غزة.. سيناريوهات صفرية في إدارة الصراع

غزة.. سيناريوهات صفرية في إدارة الصراع

غزة.. سيناريوهات صفرية في إدارة الصراع


02/12/2023

طارق فهمي

مع استمرار الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة برغم توقيع الهدنة الإنسانية لعدة أيام، فإن السؤال المطروح ماذا بعد؟ خاصة أن الأزمة ما تزال قائمة، وتحتاج إلى جهد تراكمي، وتعامل إقليمي ودولي، وإعادة ترتيب الحسابات السياسية والاستراتيجية الأمر الذي يؤكد أننا أمام مرحلة معقدة تتجاوز بالفعل ما هو قائم للوصول إلى خطوات متكاملة، وليست خطوة لبناء إجراءات ثقة في كل المستويات التي يمكن تطرق الأزمة لحدودها، وهو ما يتم تدريجياً من خلال الوسطاء، وبمراقبة من الولايات المتحدة.

العامل الأول، والأخير سيكون الارتباط بطرفي المعادلة حركة «حماس»، وإسرائيل في ظل تصميم من قبل مجلس الحرب في إسرائيل للاستمرار بصورة أو بأخرى في المواجهة مع التجاوب الحذر مع أجواء الهدنة الحالية ما قد يعطل التوصل إلى وقف كامل، أو تدريجي لإطلاق النار، وهو ما تسعى إليه حركة «حماس» بالفعل في ظل واقع سياسي واستراتيجي يتشكل، ويشير إلى ضرورة العمل على إدارة تدريجية لكل السيناريوهات والتوقعات، وعدم الذهاب للحسم في ظل افتقاد الرؤية الحقيقية من قبل الطرفين للتعامل.

فحكومة نتنياهو لديها مشروع طموح سياسي، واستراتيجي في غزة، كما أنها تعمل في مساحات متسعة من الخيارات المتوافقة والمتعارضة معا حيث يلقي هذا النهج الإسرائيلي تحفظات عربية لإتمامه في ظل رفض كامل لمبدأ الترانسفير، أو الترحيل، بل والعمل على مواجهته مع تمسك الشعب الفلسطيني في القطاع في أرضه برغم كل المساومات، والمقايضات التي تعمل عليها دول أوروبية، وتتخوف من ردود الفعل والارتدادات التي يمكن أن تحدث إذا فتحت بعض الدول مثل قبرص، أو اليونان أو أستراليا، أو كندا أبوابها، كما هو مقترح في إطار الهجرة التطوعية، وليست الجبرية إلى خارج القطاع، ما يشير إلى أننا أمام سلسلة من الحلقات المتفككة، والتي تحتاج بالفعل إلى تضافر حقيقي لإعادة جمعها في ظل سيناريو يدفع بعدم التعامل الصفري، لهذا ذهبت حركة «حماس» إلى الهدنة الإنسانية بعد تيقنها بأنها ستواجه خياراً محدوداً.

«حماس» قد لا يكون لها دور في المعادلة الفلسطينية، التي تتشكل، وفي إطار إعادة السلطة الفلسطينية لحكم القطاع مدعومة بموقف دولي، وإسرائيلي مع تطوير دورها، وتنميته من خلال مقاربات اقتصادية، وهو ما أدركت الحركة تبعاته، وعملت على مواجهته بعد أن أدركت أن الاستقواء بالحليف الإيراني، أو الروسي لن يفيد، كما أن مواجهات «حزب الله» مع إسرائيل ليست مجدية، وبقيت في إطار محدد، وضيق ما يؤكد على أننا أمام واقع استراتيجي وسياسي جديد يتطلب بالفعل مراجعة السياسات الراهنة للحركة، وهو ما خلص إليه المستوى السياسي في «حماس» برغم حالة التباين مع الجناح العسكري في ترتيب الأولويات، والمهام في الفترة الراهنة والمنتظرة، ما يؤكد على أن «حماس» ستعيد حساباتها الكبرى تخوفاً من دفعها لحافة الهاوية، خاصة أن مكاسبها من الاستمرار في المواجهة يظل مكلفاً بالفعل في إطار حسبة محددة ربما تأتي في إطار من الخيارات المعقدة، التي تحتاج إلى مقاربة منضبطة تعمل في مساحات حذرة.

في المقابل تعمل إسرائيل وفق معادلة مركبة وصعبة ولا تعمل في اتجاه واحد فقط، بل من خلال مداخلات عدة خاصة أن وضع الحكومة بمكوناتها سيكون مؤثراً في ظل الاتجاه إلى أقصى مساحات من التطرف، والتمسك بالخيارات الصعبة خاصة مع التوقع بأن استمرار أزمة الأسرى العسكريين، وهو ما قد يطيل المواجهات الحالية، وربما يذهب بها إلى مسافات قد تطول، خاصة أن لدى حركة «حماس» مجموعة من الجثامين، وعدد من الجنود الإسرائيليين من مواجهات سابقة في إشارة إلى أن الأمر لن يكون سهلاً بل سيدخل في منعطفات متعددة، ومتشابكة الأمر الذي قد يؤدي إلى مزيد من الصدامات المحتملة، والتي قد تعرقل التوصل لحل نهائي، ولو على درجات خاصة أن إسرائيل ستعمل على فرض ترتيبات أمنية محددة، ومن جانب واحد في القطاع بصرف النظر عن أي سيناريو مطروح، وهو ما تتحسب له حركة «حماس»، والفصائل الفلسطينية الأخرى بما في ذلك السلطة الفلسطينية المرشحة للعودة في ظل الوجود الإسرائيلي طال، أو قصر ما يعني أن إدارة الأوضاع في القطاع ستأخذ وقتاً، ولن تكون في المدى القصير، الأمر الذي قد يرتب مزيداً من الارتدادات على الإقليم بأكمله، وليس على الجانب الفلسطيني فقط.

إسرائيل لديها خيارات عدة في التعامل في ظل خيارات ضيقة لحركة «حماس» حيث لا رابح/ خاسر من الأزمة الراهنة، وإنما الطرفين في معضلة ودائرة محددة من الخيارات التي يتم التعامل عليها بصرف النظر عن ادعاء كل طرف على ما تم إنجازه في المستويين العسكري والأمني، ما يؤكد على أنه لا توجد حلول جاهزة حقيقية، وإنما استمرار الجدال السياسي الاستراتيجي على الخطوة التالية التي يمكن التعامل معها وفق مصالح كل طرف مع حاجة طرفي المعادلة الفلسطينية والإسرائيلية إلى دور للوسطاء، وبما يساهم في تقريب وجهات النظر، ولو في مساحة محدودة..

الواقع يشير إلى أنه لا توجد خيارات حاسمة بالمعنى المتعارف عليه، وإنما خيارات محدودة على رغم ما يطرح في مستواه النظري، وليس العملي، ومن ثم، فإن إدارة ما يجري في قطاع غزة سيكون هو السيناريو الأوقع، والأقرب للتحقق في المديين القصير، والمتوسط. 

عن "الاتحاد" الإماراتية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية