلى تدمير صفوف كبار قادة القاعدة وغيرهم من الشخصيات الجهادية بلا هوادة، حتى عندما يحاولون الاختباء في مناطق نائية من باكستان والصومال واليمن. اليوم، لدى تنظيم القاعدة الأساسي "أقل بكثير" من 200 مقاتل وفق وكالة استخبارات الدفاع.

وضع داعش

أضاف الكاتب أن الحملة ضد تنظيم داعش أثبتت أيضاً فاعليتها العالية. في ذروة ما يسمى بالخلافة سنتي 2014 و2015، سيطر التنظيم على ملايين الأشخاص وعلى أراض في العراق وسوريا بحجم بريطانيا العظمى. لكن بحلول 2019، دفع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الخلافة المزعومة إلى الاختباء تحت الأرض. لا تزال الجماعة تشن هجمات في العراق وسوريا ولديها الآلاف من المقاتلين هناك، ولكن مثل العديد من المنتسبين للقاعدة، يبدو أنها تركز على الحرب الأهلية التي تخوضها وليس على الإرهاب الدولي.
التدريب والمساعدة الأمريكية للجيوش الأجنبية وقوات الأمن جعلاها أكثر قدرة واستعداداً لاستهداف الجماعات الإرهابية المحلية، في حين أن حملة استخبارات عالمية مستمرة تعطل الخلايا الإرهابية في جميع أنحاء العالم. من الخطير على القادة الإرهابيين التواصل مما يصعّب عليهم توجيه الجماعات والعناصر التابعة لهم، الأمر الذي يزيد من اللامركزية في الحركة. ومع ضعف المجموعات، تواجه صعوبة في التغلب على إجراءات التدقيق الصارمة في المطارات وضوابط السفر.

علاقة إيران بالقاعدة

يختبئ بعض كبار عناصر القاعدة في إيران، بمن فيهم سيف العدل الذي يقول البعض إنه الزعيم الفعلي للقاعدة. لا تتعاون طهران مع الاستخبارات الأمريكية، وإيران منطقة محظورة على الجيش الأمريكي حيث يُنظر إلى ضربة فيها على أنها عمل حربي. وهذا يجعل من الصعب استهداف العملاء هناك، بالرغم من أن إسرائيل تمكنت من قتل شخصية بارزة من تنظيم القاعدة في إيران.

مع ذلك، تفرض الحكومة الإيرانية أيضاً قيوداً على شخصيات القاعدة في البلاد حيث لا تحتاج طهران إلى سبب آخر كي تخضع لعقوبات الولايات المتحدة وحلفائها. إضافة إلى ذلك، في عالم السياسة الشديدة الطائفية، يشكل تحالف القاعدة الهادئ مع إيران مصدر انتقادات من داعش والإرهابيين الآخرين.

علامة استفهام مهمة

أدى الانسحاب الأمريكي من أفغانستان إلى تقليل عدد الأهداف الأمريكية القريبة وجعل الولايات المتحدة ببساطة أقل أهمية للمنطقة، غالباً على حساب النفوذ الأمريكي والاستقرار الإقليمي حسب الكاتب. يصعّب ذلك دفع الجماعات المركزة على أهداف محلية إلى رؤية الولايات المتحدة على أنها العدو الرئيسي لها. تظل أفغانستان علامة استفهام مهمة حسب الكاتب. يبدو أن طالبان تقدر الشرعية الدولية لكن استضافتها للظواهري ورفضها العام لإبعاد نفسها عن القاعدة يثيران تساؤلات حول ما إذا كانت الجماعة ستسمح باستخدام أراضيها مرة أخرى لشن هجمات إرهابية دولية.

الأهم من كل ذلك

لقد فاقم مقتل الظواهري العديد من المشاكل للحركة. لا يوجد خلف واضح، فمعظم أفراد الجيل المؤسس ماتوا أو معزولون عن بقية الحركة مثل سيف العدل. مع عدم وجود قائد واضح، من الصعب على المنظمة الأساسية توجيه المجموعات التابعة لها أو حتى تشجيع الجهاديين غير المنتسبين على مهاجمة الولايات المتحدة.
ولعل الأهم من ذلك وفق بايمان أن الوقت لا يبدو أنه يصب في مصلحة القاعدة. يتسم العالم الإرهابي بقدرة تنافسية عالية، ومع تباطؤ تنظيم القاعدة، تظهر أسباب وجماعات جديدة للتنافس على المال والمجندين بينما تستمر حملة مكافحة الإرهاب التي تقودها الولايات المتحدة في إضعاف صفوفها.

عن موقع "24"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية