فكر زايد.. والمكوّن الإسلامي

فكر زايد.. والمكوّن الإسلامي

فكر زايد.. والمكوّن الإسلامي


04/01/2024

صلاح الغول

كان الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، قائداً ملهماً، ولكنه لم يكن يصدر عن مدرسة فكرية قديمة أو جديدة، ولم يستقِ أفكاره ورؤاه وسياساته من فلسفةٍ إسلامية أو غربية، وإنما كان يصدر عن ثقافة عربية قحّة، واستقى أفكاره ورؤاه من تنشئته الاجتماعية وبيئته الصحراوية. وهذا التقديم مهم قبل الحديث عن المكون الإسلامي في فكر زايد؛ الذي يمكن أن يثير جدلاً فكرياً، ولكنه يمكن أنْ يُسهم في المناظرة الكبرى عن دور الإسلام في الحياة السياسية والاقتصادية والمجتمعية جميعاً بالأقطار العربية والإسلامية. وذلك أن أفكار زايد ورؤاه المتبصرة، في هذا الخصوص، أصيلة، تُعبر عن الإنسان العربي «العام»، إن جاز التعبير، والفهم الواعي، بل والتيار الرئيسي في الخبرة التاريخية العربية.

يُغلَف المكون الإسلامي في تراث زايد بغلافٍ توفيقي، لا يرى تناقضاً أو تنازعاً بين الإسلام والعروبة، ولا مخاصمةً بين القيم الإسلامية والتحديث، ولا مفارقة للمعايير الإسلامية نظيراتها القبلية. فالتراث الزايدي يقوم على الاتجاه التوفيقي، الذي يمثل جوهر الثقافة الإسلامية؛ إذ يحاول الدمج بين العناصر التي تبدو مناقِضة لبعضها بعضاً في كل مؤتلفٍ.

فقد وعى الشيخ زايد، منذ نعومة أظفاره القيم الأساسية التي يحض عليها الدين الإسلامي، وفي مقدمتها العدل، والتسامح والوسطية، والحكمة، واحترام التنوع، والأخذ بالأسباب والسير في الأرض التماساً لتحقيق التنمية والتطور. ولعل ذلك يفسر الطفرة التنموية التي شهدتها مدينة العين، ثم سائر إمارة أبوظبي منذ توليه الحكم فيهما عام 1946 و1966، على التوالي. كما أنّ اتصالاته المباشرة مع المواطنين جعلته يعاين عن قرب أهمية الإسلام بالنسبة لحياتهم، ويتعرف على الطبيعة الوسطية السمحة للتعاليم الإسلامية التي يحملها ويدافع عنها أبناء القبائل العربية.

ففي حياته الأسرية، تمثل الشيخ زايد، القيم الإسلامية، وكان يعتقد بأنّ القيم الإسلامية الخاصة بالأسرة يجب أن تسود في كل أشكال العلاقات الأخرى. وكان مجلسه في العين وأبوظبي ساحةً للشورى بالمعنى الإسلامي، واهتم طوال خبرته بالمناصب العامة بتنمية الجانب الإيماني لدى مواطنيه مادياً عن طريق نشر المساجد والمؤسسات الإسلامية في كل ربوع الدولة ومعنوياً عن طريق اهتمامه بتنمية الثقافة الدينية وتجديد الخطاب الديني، وتطويره لرؤيةٍ واضحة عن دور الإسلام في التنمية الشاملة لدولة الإمارات العربية المتحدة. وقد حثّه إيمانه بالإسلام على العمل لمصلحة بلده وشعبه. وكان ذلك واضحاً من أول منصب عام تولاه في منتصف أربعينات القرن المنصرم حتى لقائه ربه عام 2004.

وإذا حلّلنا النظام العقيدي للشيخ زايد، عن طريق فحص خطبه وتصريحاته، لوجدنا أنّ أهم القيم التي يتضمنها تنبثق من الإسلام، وفي مقدمتها الوسطية والتسامح والتنوع والتكافل والبذل. وقد جعل هذه القيم تمشي على الأرض في سياساته الداخلية والخارجية عموماً. فقد سار زايد في سياساته التنموية على الطريقة الوسطية التي تجمع بين عقلانية التراث الإسلامي ومنجزات الحضارة الحديثة، وتوازن بحكمة بين المحافظة والتقدم. كما أنّ الانتماء إلى الأمة الإسلامية كان يعد موجهاً أساسياً لسياسته الخارجية. ويتضح ذلك في الحرص على نصرة القضايا الإسلامية، وتقديم العون والغوث للشعوب الإسلامية. كما أنّ شيخنا كان ينظر إلى القضايا العربية والقضايا الإسلامية على أنها مترابطة. ويتضح ذلك في قوله، طيب الله ثراه: «نحن في الخليج نسيّر سياستنا الخارجية في اتجاهين متوازيين: فنحن في علاقاتنا مع الدول العربية والإسلامية نعتبرها علاقة الأخوّة في الإسلام التي فرضها علينا ديننا الحنيف.. ونحن نتعامل مع هذه الدول معاملة الأخ لأخيه».

وسعى زايد بشكلٍ دائم إلى تعزيز التضامن الإسلامي إيماناً منه بأنّ «أمة لا إله إلا الله» أمة واحدة، بل اعتبره واجباً يفرضه الانتماء إليها. ودعا على الدوام إلى لمّ الشمل، وتجاوز الخلافات في العلاقات بين الدول الإسلامية، والتعاون المشترك بينها في كافة المجالات؛ «حتى يكون لهم وزن بين دول العالم».

وبرغم رسوخ المكوّن الإسلامي في فكر زايد، إلا أنه آمن بمدنيّة الدولة، وحذر من استغلال الدين لأغراض سياسية.

عن "الخليج"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية