فرنسا تواصل تقليص نفوذ الإخوان لحماية قيم "الجمهورية". ما الجديد؟

فرنسا تواصل تقليص نفوذ الإخوان لحماية قيم "الجمهورية". ما الجديد؟

فرنسا تواصل تقليص نفوذ الإخوان لحماية قيم "الجمهورية". ما الجديد؟


04/01/2024

ما تزال معضلة الإسلام السياسي في فرنسا والمخاوف بشأن أنشطتهم المختلفة والمشبوهة، تستدعي إجراءات متشددة من قبل الحكومة بباريس، والتي بدأت، مؤخراً، بشن هجمات منظمة، قانونية وسياسية، لمحاصرة الشبكات التنظيمية الإسلاموية (بعضها تابع لجماعة الإخوان المسلمين)، ومحاولة غلق الجيوب التي توفر لهم الموارد المختلفة. 

غير أنّ الجماعة، بحسب تقرير للمركز العربي لدراسات التطرف، نجحت في تعبئة عدد من الطلاب والهيمنة عليهم عبر اتحاد الطلبة المسلمين في فرنسا، لدفعهم للعمل معها، بدعوى مساعدة الطلاب والدفاع عن مصالحهم، ومكافحة العنصرية.

دور مشبوه للإخوان بين الطلبة الفرنسيين

ويشير المركز العربي لدراسات التطرف، إلى أنّ الاتحاد يشكل الجناح الطلابي لاتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا (مسلمو فرنسا حالياً): الفرع الفرنسي للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وقد تأسس عام 1989 باسم (اتحاد الطلبة المسلمين في فرنسا)، بهدف معلن وهو تنشئة جيل من الطلاب المسلمين المتفوقين والملتزمين بنشر القيم الإسلامية، وعكس الصورة الحضارية للإسلام في فرنسا. وفي عام 1996 غير اسمه إلى (الطلبة المسلمون في فرنسا)، وهو الاسم الذي يُعرف به اليوم. كما يعمل الاتحاد، بحسب تقرير المركز، على الدفاع عن حقوق ومصالح الطلاب المسلمين القادمين للدراسة في فرنسا من جميع البلدان العربية والإسلامية وتوفير الرعاية لهم، ومكافحة العنصرية والعزلة وسائر أشكال التمييز التي يمكن أن يتعرضوا لها في المؤسسات التعليمية الفرنسية، وتمكينهم من أجواء دراسية قائمة على الثقة والعدل والتضامن، ودعمهم لتجاوز التحديات المختلفة التي تواجههم والنجاح على المستويين الأكاديمي والشخصي، مع الحفاظ على هويتهم الإسلامية والاعتزاز بها أمام الموجات الفكرية الغربية، أمّا الأهداف الخفية، فتتعلق بدعم الجماعة ومشاركتها أنشطتها، ومساندتها عبر الترويج لأفكارها. 

ويحصل الاتحاد على التمويل من جهات متعددة، من بينها دول خليجية، بالإضافة إلى الدعم الذي يتلقاه من اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا (مسلمو فرنسا)، وغيره من المنظمات الإخوانية في فرنسا وأوروبا. فيما ترأس الاتحاد لبنى رقيق، وهي ناشطة في مجال حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، عملت مع العديد من المنظمات الحقوقية الفرنسية والأوروبية، وقادت العديد من الحملات والمبادرات التي تهدف إلى مكافحة الإسلاموفوبيا، والدفاع عن حقوق الطالبات المحجبات داخل الجامعات الفرنسية.

ديناميات معقدة للدور الإخواني بأوروبا

في حديثه لـ"حفريات" يقول الباحث المختص في قضايا الإسلام السياسي وشؤون التطرف، المقيم في فرنسا، شيار خليل، إنّ هناك تأثيرات سياسية ومجتمعية لجماعة الإخوان تبدو متباينة تاريخياً، ويمكن القول إنّ جماعة الإخوان في أوروبا بشكل عام، وفي ألمانيا وفرنسا بوجه خاص، تتولى إدارة أنشطة خيرية واجتماعية في مناطق مختلفة، للتأثير على شرائح عديدة وليس مكون واحد، وأي حديث أو إشارة عن دور يستهدف فئة بعينها يحمل تبسيطاً شديداً للديناميكيات المعقدة داخل المجتمعات الإسلامية التي تتحرك فيها تنظيمات الإسلام السياسي.

شيار خليل: تحقيق الأجندة الدينية والسياسية بتأثير تدريجي

من المهم أن نلاحظ أن "المجتمعات الإسلامية في أوروبا متنوعة، حيث يحمل الأفراد وجهات نظر وانتماءات مختلفة. ويعتمد مدى التأثير على عوامل متباينة، بما في ذلك السياقات الثقافية والاجتماعية والسياسية"، حسبما يقول خليل.

ويردف: "إن مشاركة أي منظمة أو جماعة، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين، في الأنشطة السياسية داخل مجتمعات الشتات بأوروبا، هي قضية معقدة ومثيرة للجدل وخاصة بعد الفضائح العديدة والمتنوعة التي تسربت للإعلام حول تغلغل هذه التنظيمات بين الجالية الإسلامية في المانيا وفرنسا. وقد تتعامل الحكومات بالفعل مع بعض هذه الجماعات وحواضنها بشكل مؤقت لأسباب مختلفة، بما في ذلك تلك المتعلقة بالمخاوف السياسية أو الأمنية".

 

جماعة الإخوان نجحت في تعبئة عدد من الطلاب عبر اتحاد الطلبة المسلمين في فرنسا لدفعهم للعمل معها بدعوى مساعدة الطلاب والدفاع عن مصالحهم

 

كما يحاول الإخوان في كل الدول التي تتواجد فيها الجاليات المسلمة تمرير أجنداتهم، من خلال تقديم الخدمات العديدة للجالية سواء كانوا من الطلاب أو الطبقات الأخرى، وذلك لتوسيع القاعدة الجماهيرية لها في أوروبا، وتنفيذ أجنداتها السياسية والدينية ببطء داخل هذه التجمعات، وفق الباحث المختص في قضايا الإسلام السياسي وشؤون التطرف المقيم بباريس، لافتاً إلى أنّ محاولات الإخوان المسلمين تعكس تأثيرهم المتنوع في أوروبا، وخاصة في فرنسا وألمانيا. فـ"يختلف تأثيرهم باختلاف السياقات والظروف المحلية. كما يتعامل الإخوان بشكل خاص مع الجاليات المسلمة عبر تقديم برامج متنوعة، دينية واجتماعية وثقافية وسياسية وخدمية، خاصة للطلاب وطبقات أخرى".

استفاقة فرنسية جذرية

ويؤكد شيار خليل أنّ "توفير الخدمات يعد وسيلة لتوسيع نطاق تأثيرهم وكسب تأييد أوسع في المجتمعات الإسلامية، إذ تهدف الجماعة الإسلاموية إلى تحقيق أجنداتها الدينية والسياسية بتأثير تدريجي داخل هذه المجتمعات. يعتبر هذا التفاعل تحدياً للحكومات، والتي قد تتفاعل بطرق متنوعة في محاولة لمواجهة الأمور السياسية والأمنية".

 

الباحث المختص في قضايا الإسلام السياسي وشؤون التطرف، شيار خليل لـ"حفريات": يحاول الإخوان في كل الدول التي تتواجد فيها الجاليات المسلمة تمرير أجنداتهم 

 

اللافت أنّه قبل شهور قليلة، باشرت شخصيات سياسية وبرلمانية وإعلامية ومنظمات غير حكومية فرنسية، تنفيذ حملات قوية لحظر جماعة الإخوان بفرنسا كما في دول الاتحاد الأوروبي، بشكل نهائي، وبطبيعة الحال حل جميع المنظمات التابعة لها ووقف أنشطتها. وتساءل عضو مجلس الشيوخ الفرنسي ستيفان رافييه، عبر حسابه في موقع التواصل الاجتماعي "إكس": "هل ستحلون جماعة الإخوان؟ هل ستأمرون بحلّ الجماعات المتعاونة مع حماس؟ هل ستضعون هذا الطابور الخامس بعيداً عن الأذى؟ الغرغرينا موجودة بالفعل في كل مكان بيننا، وهي إمّا أن نقضي عليها أو نموت". وتابع رافييه: "الإخوان المسلمون الذين يعيشون بيننا بسبب سياسة الهجرة المجنونة التي دعمتموها جميعاً في فرنسا، من باب الضعف أو القناعة، يجب أن يعاملوا بنفس الطريقة التي يتم التعامل بها في إسرائيل، من خلال رد جذري وقاس".

الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بدأ يأخذ انعطافات حادة ضد جماعة الإخوان، ويسعى إلى تهميش أو عزل وتصفية شرعيتهم المجتمعية في أوساط المسلمين، حيث التقى مطلع العام الحالي في قصر الإليزيه أعضاء "منتدى الإسلام في فرنسا"، باعتبارهم المحاور الرئيس للسلطات العامة الفرنسية، معلناً بذلك إنهاء وجود "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية"، الذي تمتع بهذا الامتياز على مدى عقدين من وجوده. هذا التحول الرسمي الفرنسي على مستوى طبيعة المحاور الرسمي الإسلامي، ليس "تحولاً شكلياً يطال الأشخاص والتسميات، بل يعكس نهجاً جديداً في الإدارة العامة للإسلام من طرف الدولة الفرنسية. ومنذ صعوده إلى السلطة عام 2017 شرع الرئيس ماكرون في إعادة صياغة العلاقة بين الدولة ومُمثلي الديانة الإسلامية"، بحسب مركز الإمارات للسياسات، وقد تعزز هذا التحول في أعقاب الهجمات التي ضربت مدينة نيس وعملية اغتيال المدرس صامويل باتي عام 2020، في شكل "استفاقة فرنسية جذرية" ضد التأثيرات الأجنبية على مسلمي فرنسا، وضد نفوذ الجماعات الإسلامية السياسية، وهي العمليات الإرهابية التي "دشَّنت نهجاً عملياً وسياسياً مضاداً لطبيعة "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية"، الذي يسيطر عليه تياران؛ تيار موالٍ للدول الأصلية لمسلمي فرنسا، وتيار الجماعات الإسلامية، لذلك وجد ماكرون نفسه في مواجهة مع المجلس". 

وفي مقال معنون بـ"من المجلس إلى المنتدى: النهج الفرنسي الجديد في إدارة ملف الإسلام" للباحث غير المقيم بالمركز أحمد نظيف يقول: "بدايةً من عام 2022 دخلت فرنسا مرحلة جديدة في الحوار بين السلطات والمسلمين من خلال إنشاء "منتدى الإسلام في فرنسا"، بعد شهور من العمل ضمن مجموعات عمل محلية داخل الطائفة الإسلامية حول أربعة محاور هي: تشغيل المساجد وإدارتها؛ والتأهيل المهني وتوظيف الأئمة؛ والتعاطي مع الأعمال المعادية للمسلمين وتأمين أماكن العبادة؛ وتطبيق القانون حول احترام مبادئ الجمهورية.

 ويضم المنتدى الجديد رؤساء الجمعيات التمثيلية المحلية وشخصيات مؤهلة من المناطق يقترحها المحافظون مثل الأئمة وشخصيات منخرطة في نشاط الطائفة الإسلامية وممثلو الجمعيات أو الشخصيات الوطنية المشهورة بالتزامها واستقلاليتها الفكرية. وسيكون عمله متمركزاً حول: وضع دليل موجه للجمعيات الإسلامية ودور العبادة بشأن أحكام القانون التي تؤكد احترام مبادئ الجمهورية، وإنشاء مجموعة اتصال مع السلطات العامة للتعامل مع مسألة أمن أماكن العبادة والأعمال المعادية للمسلمين، وتشكيل سلطة دينية لتعيين الأئمة من داخل فرنسا، وإنشاء إطار قانوني لتوظيف وتدريب الأئمة؛ وأخيراً العمل على إدارة تمويل نشاطات الجمعيات والمساجد بشفافية".

ومن بين المهام الجديدة التي سيقوم بها المنتدى، احتكار مسألة توظيف وتدريب أئمة المساجد، مما يسحب البساط من تحت الجماعات الإسلامية، لاسيما جماعة الإخوان المسلمين، الذين ينشطون في مجال تدريب الأئمة عبر شبكة من مراكز التدريب. وبالتالي كان لديهم رأس مال رمزي قوي يتمثل في توظيف أئمة في الكثير من مساجد فرنسا يحملون أفكاراً ونهجاً سياسياً مدافعاً عن الإخوان، مما يجعلهم قادرين على استعمال المساجد كفضاءات للتعبئة الشعبية وكسب التبرعات المادية، واستمالة فئات وأجيال أصغر سناً من خلال شبكة تعليم اللغة العربية ومبادئ الإسلام للأطفال. أما المهمة الثانية، والأشد خطورةً بالنسبة للجماعة الإسلامية، فهي إشراف المنتدى مستقبلاً على شفافية تمويل الجمعيات والمساجد، وهو ملف شائك، حيث تعتمد هذه الجماعات في جانب كبير من تمويلها على الجمعيات الدينية والمساجد المرتبطة بها، سواءً كان هذا التمويل داخلياً أو من الخارج. لذلك، فإنّ التداعيات المحتملة لتكريس المنتدى محاوراً رسمياً للدولة تبدو سلبيةً في معظمها بالنسبة لسائر الجماعات الإسلامية ذات التوجه السياسي في فرنسا، حيث يمكن أن يشكل ذلك على المدى المتوسط عنصراً مؤثراً في السلوك السياسي لجماعات وتنظيمات الإسلام السياسي في فرنسا، نحو مزيد من الانكفاء وخفض التصعيد ضد الدولة، لكونه يشكل عائقاً أمام حرية الحركة والنشاط للجماعات ذات الطبيعة الطائفية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية