فلسطيني يحوّل منزله إلى معرض لتدوير النفايات

فلسطين

فلسطيني يحوّل منزله إلى معرض لتدوير النفايات


21/01/2020

لن يدرك زائر المعرض من نظرته الأولى أنّ الأحواض الزراعية والمقاعد وبعض الألعاب البيئية والمزهريات ذات الألوان المتنوعة، المصفوفة على الرفوف الخشبية، مصنوعة من بقايا الأوراق المنزلية والعبوات البلاستيكية وإطارات المركبات وقصاصات أوراق الجرائد القديمة والصناديق الكرتونية غير الصالحة للاستخدام.

الفرد الفلسطيني ينتج 800 غرام إلى كيلوغرام واحد من النفايات الصلبة المنزلية يومياً في الضفة الغربية وقطاع غزة

في منزله ببلدة قوصين، بمدينة نابلس بالضفة الغربية، الذي لا تتجاوز مساحته 80 متراً، والذي كان عشّ الزوجية الأول له، قرر المواطن أيمن عبد ربه (45 عاماً)، قبل أكثر من 20 عاماً، أن يملأ جميع أركانه وجنباته بعشرات القطع والمنتجات التي تمّت صناعتها من النفايات والمخلفات المنزلية، التي كانت في طريقها إلى مكبّات النفايات أو حرقها بهدف إتلافها، قبل أن يقوم عبد ربه بتطويعها لتصبح أشكالاً ومجسمات فنية وتعليمية متميزة، وذلك لنشر ثقافة احترام البيئة.

وبدأت فكرة تدوير النفايات والمخلفات لدى عبد ربه، منذ عام 2010، واكتسب هذه الخبرة خلال فترة اعتقاله في سجون الاحتلال الإسرائيلي، التي قضى فيها 14 عاماً، بعد أن كان يقوم بتحويل نوى الزيتون إلى مسابح، ونوى ثمار الأفوكادو إلى ميداليات وغيرها من المخلفات البلاستيكية والورقية، ليقوم بتوظيف أفكاره لصناعة الأشكال والمجسمات الفنية.

أيمن عبد ربه صاحب المشروع

ووفق إحصائية صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني خلال عام 2015؛ فإنّ متوسط إنتاج الأسرة اليومي من النفايات المنزلية في فلسطين، بلغ حوالي 2.9 كغم، وقد تباين هذا المتوسط ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة؛ إذ بلغ المتوسط 3.2 كغم في الضفة الغربية مقابل 2.4 كغم في قطاع غزة.

اقرأ أيضاً: مستشفى للحمير والخيول للمرة الأولى في فلسطين

وبحسب تقديرات فلسطينية؛ فإنّ السلطة الفلسطينية تخسر سنوياً ملايين الشواكل، بسبب عدم استغلال النفايات الصلبة بشكل جدي؛ إذ لا يتم تدوير إلا نحو 1% من مجمل النفايات الصلبة في الضفة الغربية وغزة، التي تبلغ كميتها سنوياً نحو 850 ألف طن ويتم التدوير عبر مبادرات فردية أو مشاريع صغيرة.

تحويل النفايات لمجسمات متنوعة

ويضيف عبد ربه، في حديثه لـ "حفريات": "المعرض يستقبل المهتمين بتدوير النفايات والمخلفات المنزلية من طلاب المدارس والجامعات والمؤسسات البيئية والثقافية والمجتمعية وكذلك ربات البيوت، للتعرف عن قرب وبشكل عملي إلى كيفية تدوير وتحويل هذه المخلفات إلى أفكار وأدوات مفيدة، كتحويل الإطارات المطاطية التالفة إلى مقاعد وأحواض للزراعة، وتحويل العبوات البلاستيكية إلى زهور جذابة، والمخلفات الورقية إلى مجسمات تراثية ودينية ووطنية".

جميع الأعمال والأفكار تتم بجهود شخصية

ولفت إلى أنّ "جميع الأعمال والأفكار تتم بجهود شخصية، وذلك لنقل الأفكار للجميع بمختلف فئاتهم في مختلف أنحاء الضفة الغربية والقدس المحتلة، من خلال تقديم أكثر من ألف دورة تدريبية متنوعة وبشكل مجاني، خلال الفترة من عام 2010 حتى عام 2019، في مجال تدوير النفايات والمخلفات المنزلية لصناعة الوسائل التعليمية، والمجسمات والألعاب البيئية، إلى جانب العديد من المجسمات والأدوات المختلفة، التي تدخل البهجة في النفوس".

اقرأ أيضاً: "أهلاً بكم في دولة هاني عامر": هكذا يهزأ الفلسطينيون من إسرائيل

وخلال الأعوام الخمسة الأخيرة قدم عبد ربه أكثر من 140 دورة متنوعة في مجال فنّ تدوير العبوات البلاستيكية، لطلاب المدارس والمؤسسات في مناطق مختلفة من الضفة الغربية، بمشاركة أكثر من 4 آلاف طالب وطالبة ومتدرب، وتمّ خلالها استهلاك أكثر من 13 ألف عبوة بلاستيكية بطريقة فنية جذابة، قبل أن تلقى مصيرها في مكبات النفايات دون الاستفادة منها.
المحافظة على البيئة
وتتلخص أهداف عبد ربه من إقامة معرضه، في ترسيخ أهمية المحافظة على البيئة، ومساعدة المهتمين في شقّ طريقهم نحو الإبداع باستغلال النفايات المنزلية، وتدريبهم ميدانياً على كيفية الاستفادة منها بدلاً من إلقائها في مكبات النفايات، إضافة إلى تزيين المنازل والأحياء والبلدات الفلسطينية والمدارس والحدائق العامة بهذه المخلفات بعد تدويرها.

لا تلقى الأعمال أيّ اهتمام أو دعم من قبل المؤسسات الرسمية والبيئية المحلية ذات العلاقة

ولا تلقى الأعمال أيّ اهتمام أو دعم من قبل المؤسسات الرسمية والبيئية المحلية ذات العلاقة، وفق عبد ربه، مبيناً أنّ جميع أعماله تتم بجهود فردية وعلى نفقته الخاصة، الأمر الذي دفعه للتوقف عن عقد الدورات التدريبية للأعباء الكبيرة الملقاة على عاتقه، وتمّ الاكتفاء بتدوير النفايات وعرضها داخل معرضه الخاص، الذي يحلم بتطويره وتوسعته ليكون معلماً مهماً ومقصداً للطلاب والمهتمين.

اقرأ أيضاً: الفلسطينيون والعام 2020.. تفاؤلات خجولة وتمسك بالأمل

ويأمل بأن يزداد الوعي الكافي بأهمية مشاريع إعادة تدوير النفايات والمخلفات المنزلية، وتوفير الدعم الرسمي اللازم له كي يتمكن من تنظيم وعقد المزيد من ورش العمل والدورات التدريبية الميدانية للاستفادة من هذه المخلفات، لنقل تجربته للآخرين، وحماية البيئة، والتخفيف من نسب التلوث، وتعزيز ثقافة التدوير بين المواطنين.

ويخطط عبد ربه في المستقبل القريب لإنشاء قناة على "اليوتيوب" للتدريب على فنّ إعادة تدوير المخلفات والنفايات في إنتاج وصناعة العديد من المجسمات والأدوات الفنية الرائعة، كي يصل بخبرته إلى جميع المهتمين حول العالم، والتي من شأنها أن تعزز من السلوك البيئي لديهم.

مورد اقتصادي مهمّ

بدوره، يقول مدير عام التوعية والتعليم البيئي في سلطة جودة البيئة، أيمن أبو ظاهر، لـ "حفريات": "فلسطين تسعى لأن تكون خالية من النفايات خلال الأعوام القليلة القادمة؛ حيث تكون هذه المخلفات مورداً اقتصادياً حقيقياً ومهماً، في ظلّ استنزاف الاحتلال الإسرائيلي الموارد الفلسطينية"، مبيناً أنّ "النفايات الصلبة، كالمخلفات المنزلية، هي موارد غير تقليدية وفي حاجة إلى المحافظة عليها واستثمارها بشكل إيجابي".

فلسطين تسعى لأن تكون خالية من النفايات خلال الأعوام القليلة القادمة

ولفت إلى أنّ "الفرد الفلسطيني ينتج 800 غرام إلى كيلوغرام واحد من النفايات الصلبة المنزلية يومياً في الضفة الغربية وقطاع غزة"، مشيراً إلى أنّ 50% من النفايات الصلبة المنزلية هي نفايات عضوية، 14% نفايات بلاستيكية، و8% هي نفايات معدنية، و8% نفايات زجاجية، و2% مخلفات مخلوطة".

اقرأ أيضاً: كيف تتحكّم القيود السياسية والاجتماعية بالكوميديا الفلسطينية؟

وتابع أبو ظاهر: "سلطة جودة البيئة لديها إستراتيجية وطنية لتدوير النفايات الصلبة، من خلال دعم التوجهات الفردية والبلديات باتجاه قضايا التعامل مع النفايات الصلبة وتدويرها باعتبارها مورداً أساسياً وليست نفايات فقط، وقد ترجمت هذه الفلسفة والرؤى عبر عدة مشاريع؛ كالذي قامت به بلدية أريحا بإقامة مشروع "الكمبوست" الزراعي، الذي يقوم بإنتاج السماد العضوي من النفايات المنزلية، وكذلك مشاريع أخرى مماثلة في محافظة قلقيلية وطوباس، حتى بلغ عدد مصانع التدوير بالضفة الغربية أكثر من 15 مصنعاً، تقوم بتحويل أكثر من 50% من النفايات المنزلية إلى أسمدة عضوية".

اقرأ أيضاً: لماذا يُجبَر الفلسطينيون على اعتماد مناهج تعتبر إسرائيل دولة الشعب اليهودي؟

ويضيف: "هناك مشاريع كثيرة في مجال تدوير المخلفات البلاستيكية والإطارات المطاطية وتحويلها لبلاط صناعي وأرضيات للملاعب الرياضية والمصانع، إضافة للقيام بحملات من أجل تخفيض استخدام الأكياس البلاستيكية، واستغلال النفايات الورقية، بإعادة تدويرها من خلال مصنع تمّت إقامته في مدينة أريحا لتدوير الورق المستخدم، من خلال جمع الأوراق من بعض المؤسسات ووزارة التربية والتعليم ونقلها للمصنع لإعادة تدويرها مجدداً".

هناك العديد من الخطط البيئية من خلال تكثيف عمليات الرقابة والتوعية البيئية بوسائل الإعلام

خطط بيئية مستقبلية

وعن الدعم الرسمي المقدم من قبل سلطة جودة للبيئة للمبادرات الفردية، يقول أبو ظاهر: "سلطة جودة البيئة تدعم كلّ المبادرات وفق الإمكانات المتاحة، باعتبار أنّ تشجيع إنتاج البدائل من النفايات أمر غير مسبوق، وشكل من أشكال أهداف التنمية المستدامة، التي تهدف إلى تخفيض النفايات المنزلية على المستوى المحلي، والتعامل مع النفايات المتبقية بطرق مختلفة، حتى لا تصل إلى مكبّات النفايات دون الاستفادة منها وإعادة تشكيلها وتصنيعها بشكل جيد، بهدف تحويلها لموارد حقيقية".

اقرأ أيضاً: المستوطنات والجدار العازل يهدّدان إنتاج العسل الفلسطيني

وبيّن أنّ "سلطة جودة البيئة تعمل على توعية الجماهير بجميع القطاعات وتشجيعهم على تدوير النفايات، من خلال تشكيل أندية بيئية في داخل المدارس بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم العالي، إضافة إلى إدخال أساليب التخلص من النفايات الصلبة وتدويرها واستخدامها بطرق آمنة وسليمة في داخل المناهج التعليمية".

وعن الخطط المستقبلية لزيادة الوعي بتدوير النفايات المنزلية، يقول أبو ظاهر: "هناك العديد من الخطط البيئية من خلال تكثيف عمليات الرقابة والتوعية البيئية بوسائل الإعلام، وإقامة العديد من الأنشطة والندوات لطلبة الجامعات والمدارس والمؤسسات المختلفة لتبني الموضوعات البيئية، إضافة إلى تشكيل شبكة الإعلام البيئي بالتعاون مع نقابة الصحفيين الفلسطينيين لتسليط الضوء على النفايات الصلبة والمواضيع البيئية الساخنة على الساحة الفلسطينية".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية