فانوس رمضان في مصر: حكاية خالدة عبر الزمان

فانوس رمضان في مصر: حكاية خالدة عبر الزمان

فانوس رمضان في مصر: حكاية خالدة عبر الزمان


06/04/2023

يظل شهر رمضان في مصر ذا نكهة خاصّة، ففي النهار يدب النشاط في الأسواق، وتنبض البلاد بالأنشطة المختلفة، وتنتعش مراكز التسوق، وتستغرق الأسر في إعداد الموائد، ومع موعد الإفطار تتوقف الحركة، ويعم الصمت كل الشوارع، بينما تنبض البيوت بالحياة.

يتم نصب الخيام الرمضانية، وتتواصل عروض الترفيه الفولكلورية كل ليلة، كما يُعدّ ارتياد المقاهي أمراً تقليدياً ممتعاً للغاية، ويرى الناظر جميع المساجد مضاءة، والشوارع مزينة بزينة رمضان، تتوسطها الفوانيس المضيئة على مختلف أشكالها وألوانها.

أصل فانوس رمضان

وعن أصل الفانوس الذي استخدمه الناس وسيلة خاصّة للإنارة، لا سيّما عند الذهاب إلى المساجد ليلاً، ثم تحول إلى تقليد رمضاني، تقول حكايات التاريخ: إنّ المصريين هم أول من اخترع فكرة فانوس رمضان، حيث تعود إلى عصر الدولة الفاطمية، لتنتقل بعد ذلك من مصر إلى جميع دول العالم.

وعلى الرغم من أنّ جذور الفوانيس تعود إلى مصر، إلّا أنّها انتشرت إلى مناطق أخرى في أنحاء العالم منذ العصور الوسطى، ولا سيّما البلدان العربية المجاورة، والبلدان الإسلامية في آسيا، مثل: إندونيسيا وماليزيا.

شهر رمضان في مصر ذو نكهة خاصّة

وبحسب المصادر التاريخية، فإنّ الخليفة الفاطمي كان يخرج في ليلة ما قبل رمضان مع أتباعه، ويحمل كل منهم فانوساً لإضاءة الطريق، وينشدون احتفالاً بالشهر الفضيل. وفي قصة أخرى، أمر أحد الخلفاء الفاطميين بإضاءة المساجد طوال شهر رمضان بالفوانيس والشموع. كما ورد أنّ الفوانيس كانت تستعملها النساء وهن في طريقهن إلى المساجد، بينما يقودهن أحد الشباب، حتى يلاحظ المارة وجود نساء في الطريق، ويمنحهن حق المرور دون إزعاج أو مضايقات.

وقيل إنّ الفوانيس ظهرت عندما وصل المعز لدين الله الفاطمي إلى مصر خلال شهر رمضان، حيث استقبله المصريون بالفوانيس للترحيب به، وأنّهم أشعلوها طوال الشهر، فأصبحت تقليداً كل عام.

ووفقاً للمؤرخ الإسلامي في العصر المملوكي المقريزي، كانت الفوانيس تقليداً شائعاً جداً، وأصبحت تظهر في كل الاحتفالات في مصر، حتى بالنسبة إلى أصحاب الأديان الأخرى. ويقول إنّهم استخدموها في احتفالات عيد الميلاد في جميع أنحاء البلاد، قبل عصر الفاطميين، الذين جعلوا القاهرة عاصمة لإمبراطوريتهم.

على الرغم من أنّ جذور الفوانيس تعود إلى مصر، إلّا أنّها انتشرت إلى مناطق أخرى في أنحاء العالم منذ العصور الوسطى، ولا سيّما البلدان العربية المجاورة، والبلدان الإسلامية في آسيا

ويرى البعض أنّ الفانوس هو تقليد قبطي في الأساس، وأنّه ارتبط بعيد الميلاد، حيث استخدمه الأقباط مع الشموع الملونة للاحتفال بميلاد المسيح، عليه السلام.

فريق آخر يرى أنّ الفوانيس يمكن إرجاعها إلى مصر القديمة، عندما تمّ استخدامها خلال المهرجانات السنوية، للاحتفال بميلاد الآلهة البارزة، مثل: أوزوريس وحورس وإيزيس.

المسحراتي وارتباطه بالفانوس

ارتبط أصل الفانوس بوجود المسحراتي الذي يسير في الشوارع، داعياً النائمين إلى الاستيقاظ لتناول السحور، وكان يسير في الشوارع ومعه طفل صغير يحمل فانوساً.

كان ظهور المسحراتي، وإلى جواره طفل يحمل الفانوس، مشهداً يحمل دلالات عديدة، تصنع البهجة في النفوس، حيث يخرج الأطفال إلى الطرقات، كل منهم يحمل فانوسه، وينادون خلف المسحراتي، ليصبح هذا المشهد من علامات الشهر الكريم.

صناعة الفوانيس

من الواضح تاريخياً أنّ صناعة الفوانيس بدأت في مصر في العصر الفاطمي، وكان هناك مجموعة من الحرفيين يقومون بتصنيعها وتخزينها حتى حلول شهر رمضان. يقول المقريزي في كتابه: "تمّ جمع (500) حرفي في أحياء القاهرة الفاطمية، قبل الشهر؛ ليصنعوا الفوانيس".

ارتبط أصل الفانوس بوجود المسحراتي الذي يسير في الشوارع

وغالباً ما كانت الفوانيس تصنع من النحاس، والأنواع الأقل تكلفة من القصدير والزجاج الملون، مع قاعدة خشبية لوضع الشمعة فيها، مع إضافة الزخارف والنقوش اليدوية. وكان يتم وضع الفوانيس على صندوق من الصفيح به شمعة، ثم تم تزويد الزجاج بالقصدير، ثم ظهر تلوين الزجاج بألوان مختلفة، وكان يتم صقله في ورش مختلفة، وتشكيله على شكل فانوس، وأضاءت أشكال مختلفة من الفوانيس بمرور الوقت بوساطة الفتيل والزيت.

استمر الفانوس في التطور؛ ليأخذ العديد من الأشكال، حتى وصل إلى الشكل البلاستيكي الحالي الذي يعمل بالبطاريات، وانتشر كذلك الفانوس الكهربائي، وهناك أيضاً فوانيس بها أغانٍ، ومع الوقت تطورت لتلائم العصر، لكنّ الفانوس بصورته التقليدية ظلّ محتفظاً بقيمته.

الحرفيون الذين صنعوا الفوانيس كانوا يحرصون على كتابة أسمائهم عليها، وقد اشتهرت أسماء متعددة عبر العصور

لا يمكننا القول إنّ صناعة الفوانيس هي صناعة موسمية؛ لأنّها تستمر طوال العام، ويتم تخزينها للبيع خلال شهر رمضان، وتعتبر القاهرة من أهم المدن الإسلامية التي ازدهرت بها صناعة الفوانيس، وهناك مناطق معينة تشتهر بهذه الصناعة، مثل: المنطقة القريبة من الأزهر، والغورية، وباب الشعرية، والسيدة زينب، حيث توجد بها أشهر الورش، وأشهر العائلات التي ورثت هذه الحرفة أباً عن جد.

أشهر الفوانيس

أشهر الأسماء في عالم الفوانيس كان يُسمّى البرلمان، وسمّي على اسم فانوس مشابه كان يستخدم لتزيين قاعة البرلمان المصري في الثلاثينيات من القرن الماضي، وكذلك الفانوس المسمّى فاروق، الذي يحمل اسم ملك مصر السابق، وقد صمّم للاحتفال بشهر رمضان في القصر الملكي، بُعيد ميلاد الملك فاروق.

الحرفيون الذين صنعوا الفوانيس كانوا يحرصون على كتابة أسمائهم عليها، واشتهرت أسماء متعددة عبر العصور؛ أبرزها: أبو هشوة، وأبو شرف، وأبو الوليد، وكانت هذه الصناعة من أهم المدخلات الاقتصادية لدى الحرفيين.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية